منذ نحو عام، ليس ثمة جماعة يتردد اسمها على الألسنة مثل الاخوان المسلمين، وليس ثمة دولة يكثر الحديث عنها وعليها مثل قطر، ولقد سعينا في مقال سابق نشرناه هنا أن نلقي بعضاً من الضوء على مايتردد بشأن الاثنين، وقد وجدت من المفيد، اليوم، إلقاء ضوء آخر على ماهية جماعة الإخوان المسلمين في قطر، وتاريخها وشخوصها والمراحل التي مرَّت بها.
الإخوان المسلمون في قطر.. مَن هم؟
عبدالعزيز آل محمود
لا أعتقد أن دولة وضعت على اسمها الكثير من علامات التعجب خلال ثورات الربيع العربي أكثر من دولة قطر، فعلامات التعجب هذه جذبت الكثير من الصحافيين الغربيين إلى هنا بدعوى محاولة معرفة ما يحصل، فقلبوا كل حصاة يعتقدون أن تحتها معلومة، وسألوا كل من يعرفون عن الدور القطري في هذه الثورات، وكان أبرز سؤال هو ماذا تريد قطر من دعمها للثورات العربية؟ وما دور الإسلاميين؟
وأعتقد أن التخوف من أن يكون للإسلاميين دور في دعم الثورات العربية هو الدافع لطرح كل تلك الأسئلة، فقد تم فحص بعض العاملين في قناة الجزيرة لمعرفة توجههم؟ وتم وسم من يصلي منهم بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي زعم البعض أنها سيطرت على القناة، وكان هناك نوع من البحث الاستخباري عن دور الإخوان في مسيرة الدولة وتوجهها مؤخراً.
ولكن لماذا الإخوان فقط دون غيرهم؟ دعونا نلق الضوء قليلاً على الوضع حتى نريح السائلين ونكفي الباحثين.
خلال الضربة الحديدية التي وجهها جمال عبدالناصر لكل المعارضين له في خمسينيات القرن الماضي، وامتلاء سجونه بخيرة شباب مصر، حيث مورس عليهم التعذيب بكل الأشكال التي ابتكرها عقل شيطاني، وجد بعض أعضاء الإخوان ملجأ وملاذاً في قطر، التي كما تقول أدبيات الإخوان «إن أهلها مفطورون على حب الدين وأهله»، فكان أن وصل إلى الدوحة كل من الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عبد المعز عبدالستار، والشيخ أحمد العسال، والدكتور كمال ناجي، وغيرهم.
ومن خلال هذه المجموعة انتشر فكر الإخوان لدى مجموعة من الشباب القطري، الذي بدأ يدير نفسه على هذا المنهج، فشكلوا أنفسهم في مجموعات لحفظ القرآن ودراسته وممارسة الرياضة والتناصح والدعوة إلى الله، وكانت بدايات انتشار ذلك التيار في المعهد الديني الثانوي الذي خرّج خيرة شباب قطر في تلك المرحلة.
انتشر الفكر الوسطي المعتدل وسط غالبية أهل قطر بشكل كبير وما زال هذا التأثير قائماً، ويعود الفضل إلى دور النخبة الإخوانية السابق ذكرها، بالإضافة إلى دور وزارة الأوقاف منذ ثمانينيات القرن الماضي في استضافة العلماء والمفكرين والدعاة الإسلاميين، خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك والمناسبات الدينية المختلفة، بحيث أصبح الفكر الإسلامي الوسطي هو السمة الغالبة على أهل قطر بكل توجهاتهم الفكرية، ما عدا قلة قليلة تنطعت في التفسير الديني وغالت به.
إن التيارات الإخوانية في منطقة الخليج ليست تيارات سياسية، بل هي فكرية تربوية دعوية اجتماعية خيرية، وقد يكون هذا هو جانباً من اختلافاتها مع التيارات الإخوانية في الدول العربية الأخرى، التي وجدت نفسها مرغمة على مزاولة السياسة والسباحة فيها مع غيرها من الأحزاب، حتى لا تترك الساحة لغيرها من الأحزاب المتطرفة أيديولوجياً أو التي ترى فيها خطراً على ثقافة المجتمع.
كانت الضربة التي سددها جمال عبدالناصر للإخوان، ثم الضربات التي تلتها في سوريا وليبيا وتونس جعلت هذا التيار الوليد في الخليج يخفي نفسه عن الأعين، مخافة أن تكون الضربة القادمة موجهة إليه، ولكن هذا الاختفاء لم يمنع هذه الحركة من ممارسة أدوارها في التربية والإغاثة والعمل الخيري، والتي كانت تزاولها عن طريق الجمعيات والأندية والمؤسسات واللجان الخيرية.
إن تركيز الحركة على تكامل فكرة الداعية -كما تقول أدبياتها- جعل هذه المجموعة الصغيرة في قطر تعمل ليل نهار للاستفادة من وقتها في دراسة العلوم الشرعية والحياتية وممارسة الرياضة والاندماج في المجتمع، فكان أن نجحت في استقطاب مجموعات من الشباب الذين وجدوا مجالاً لتفريغ طاقاتهم بدون حساسيات مسبقة في أنشطة متعددة ومتنوعة مثل النشيد الديني والرحلات والدعوة والرياضة والكتابة والخطابة والإغاثة.
إن كل هذه الانشغالات كانت بحاجة إلى نوع من الإدارة، خصوصاً مع شعور المجموعة القيادية بكثرة الشباب الذين هم بحاجة إلى متابعة وتنسيق وتربية، فكان أن بدأ الاختلاف في أسلوب إدارة المجموعة في ثمانينيات القرن الماضي، فتنازل البعض مرغماً والآخر اختياراً، فكانت هذه أولى بوادر الاختلاف على القيادة في مجموعة إخوان قطر أو التيار الإخواني، ولكن بقي جسم المجموعة عاملاً بدون تأثر يذكر.
وفي عام 1999 بدأت مجموعة داخل الجماعة في التفكير جدياً في حل الجماعة وتفكيكها، ومع أن هذه الجماعة لم تكن تنظيماً بالمفهوم المتعارف عليه، إلا أن فكرة وجودها متأثرة بفكر الإخوان كان يؤرق البعض خوفاً مما قد يحصل، خصوصاً أن بعض حكومات دول الخليج بدأت حملة اعتقالات في أوساط الشباب المتأثرين بفكر الإخوان ومطاردتهم في أرزاقهم وإبعادهم عن وظائفهم، بسبب وجود بعض الضباط الأمنيين من مصر، الذين تم تعيينهم تحت مسميات مستشارين أمنيين، وظهر تأثيرهم في تصريحات بعض القادة الخليجيين الذين ما فتئوا يرمون التهم جزافاً على الإخوان بدون إبراز أي دليل على توجسهم هذا.
إن هذه التصريحات سببت وجود حالة من الإرباك في أوساط التيار الإخواني بقطر، فكان أن اتخذ البعض قرار إلغاء الجماعة وتفكيكها في عام 2003، ولكن قراراً مثل هذا كانت تترتب عليه تبعات كثيرة، فهل هذا الحل تم بالتنسيق مع الجميع أم إنه قرار لمجموعة ضمن المجموعة؟ حصل هذا اللغط وانتشر الخبر، ووصل إلى مصر، حيث التأثير الأكبر للجماعة الأم التي عارضت الحل على لسان الدكتور عصام العريان القيادي الإخواني المصري، الذي قال: «إن الحالة القطرية لم تصل بعد إلى النضج الكافي الذي يجعلنا نحكم عليها»، وقد أطلق على الحالة القطرية تياراً نظراً لعدم اتصالها بالإخوان المسلمين في الخارج بشكل مباشر، وخلال تلك الفترة جاء الدكتور عبد الله النفيسي إلى الدوحة واستقبلته المجموعة التي اقترحت حل الجماعة وأقنعته بالفكرة، فخرج النفيسي من ذلك المجلس وكتب مقالته الشهيرة عن الإخوان المسلمين في قطر، والتي أيد فيها قرار الحل أو التفكيك، ودعا لأن يكون مثالاً يحتذى، ولكن الخطأ الذي وقع فيه النفيسي أنه لم يستمع إلى وجهة النظر الأخرى حتى تكتمل الصورة لديه، وقد علق الدكتور العريان أيضاً بقوله: «إن دعوة النفيسي غير واقعية، وهناك إخفاق واضح ولبس شديد اتسمت به دعوة النفيسي».
حصل هذا الانقسام في الجسم الإخواني القطري، وانقسمت المجموعة إلى قسمين لن أقول متناحران ولكنهم غير متجانسين على الأقل.
برز في التيار المعارض للإلغاء قيادات جديدة ووجوه شابة أعادت ربط نفسها بالتيار العام، وأعادت إحياء حلقات حفظ القرآن، والأُسَر، والتعليم الشرعي، وانشغلت بالدعوة إلى الله وتهذيب النفس وتزكيتها، ولكنها بقيت مجموعة صغيرة تستقطب نوعيات محددة من الشباب.
أما المجموعة التي حلت نفسها فقد بقيت على اتصال ببعضها محاولة جهدها إبقاء التواصل الاجتماعي فيما بينها، وإن كانت أهملت فكرة الأسر والتعليم الشرعي إلا أنها ما زالت محافظة على اللقاءات العامة بطابعها الديني والدعوي.
لقد تجدد الاهتمام بحركة الإخوان المسلمين من قبل الإعلام الغربي ومراكز الدراسات هناك بعد أن وصل هؤلاء إلى سدة الحكم في المغرب وتونس، وبان تأثيرهم الانتخابي واضحاً في مصر واليمن وفلسطين، وقد أثبتوا أنهم رقم صعب في ساحات الدول التي تصادمت معهم، ولكنهم ما زالوا رقماً هامشياً على الساحة الخليجية.
إن إخوان الخليج يحملون فكر الإخوان بصورته السلفية، فهم سلفيون عبادة وعقيدة، ولكنهم إخوان فكراً وتأثراً، وحتى مصطلح الإخوان المسلمين لا يستخدمونه في أدبياتهم أبداً، فهم أصبحوا يُعرفون بمصطلحات تؤدي إلى المعنى ذاته، مثل الوسطيين أو «تلاميذ الشيخ القرضاوي» وغيرها من المسميات التي تبقيهم في مأمن من تغول السلطات في بعض دول الخليج، والتي ما زالت في تصادم مع الحالة الإخوانية في العالم العربي بعكس البحرين والكويت وقطر التي استوعبت الموضوع وتعاملت معه بطريقة حضارية سواء في الداخل أو الخارج، ابتداء من عهد الشيخ علي وحتى عهد الأمير حمد بن خليفة.
والإخوان شأنهم شأن غيرهم من البشر، يختلفون ويتصالحون وينقسمون، ويتساقط منهم من يتساقط، ويبقى منهم من يبقى، ولكنهم يبقون الأكثر تأثيراً إسلامياً على الساحة العربية وتفاعلاً مع قضاياها لحسن إدارتهم، ولاجتماعهم على قواعد مشتركة سواء في نظرتهم للسياسة والاقتصاد والمرأة والأقليات وغيرها من الأمور التي تختلف عليها بقية الحركات الإسلامية، فهم قد دونوا ذلك وانتهوا منه وهو منشور في كل أدبياتهم ومواقعهم.
ومن المؤسف أن أغلب الباحثين الغربيين يقسّم الإسلاميين في خليجنا إلى فئتين، السلفيين والإخوان، ومع أن رسم خط فاصل واضح بين التوجهين من رابع المستحيلات، يكاد يسبقها الغول والعنقاء والخل الوفي، إلا أن هناك نمطية غريبة في التمييز بين التيارين، منها قصر اللحية والثوب والانفتاح على الآخر (مع اختلاف المفهوم هنا) إلا أن هذه نمطية غير صحيحة، وكم سمعت من ينمط أشخاصاً على أنهم من الإخوان مع أنهم تبليغيون أو سلفيون.
إن حجم الإخوان عربياً أكبر منه خليجياً، فهم في الخليج قلة قليلة، ولكن إسقاطات الخارج والتأثيرات الأمنية جعلت من هذه القلة القليلة غولاً مفترساً يجب وضعه تحت الاختبار وقياس تأثيره على السياسة العامة لبعض الدول، والخوف الغربي من التأثير الإخواني بعد ثورات الربيع العربي جعل دول الخليج محط نظره و»بندره»، وهذا غير صحيح.
وقد برزت شخصيات تنتمي للتيار الإخواني وتأثرت به في منطقة الخليج عُرفت بالدعوة إلى الخير، وقدمت خدمات جليلة لمجتمعاتها وكانت سبباً في نشر الوسطية والاعتدال في أوساط كثير من الناس، وسأبدأ بذكر بعض الشخصيات القطرية التي توفاها الله والتي كان لي شرف معرفتها، مثل: الدكتور محمد قطبة رحمه الله، والدكتور محمد نور المراغي رحمه الله، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، في الكويت الشيخ أحمد القطان، والدكتور طارق سويدان، والشيخ الدكتور محمد العوضي، والشيخ عبدالله المطوع (بو بدر) رحمه الله رئيس جمعية الإصلاح في الكويت سابقاً، وفي الإمارات الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، والدكتور علي الحمادي، والشيخ الدكتور محمد بن عبد الرزاق الصديق، وفي البحرين الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الجودر رحمه الله، والشيخ الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، بالإضافة إلى شخصيات أخرى انتقلت إلى جوار ربها أو تنتظر.
وأعتقد أن التخوف من أن يكون للإسلاميين دور في دعم الثورات العربية هو الدافع لطرح كل تلك الأسئلة، فقد تم فحص بعض العاملين في قناة الجزيرة لمعرفة توجههم؟ وتم وسم من يصلي منهم بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي زعم البعض أنها سيطرت على القناة، وكان هناك نوع من البحث الاستخباري عن دور الإخوان في مسيرة الدولة وتوجهها مؤخراً.
ولكن لماذا الإخوان فقط دون غيرهم؟ دعونا نلق الضوء قليلاً على الوضع حتى نريح السائلين ونكفي الباحثين.
خلال الضربة الحديدية التي وجهها جمال عبدالناصر لكل المعارضين له في خمسينيات القرن الماضي، وامتلاء سجونه بخيرة شباب مصر، حيث مورس عليهم التعذيب بكل الأشكال التي ابتكرها عقل شيطاني، وجد بعض أعضاء الإخوان ملجأ وملاذاً في قطر، التي كما تقول أدبيات الإخوان «إن أهلها مفطورون على حب الدين وأهله»، فكان أن وصل إلى الدوحة كل من الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عبد المعز عبدالستار، والشيخ أحمد العسال، والدكتور كمال ناجي، وغيرهم.
ومن خلال هذه المجموعة انتشر فكر الإخوان لدى مجموعة من الشباب القطري، الذي بدأ يدير نفسه على هذا المنهج، فشكلوا أنفسهم في مجموعات لحفظ القرآن ودراسته وممارسة الرياضة والتناصح والدعوة إلى الله، وكانت بدايات انتشار ذلك التيار في المعهد الديني الثانوي الذي خرّج خيرة شباب قطر في تلك المرحلة.
انتشر الفكر الوسطي المعتدل وسط غالبية أهل قطر بشكل كبير وما زال هذا التأثير قائماً، ويعود الفضل إلى دور النخبة الإخوانية السابق ذكرها، بالإضافة إلى دور وزارة الأوقاف منذ ثمانينيات القرن الماضي في استضافة العلماء والمفكرين والدعاة الإسلاميين، خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك والمناسبات الدينية المختلفة، بحيث أصبح الفكر الإسلامي الوسطي هو السمة الغالبة على أهل قطر بكل توجهاتهم الفكرية، ما عدا قلة قليلة تنطعت في التفسير الديني وغالت به.
إن التيارات الإخوانية في منطقة الخليج ليست تيارات سياسية، بل هي فكرية تربوية دعوية اجتماعية خيرية، وقد يكون هذا هو جانباً من اختلافاتها مع التيارات الإخوانية في الدول العربية الأخرى، التي وجدت نفسها مرغمة على مزاولة السياسة والسباحة فيها مع غيرها من الأحزاب، حتى لا تترك الساحة لغيرها من الأحزاب المتطرفة أيديولوجياً أو التي ترى فيها خطراً على ثقافة المجتمع.
كانت الضربة التي سددها جمال عبدالناصر للإخوان، ثم الضربات التي تلتها في سوريا وليبيا وتونس جعلت هذا التيار الوليد في الخليج يخفي نفسه عن الأعين، مخافة أن تكون الضربة القادمة موجهة إليه، ولكن هذا الاختفاء لم يمنع هذه الحركة من ممارسة أدوارها في التربية والإغاثة والعمل الخيري، والتي كانت تزاولها عن طريق الجمعيات والأندية والمؤسسات واللجان الخيرية.
إن تركيز الحركة على تكامل فكرة الداعية -كما تقول أدبياتها- جعل هذه المجموعة الصغيرة في قطر تعمل ليل نهار للاستفادة من وقتها في دراسة العلوم الشرعية والحياتية وممارسة الرياضة والاندماج في المجتمع، فكان أن نجحت في استقطاب مجموعات من الشباب الذين وجدوا مجالاً لتفريغ طاقاتهم بدون حساسيات مسبقة في أنشطة متعددة ومتنوعة مثل النشيد الديني والرحلات والدعوة والرياضة والكتابة والخطابة والإغاثة.
إن كل هذه الانشغالات كانت بحاجة إلى نوع من الإدارة، خصوصاً مع شعور المجموعة القيادية بكثرة الشباب الذين هم بحاجة إلى متابعة وتنسيق وتربية، فكان أن بدأ الاختلاف في أسلوب إدارة المجموعة في ثمانينيات القرن الماضي، فتنازل البعض مرغماً والآخر اختياراً، فكانت هذه أولى بوادر الاختلاف على القيادة في مجموعة إخوان قطر أو التيار الإخواني، ولكن بقي جسم المجموعة عاملاً بدون تأثر يذكر.
وفي عام 1999 بدأت مجموعة داخل الجماعة في التفكير جدياً في حل الجماعة وتفكيكها، ومع أن هذه الجماعة لم تكن تنظيماً بالمفهوم المتعارف عليه، إلا أن فكرة وجودها متأثرة بفكر الإخوان كان يؤرق البعض خوفاً مما قد يحصل، خصوصاً أن بعض حكومات دول الخليج بدأت حملة اعتقالات في أوساط الشباب المتأثرين بفكر الإخوان ومطاردتهم في أرزاقهم وإبعادهم عن وظائفهم، بسبب وجود بعض الضباط الأمنيين من مصر، الذين تم تعيينهم تحت مسميات مستشارين أمنيين، وظهر تأثيرهم في تصريحات بعض القادة الخليجيين الذين ما فتئوا يرمون التهم جزافاً على الإخوان بدون إبراز أي دليل على توجسهم هذا.
إن هذه التصريحات سببت وجود حالة من الإرباك في أوساط التيار الإخواني بقطر، فكان أن اتخذ البعض قرار إلغاء الجماعة وتفكيكها في عام 2003، ولكن قراراً مثل هذا كانت تترتب عليه تبعات كثيرة، فهل هذا الحل تم بالتنسيق مع الجميع أم إنه قرار لمجموعة ضمن المجموعة؟ حصل هذا اللغط وانتشر الخبر، ووصل إلى مصر، حيث التأثير الأكبر للجماعة الأم التي عارضت الحل على لسان الدكتور عصام العريان القيادي الإخواني المصري، الذي قال: «إن الحالة القطرية لم تصل بعد إلى النضج الكافي الذي يجعلنا نحكم عليها»، وقد أطلق على الحالة القطرية تياراً نظراً لعدم اتصالها بالإخوان المسلمين في الخارج بشكل مباشر، وخلال تلك الفترة جاء الدكتور عبد الله النفيسي إلى الدوحة واستقبلته المجموعة التي اقترحت حل الجماعة وأقنعته بالفكرة، فخرج النفيسي من ذلك المجلس وكتب مقالته الشهيرة عن الإخوان المسلمين في قطر، والتي أيد فيها قرار الحل أو التفكيك، ودعا لأن يكون مثالاً يحتذى، ولكن الخطأ الذي وقع فيه النفيسي أنه لم يستمع إلى وجهة النظر الأخرى حتى تكتمل الصورة لديه، وقد علق الدكتور العريان أيضاً بقوله: «إن دعوة النفيسي غير واقعية، وهناك إخفاق واضح ولبس شديد اتسمت به دعوة النفيسي».
حصل هذا الانقسام في الجسم الإخواني القطري، وانقسمت المجموعة إلى قسمين لن أقول متناحران ولكنهم غير متجانسين على الأقل.
برز في التيار المعارض للإلغاء قيادات جديدة ووجوه شابة أعادت ربط نفسها بالتيار العام، وأعادت إحياء حلقات حفظ القرآن، والأُسَر، والتعليم الشرعي، وانشغلت بالدعوة إلى الله وتهذيب النفس وتزكيتها، ولكنها بقيت مجموعة صغيرة تستقطب نوعيات محددة من الشباب.
أما المجموعة التي حلت نفسها فقد بقيت على اتصال ببعضها محاولة جهدها إبقاء التواصل الاجتماعي فيما بينها، وإن كانت أهملت فكرة الأسر والتعليم الشرعي إلا أنها ما زالت محافظة على اللقاءات العامة بطابعها الديني والدعوي.
لقد تجدد الاهتمام بحركة الإخوان المسلمين من قبل الإعلام الغربي ومراكز الدراسات هناك بعد أن وصل هؤلاء إلى سدة الحكم في المغرب وتونس، وبان تأثيرهم الانتخابي واضحاً في مصر واليمن وفلسطين، وقد أثبتوا أنهم رقم صعب في ساحات الدول التي تصادمت معهم، ولكنهم ما زالوا رقماً هامشياً على الساحة الخليجية.
إن إخوان الخليج يحملون فكر الإخوان بصورته السلفية، فهم سلفيون عبادة وعقيدة، ولكنهم إخوان فكراً وتأثراً، وحتى مصطلح الإخوان المسلمين لا يستخدمونه في أدبياتهم أبداً، فهم أصبحوا يُعرفون بمصطلحات تؤدي إلى المعنى ذاته، مثل الوسطيين أو «تلاميذ الشيخ القرضاوي» وغيرها من المسميات التي تبقيهم في مأمن من تغول السلطات في بعض دول الخليج، والتي ما زالت في تصادم مع الحالة الإخوانية في العالم العربي بعكس البحرين والكويت وقطر التي استوعبت الموضوع وتعاملت معه بطريقة حضارية سواء في الداخل أو الخارج، ابتداء من عهد الشيخ علي وحتى عهد الأمير حمد بن خليفة.
والإخوان شأنهم شأن غيرهم من البشر، يختلفون ويتصالحون وينقسمون، ويتساقط منهم من يتساقط، ويبقى منهم من يبقى، ولكنهم يبقون الأكثر تأثيراً إسلامياً على الساحة العربية وتفاعلاً مع قضاياها لحسن إدارتهم، ولاجتماعهم على قواعد مشتركة سواء في نظرتهم للسياسة والاقتصاد والمرأة والأقليات وغيرها من الأمور التي تختلف عليها بقية الحركات الإسلامية، فهم قد دونوا ذلك وانتهوا منه وهو منشور في كل أدبياتهم ومواقعهم.
ومن المؤسف أن أغلب الباحثين الغربيين يقسّم الإسلاميين في خليجنا إلى فئتين، السلفيين والإخوان، ومع أن رسم خط فاصل واضح بين التوجهين من رابع المستحيلات، يكاد يسبقها الغول والعنقاء والخل الوفي، إلا أن هناك نمطية غريبة في التمييز بين التيارين، منها قصر اللحية والثوب والانفتاح على الآخر (مع اختلاف المفهوم هنا) إلا أن هذه نمطية غير صحيحة، وكم سمعت من ينمط أشخاصاً على أنهم من الإخوان مع أنهم تبليغيون أو سلفيون.
إن حجم الإخوان عربياً أكبر منه خليجياً، فهم في الخليج قلة قليلة، ولكن إسقاطات الخارج والتأثيرات الأمنية جعلت من هذه القلة القليلة غولاً مفترساً يجب وضعه تحت الاختبار وقياس تأثيره على السياسة العامة لبعض الدول، والخوف الغربي من التأثير الإخواني بعد ثورات الربيع العربي جعل دول الخليج محط نظره و»بندره»، وهذا غير صحيح.
وقد برزت شخصيات تنتمي للتيار الإخواني وتأثرت به في منطقة الخليج عُرفت بالدعوة إلى الخير، وقدمت خدمات جليلة لمجتمعاتها وكانت سبباً في نشر الوسطية والاعتدال في أوساط كثير من الناس، وسأبدأ بذكر بعض الشخصيات القطرية التي توفاها الله والتي كان لي شرف معرفتها، مثل: الدكتور محمد قطبة رحمه الله، والدكتور محمد نور المراغي رحمه الله، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، في الكويت الشيخ أحمد القطان، والدكتور طارق سويدان، والشيخ الدكتور محمد العوضي، والشيخ عبدالله المطوع (بو بدر) رحمه الله رئيس جمعية الإصلاح في الكويت سابقاً، وفي الإمارات الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، والدكتور علي الحمادي، والشيخ الدكتور محمد بن عبد الرزاق الصديق، وفي البحرين الشيخ عبد الرحمن بن أحمد الجودر رحمه الله، والشيخ الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، بالإضافة إلى شخصيات أخرى انتقلت إلى جوار ربها أو تنتظر.
ملاحظة:
نُشر المقال هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق