جاسم الشمري
الحياء والخجل نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان؛ لأنه من غير هذه النعمة يتحول الإنسان إلى وحش كاسر لا يهمه إلا منفعته الشخصية، والحياء هو المنظم لتصرفات الإنسان في أغلب مواقف الحياة؛ لأنه، وفي حال انعدام الحياء، فإننا نجد الوَقاحَةٌ، والصَفاقَةٌ، والتَهَتُّكٌ، والفِسْقٌ، والفُجُورٌ، والعُهْرٌ، هي المسيطرة على المواقف التي يفترض بها أن تكون "إنسانية"!
والحياء هو الاحْتِشَام والخَفَر والحِشْمَة والاِسْتِحْياء.
والحياء والخجل ربما يظنهما بعض الناس أنهما لا يكونان إلا بالمواقف الإنسانية البحتة، ولا يدخلان في مجالات الحياة المختلفة، ومنها السياسة والاقتصاد، وهذا فهم لا يتفق مع المنطق الصحيح.
المشكلات السياسية والأخلاقية في عالم السياسة العراقية بعد عام 2003، جعلت العراق يعاني جملة من المشاكل والإشكاليات، ومن أهم هذه المشاكل هي كارثة غياب الحياء من قاموس أغلب ساسة "العراق الجديد".
سياسيو العراق "الجديد" لا يعرفون معنى لكلمة الاعتراف بالذنب، أو الاعتذار، أو أي مصطلح يدور حول هذه المعاني، ولا هم لهم إلا إتهام بعضهم بعضاً بعد كل كارثة أمنية، أو اقتصادية، أو حتى اجتماعية، وهذا الاسلوب يعرفه كل العراقيين في عموم البلاد.
وهذه الاتهامات المتبادلة بين السياسيين تَظهر جلياً بعد كل اخفاق أمني، أو اداري، حيث يطل علينا مسؤول حكومي، يحاول تبرير الفشل الذريع بشتى الأعذار، التي يعتقد ذات المسؤول أنها لا تجد أرضية صلبة في فكر الإنسان العراقي؛ لأن المسؤولين- قبل غيرهم- يعرفون أن المواطن العراقي لا يمكن خداعه بسهولة!
وفي إطار الفلتان الأمني المستمر بالعراق لقي العشرات مصرعهم في العراق جراء سلسلة تفجيرات هزت العاصمة بغداد ومدنا أخرى؛ وذلك يوم 20/5/2013؛ والنتيجة أكثر من (300) شخصاً بين شهيد وجريح، بمناطق عديدة في العاصمة بغداد والبصرة وسامراء.
رأس الهرم بالعراق، وأقصد رئيس الحكومة نوري المالكي وكالعادة ألقى الاتهامات على الأشباح التي تعبث بالأمن العراقي، وبلا أية لياقة سياسة قال المالكي بعد الحادث في مؤتمر صحفي عقده بمبنى مجلس الوزراء: "إنه يتعهد بإعلان أسماء الشخصيات المسؤولة والمتورّطة في الأزمة الراهنة".
وهذا التعهد لم ينفذه المالكي، فلماذا يتكتم على المتورطين بسفك الدم العراقي؟! هل هذه هي الأمانة يا دولة رئيس الوزراء، أم أن السياسية في قاموسكم تبيح سفك الدماء من أجل المصالح؟!
وسقط أكثر من 700 قتيل في أبريل/ نيسان بالعراق طبقاً لأرقام الأمم المتحدة، وهو أكبر عدد منذ نحو خمس سنوات!
وهنا نقول لرئيس الحكومة الحالية ألست انت القائد العام للقوات المسلحة، فهل تريدنا أن نلقي اللوم على وزير التجارة، أم وزير الصحة بسبب هذه الخروقات الأمنية اليومية في عموم البلاد؟!
الحياء السياسي هو جزء من الحياء الإنساني العام، بل أنا أظن أن السياسيين ينبغي أن يكون الحياء لديهم بدرجات أكبر من سائر الناس؛ وذلك لأنه أعمال السياسيين وتصرفاتهم- في الغالب- تعرض على عموم الشعب، وأن عموم الناس يتابعون تصرفات المسؤولين الصغيرة، فما بالك بالأخطاء الاستراتيجية التي تدمر أجيالاً، وتحرق بلداناً، وتخرب عمراناً!
المسؤول الذي يخجل من ربه، ومن نفسه، ومن جماهيره هو الذي يعترف، وبلا تردد، بالأخطاء المسؤول عنها، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، أما محاولة رمي التهم جزافاً على الآخرين من أجل التشبث بالسلطة، فهذا من أكبر الأسباب المسقطة للمسؤول؛ لأن الشعوب الحية ما عادت تنطلي عليها هذه الأساليب "الدكتاتورية الديمقراطية"!
الوقاحة التي تقاد بها الأمور بالعراق اليوم لم اجد لها مثيلا إلا في البلدان الفاشية ومنها إسرائيل؛ لأن القادة القانونية تثبت ان المتسبب بالقتل قاتل، فكيف بمن خطط ونفذ والنتيجة مئات القتلى في كل يوم وبعد ساعات يطل علينا القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية بالإضافة إلى عشرات المناصب الأمنية الحساسة، وهذه كلها من نصيب رئيس الحكومة نوري المالكي أقول بعد كل هذه الكوارث يطل علينا وهو يكيل الاتهامات للقاعدة والبعثيين وأزلام النظام السابق وغيرها من الأسباب في اسطوانة مشروخة ملَّتها مسامع العراقيين!
وفي ذات الوقت لا يذكر ميليشا واثق البطاط، وجيش المهدي وقوات بدر، وميليشيا حزب الله العراقي، وكل هذه المليشيات الاجرامية كان لها النصيب الأكبر في سفك الدم العراقي، وقبل يومين أكد البطاط قائد جيش المختار، الذي أصدرت الحكومة بحقه مذكره اعتقال وهمية في تصريح لوكالات الأنباء أن جيشه متعطش لدم أولئك الذين يهددون حكومة المالكي، فأي تناقض هذا الذي يحصل في عراق المتناقضات؟!
الوقاحة والصفاقة السياسية بالعراق هي المشهد الأبرز، والذي بموجبه تدار الأمور، وكأن هؤلاء الساسة يتوقعون أن هذا الأسلوب يمكن أن يمرر على العراقيين باعتباره سياسية، والواقع أن هذه الاساليب البالية ما عادت تنطلي على العراقيين الذين تخرجوا من مدرسة القهر والضيم الديمقراطي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق