مهند العزاوي
يدخل العالم اليوم منعطفا حاد في السلوكيات والمسالك, وتتعاظم فيه حرب العقائد والأفكار والحروب الخاصة, وأضحت العقيدة المحورية الحاكمة التي تسيير النسق الدولي هي الفوضى المركبة وشن الحروب, التي تنسف منظومة القيم وتنحر القانون الدولي, وتمزق النسق الدولي وتهدم المصالح الدولية المشتركة.
وقد اثقلت المدرسة الواقعية العالم بحزمة من الازمات والظواهر المركبة الزاحفة , ويطلق عليها معتنقيها بـ (التحديات) في توصيف مجامل للفشل المروع العابر للفلسفة المثالية المعتمدة على التنظير والتخطيط والتنظيم والتنفيذ المسؤول , وأصبح العالم كلوحة الشطرنج المضطربة , تتحرك فيه البيادق بلا خطط , وتختلط فيه مصالح الكبار مع رغبات التنظيمات المسلحة , وتزدحم حرب الافكار بسلوكيات وممارسات متشددة شاذة , تصل لخوض حرب الفناء البشري كما تشهده لوحة الشرق الاوسط , من حروب ونزاعات ذهب ضحيتها ملايين البشر , وكان للعالم العربي الجزء الاوفر منها في حروب التفكيك المجتمعي والقصف بصواريخ بالستية ذات رؤوس طائفية .
الحروب الخاصة
يشير الفكر السياسي الغربي الى ان المصالح هي العامل المشترك في رسم السياسات وقولبتها بقانون حاكم يضبط ايقاع النسق الدولي , وفي تداعيات المدرسة الواقعية التي نسفت هذا ألفكر نجد التحول الافقي من المصالح المشتركة للدول والمصالح الحاكمة للدول الكبرى الى مصالح الافراد كرؤوس اموال والشركات القابضة المتعددة الجنسيات لمؤسسات فرعية , وأضحت خلال العقدين الماضيين هي السمة الاساسية في التعامل الدولي , وتتنافس القوى الكبرى والدول المتمركزة الفاعلة , ضمن (سياسية الوصول) وفقا لتلك السمات الفرعية , والتي لا ترتبط بالقيم السياسية والتنظيم والتخطيط الاستراتيجي , وتمارس الدول الفاعلة استراتيجية (الاقتراب الغير مباشر والحروب الخاصة) عندما تنهك القوة او تتجنب زج قدراتها في رقعة معينة او تصدير ازماتها الى الخارج , حيث تقوم باستخدام وكيل محلي او اقليمي ليشن الحرب بالوكالة او اشغال تلك الرقعة بالنزاعات والحروب الاهلية (الحروب الخاصة) , لكي تديم مرجل العنف والإرهاب والقتل الذي يحقق وصول آمن بدون استنزاف للقدرات , وبنفس الوقت يحقق هوس الأفراد والشركات بالولوج السريع لبيع منتجاتها للإطراف المتحاربة , المتعلقة بالسلاح والتجهيزات والإعلام والاستشارات والسيارات ..الخ , وبذلك لابد من اختيار رقع جغرافية تمتاز بالكثافة السكانية والحيازة المالية والثروات لتصنع مسارح الحروب الخاصة فيها .
العالم العربي انموذجا
ليست صدفة ان يكون العالم العربي برمته هدفا متحولا بين الدول الفاعلة التي تعتمد فلسفة التاثير والإخضاع والتدمير والتمزيق , بدلا من الاستقرار والتلاقح الحضاري والمصالح المشتركة والازدهار والانجاز القيمي والذي تدعو اليه المدرسة المثالية , وخضعت الدول العربية خلال العقدين لشهوة رؤوس الاموال الحاكمة بالعالم , وشركاتها وأمزجتها , كما وشيطنت وسائل اعلامها ومراكز دراستها الانظمة الشعوب لخلق العدو وصناعة الارهاب العابر للإنسانية والتماسك المجتمعي , بل وذهبت لترسيخ فلسفة ((اصنع الارهاب وتاجر بالأمن القومي)) الذي تخطت عائداته ارباح النفط والذهب في عالم عربي اعد كمسرح للحروب الخاصة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت والسودان ومصر والصومال واليمن وليبيا والجزائر , ولا يمكن القول انها صدفة بل انها صناعة متأنية دقيقة الاستهداف , وجميع تلك الحروب تعتمد على لاعب شرير او بلطجي سياسي متسلح بفيروسات التفكيك الطائفي لترسيخها في عقول المجتمعات الافقية وفق اساطير وهمية دينية وطائفية تديم مرجل الحروب الخاصة في بلداننا العربية .
تتسم خارطة العالم العربي بكثرة الرقع الحمراء , وتتعالى فيها نزعة الحروب الخاصة والتنظيمات المسلحة والمليشيات , وذهبت المدرسة الواقعية بفشلها المزمن , والانتهازية الفردية الى تصدير التنظيمات الارهابية والمليشيات بجيوش من الجهلة والقتلة المتخمين بها برايات مختلفة الى سدة السلطة , في عدد من الدول العربية ومنها العراق ولبنان .. الخ , وبذلك صنعت مسارح للحروب الخاصة لمائة عام بين تنظيم طائفي مسلح متخلف وبين شعب مسالم متحضر يطمح بدولة عصرية , ويدور في فلكهم حفنة من الانتهازيين والمتفوهين , والجهلة وأنصاف المتعلمين ليشكلوا حاشية نفعية لهذا العالم الارهابي , الذي اصبح ((يصنع الارهاب ويديم موارده لأجل الحفاظ على مكاسب فردية فئوية يمكن وصفها بطائفة السلطة )) , ولعل العراق انموذجا حيا طازجا يؤكد بعد عشر سنوات انه (( بلد يعج بالمليشيات والتنظيمات المسلحة والوافدة منها , وتنتشر فيه السجون كتجارة مربحة يكون وقودها المجتمع والأبرياء تحت مسمى ((مكافحة الارهاب)) ليجعل من العراق متصدرا لقوائم الفشل الدولي , ومطلقا للصواريخ البالستية ذات الرؤوس الطائفية الى جواره العربي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق