وجهات نظر
ياسر الزعاترة
حقق نوري المالكي واحدا من انتصاراته التاريخية
على معتصمين سلميين في مدينة الأنبار، وتمكن من طردهم من خيامهم وتفكيكها أو حرقها
(هل من الصعب إعادتها من جديد؟!)، وذلك بعد هروب عناصر القاعدة المعتصمين فيها،
بحسب مستشاره علي الموسوي، وبعد أن تم العثور على سيارتين مفخختين في مكان
الاعتصام!
منذ شهور، والمالكي وطائفة مستشاريه (له مستشارون كثر، ومساعدون، ربما أكثر من أوباما نفسه)، منذ شهور، وهم يصرون على أن اعتصام الأنبار قد تحول إلى مأوى لعناصر القاعدة، الأمر الذي كان مثيرا للسخرية، لأن عناصر القاعدة يطاردونه في أماكن أخرى، وهم لا يؤمنون بالاعتصامات أصلا، ولا بالمظاهرات السلمية.
للمالكي همٌّ واحد ووحيد في الآونة الأخيرة. من أجله ذهب إلى واشنطن، ومن أجله يسترضي إيران ليل نهار، ومن أجله يتحول إلى عنصر إسناد يومي لبشار الأسد؛ يدفع لأجل بقائه من أموال العراقيين، لاسيَّما أن الأكثر نفوذا في عراق اليوم هو قاسم سليماني، مسؤول فيلق القدس في الحرس الثوري، كما قال ذلك صراحة مقتدى الصدر الذي يعيش خلافا مستحكما، وثارات تاريخية مع المالكي، ويحاول أن يحافظ على وجود له في الساحة الشيعية؛ هو الذي يرى بعينه كيف يستحوذ المالكي على كل شيء من خلال الحشد الطائفي، وبالطبع عبر تقديم نفسه كسياج يحمي الشيعة، مستندا إلى أن أجواء الحشد الطائفي تدفع البسطاء غالبا إلى أكثر الناس طائفية، وهو ما يدركه المالكي تمام الإدراك.
المالكي يحوز رضا واشنطن، وكذلك رضا إيران، ويعتقد أنه يستطيع بذلك تأمين ولاية ثالثة، وإن لم يمنحه أوباما الموافقة عندما قابله قبل أسابيع، إذ قيل له إن من المبكر الحديث في الأمر، لكنهم منحوه مساعدات عسكرية لأجل محاربة القاعدة، وهي مساعدات مدفوعة الثمن بطبيعة الحال، فيما أراد المالكي أن يقول للأميركان إن الأبواب التي يفتحها مع روسيا وآخرين لن تؤثر على ولائه الأصلي، وإن أدرك الأميركان أنه رجل إيران قبل أي أحد آخر.
واشنطن في المقابل تدرك أن ملف العراق سيوضع على طاولة البحث في المرحلة الثانية من اتفاق النووي كجزء من الملفات الإقليمية، ولا يمكن تبعا لذلك منح المالكي موافقة ستكون جزءا من أوراق المساومة مع إيران، من دون أن ننسى أن تراجع هاجس سقوط بشار الأسد قد أراح المالكي بعض الشيء، وإن بقي الهاجس الأمني قائما إلى حد كبير، مع أنه هاجس يزيد في التفاف الطائفة الشيعية من حوله كما أشير من قبل، رغم أنه لم يقدم لها الكثير.
هذا من الناحية الخارجية، أما داخليا، فالرجل يعيش فشلا على كل صعيد، أعني بالنسبة لما يقدمه من إنجازات للإنسان العراقي، لكن الأمر يبدو مختلفا له ولجماعته، إذ أثروا ثراء فاحشا من أكبر عملية نهب، ربما في التاريخ البشري.
من هنا، يمكن القول إن المالكي لا يؤثر سلبا على وضع العرب السنّة الذين يعيشون التهميش تحت حكمه، بل يؤثر سلبا على كل العراقيين، ربما باستثناء الأكراد الذين يستقلون عمليا، بل ربما استفادوا من المركز فوق الاستقلال أيضا، الأمر الذي يأخذوه عبر ابتزاز المالكي الذي يحرص على تحييدهم لأجل الاستفراد بالعرب السنّة.
غير أن ما ينبغي التذكير به أيضا هو أن جزءا من حالة البؤس التي يعيشها العرب السنّة في العراق، إنما تأتي (فضلا عن تراجع الوضع العربي الداعم لهم)، من تشرذمهم ولعب المالكي على تناقضاتهم، فيما رأينا قدرا من الوحدة يوم الاثنين، لا يعرف إن كانت ستستمر بعد ذلك، أم أنها هبّة عابرة بسبب الدم المسفوح والعدوان السافر على الأنبار.
منذ الاحتلال وهذه الفئة تعاني من مراهقي السياسة الذين مثّلوها، فكان أن حُشرت في دائرة الأقلية، رغم أنها ليست كذلك، واستمر الوضع على هذا المنوال بعد الاحتلال، حيث تلاعب بهم المالكي منذ سنوات، واستقطب فريقا بالمكاسب وأبعد آخرين.
لا حل لهذه المعضلة سوى بتفاهم بين ممثلي العرب السنّة، وبعض القوى الشيعية، ومنها التيار الصدري بعيدا عن استحضار الثارات القديمة، وكذلك الأكراد، أو بعضهم في سياق من استبعاد هذا الرجل (المالكي) والبحث عن بديل يوفر فرصة لدولة مواطنة في العراق؛ تعزز الوحدة وتنبذ الفساد. ربما كان هذا الأمل بعيدا في ظل الأجواء العربية والإقليمية الراهنة، لكنه ليس مستحيلا بحال. وإذا لم يحدث ذلك، فسيتواصل النزيف القائم أمنيا وسياسيا ومعيشيا، بل على كل صعيد.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق