موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 14 مايو 2013

ألغامنا وألغامهم والاشدُ وطأةً ألغام الدستور!


مثنى الطبقجلي
قيل الكثير في غضب الطبيعة، حينما ترعد وتزمجر وتطبق ريحها على القلاع والحصون فلاعاصم منها لظالم خان شعبه فدنت منيته، مثلما لم تسعف اعلى قمة جبل ابن سيدنا نوح فطواه الموج في اليم.... فغضبها هذا غضب رباني، حينما تساق  الغيوم لبلد خرج  بعض اهله عن تعاليم السماء وطاعته، ونكثوا بوعده ان المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص ان اشتكى منه عضوا تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى.. فأين نحن من المصاب الجلل والدروس والعبر؟


أمطارنا العاصفية التي شهدناها بالامس القريب وما صاحبها من سيول غسلت وجه الارض هي بلا شك ستعيد لها اخضرارها بعد قحط وجدب وعجز وتماهل حكومي.. هذه الامطار ستعيد للخدمة ملايين الدونمات من الاراضي التي كانت رهينة تحت ثقل ملايين الألغام العسكرية .. هي اذن تعري الارض وتعري الطغاة القائمين على امرنا ممن وقفوا يشاهدون ابناءنا يتساقطون  بفعل شظايها المنفلقة تحت اقدامهم دون ان يحركوا ساكنا، وتعري الطغاة، وتنزع عن الحاكمين   اقنعة حبهم المزيف للشعب المسكين.
ومثلما حدث معنا بالامس حينما صبت السماء علينا الماء مدرارا فاظهرت من تحت اديم الارض ما كان مخفيا وما عجزت الحكومات عن كشفه بكل وسائل التكنولوجيا .. (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم فى الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجرى من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا أخرين ) (سورة الانعام).
بساعات قليلة ليس غيرْ، عرَّتْ هذه الامطار بقدرة آلهية وأعجزت جبروتها كل طغاة البشر لتكشف ما خبأه القدر تحت مساحات واسعة من الارض كانت ترقد تحتها ملايين الألغام . لتكتسحها السيول والامطار معا... أليست تلك رغم ما شابها من دمار، معجزة ربانية وجب ان نحمد الله ونشكره ،انه كشفها رغم ما صاحبها من اضرار، فيما تعمل الدول سنين طوال وبفرق بحثية تعمل بارقى اجهزة الكشف والسونار في البحث عنها وتدميرها..
ولقلما تحدث ظاهرة طبيعية موجهة بعناية إلهية كما حدث معنا بالامس، لولا انه جلَّ شأنه كان ولايزال رؤوفا بعباده في ارض الرسالات ومهبط الاديان.. ارض العراق.. فهل نستقم كما أمرنا .. ونتعظ من الدرس، كما أتعظت البشرية من درس نوح عليه السلام؟
الانباء من ميسان والكوت حيث المصاب جلل، تتحدث عن ازاحة الامطار عن اكثر من مليون لغم ارضي كان نتاج الحروب الكارثية التي دُفِع اليها العراق لكي ينتحر أعداؤه بالمواجهة على البوابة الشرقية للوطن العربي، بلاشك هذا الرقم المليوني يعتبر رقما بسيطا قياسا لحسابات وخرائط نشر الألغام التي زرعت في الاراضي العراقية وانكشف امرها او هكذا كانت ارادة الله ان تحفظ ابناء العراق من ضررها، وهو رقم يعد اسطوريا ما ازاحت عن  نقاب الارض، امطار الامس، وهو اسلوب يتجاوز كل الامكانيات التقليدية للهندسة العسكرية بكل اساليبها، وقد يتطلب الكشف عن لغم واحد في ارض وعرة ساعات وربما تضحيات.. ومن المؤكد ان ايماننا بالله كبير، وإلا ما أرسل هذه العواصف من الامطار حاصدا بها الملايين من الألغام التي كنا ولا زلنا نتوسل دول وحكومات وشركات لكي تزيح همها عن قلوب العراقيين، هذا ان كان هناك حقا نزوعا ومصداقية حكومية في التوجه!
