أمير البياتي
اليوم وبعد التفجيرات الدامية المتكررة في محافظات العراق المختلفة، نرجو أن يكون الذين في قلوبهم مرض وعلى عيونهم غشاوة قد بدأوا برؤية الأمور برؤية مختلفة. رؤيةٌ ترى الخط الفاصل بين الحقيقة كما هي والحقيقة كما تزيفها وسائل إعلام النظام الزائف في العراق... ترى أن المستهدف هم الجميع وأن هَمَّ الحكومة ومن يلف لفها هو حماية أنفسهم وجني المزيد من المال الحرام...
ما أن تحصل التفجيرات وما أن يستشهد الأبرياء ويعاني البسطاء وتتهدم المحال والمساجد وبيوت الناس حتى تنبري وسائل إعلام المنطقة الخضراء وأبواقها المأجورة الأخرى الى التحدث عن خطط أمنية جديدة ولجان تحقيقية مستقلة، ثم وبسرعة البرق يتحدثون عن القبض عن الجناة وينتهي الموضوع... وتجف دماء الشهداء وتندمل جروح المصابين ويعمّر الأخيار ما دمّره الأشرار ويبدأ الناس بأنتظار تفجير جديد يفتح الجراح من جديد ويعيد الكلام عن مسؤولية الحكومة وقواتها الأمنية في حماية المواطنين،،، ومع نهاية كل تفجير تنشط أجهزة الدولة الأمنية للبدأ بعمليات مداهمة ووضع حواجز تفتيش وسيطرات على مقتربات المنطقة الخضراء كي يتمتع سكنتها من أعضاء الحكومة والنواب وحاشياتهم بالأمن والأمان الذي أصبح العراقيون يحلمون به كما يحلم الجائع بقطعة لحم مشوية.
ولكن ماذا بعد؟ هل سيستمر العراقيون ينزفون دمهم على مذبح العملية السياسية التي ما جلبت لهم غير الخراب والدمار، ولم يذوقوا من "ثمارها" سوى ثمرة الصبر المر؟
وهل ستبقى أعداد الشهداء والجرحى والأرامل والأيتام في تصاعد مخيف دون جهد واضح من "ولاة الأمر" للحد من هذا الانزلاق الخطير نحو حافة المجهول؟
وهل سيبقى الانتظار السلبي لفرج الله سمة تطبع السلوك اليومي للفرد العراقي العادي وبانتظار مفخخة أو عبوة أورصاصة من قناص قد تنهي حياته هو أو تهدم بيته فوق رؤوس أطفاله؟ والله لن يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
سيتهمون القاعدة ويتهمون فلول البعث ويتهمون التكفيريين ويتهمون الأرهابيين ويتهمون دول الجوار، ولكن القاعدة لا تستهدف فئة قد تكون حاضنة لها والبعث أدان ويدين مثل هذه الأعمال وينأى بنفسه عنها والتكفيريون لا يستهدفون المساجد. أما الارهابيون فهذا مصطلح واسع فضفاض تندرج تحته تنظيمات ودول وحكومات وبضمنها حكومة المالكي نفسها، ويؤشر فشل الحكومة في تحديد جهة بعينها.
وأياً كان الفاعل فأن هذا لا يعفي الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولية الحفاظ على أمن المواطن العادي والبسيط.
لقد ثارت محافظات وأعتصمت فيما محافظات الجنوب تنظر وتنتظر! وفيما تشيّع المحافظات المنتفضة شهداءها من الأبرياء تشيّع محافظات الجنوب من شارك في القتال الدائر في سوريا دفاعاً عن مرقد السيدة زينب (ع).
صحيح أن الجهاد ضد الظلم كلٌ لا يتجزأ ولكن هناك أولويات، وكان الأولى بمن "استشهد" دفاعاً عن المرقد أن يرفع صوته نصرة لأخوانه في العراق أو أن يستشهد معهم دفعاً للظلم عن العراقيين. ولكن الذي يحصل أن تنظيمات بعينها تدعمها الحكومة أصبحت تهدد وتتوعد المتظاهرين والمعتصمين بالويل والثبور ونصبت نفسها بديلاً عن قوة الدولة وأدوات قمعها.
والسؤال الذي سيعيدنا الى المربع الأول هو: إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية نفسها مما يضطرها للاستعانة بالمليشيات فكيف ستستطيع حماية الوطن وشعبه؟ وإذا كان الجيش سيحتمي بالمليشيات (عصائب أهل الحق وجيش المختار وغيرها) فمن سيحمي الشعب؟ وممن سيحتمي الجيش؟ هل سيحتمي من الشعب؟ هل سيستعين الجيش بالمليشيات على الشعب؟
أسئلة غريبة ولكن حالة البلد أغرب...
واسأل أهلنا في الجنوب: أليس فيكم رجل رشيد؟ ماذا فعلت الحكومة "الشيعية" لكم كشيعة؟ ماذا حققت لكم من مطالبكم؟ ماهي مكاسبكم التي ناضلتم من أجلها وحققتها لكم حكومات المالكي والجعفري وعلاوي؟ حرية اللطم والمشي والتطبير؟ المجاهرة بالأذان بـ "علي ولي الله" و"حي على خير العمل"؟ وماهو خير العمل؟ كم زاد عدد المصلين بين الشيعة بعد الاحتلال؟ وكم زاد عدد السائرين على خطى أمير المؤمنين علي (ع) حقاً وصدقاً؟ كم بلغ عدد المتعاطين للمخدرات بأنواعها والخمور على اختلاف مناشئها بعد الأحتلال وخصوصاً بين "الشيعة"؟
أجيبوني ماذا حققت لكم الحكومات الشيعية المتعاقبة سوى الوعود ومزيد من الوعود؟ بل ماذا حققت لعموم الوطن من مكاسب؟
وطننا الآن، أحبائي في جنوب الوطن وفي كل أنحائه، وطن ضعيف خائف يكاد يتمزق. وطن ينزف هو وابناءه دماً طاهراً أصبح ومع الأسف رخيصاً. واذا كان الدم "السني" ألأكثر نزفاً هذه الأيام فإن دمكم يا شيعة العراق سيقابله في الجريان قريباً بعد أن يزجوا بكم في المواجهة الطائفية التي كانوا يخططون لها في دهاليز مظلمة ومنذ عقود.
وطننا أيها الأحبة هو وطن تخاف حكومته المركزية من غَربِهِ فتبيعُ نصفَهُ لشمالِه، وتخاف من جنوبه فتتنازل لبعض منه لجيرانها وتخاف من وحدة أهله فتزرع لهم الموت في كل منعطف وشارع.
حكومتكم "الشيعية" ليس لها سوى شيء واحد تدافع عنه الا وهو أن يبقى وزارئها ونوابها في كراسيهم، ولا فرق إذا أحترق العراق أو تقسّم.
يا أهلنا في جنوب الوطن وشماله وكل شبر منه هذه فرصتكم فلا تضيعوها، فأن ضاعت فلن تأتي أفضل منها ثوروا وقاوموا وبأي شكل ممكن ولكن لا تبقوا صامتين! فان بقيتم على حالكم هذا فالسكين التي تذبح أهلكم في الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وبغداد هي نفسها التي ستذبحكم وستسيل دماءكم وتنتهك أعراضكم...وإن كنتم في شك من هذا فتذكروا مذابح الزركة والبصرة والنجف ، فتلك مذابح لـ"شيعة" لم تجف دماء شهداءها بعد...
ألا هل بلّغت؟ اللهم أشهد...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق