وجهات نظر
هوشنك أوسي *
فضائح
الفساد التي أطاحت ثلاثة وزراء في حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي،
ومسؤولين كِباراً آخرين، وأجبرت رئيس الحكومة، رجب طيب اردوغان، على الإسراع في
إجراء تعديل وزاري جديد غيّر بموجبه 10 وزراء، وباتت هذه الفضائح تهدد نجله، فضلاً
عن تهديدها مستقبل أردوغان نفسه...، كل ذلك هو رأس جبل الجليد للصراع الدائر بينه
وبين جماعة «الخدمة» التابعة للداعية الإسلامي التركي المقيم في أميركا، فتح الله
غُولَن.
ذلك أن
كلاً من غُولن وأردوغان يريد تثبيت دولته الخفيّة في تركيا محلّ الدولة الخفيّة
للكماليين التي كانت تحكم تركيا الحديثة منذ تأسيسها عام 1923. وعليه، فجماعة
غُولَن هي أيضاً متورّطة في فساد حكومة العدالة والتنمية، عبر صمتها كل هذه
السنوات. بل إن هذه الجماعة، تظهر للعلن مدى انتهازيّتها، عبر الصمت والتغطية على
هذا الفساد، ثم تفجيرها «قنبلة الفساد» بعد إغلاق مدارس غولن. وعليه، لو لم يقم
أردوغان بذلك، ولو منح رئاسة الاستخبارات التركيّة للجماعة، وسكت عن تغوّلها
اقتصاديّاً وأمنيّاً وإعلاميّاً في مؤسسات الدولة، لحافظ غُولن على صمته، ولبقي
ذلك الفساد المريع طيّ الكتمان. وعطفاً على كشف فضائح الفساد هذه، فالسؤال الذي
يطرح نفسه هنا: إذا كانت حكومة اردوغان وما حققته من نهضة اقتصاديّة في تركيا (شهد
لها القاصي والداني) متورّطة بملفّات فساد، فما هي حال الحكومات العلمانيّة
السابقة التي حكمت تركيا؟!.
بكل
تأكيد، إن الحكومات العلمانية الأتاتوركيّة السابقة كانت أكثر فساداً. وعليه، ففي
حال مقارنة المواطن التركي بين السيّء والأسوأ، سيختار السيّء. يعني حكومة أردوغان.
كرديّاً،
ما كسبه وحققه كرد تركيا وحزب العمال الكردستاني في زمن العدالة والتنمية
(الإسلامي)، يفوق بسنوات ضوئيّة ما حققه الكرد والكردستاني من مكاسب في عهد
الحكومات العلمانيّة الأتاتوركيّة السابقة. مضافاً إلى ذلك، فالعلاقات بين تركيا
وكرد العراق انتعشت في فترة حكم العدالة والتنمية. لكنْ قياساً بحجم الأزمة التي
يعانيها أردوغان، فخيارات التحالف لديه محدودة للغاية، هي التي يملأ بها الفراغ
الذي سيحدثه توقّف جماعة غولن عن تأييده في الانتخابات البلديّة والبرلمانيّة
القادمة. فلا مناص أمامه إذاً إلا التحالف إما مع أصدقائه القدامى (المتبقّين من
حزب السعادة - الرفاه سابقاً)، وهذا صعب جداً، أو التحالف مع المعارضة العلمانيّة،
المتمثّلة بحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القوميّة المتطرّف، وهذا أيضاً من سابع
المستحيلات. ويبقى خيار وحيد أمام حزب أردغان، هو التحالف مع حزب السلام
والديموقراطيّة الموالي للعمال الكردستاني. فتلاقي المصالح يجب أن يدفع الكردستاني
للتحالف مع أردوغان، إلى الحدود القصوى. وبكل تأكيد، لن يكون ذلك، ولا يجب أن
يكون، مجّاناً ومن دون مقابل. ولقد فعلها العمال الكردستاني، مطلع التسعينات، حين
تحالف مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي SHP، بقيادة أردال إينونو (نجل
عصمت إينونو، الذي سحق كل الانتفاضات الكرديّة بالتعاون مع أتاتورك)، واستطاع
الكردستاني الحصول على 17 مقعداً في البرلمان التركي وقتئذ.
وما
يعزز افتراض ضرورة هذا التحالف، أن جماعة غُولن، و»الشعب الجمهوري»، و»الحركة
القوميّة» المتطرّف، يشتركون كلهم في معاداة ورفض التسوية السلميّة بين الحكومة
التركيّة والكردستاني. زد على ذلك أنه إذا أطيح أردوغان، فغالب الظنّ أن من سيحلّ
محلّه من خصومه، سيعيد الكرد والكردستاني إلى المربع الأوّل، سواء على صعيد
المكاسب أو المفاوضات مع الدولة.
والتاريخ
يؤكد أن ثمرة تحالف السلاجقة مع الكرد، كان الانتصار في معركة ملاذكر، وثمرة تحالف
العثمانيين مع الكرد، كان الانتصار في معركة تشالديران ضدّ الصفويين الفرس. وثمرة
تحالف أتاتورك مع الكرد كانت الجمهوريّة التركيّة. وفي كل هذه الأحداث المحوريّة
والانعطافيّة، كان الأتراك الرابحين، والكرد الخاسرين. هذه المرّة، وفي حال حدث
تحالف بين أردوغان والكردستاني، يجب أن يكون المنتصر هم الكرد والترك وتركيا في
آن. وهذا يعني أن اردوغان أمام تحدٍّ تاريخي، يمكن اختصاره في نقاط عدّة:
1- الكفّ عن قيادة البلاد بمنطق وذهنيّة الجماعة
الإسلاميّة.
2- مكافحة الفساد الى الحدود القصوى، حتّى لو كان
نجله متورّطاً فيه.
3 - الإسراع في إبرام تسوية نهائيّة مع الكردستاني،
تملي عليه التخلّي عن السلاح نهائيّاً، والتحالف معه في الانتخابات البلديّة
والبرلمانيّة القادمة.
فتركيا
لا يمكنها أن تحلّق بجناح واحد. يلزمها تحريك جناحيها، أي الكرد والترك وبقية
مكوّنات المجتمع. وهذه الحقيقة آن للنخب السياسيّة والثقافيّة التركيّة والكرديّة
أن تدركها، وتسعى لتمثيلها وتطبيقها في الواقع العملي.
*كاتب كردي
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليقان (2):
الساسة الأكراد ينطبق عليهم مفهوم " جزمة تستلذ العرض في المزادات السياسية و في أقصي الحالات الإستخدام من أي كان مكتفية بالتلميع لا غير " .
لا نختلف بأن موقف جماعة غولن انتهازي بإمتياز حيث صمتت دهرا ونطقت كفرا، لكن برأيي أن أردوغان وحزبه ايضا يمارسون نفس اﻷسلوب، فنحن ندرك مصالح أردوغان الحزبية وحبه لمواصلة الطفرة اﻹقتصادية ولو على حساب مقايضة الكرامة اﻹنسانية ومقتضيات الدين الإسلامي التي تحتم نصرة المظلوم فما بال أن المظلوم هنا هم السوريون وقضيتهم العادلة، لكنه وﻷسباب مالية تحتم علبه توفير أرضية ومنطقة تجارة حرة للنفط اﻹيراني وفتح تركيا وبنوكها أمام الشركات اﻹيرانية الوهمية لتمرير تلك العقود.
وينطبق نفس الكلام على تقاربه مع ﻷكراد...حيث قرر اﻷكراد بيع النفط للسوق بمنئ عن الحكومة المركزية العراقية وهذا لن يمر عن طريق تركيا إلا بمقابل مادي تسنفيد منه تركيا ماديا واردغان وحزبه معنويا واستراتيجيا.
إرسال تعليق