ونحن في العراق نكاد نكون البلد الذي يحتل المقام الاول عالميا في زراعة الألغام  قبل زراعة الشلب والحنطة والشعير محاصيلنا الحقلية، هذه باتت تجلب الموت، بدلا من ان تكون الغذاء للملايين، وفي المقابل بتنا نستورد كل المحاصيل وتعطلت انتاجية الملايين من الدونمات واقعدنا فلاحنا في المقاهي ينتظر رحمة الله بعدما يئس من الحكومة ممثلة بوزارة زراعتها، بعدما تخلى الجميع على مدى العهود عن زراعة الوطن وحلت محلها زراعة الموت وبتر الاجزاء وسياسة اقصاء الاخرين. وبتر شرائح بأكملها من نسيجها الوطني!
واعني بها محصلة هذا الدستور الخبيث، على ما تم حشوه بقنابل زمنية تتفجر تباعا وتمنع اي تحرك لاصلاح شأننا وهو ما يتطلب من الجميع لو كانوا صادقين، العمل ليل نهار لكي يجنبوا العراقيين شرور مواده وفتكها بارواح العراقيين قاطبة.. كما جنَّبنا سبحانه وتعالى مخاطر ملايين الألغام الارضية فمتى نجنب انفسنا مخاطر الألغام البشرية؟
 برأي كل الخبراء وحكماء الفقه الدستوري، فإن هذه الألغام الدستورية هي الاخطر على البلاد والعباد، طالما بقيت نوايا من وضعها إثم وجب ازالته وقد اقحم لغايات في انفسهم، كي تتعطل  ماكنة الدولة ولاتصل بشعبها الى بر الامان، مثلما عطلت الألغام الزمنية حياة السكان في تلك المناطق المصابة بدائها، ذلك حدث حينما استعجلوا كتابته ونقلوا اجزاء واسعة من بنوده من رحم دساتير لاتمت الينا بصلة، لا لشئ إلا لكي يبقوا جاثمين على صدر شعبنا طويلا معطلين اي توجهات اصلاحية!
تلك الألغام المعنوية وربما تجاوز عددها الخمسين هي اشدة وطأة علينا من ملايين الألغام العسكرية، كونها ما زالت في الدستور تفعل فعلها تُفرِّق وتباعد بل وتُلقي ثقلها في منع اي قرار او قانون قد يعيد اللحمة للعراقيين، وفي المقابل تباعد شقة الخلاف بين الفرقاء وتجذِّر للطائفية وللنعرات القومية.. اي أن مفعولها يشتغل على بتر اجزاء من العراق! فمتى نصحو لنغير واقع الحال؟
هذه المواد الملغَّم بها دستور عام 2005 صارت اليوم اشد خطرا من الألغام التي قد تبتر سيقانا وتسقط قتلى عند المحافظات الحدودية مع ايران، وهي المحافظات المبتلية بالسيول الايرانية ومياه مصانعها التي تلقيها على اراضينا.. ولعلها وكما يقول المثل رب ضارة نافعة لانها اولا كشفت عن هذه الألغام وكشفت ايضا حقيقة ان ايران لايحركها مذهب الا بما تحركها مصالحها ونواياها الشريرة في استعباد عرب جنوب العراق الذين يدينون بالمذهب الجعفري وهو نفس المذهب الذي تدعي ايران انها تدين به كذا ورياء!
ولله في خلقه شؤون وفي حكمة امطاره وتوقيتها وحتى في تغيير المناخ، فهو المنّان الحنان .. وصحيح انها أتلفت الزرع والضرع، لكنها في المقابل حينما كشف عجز الحكومة الفاضح عن مساعدة المتضررين منها، هبت جماهير الغربية والمحافظات الست والشمال العراقي من الاخوة الكرد لنجدة اخوانهم في المحافظات الجنوبية المتضررة، لتعود بذلك اللحمة الى العظم العراقي  المبتلى، الذي اصابته هشاشة العظام.. فهل خطونا فعلا اول خطوات استرداد العافية. الوطنية؟
حيوا معي مطر العراق الذي غسل ادران الارض وكشف ادران الحكومة. ومثلما كشف ملايين الألغام، فقد كشف معدن العراقيين وقت الشدة، واقرأوا معي قصيدة بدر شاكر السياب: مطر مطر.. لعله يبقى مدرارا منهمرا حتى يغسل ادران كل البشرْ واولهم من سرق قوت شعبنا وبه غدرْ..

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..