صلاح المختار
مما لاشك فيه ان فيلق الإعلام يلعب دوراً خطيراً في تحقيق النصر، ولذلك اعتبرت امريكا ان معركتها في العراق بشكل خاص هي في المقام الاول معركة مخابرات منذ تأكدت من عجزها العسكري عن قهر المقاومة المسلحة بعد معركتي الفلوجة الاولى والثانية في عامي 2004 و2005 ، والمخابرات هي في المقام الاول، في العصر الالكتروني وغسل الدماغ الجماعي عبر الاعلام، هي حرب إعلام سلاحها الفعّال هو الحرب النفسية وما الانترنيت وغيره الا وسائل التأثير في تلك الحرب الشرسة، لذلك فاننا ننظر الى فيلق الاعلام على انه محارب في الساحة حتى لو تموضع البعض من افراده خارج الميدان العسكري.
ولكي يكون الاعلام فيلقا مقاوما حقا ويسهم في تحقيق الانتصار الحاسم عليه اولا وقبل كل شيء معرفة ستراتيجية المقاومة المسلحة والسلمية وتاكتيكاتها بصورة صحيحة ودقيقة خصوصا المتغيرات التي تطرأ على التكتيكات تبعا لتغير موازين القوى في المعركة ، ولهذا فان مشروعية فيلق الاعلام ومحافظته على هذا الوصف القتالي مرهون بالالتزام ليس بستراتيجية المقاومة فقط بل ايضا بتكتيكاتها المرحلية ومواقفها الاضطرارية ، لان الحرب هي مزيج مترابط عضويا ولا يمكن فكه من الكر والفر والمبادئ ، اضافة الى انها خدع محسوبة ، وفي هذه الحالة فان (سلوك العصا اليابسة) مضر جدا لانه يضيف اعداء جدد للمقاومة او الانتفاضة بدل تقليص عددهم .
سلوك العصا اليابسة يتمثل في افتراض ان المبادئ تلزم بمواصلة شن حرب اعلامية وبلاهوادة مع كل من اختلف معنا ومع المقاومة سواء كان الاختلاف ثانويا او جوهريا ، كالموقف من الاحتلال، حتى لو حصلت تغييرات في المواقف وهي حالة طبيعية في كل صراع .
وليس صحيحا ان كل من بدأ في اسهامه في الصراع من موقع معين يجب ان يبقى فيه حتى لو ظهرت عوامل واسباب وحقائق تلزمه بتغيير موقفه، بل واجب الثوار هو تقليص الاعداء حتى اولئك الذين بقوا اعداء لكنهم اختلفوا مع الاخرين الاكثر عداوة والاكثر تصلبا، فكيف يجب ان يكون الموقف تجاه من اعترف بانه اخطأ في موقفه من الاحتلال وتراجع واكد انه يريد الاسهام بهذه الطريقة او تلك في تحرير العراق تكفيرا عن خطئه؟
هل يجوز رفض اعتذاره ومواصله شتمه ومهاجمته؟ ام يجب فتح الابواب لكل من يريد التراجع لتقليص عدد البنادق والبيادق التي تحاربنا؟
كل حركات التحرر في العالم، وبلا استثناء، التزمت بقاعدة ابقاء ابواب التراجع والاعتراف بالخطأ مفتوحة على مصراعيها ولا تغلق حتى نهاية الصراع، وتلك بديهية معروفة، ولذلك قال القائد الشهيد صدام حسين وهو في محكمة الاحتلال بان اي عراقي دعم الاحتلال وتراجع فهو منا حتى لو تراجع قبل ساعة من التحرير، وقبل هذا وذاك فان الله فتح كل ابواب التوبة كي يتراجع الخطاة وقبول تراجعهم ولم يأمر الله بغلق ابواب التوبة، فهل يوجد بشري ايا كان يملك حق منع التوبة والنقد الذاتي مع ان الله فتحها؟
ان العصا اليابسة عندما تضرب لاتؤذي المضروب بها فقط بل قد تؤذي الضارب بها ايضا خصوصا عندما تتكسر ويصل جزء منها الى عيني الاخير فتؤذيهما! ولذلك رفض حكماء العرب وكل الشعوب سلوك العصا اليابسة لضرره الفادح الناتج عن عزل الضارب بها ومن معه ووصفه بانعدام الحكمة والتعقل لديه او ضعفهما وسيطرة الانفعال عليه وعلى قراراته، والثورة في المقام الاول ليست فورة عاطفية ولا هبة عشائرية يهيمن فيها الثأر على القرار والسلوك بل هي عملية انقاذ للشعب من كارثته وهي لذلك عملية اعادة تربية للجميع.
والان، وفي ظرف اشتداد معركة تحرير العراق من الغزو الفارسي المدعوم امريكيا، تتفق كافة فصائل المقاومة العراقية وكافة القوى والكتل الوطنية وكافة الشخصيات الوطنية وكافة شيوخ العشائر والدين على اعتبار سياسة العصا المرنة واللينة هي المطلوبة لمواجهة استهتار ايران وجرائمها ودعم امريكا لها في تنفيذ خطة تغيير هوية العراق وجغرافيته وتدمير مستقبله.
وعلينا جميعا ان نتذكر ولا ننسى ابدا ان الصراع مع ايران هو صراع وجود وهوية وليس صراع سياسة وخلافات حدودية يمكن تحملها ، وفي صراع مثل هذا المطلوب الاول وقبل اي مطلب هو توحيد الصفوف وزيادة عدد داعمي الثورة والانتفاضة بفتح الباب لكل من يريد التراجع عن موقفه وليس غلق الباب بوجهه واجباره على البقاء في صفوف العدو الرئيس والاخطر يقاتلنا، وعلينا وبنفس القدر من الاهمية اكمال شروط النصر بالعمل المخطط وبكافة الطرق لتفتيت تحالف الاعداء وزرع الانشقاقات بين صفوفهم واقناع بعضهم بالتراجع عن موقفه ، والمنطلق معروف منذ خلق ادم وناصبه ابليس العداء وهو اضعاف العدو بتقليص قوته وعدد انفاره ومقاتليه.
وهذه اهم قواعد كسب الحرب فلا انتصار باجبار كل من في صف العدو الان على البقاء معه، وليس من المبادئ على الاطلاق اطالة مدة معاناة الشعب والاكثار من التضحيات اذا كان ممكنا تقليصهما بتجريد العدو الرئيس من بعض من معه.
هذه بديهيات أجد نفسي مضطرا للتذكير بها لأن بعضنا يكتب ويتصرف كالعصا اليابسة ويظن انه يلتزم بالمبادئ بشنه هجمات لا مبرر لها على اشخاص او كتل تراجعت واعترفت بانها اخطأت وتريد الالتحاق بصفوف الانتفاضة بهذه الطريقة او بتلك، لكنه في الواقع يضعف المبادئ بإضعافه من يحمل السلاح دفاعاً عنها عندما يمنع توسيع نطاق الثورة بالانضمام اليها من قبل من يتوب او يعترف بخطئه او يتراجع دون اعتراف بالخطأ، وذلك المنع يسبب للانتفاضة الحرج الشديد لأن الثورة والانتفاضة وهما تشتعلان تحتاجان لإضعاف العدو الرئيس وليس ابقاء معسكره موحدا وقويا وبلا تشققات حتى لو كانت انشقاقات افراد منه.
لنتذكر ام بديهيات الثورات والانتفاضات وهي ان الداعم لها من الخارج لا يحق له التسبب في مشاكل لمن يقاتل في الداخل ويقود الانتفاضة، ولعل من بين أسوأ المشاكل عزل الانتفاضة عن الناس بسلوك العصا اليابسة، التي تؤذي المضروب بها كما تؤذي الضارب بها، ولكي لا يقع ذلك على عناصر فيلق الاعلام معرفة ليس فقط ستراتيجية الانتفاضة والمقاومة والقوى الوطنية بل ايضا معرفة تكتيكاتها واحترام هذه التكتيكات وعدم خرقها، وبخلاف ذلك يتحول دعم الانتفاضة الى تفتيت لمصادر قوتها، فهل يخدم ذلك المبادئ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق