مثنى عبدالله
هل يختلف مشهد القوات الحكومية وهي تقتحم ساحة اعتصام الحويجة فتقتل بأمر القائد العام للقوات المسلحة اكثر من 50 معتصما بدم بارد، عن مشهد اعدام 21 شخصا في يوم واحد، حسب تقرير منظمة العفو الدولية، التي كان اعتراضها عليه انه اتخذ من قبل قضاء مسيس وحكومة غير عادلة؟
وهل يختلف مشهد المجزرة التي راح ضحيتها اكثر من 40 مصليا عند خروجهم من جامع سارية في بعقوبة الجمعة الماضية، عن المجازر التي حصلت في نفس ذلك اليوم في العامرية والغزالية والدورة والمدائن، التي استهدفت المصلين ايضا وبعض المجمعات التسويقية في العاصمة بغداد؟
ام هل تختلف هذه الصور المروعة عن المشاهد التي حدثت في يوم سابق في مدينة الصدر والكمالية وحسينية كركوك التي راح ضحيتها العشرات من الابرياء؟
يقينا لا اختلاف بين كل هذه الاحداث، فقداسة الدم واحدة فلا وجود لهرمون شيعي في هذا وهرمون سني في الاخر، والاشلاء هي اجساد بشرية تحمل صفات وراثية خالية من الصفات الطائفية.
كما انه ليس مفارقة في كل هذا التشابه الجرمي ان يكون القاتل واحدا ايضا، وهو السلطة. فشهداء الحويجة قتلوا بأيدي قوات السلطة بشكل مباشر تم توثيقه بالصوت والصورة، واستشهد مصلو جامع سارية بعد ان غضت القوات الحكومية التي تتولى مسؤولية تأمين الجامع الطرف عمن وضع العبوات الناسفة في المكان، كما ان الجرائم الاخرى التي حدثت في ذلك اليوم الدامي وما قبله كلها تحمل بصمات السلطة، بعد ان تخلت عن مسؤوليتها الشرعية والدنيوية، ليس في هذه الاحداث فقط، بل في كل الذي حصل فيما سبق ايضا. ولا نغالي ان قلنا ان اثم كل الجرائم والاستحقاقات القانونية المترتبة عليها تطال جميع القوى السياسية المشاركة في صنع القرار، او التي هي جزء من الديكور السياسي الذي تطلبته المحاصصة، وان لم يكن لديها الكلمة الفصل فيه. فعدم المشاركة في صنع القرار لا تعفي المشترك من حق الاعتراض، والاجهار بالرفض والمعارضة والاستقالة والتحشيد ضد السلطة الباغية ان تطلب الامر، ولا مكان لتغيير المنكر في القلب من باب اضعف الايمان عندما يمس هذا المنكر ارواح ودماء واعراض واموال الشعب ويهدد مستقبل الوطن. واذا كانت قوى الاسلام السياسي الشيعي لا زالت اعتراضاتها على ادارة الدولة والسلطة والمجتمع غير واضحة المعالم، لاسباب تتعلق باولويات الطائفة على الوطن والوجود المذهبي على الوجود المجتمعي، مفضلة الحديث الهامس على الصوت المرتفع، كي لا تخسر الحشد الطائفي، فهي بذلك تسن سنة سيئة ستفقدها هذا الحشد قبل غيره، كما تجعلها في موضع الاتهام الدائم من قبل الشرائح الاجتماعية الاخرى التي لا علاقة لها بالشان الطائفي، والتي يمسها يوميا سوء الادارة وفقدان الامن والفقر والجوع والمرض، والتي تحتكر وسائلها وقراراتها سلطة محسوبة على قوى الاسلام الشيعي. فالخسائر التي ستجنيها هذه القوى من سلطة بائسة تسحب يوميا الوطن الى الدرك الاسفل، وتختصر المسافة بسرعة كي يحصل الصدام الطائفي، هي اكبر بكثير من الربح المذهبي المؤقت. فأين الربح من فيضانات اجتاحت كل مناطق حاضنات الاسلام السياسي الشيعي تحت راية سلطة تدعي تمثيله؟ واين الوفرة المالية التي يجنيها العراق من نفطه، بينما هذه الحواضن الشعبية قبل غيرها تقتات في غذائها على ما تجده في اماكن جمع القمامة والنفايات؟ واذا كان تغليب العامل الطائفي والتثقيف به قد اخذ حيزا كبيرا وباتت نصرة ‘مختار العصر’ واجبة حتى لو كان هذا ‘المختار’ ‘هولاكو العصر’ فان العوامل الضاغطة الناتجة عن الفشل السياسي والاقتصادي والامني والخدمي، ستولد نتائج عكسية على خلاف كل التصورات التي تعمل وفقها هذه القوى. ان تقديس السلطة واحتكارها بحجة الأحقية بها دون الاخرين رغم بؤس النتائج، استوجب غض الطرف عن استعراضات عسكرية مليشياوية تتبع قوى سياسية معروفة فيها، فليس من المعقول ان سلطة سياسية تملك كل موارد الدولة المادية والمعنوية تبقى مستمرة في نهج بناء قوات مافيوية هدفها المعلن بناء التوازن مع قوى اخرى محسوبة على الطرف الاخر، تسميها تكفيرية وارهابية وماضوية. فالسلطة العاقلة هي التي تجعل القانون هو الفيصل بينها وبين القوى الخارجة عن سلطتها، لا ان تحاربها بنفس المنطق المليشياوي. اننا امام حالة بناء ورش للقتل الجماعي بامكانات الدولة، تستجيب لردات فعل الغرائز الطائفية، فتشرع في قتل الاخرين عندما يتعرض نسيجها الاجتماعي الى استهداف ما، في ظل ظروف لا يستطيع احد تحديد المجرم الحقيقي، مما يعطي المبرر للاخرين للتموضع وبناء ورشهم الخاصة التي يدافعون بها عن انفسهم، فتتحول العلاقة المجتمعية الى علاقة بحث عن معادلات توازن الرعب وتفقد السلطة هيبتها، حتى تصبح عارا على من يتمسك بمناصبها. كما ان قوى الاسلام السياسي السني تتحمل ايضا المسؤولية الاخلاقية والقانونية عن الدماء التي تسيل يوميا في الوطن، فهي شريك في المشهد السياسي في هذا المعترك، وهي التي نظّرت وبرّرت المشاركة فيه ودفعت الكثيرين لتقديم الدعم الشعبي لها، وتبين ان مشاركتها في السلطة وعدم الانخراط في معارضة حقيقية، كانت فقط لتجنب الاجراءات التعسفية التي قد تتخذها السلطة ضدهم، وهو موقف انتهازي تسبب في ضياع الكثير من فرص احقاق الحق.
ان رئيس البرلمان الممسك بمؤسسة لا تستطيع ان تستجوب رئيس السلطة التنفيذية ولا وزير الدفاع، وكل اجراءاتها وقراراتها هي مجرد لهاث خلف احداث جسام ودماء غزيرة، لن ترتب جاها او شرفا تاريخيا او موقفا سياسيا يشار بالبنان لرئيسه. ان وجود هذا الفريق الطائفي المتباكي على تهميشه واقصائه الذي نسمعه يوميا في تصريحات اعلامية، لا تثير الشفقة عليهم من قبل نسيجهم الاجتماعي، بل تثير القرف من أمية الوعي السياسي الذي هم عليه. وهي نفس الصفة التي يتشاركون فيها مع طاغية العراق، الذي لا يدع مناسبة دينية او اجتماعية او فنية او سياسية الا وظهر متحدثا فيها عن عقوق الشركاء، والوعظ بما ستجلبه الطائفية من ويلات وعما تفعله االقاعدةب في البلاد، وعن توقف الاعمار والبناء، حتى نخال انفسنا اننا امام رئيس معارضة سياسية في بلد يبعد عنا الاف الاميال. كيف لرئيس سلطة تنفيذية اشرفت ولايته الثانية على الانتهاء وهو لا يزال يتحدث بلغة التحذير والوعظ والقاء السلبيات على الاخرين، على الرغم من كثرة الصلاحيات والمناصب التي يملكها في يديه؟
أليس من المفروض ان يسمع شعبه ارقام الانجازات وعدد المشاريع ومستوى البناء في البنى التحتية وتعزيز الامن والامان؟ أم ان المظلومية الطائفية التي يؤمن بها لازالت عالقة في مخيلته حتى بعد زوالها، فلم يجد غير البكاء على حاله واصطناع اعداء وفرقاء لم يفسحوا المجال له كي يظهر عبقريته السياسية؟ قد لا يكون من يتولى منصبا سياسيا عبقريا في السياسة ومفكرا نظريا مرموقا، لكنه يكون مهوسا في حب شعبه ووطنه فتلهمه هذه المحبة طرقا عظيمة للنهوض بالواقع، فيحقق ما تعجز عنه كل النظريات السياسية المعروفة. لكننا في العراق اليوم تتوفر لنا قيادة سياسية في المسمى العام لكنها تخوض في الضحالة السياسية، وتتلوث يداها بدماء العراقيين يوميا .
ملاحظة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق