عمر الكبيسي
أزمة عدم ثقة السنًّة بسياسة نوري المالكي أصبحت حقيقة ثابتة برزت للعيان بوضوح بسبب سوء تعامله مع جماهير العراق في ساحات التظاهر والاعتصام، بعد أن تيّقن لديهم أن المالكي مصرٌّ على تجاهل حقوقهم وتهميشهم وتفتيت اعتصاماتهم بأي وسيلة ومهما كان الثمن دون مراعاة لحقن دماء أو تلافيا لحرب طائفية تحرق الأخضر واليابس كما توعَّد هو بها، مع أنه كان قبل وبعد استلامه السلطة معروفا بمواقفه الطائفية الحادة ووصف بأنه طائفي حتى العظم.
والمالكي قبل أن يفقد السنة ثقتهم به قبل حراكهم بفترة غير قصيرة، كان قد فقد ثقة الكرد به وتصريحات السيد مسعود البرزاني ونوابه كانت صريحة وواضحة منذ أكثر من عام، وقبلها فقد المالكي ثقة معظم الكتل السياسية داخل البيت الشيعي (الصدريين والمجلس وحتى المراجع الدينية) بسبب سلوكية التفرد بالسلطة والتأسيس لسلطة حزب الدعوة وتصريحات وتعامل قيادات شيعية مع شخص المالكي بالذات معروفة ومعلنة)، وسوء إدارة حكومة المالكي لم تطل السنة وحدهم، فمعاناة الوسط والجنوب من سياسة الفساد ونقص الخدمات قد تكون أشد قسوة وضررا بالشيعة من السنة بالرغم من مرور سبع سنوات على الوعود ولكن الحال في مجمل أوضاع العراق الخدمية والاقتصادية والأمنية تزداد تفاقماً من سيء الى أسوأ .
اليوم بات واضحا لدى كل العالم أن الوضع العراقي يتأزم وان العراق قادم على مصير مجهول بعد أن بدأت أثار المواجهة بين ساسة السنّة والشيعة تحصد أرواح الأبرياء من الناس ، ولا تبدو في الأجواء بارقة أمل للانفراج بكبح جماح هذه الفتنة ؟ السنة حرقوا مطالبهم وأعلنوا استمرارهم بالاعتصام ولوحوا تارة بالتفاوض وتارة بالتقسيم وأعلنوا عزمهم على قبول المواجهة والمنازلة مع قوات ومليشيات السلطة إن كان هذا خيارها ، فيما شكلت ردة فعل السلطة وميليشياتها وقواعد حزب الدعوة الحاكم وائتلافاتها أيضا تهديدا للسنة والقبول بالمواجهة وبدأت مشاهد دماء ضحايا الشيعة والسنّة تراق وأرواحهم تزهق في هذه الحسينية وذاك الجامع أو في هذا الحي وذاك .
ماذا ينتظر الساسة الجدد بكتلهم ومجلس نوابهم وحكومتهم من هذا الشعب الذي قسموه بفعلهم ان يتصرف وهو يشهد سفك دماء أبنائه واغتصاب حرماته ونهب ثرواته ؟ لماذا لا تكون لهؤلاء الساسة وقفة إنقاذ لفك الاشتباك قبل أن يفلت الزمام ، ومن سيكون حينها الضحية والمستفيد والجلاد ؟. هل أصبح المالكي وحيد قرنه ورشيد زمانه في العراق وهو الفائز بالمنصب بفرق صوت واحد منحه إياه من لا يثقون اليوم به ؟ وإذا كان هذا المنصب من حصة المكون الشيعي كما يحلوا للمالكي أن يصف الشراكة ، فهل لا يوجد من بين ساسة وحكماء هذا المكون من هو قادر على تسلم رئاسة الحكومة كمحاولة لحقن الدماء .
ليسمع الرئيس البرزاني والسيد الحكيم والسيد مقتدى والسيد الجعفري والدكتور علاوي والنجيفي والجلبي وغيرهم من ساسة العراق الجدد ، أن العراق ومصيره في خطر وقد بلغ السيل الزبا وان المالكي لن يكون وحده المسئول عن عواقب الأزمة ، لأن المالكي جاء بأصواتكم وبتوافقاتكم ، وقد قال أحدكم قبل أشهر (نحن جئنا بالمالكي ونحن من سنزيحه ) لن تنجيكم مقولة أن أميركا أو إيران هي المسئولة عن ما يحدث ، نعم لأمريكا ولإيران ولدول المنطقة دورٌ فيما حدث ويحدث ولكن من خلالكم ، انتم الأدوات التي نفذت بها أميركا فوضويتها الخلاقة ومشروعها التقسيمي ومحاصصتها الطائفية ، لم يعد لكم بعد كل هذا الأداء المعيب والصراع على السلطة وإثارة سياسية الانتقام والثأر غير أن تنسحبوا وتستقيلوا ، أو أن تتحملوا مسئولية شعبكم وتتوحد كلمتكم على تجنب الكارثة والمواجهة وتقنعوا المالكي أو تسحبوا الثقة منه وتختاروا من تجدون به قدرة على إدارة الحكومة بصلاحيات وقتية تبعث روح ثقة الشعب لإجراء انتخابات قادمة بأجواء آمنة وقوانين انتخابية منصفة ومراقبة دولية ومفوضية مستقلة حقاً. وحينها فقط تكونوا حقا قد قدمتم فعلاَ فيه صلاح الأمة التي لم تنصفوا حقها ولم تعدلوا بين أهلها بسبب طائفيتكم وعرقيتكم ومذهبيتكم التي تشبثتم بها وتلبستم بردائها ، فانقسمت الأمة وتشظَّت وعم الفساد بين العباد في سائر البلاد .
الحل اليوم لإنقاذ العراق من كارثة الاقتتال والانقسام أصبح مستحيلاُ بوجود المالكي المتفرد بالقرار والسلطة واستمراره بهذه السياسة أصبحت عبئا على كامل العراقيين ، تشكيل حكومة انتقالية تعد لانتخابات نزيهة بأجواء آمنة وظروف ملائمة هو الحل الوحيد السريع المطلوب قبل فوات الأوان، إن قلوب العراقيين الوطنيين وهم غالبية الشعب تتفطر وعيونهم تتفطر دماً لا دمعاً فحسب عندما تحصدهم السياسة المقيتة المتلبسة بلباس الدين والمذهب ظلما وزيفاً إلى هذا المصير المجهول وها نحن نكتب عن شيعة وسنِّة بأقلام واضحة وبلا تردد بعد ان أصبحت حقيقة الانقسام ومخاطر الطائفية خطرنا الداهم ، إن ما يجري اليوم هو الانحدار بالعراق لتحقيق أهداف المحتلين والطامعين إلى دمار وعنف وتقسيم ، اللهم إني بلغت فاشهد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق