موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأربعاء، 1 يناير 2014

حملات الثأر وتغذية الحرب الطائفية في العراق

وجهات نظر
هيفاء زنكنة
حكومة "العراق الجديد"، وواجهاتها الاعلامية، تدق طبول فتنة طائفية شاملة.
الشعب العراقي الغارق في فيضان الفقر وسوء التعليم والصحة وخراب البنية التحتية ومقاولات الفساد والسمسرة، فضلا عن التمييز الطائفي، يتعرض هذه الايام، الى حملة صدمة وترويع شاملة، تساهم فيها اجهزة الاعلام عن طريق بث جرعات، مركزة، من نوعين من البرامج التعبوية التي لا تبث، عادة، الا في حالات الحروب. 


النوع الاول من البرامج يشمل تصريحات ساسة النظام ورجال دين ونشرات الاخبار وأشرطة الاخبار المتحركة اسفل الشاشة على مدى 24 ساعة يوميا. رسالتها التعبوية واحدة: تأييد ‘حملة الثأر’ التي يقول نوري المالكي انه يقودها ضد ‘الارهابيين’ والقاعدة، بينما تشير الوقائع الى انها موجهة ضد المعتصمين منذ عام في ساحات العزة والكرامة، احتجاجا على المداهمات والتعذيب والاعتقالات، النساء خاصة، والطائفية المتجذرة في نظام الحكم كله. وكان رد فعل النظام، منذ ايام الاعتصام الاولى، هو اتهام المعتصمين بالارهاب وانكار وجود المعتقلات تماما وان واصل استخدامهن كورقة للمقايضة، كما حدث منذ ايام حين قام باطلاق سراح عشر معتقلات كان ينكر وجودهن اساسا. 
ولم يدخر النظام جهدا في بناء صورة المتظاهر باعتباره ارهابيا قاعديا. ساعده في ذلك اسلوبا الترغيب والتهديد في داخل البلد والسياسة الامريكية الهادفة الى وجود عدو خارجي دائم. ان تهديدات المالكي، الاخيرة، بحرق خيام المعتصمين وتطويقهم عسكريا خلال ايام، هي استمرار لذات التهديدات التي اطلقها منذ الايام الاولى للاعتصامات والتظاهرات التي شارك فيها آلاف الناس في ست محافظات، على الرغم من التهديدات والاعتقالات وحملات القتل التي استهدفت قادة المعتصمين ورجال الدين الذين باتت قائمة اسمائهم تتجاوز العشرات. 
وقد امتدت حملات الاعتقال والتصفية (المسجلة غالبا ضد مجهول) لتشمل نوابا تجرأوا واتخذوا موقفا مؤيدا للمعتصمين. حيث قامت قوات المالكي الخاصة (يطلق عليها اسم الفرقة القذرة تكريما)، فجر يوم السبت الماضي، بمهاجمة بيت النائب احمد العلواني، مما ادى الى إصابة زوجته وقتل ستة من أفراد حمايته الخاصة وعائلته وإصابة عشرة اخرين بينهم اطفال. كما قامت القوات بإعدام شقيقه ميدانيا أمام زوجته وذويه. ونقل النائب مكبلا ومهانا الى مكان مجهول، واعلان حظر التجول في المدينة.
لإتمام رسم صورة العلواني كإرهابي قاعدي، وليس ضحية لارهاب النظام واجهزة قتله المشرعنة، تم عرض اعتراف ‘عناصر من القاعدةتلفزيونيا، بينوا فيه بأنهم’كانوا يتخذون من ساحة الاعتصام في الانبار ملجأ آمنا لهم’. وان ‘بعض السيارات التي استخدموها في التفجيرات تم تجهيزها داخل مخيم الاعتصام’. واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان اعترافات المتهمين هي، حسب كل التقارير الحقوقية الدولية، منتزعة بالاكراه وتحت التعذيب، لاستغربنا الا يعترف المتهمون المعروضون في اجواء مسلسل رعب تلفزيوني، بتفجير انفسهم عشرات المرات. 
وتتناقل بعض وكالات الانباء العراقية والمواقع الالكترونية، الآن، صورا مهينة عن معاملة النائب المعتقل أحمد وأخرى وحشية عن دهس رأس شقيقه القتيل علي بجزمة أحد افراد القوات الخاصة. تستحضر هذه الصور كيفية معاملة المحتل الامريكي للمعتقلين العراقيين وقتلهم تحت التعذيب ومن ثم رفع شارة النصر على جثثهم. فهل هذا هو النصر الذي يريد نظام ‘ العراق الجديد’، بساسته ونوابه جميعا، تحقيقه؟ ان ترفع شارة النصر على جثث الضحايا بعد اتهامهم بالارهاب وتسويغ ارتكاب جريمة قتلهم بعد شيطنتهم !
النوع الثاني من البرامج التعبوية في اجهزة الاعلام، مكرس لمتابعة كيفية قيام النظام باحلال الامن والاستقرار في البلاد وتوفير الاجواء الملائمة للمصالحة الوطنية. وترجمة ذلك، واقعا، هو تغطية، حملات الثأر التي يطلقها ‘رئيس الوزراء وقائد القوات المسلحة’ نوري المالكي، كلما اقتضت ضرورة حماية نفسه ومصالحه. حيث اصبح مفهوم التحريض على الثأر وممارسته، الذي تخلت عنه اكثر المجتمعات جاهلية منذ زمن بعيد، هو اسلوب الحكم المتبع في ‘العراق الجديد’. 
فمن حملة ‘الثأر للشهداء’ الانتقامية الى حملة ‘الثأر للقائد محمد’. ومحمد، لمن لا يعرف، هو اللواء محمد الكروي الذي كان قد ‘استشهد’ جراء ‘رفسه برميل متفجرات’، حسب ما اخبرنا المالكي نفسه على قناة ‘العراقية’ الرسمية . كما تقدم البرامج التعبوية الخاصة صور رمي وقصف بالاضافة الى فيديوهات مضببة لعمليات استهداف بالمروحيات تماثل ما كانت تعرضه قوات الاحتلال الامريكي. وبطبيعة الحال، من المستحيل التحقق من صحتها اذ يقتصر التصوير والتصريح على عسكريين يقفون على مقربة من خيام محروقة ومعدات صدئة وصحون وطناجر معدنية، في مناطق تتناثر عليها شاحنات عسكرية. 
ما يتلقاه المشاهد من التصريحات هو ان ‘قواتنا العسكرية الباسلة’ تمكنت من التخلص من امراء ومجندين للقاعدة والعثورعلى قوائم ملفات واسماء لمجندين آخرين بالاضافة الى العثور على ماكينة خياطة ! أما اشرطة الأخبار فمعظمها يدور حول وصول أسلحة وصواريخ متطورة لمواصلة المعارك ليلا في صحراء الانبار. بالاضافة الى نقل تصريحات مسؤولين امريكيين حول ارسال حوالي 75 صاروخا ‘هيلفاير’، مع التأكيد بانها وصلت قبل الموعد الأصلي المتوقع. وتأتي هذه الصواريخ مع طائرات أمريكية حاملة لها، ومع خطط لتجهيز السلطة بالطائرات بدون طيار، بدون التطرق لجانب التدريب والمدربين، والجانب الإستخباراتي الذي يبدو قد حسم لصالح المالكي كخيار أمريكي إيراني. 
ولتكتمل صورة الملهاة او الفيلم السينمائي من الدرجة العاشرة، يطل علينا سعدون الدليمي، وزير الدفاع بالوكالة، ليقايض المعتصمين باطلاق سراح النائب العلواني المتهم بانه ارهابي وقاعدي وقام لتوه بقتل افراد من القوات المسلحة (حسب بيان رسمي)، اذا ما قام المعتصمون بمغادرة خيامهم. فيا لها من دولة قانون! أليس الدليمي متهما في هذه الحالة بالتعاون مع الارهابيين والقاعدة، مهما كانت تسميتها؟
ان حملات الثأر التي يشنها النظام الطائفي لن تحل كارثة التفجيرات والقتل اليومي، خاصة وان الاعتقاد السائد بين الناس هو انها من فعل ميليشيات وقوات مرتبطة بالنظام، او انها تتم بعلم النظام وقواته الخاصة لانها تزداد وتقل وفق صعود وهبوط المناحرات بين المشاركين بالعملية السياسية، أو انها تتم من قبل القاعدة . والمعروف ان القاعدة، كتسمية وفاعل، تستخدم لتمرير العديد من العمليات الارهابية المنفذة من قبل جهات داخلية واقليمية فضلا عن أمريكا . وتبقى المسؤولية الاولى في احلال الامن وتأمين حق الحياة والعيش الكريم هي مسؤولية الحكومة. ولم نسمع، اطلاقا، بوجود حكومة تقوم بشن حملات ثأر ضد مواطنيها، ومهما كان السبب. حتى النظام الامبريالي الامريكي الوحشي، حين شن حملة انتقام لضحايا تفجيرات الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر، قاموا بتوجيهها ضد بلد آخر. أما حملات ثأر نظام المالكي أو ‘متعة العقل الصغير وضيق الأفق’، كما يقول الشاعر الروماني جوفينال، فانها بالاضافة الى حتمية اشعالها فتنة حرب طائفية (يقال بانها مشتعلة الآن) مجهولة المصير، وبالاضافة الى تقسيم العراق، لن يسلم احد من جحيمها. وفي غياب القانون وغياب القضاء العادل وتشريع الثأر والانتقام ستؤدي كل جريمة قتل الى جريمة قتل أخرى. يومها، على النظام الحالي، ان يحفر قبره بيديه، سواء كانت اسباب حملاته قرب الانتخابات او الاتفاق الامريكي الايراني على اقتسام العراق الضعيف كغنيمة. 
الظلم الذي يسيطر على الحياة في العراق، هو النبع الصافي المغذي للاعتصامات؛ وعليه – وفي ظل حكومة المالكي- لا يمكن أن يجف هذا النبع؛ لأنها حكومة لم تعترف بوجود الإنسان العراقي، قبل أن تعترف له بأية حقوق إنسانية وقانونية ودستورية.
إن هيئة علماء المسلمين إذ تدين هذه الجرائم المنظمة التي تحظى بدعم مباشر من المالكي وأجهزته الأمنية، فإنها تؤكد أن العراق على مفترق طرق إما أن يحكم من قوى الشر والبغي التي سخرت كل إمكانياتها لتمزيق وحدة الشعب العراقي، أو يكون للشعب العراقي موقف حازم يستطيع من خلاله تغيير واقعه للوصول إلى الحرية والتقدم، وتحقيق العدل والمساواة، ونصرة المظلوم، فإرادة الشعوب تلعب دورا فاعلا في صنع التاريخ بعد توفيق الله سبحانه وتعالى لها.


ملاحظة:

نشر المقال هنا.

هناك 3 تعليقات:

Sami Sadoun يقول...

مقال موضوعي يكشف زيف اعلام السلطة في التغطية على الحرب الطائفية التي يقودها رئيس السلطة بذريعة محاربة القاعدة .. الكاتبة جريئة وتستحق هي ، والشجاعة والسبّاقة وجهات نظر ، كل الاحترام لانصاف الحقيقة وفضح الادعاءات الزائفة .

خليل الونداوي يقول...

الطائفيين جميعهم التفوا معه وساندوا اجراءاته حتى ما حصل للعلواني وهو نائب يفترض له حصانة .. مما يعني ان مركز توجيههم واحد .. فلا تصدقوا ان بينهم خلافات حين تكون الحديدة حارة

ضمير الطائي يقول...

هؤلاء هم الكتاب المثقفين فعلا ، هؤلاء هم الكتاب اصحاب الوطنية الحقة الذين ينظرون لعمق الأشياء وليس إلى سطحها ، هؤلاء هم اصحاب القلم المفخرة ، وليس من يبيع قلمه ويصوبه (ونحن في خضم الثورة المسلحة) لمدح هذا النائب أو ذاك لمجرد موقف سطحي منهم ينتظرون ان يجنون لاحقا ثمارا منه ، موقف لاينطوي الا على المغفلين او النفعيين
تحية للكاتبة وبورك قلمها الثر ووعيها

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..