موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الخميس، 9 مايو 2013

دليل (الأذكياء) للنقاش حول العراق!


محمد عارف
«لا تناقش الأحمق أبداً لأن الناس لن يعرفوا مَن الأحمق منكما»، نصيحة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين لا تنفع للأسف، عندما يدور النقاش حول العراق. فأكثر الحجج «ذكاءً» التي يتم تبادلها تعتبر «وضع العراق بعد الاحتلال أفضل من وضعه تحت نظام صدام حسين». قال ذلك ديفيد بولوك، الباحث في مركز دراسات الشرق الأدنى في واشنطن في مناظرة تلفزيونية عقدتها فضائية «سكاي نيوز».


والسؤال الذكي الأساسي في تقدير بولوك هو مقارنة وضع العراق الحالي مع «نظام صدام حسين، والحروب المستمرة والضحايا بالملايين، من العراقيين ومن دول الجيران»! ويطرح بولوك بعدها الحجة الذكية الرئيسية الثانية، وهي «رغم كل المشاكل والأخطاء، لكن الآن يوجد أمل في المستقبل»!
والرهان على المستقبل الذي يبشر به بولوك كرهان «الدليمية»، وهم سكان منطقة الدليم التي تضم الفلوجة والرمادي، وغيرها من المدن السبّاقة في إنقاذ العراق من عار الغزو، والسبّاقة في الثورة ضد لعنة الطائفية. وتقول النكتة إن «دليميه اثنين يلعبون على خط مرور السيارات السريع، ويخسرُ الرهانَ من تصدمه سيارة مرتين»!
وتتحول المناظرة إلى مناطحة حسابية بالأرقام حول كلفة الأمل من الأرواح والثروات التي دفعتها الولايات المتحدة والعراق.
ولا يجد بولوك المتمرس في الجدال مع العرب صعوبة في المزايدة بالملايين، وهو ينحرف برقبته ورأسه بشكل حاد إلى اليمين، ربما اتقاءً للتريليونات التي يطرحها مُناظره.
وكان يمكن تجنب مناطحة الأرقام غير المجدية بالسؤال: لماذا نقارن الوضع الذي وعد بالقضاء على نظام صدّام بنظام صدّام نفسه؟ لماذا لا نقارنه بألمانيا واليابان، أو كوريا الجنوبية؛ وهي أمثلة طالما لوحوا بها كمستقبل للعراق؟
ومن حِكم نابليون المشهورة «للأحمق ميزة كبيرة على من يملك عقلاً، وهو رضا الأحمق الدائم على نفسه». واستبشار الراضين دائماً عن أنفسهم كبير بـ «الربيع العربي» الذي أدخل حججاً جديدة في «دليل الأذكياء للنقاش حول العراق».
ولا يرى بولوك لتحرير العراق ارتباطاً مباشراً بـ «الربيع العربي»، إلا أن رضاه عنه أبقى رقبته ورأسه مائلين بقوة إلى اليمين طوال المناظرة التلفزيونية.
والاستبشار بـ «الربيع العربي» قوي لدى الأكاديمي العراقي الأميركي كنعان مكيه في مقالته، بمناسبة مرور عشر سنوات على غزو العراق.
يستكشف مكيه «العلاقة بين إطاحة الدكتاتور العربي صدّام حسين إثر تدخل عسكري بقيادة أميركية، وخلع عدد آخر من الطغاة العرب خلال الأحداث المتوالية والمعروفة باسم الربيع العربي». ويتوقع أن «يثني التاريخ والعالم العربي في الوقت المناسب على الولايات المتحدة بفضل هذا التغيير المهم في سياستها الخارجية الجديدة تجاه الشرق الأوسط التي لعبت دوراً لا يُستهان به في اندلاع الربيع العربي».
«أليس لوحوش الغاب شقيقات وأشقاء». هذا التساؤل للشاعر شكسبير استهلّ أول مقالة هنا عن المغتربين القادمين على دبابات الاحتلال لحكم العراق. وكم تمنيتُ آنذاك لو أكون على خطأ ويكون «وحوش الغاب» على صواب في ادعاءاتهم بناء عراق ديمقراطي. وبعد عشر سنوات من غرق الآمال التعسة بالدماء، تثير الشعور بالغثيان حجج «دليل الأذكياء للنقاش حول العراق».
مكيه يحاكم في مقالته المسهبة التي تقع في 3500 كلمة الأنظمة العربية كافة؛ حكومات ومثقفين، ويتحدانا أن نجد أيّ متظاهر من متظاهري الربيع العربي «ينسب كافة الآفات التي تتسم بها السياسات العربية إلى التعليلات فارغة المحتوى، مثل الصراع ضد الإمبريالية والصهيونية». وهكذا يجتث «الربيع العربي» من ماضيه ومستقبله، ويستخدمه للهجوم على العرب، ويعيد بذلك ما قال عنه المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد «أكثر بذاءات مكيه ادعاؤه بأن المثقفين العرب سكتوا عن طغيان الحكام دون أي سند لذلك. والحقيقة أن جميع المثقفين العرب، مع استثناءات قليلة سُجنوا أو تعرضوا للنفي للجهر بمعارضتهم، وبينهم الروائي عبد الرحمن منيف».
ويكشف سعيد في مقابلة منشورة عام 1993 في كتاب بالإنجليزية عنوانه «أكاذيب من زماننا» أن كنعان ووالده، محمد مكيه، كانا يملكان مطلع الثمانينيات مكتب الهندسة «مكية وشركاؤه» الذي استأجره صدام حسين لبناء عدد كبير من البنايات والمشاريع، بما فيها ساحة استعراضات عسكرية في مسقط رأسه في تكريت».
ولن نجد قط أقسى من مكيه نفسه نموذجاً للمثقفين الذين تحدث عنهم في كتابه "القسوة والصمت". قُتل أكثر من 150 ألف عراقي، وجرح أكثر من نصف مليون، وتشريد الملايين لم يدفعه إلى مراجعة موقفه، كما فعل أشهر المفكرين الذين أيدوا الاحتلال فوكوياما، مؤلف نظرية "نهاية التاريخ" الذي اعترف بأن الفوائد التي يفترضها سقوط صدام حسين "لا تبرر في المحصلة النهائية الأرواح التي أزهقت والأموال التي أنفقت في العراق".
و«الربيع ليس ربيعاً بعدُ ما لم تضع قدمك على 12 زهرة أقحوان»، حسب المثل الإنجليزي. والأجيال الحالية من الشباب العرب وضعوا أقدامهم على حقول زهور أقحوان المعلومات، وأحدثها تقرير «برنامج الدستور» الأميركي الذي يبرهن في 577 صفحة على ممارسة الولايات المتحدة التعذيب منذ أحداث سبتمبر 2001، ويُحمل «أعلى المسؤولين في الدولة المسؤولية عنه».
ورياح الربيع عاصفة في تعليقات أكثر من ألف قارئ على تقرير «نيويورك تايمز» حول الموضوع، فيما تواصل الهبوب أعاصير آلاف التقارير حول جرائم الحرب التي اقترفتها الولايات المتحدة في العراق. ونكتة «الدليميه» عن «الربيع العربي» تتحدث عن «دليمي تزوج بغدادية حيّته صباح الدخلة: صباح الخير حبيبي. فقال مبتهجاً: ألعن أبو الإنجليزي» !
وتحمل الكتب الشعبية لتيسير العلوم للمبتدئين عناوين «ذكية»، مثل «دليل الأغبياء لبرمجة الكمبيوتر»، أو «دليل الأغبياء للتصوير الفوتوغرافي».
ويتضمن «دليل الأغبياء للنقاش حول العراق» نكات ذكية عن تحول مكيه من مدافع مستميت عن الشيعة طوال عقود إلى «وضع اللوم في الكارثة التي لحقت بالعراق على عاتق زعماء الأحزاب الشيعية المتعددة التي تهيمن على النظام السياسي في العراق».
تفسر التحول نكتة عن «أعمى من مدينة الناصرية تبرعت له زوجته بعينها، ونجحت عملية زرع العين فطلقها لأنه اكتشف أنها حولاء»! ونكتة أخرى من الناصرية عن ادعاء مكيه بأنه لم يتوقع أن تخفق «الطبقة السياسية الشيعية التي وصلت إلى السلطة على ظهر الدبابات الأميركية عام 2003 في الوصول إلى مستوى الحكمة السياسية على الصعد كافة». بطل النكتة صبي حرمه أبوه من هدية العيد، فوضع على باب منزله رقعة بالخط العريض: «يعيش الزرقاوي» !

ملاحظة
نشر المقال  هنا


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..