موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأحد، 26 مايو 2013

تقاليد المالكي العابرة للحدود


نزار السامرائي
الصفاقة التي يتحرك الفريق الملحق بمكتب المالكي لشؤون الدعاية والعلاقات العامة، لا يمكن تصور المدى الذي وصلت إليه أو يراد لها أن تصل إليه، ففي الوقت الذي تتواقح شلة المالكي وتتجرأ بالكذب على التاريخ القريب المعروف التفاصيل وتحرف صفحاته حذفا وإضافة، وخاصة لدى الحديث عما يسمونه بالمقابر الجماعية، فإنها تتجاهل عن عمد أي مقبرة جماعية تم إنتاجها منذ احتلال 2003 وحتى اليوم من جانب المليشيات الحكومية وهي أكبر من كل مقابر الموت الطبيعي، بما فيها مقبرة وادي السلام في النجف.


إن حرص حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون ومكتب المالكي وجوقة الأفاقين المحرفين المنحرفين، على مواصلة الكذب على التاريخ الحديث يمثل واحدة من أسوأ ما عرفه العراق من محاولات لئيمة وغادرة لإهانة الذاكرة العراقية المتقدة والذكاء العراقي المتفوق، ولهذا نرى هذه الجهات تتعمد إقامة مهرجانات السيرك الدولي المتنقل للحديث عن تلك المقابر المزعومة، اعتمادا على مبدأ أن التكرار عبر المنابر الإعلامية والدينية حتى لو كان مملا، فإنه قد يتحول مع الوقت إلى حقائق لا تجادل بها الأجيال الجديدة التي لم تعايش الماضي القريب تماما كما انطلت عليها روايات التاريخ القديم بعد أن تشبعت بوهمه عبر وصلات كانت تضخ حد الملل والقرف جيلا بعد جيل.
يوم الخميس السادس عشر من أيار الجاري، أرادت السفارة العراقية في عمان، أن تجرب الرصيد المدور للعملية السياسية التي أقامها الأمريكيون بمباركة دولة الولي الفقيه الإيرانية، فلم تجد غير ما أسمته بيوم المقابر الجماعية لإقامة مهرجان فيها، ولكن سفارة جمهورية المليشيات في المنطقة الخضراء ببغداد التي باتت غريبة الوجه واليد واللسان، ظنت أن قاعتها الداخلية ستضيق بالحضور، ولهذا تفتقت عبقرية حمايات السفير من البسيج، وعناصر الدائرة القنصلية والدائرة الثقافية عن مقترح لاستئجار قاعة كبرى كي تستوعب الآلاف من المتلهفين لسماع هذه القصة الحزينة والمشوقة معا حتى تنجح في أن تضاف إلى آلاف البكائيات التي يحفل بها القاموس الطائفي في إيران والعراق، في محاولة لكسب رضا ولي النعمة في بغداد، فوقع الاختيار على المركز الثقافي الملكي في عمان، ومن خيبة سفير المالكي الذي وقف على المنبر أنه شاهد أن العاملين في سفارته وأسرهم هم وحدهم من حضر المهرجان البكائي، أدار السفير عينيه في أرجاء القاعة، صدمه المنظر، بحث عمن يحمّله مسؤولية الإخفاق في إحياء هذه المناسبة الحزينة بالكيفية التي ترضي رئاسة الحكومة، ولكنه وجد عزاءه في سبعة من الأردنيين الجالسين في المقاعد الخلفية ففرك يديه فرحا أن مساعيه لم تذهب سدى، فأراد أن يوصل لهم رسالة المقابر، فقد يجد فيهم ساحة أولية لغرس سيؤتي أكله ولو بعد حين، غير هؤلاء لم يجد أحدا فقرر استنهاض ضغائن الماضي ومنطق الثأر والانتقام، فساح في كلماته التي كانت تخرج من فمه تائهة من دون بوصلة وقلقلة كقلقه، حائرة كحيرته وحيرة الجالسين في الخطوط الأمامية، فغّرب وشرّق كما يشاء من دون وزن أو قافية، وفجأة دوّت في القاعة أصوات الغضب الأردني الجارف لكل القيح الذي خرج من فم السفير، الذي لم يتمكن من استيعاب الدروس الدبلوماسية المطلوبة عبر تجربته في العمل في بلد عريق في تقاليد العمل السياسي والدبلوماسي فيه، فأساء الأدب وأظهر نفسه عاريا أمام الراصدين، رجلا محملا بثقافة المليشيات وتقاليد عملها الدموية وما تفرزه من مقابر جماعية حقيقية يحاول التغطية عليها بالحديث عن مقابر الآخرين المزعومة.
نعم انتفض سبعة من المواطنين الأردنيين الذين حضروا هذه الفعالية ليس مشاركة منهم لأركان السفارة في لؤمهم أو ما يحملون من ضغينة وأحقاد لم تكف عشر سنوات من الدم والقتل والمقابر الجماعية لإطفاء سعيرها، وإنما جاءوا ليدحضوا الفرية التاريخية التي يراد لها أن تتكرس واقعا كما تكرس غيرها كثير ودخل على الذاكرة العربية مقحما عليها بقوة فتوى المرجعية، أو بقوة (القامة) التي ظلت تطبّر الرؤوس أو تقطع رقاب المخالفين، أو بغواية الذهب وضراوته التي تسلب العقول وتحول أصحابها إلى ريمونتات تتحرك بإيعازات عن بعد، هتفوا ضد السفير وما جاء على لسانه من محاولة يائسة إساءة لمكانة الرئيس الراحل صدام حسين، وتلويثا لسمعة العراق وتاريخه المشرق حتى جاءت غمامة الاحتلال السوداء فأمطرت دما وأشلاء وخلفت يتما وترملا، لم يساور الرجال السبعة شك بأنهم تجاوزوا الخطوط الحمر التي وضعها ثعلب بغداد حول جحره، لكنهم لم يخطر على بالهم ولو للحظة واحدة أن الضرب سيكون بديلا عن لغة الحجة إن توفرت للطرف الآخر، وما هي إلا لحظات حتى تحول (بسيج) السفير إلى حالة الهجوم على أصحاب الدار، لا لشيء إلا أنهم خالفوهم الرأي فطرحوا وجهة نظر سياسية خلاف ما أراده سفير المنطقة الخضراء، ولو أنهم كانوا يتصورون ردة فعل (أبطال) مليشيات المالكي بالصورة التي وقعت لأتوا معهم بعدد من الشباب القادرين على رد الصفعة بالصفعة واللكمة باللكمة والرفسة بمثلها، ولكنهم ارتكبوا خطأ فادحا حينما ظنوا أن من في السفارة هم من الدبلوماسيين المحترفين الذين يحترمون مهنتهم، ولكن سبق السيف العذل، هجم بسيج السفير ربما بعملية الحويجة الثانية، ولم تكتف تلك العناصر بما فعلته بل وكلت لامرأة ذات أنياب وأضراس أن تنهش مواطنا أردنيا أذهلته هذه المفاجأة بكل ما تعنيه الكلمة، وتواصلت المعركة غير المتكافئة بين طرف أراد أن يعبر عن رأيه، وطرف لم يحترم أنه غريب في بلد وعليه ألا يخرج على قواعد ما رسمته له اتفاقية فينا للعمل الدبلوماسي، أو على الأقل ما تمليه عليه أخلاقه العربية إن لم يكن فارسيا، أو أخلاقه الشخصية إن امتلك منها شيا للتعامل به مع الآخرين.
ورب ضارة نافعة، فما وقع كشف حقيقة سلوك عصابات المافيا ومليشيات القتل المرتبطة بمكتب المالكي، وحتى إذا أقدم المالكي لتكريم أفراد عصابته في لحظة متسرعة، وحتى إذا بادر عدد من نواب ائتلاف دولة القانون إلى الإشادة بعملية المركز الثقافي الملكي في عمان واعتبارها انجازا مجيدا، فإنه سيكتشف بعد رحيل العمر أن هذه العملية قد أسقطت آخر برقع كانت ديمقراطية القتل في المنطقة الخضراء تخفي وجهها القبيح وراءه.
لقد طرحت تلك العملية على مستوى الشارع العربي عموما والأردني خصوصا تساؤلات كثيرة عن حال الأردنيين فيما لو خضعوا لا قدر الله لحكم مثل هذه الطبقة الفاسدة وذات التقاليد الفاشية في تعاملها مع المعارضين، لأنهم من دون مسوغ قانوني يمنحهم حق الاعتداء على الأردنيين، ارتكبوا جريمتهم تلك، فماذا سيكون سلوك هذه العصابات لو أنهم أصحاب الحل والعقد في هذا البلد؟
والأهم من هذا، إذا كان مواطنون أردنيون داخل بلدهم ومحميون بقوانين بلدهم السارية المفعول وتحت العلم الأردني يواجهون بعملية اعتداء وحشية وبالصورة التي حصلت لمجرد أنهم أبدوا أراء سياسية تخالف رأي سلطان بغداد، ترى كيف يكون مصير العراقيين المنزوعي كل سلاح للدفاع عن النفس مع هذه المليشيات المصدرة للديمقراطية؟ وما هو شكل المعاملة معهم في الشارع والوظيفة والمعتقل وكيف يستطيع المواطن العراقي حماية نفسه من الفكوك المفترسة والكواتم والمليشيات المتربصة، وأية محاولة إذلال يخضع العراقيون لها؟
بل ما هو مصير من يقف في ساحات الاعتصام الذي يجاهر برفض المالكي شكلا ومضمونا إذا ما استفردت به أجهزة القمع المليشياوية واقتادته إلى جهة مجهولة وكل شيء في عراق اليوم مجهول؟
ذلك ما يعجز عن الإجابة عنه إلا من عاش جزء من معاناة المحنة التي يتعرض العراقيون الذي يرون في المالكي لصا كبيرا، سطا على الموقع الرسمي وسطا على المال العام بدور مزدوج من طهران وواشنطن.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..