وجهات نظر
مثنى عبدالله
ها قد مضى عام على انبثاق الانتفاضة
الشعبية في العراق، اختلط فيها الكثير من الاستغاثات
والدماء والدموع والعرق وارتجافات الضلوع، كما تحركت في ساحاتها الكثير من النوايا
الصادقة الشريفة وقيم الشجاعة والبطولة ونكران الذات، في سبيل اعلاء كلمة الحق في
وجه الطغاة. وقوى اخرى خابت ارادتها في ان تجعلها محفلا لخدمة اجنداتها السياسية
المشبوهة.
هذه هي طبيعة الحراكات الشعبية، حيث
يحاول المشبوهون سرقة رأسمال المظلومين والمهمشين المرميين على قارعة الطرقات،
المتمثل في شرف ايقاد شرارة التصدي للطغاة، ليجعلوهم مجرد حطب يؤجج النيران كي
يتدفأ بها اولائك الذين ينتظرون دورهم في لعبة السياسة.
واذا كانت
الخصوصية الاستثنائية للوضع العراقي قد اضافت المزيد من التعقيد لمشهد الاعتصامات،
حيث واجه المعتصمون اعداء كثرا واصدقاء اقل تبعا للظروف والمعطيات السياسية
الاقليمية والدولية، فان عوامل استمرار الانتفاضة العراقية لازال متجذرا في كل
الاوساط الاجتماعية، سواء التي انتفضت أم التي لم تنتفض، وان من الخطأ الفاضح حصر
الحراك بطرف دون اخر، فالوضع المُعاش لم يعد يحتمله الجميع في ظل عدم قدرة الدوائر
العليا على ايجاد حكم رشيد، كما ان العوامل الاجتماعية تفاقمت بصورة لا تطاق،
بينما في المقابل توجد موارد وثروات وعقول قادرة على بناء مستقبل جديد، وهذه كلها
شروط اساسية تسقط اية عملية سياسية فاشلة في اي بلد وليس في العراق فحسب، لذلك يجب
عدم التركيز على اسقاط الرموز التي حكمت طوال الفترة الماضية فقط، من دون السعي
والمطالبة والجهر باسقاط المنظومة السياسية، لان ذلك سيعيد انتاج زعامات سياسية
على شاكلة الذين يتسيدون المشهد الحالي، وبالتالي لن يحدث التغيير، عليه فان
المطلوب من ساحات الحراك الجماهيري الا تتخلى عن مطالب التغيير الجذري، والا تهادن
او تغيّر مطالبها وشعاراتها استجابة لهذا السياسي الذي هو من نفس نسيجها الاجتماعي
او الديني او المذهبي، لان لا هذا ولا غيره بقادر على اعطاء شهادات حسن سلوك
لمواطنين خرجوا في مواجهة ظلم الطغاة، وان تحركات موفديهم في ساحات الاعتصامات لا
تعدو الا ان تكون محاولات من اجل تركيز السلطة بيدهم وليس لمساندتهم، كي يصبح هذا
رئيس جمهورية مقبلا والاخر رئيس برلمان مزيفا، كما يجب عدم الانصياع الى بعض
الاصوات العشائرية التي تدعو الى فض الاعتصامات او تأجيلها، فقد اثبت هؤلاء
ازدواجية المواقف وانهم ليسوا حافظين للعهد والميثاق . واليوم اذ يقف المعتصمون
الابطال في غرة عامهم الثاني، محاطين بتصريحات غوغائية جديدة يطلقها رئيس الوزراء
مهددا اياهم بحرق الخيم، ومدعيا بان لا صلاة جمعة اخرى في هذا المكان، وان الساحات
اصبحت مكانا لاعداد وتهيئة المفخخات ومقرات لقيادة القاعدة، فان هذه التصريحات تشير بوضوح تام الى
ان المعتصمين قد نجحوا في تعريته من كل الاغطية الزائفة التي كان يغلف بها حقيقته
الطائفية وفشله السياسي، لذلك باتت كلماته تحمل الكثير من عبارات الحقد والانتقام،
لانه رأى فشله مجسدا بصورة واضحة في الاصوات المرتفعة في الساحات، بعد ان كان
يعتقد ان عصره افضل من عصر هارون الرشيد في الازدهار. لذلك لابد من زيادة تراكم
الكتلة الحرجة للاحتجاج ضد الفساد والاضطهاد والتهميش والاقصاء كي يصل هو الى حد السقوط
والانتحار السياسي، الذي بدت ملامحه واضحة في تصريحاته الاخيرة. هو يقول ان الصلاة
مكانها الجوامع وليس الساحات، بينما منع المعتصمين من التوجه الى بغداد للصلاة في
احـــد جوامعها، ووضع الجيش والقوى الامنية والشرطة في حالة انذار، واحاطت قوات
سوات بالمنطقة الخضراء، ونصبت الاف السيطرات قبل ان يتحرك اي من المتظاهرين الى
بغداد.
كما يقول ان في
الساحات اكثر من ستة وثلاثين من قيادات القاعدة عراقيين واجانب، لكنه لم يقل لنا
لماذا لم يحرك قواته كي تلقي القبض عليهم، بينما يوجه هذا القوات كي تدمر مناطق
حزام بغداد وتجرف بساتينها وتعتقل نساءها ورجالها، وتقتحم دور المواطنين في كل
المحافظات وتحطم ممتلكاتهم.
نعم لقد مضى
عام من عمر الحراك الشعبي في العراق، لكن الاهمية التاريخية لاي حدث تكون اكثر
وضوحا بعد فترة اطول من سنة واحدة. قد تكون الذاتية في التحرك ممارسة صعبة وتتطلب
المزيد من الجهد والوقت والتضحية، لكن من يتحرك بجهده الذاتي يكون متحررا من كثير
من الضغوط والاستحقاقات التي تطلبها الاطراف الداعمة، ويكون قادرا على تشكيل خارطة
سياسية داخلية وخارجية هو من يقرر اولوياتها وفقا لمصالحه، كما يكون في استطاعته
تحديد مراحل انتقال حراكه حسب اولويات اهدافه، لكن الحاضنة الشعبية تبقى مهمة
لديمومة الحراك، خاصة من اطراف يمثلون رموزا معنوية دينية وعشائرية، وان التهديد
الحالي لساحات الاعتصام يجب ان تكون حافزا جديدا لهم لمزيد من الاحتضان، وليس
التخلي والدعوة الى رفع الخيم بحجة حقن الدماء، بينما يعلمون جيدا من هو الظالم
ومن هو المظلوم. ان رجال الدين مطلوب منهم اليوم مغادرة حالة اصدار البيانات
والنزول الى الساحات مع المعتصمين، كذلك على الزعماء العشائريين ان يحافظوا على
منزلتهم الاجتماعية، من خلال الحفاظ على سلامة المتظاهرين ومنع السلطة الغاشمة من
تنفيذ تهديدها، وان من العار على كل هؤلاء ان يتكرر مجددا المشهد الذي حصل في
الحويجة، والذي ذهبت فيه دماء الكثير من الابرياء هدرا، وضاعت كل اللجان التي شكلت
للتحقيق في الحادث. كما بات من الواجب ان يتحرك الزخم الجماهيري الى تطوير وسائله
واساليبه وعدم الاكتفاء بالوقوف في اعتاب المرحلة الماضية، لان ادامة الفعل واجبه
كي تبقى الامال معلقة به ويستطيع ان يكون عامل جذب لدماء جديدة، ومصدر ضوء ساطع
ينير كل جوانب المأساة الحقيقية التي يعيشها العراقيون جميعا.
ملاحظة:
نشر
المقال هنا.
هناك تعليق واحد:
وتحولت اليوم ساحات الاعتصام الى الثوره ..وحتى النصر ولا تراجع
إرسال تعليق