في المقال التالي، الذي وصلني على بريدي الإلكتروني، يعرض الدكتور ضرغام الدباغ للعقلية الايرانية في إدارة (الأزمات) مع الولايات المتحدة، مؤكداً ان السياسي الإيراني، أياً كان، يتعامل في هذا الصدد بطريقة بائع السجاد في بازار طهران..
فن إدارة الأزمة في إيران
د. ضرغام الدباغ
أتابع منذ سنوات عديدة الشؤون الإيرانية، وكلما تأملت ملفاً من الملفات الإيرانية، أكاد أصل دائماً إلى نتيجة واحدة أو متشابهة، أن الأزمات، تدار وكأنها لعبة بلاي ستيشن، مع الفارق أنها لمعارك تدور رحاها في صفحات الصحف فقط، فقد تلقيت مرات عديدة تفاصيل خطط هجوم دقيقة على إيران، ولطالما استلمت في بريدي تفاصيل قصف المنشآت النووية، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث بالطبع .
هناك العديد من الملفات بين إيران والولايات المتحدة، ومن أهم تلك: الملف النووي، ملف التصادمات المتعمدة والعفوية في ساحات التعاون والعمل المشترك كحلفاء وهي العراق وأفغانستان، وربما ساحات محتملة أخرى، وملف اغتيال السفير السعودي في واشنطن، واليوم ملف الملاحة في الخليج العربي، (وهي مياه دولية خارج نطاق السيادة الإيرانية)، هذا غير العديد من الملفات الصغيرة حول حقوق الإنسان وغيرها، وهي ملفات لا تثيرها الولايات المتحدة مع إيران، وهذه ليست مصادفات.
يلاحظ أن القاسم المشترك الأعظم في مسارات كل أزمة قي هذه الملفات، أن الأزمات عندما تتصاعد ويخيل للمتابع أن الانفجار قادم لا محالة، والمسألة هذه المرة جادة، فجأة نلاحظ انفراجاً سحرياً وكأن هناك إشارة من عصا المايسترو تخفض من حدة الصخب لدرجة الهمس الودي، كأن المايسترو يقول للعازفين كفى ليس لهذه الدرجة...!.
في السياسة ليست هناك ألعاب سحرية ولا طلاسم، والأمر وما فيه، أن هناك حلفاً سرياً، فضحته الأحداث الكثيرة على مدى العقود الثلاثة المنصرمة، بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، وهذا هو في الواقع سر عدم حصول ليس انفجار، ولا اصطدام، بل ولا حتى احتكاك بين هذه الأطراف على الرغم من تشابك المصالح في المنطقة المليئة بالمتناقضات والمفاجئات، ففي هذه المنطقة تفجرت التناقضات أكثر من مرة بين أطراف حلف استراتيجي (الولايات المتحدة/ بريطانيا وفرنسا)، بل وحدثت تناقضات ظاهرة أو خفية حتى بين الولايات المتحدة وحليفتها المدللة لإسرائيل. لماذا إذن صمد حلف الولايات المتحدة من إيران رغم هذه الملفات التي تنطوي كل منها على تناقضات متفجرة ....؟
أبسط تحليل سياسي بهذا الصدد هو أن الأطراف الثلاثة ما زالت مقتنعة بقوة بجدوى التحالف وضرورته وأهمية استمراره، وأن التناقض بين أطراف تحالف ما، أي تحالف، لابد أن ينطوي في بعض صفحاته على تخالف في المصالح، وهذه تناقضات ظهرت حتى بين الدول الشيوعية رغم الالتزام الأيديولوجي الموحد بينها، فحصل أن تناقضت الصين والاتحاد السوفيتي، ثم الصين مع سائر الدول الشيوعية عدا ألبانيا، ثم بين يوغسلافيا والاتحاد السوفيتي، ثم بين رومانيا والاتحاد السوفيتي، وبين ألبانيا والصين الشعبية، ناهيك عن خلافات أمكن تداركها وإبقاءها ضمن الأروقة السرية.
رغم كل هذه الشواهد التي نسوقها، في احتمال نشوب تناقضات بين أطراف أي تحالف بين دول، ووجود تناقض بين أطراف التحالف الثلاثي: الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، إلا ان قوة التفاهم على توافق المصالح في أفقه الاستراتيجي يرجئ دائماً تطور التناقض إلى أكثر من تصريحات حتى في حال بلوغها درجة الانفجار، أو هكذا يخيل، واللعبة مكشوفة النوايا، فالأمريكان يدركون أن الإيرانييون كعادتهم عبر التاريخ يبالغون ويتدللون عليهم وفق نظرية (عرف الحبيب مقامه فتدللا)، فتعود اللهجة الناعمة الرقيقة بين الأحباب.
إحدى صحف المقدمة في ألمانيا وصفت قبل أيام الأزمة الأخيرة بأنها عاصفة في فنجان، فالتهديد مثير للتساؤل والدهشة، أن تهدد سفن وزوارق بعضها مطاطي والآخر فايبر كلاس، هي في مواجهة محتملة كهذه، تعد من صنف ألعاب الشباب من الهواة، مسلحة برشاش من طراز دوشكا 12,7 ملم، تهدد حاملات طائرات والسفن المرافقة لها والقادرة على إحالة أي مزحة من هذا القبيل إلى دراما/ كوميدي في مياه البحر.
أقصى ما يمكن أن تفعله إيران، هذا إذا غامرت وفعلت ذلك، أن تبث ألغاماً على الأرجح من النوع البسيط في الخليج، أو أن تغرق قطعة بحرية في المضيق، قال الأمريكيون أن إيران لا يعقل أن تكون جادة، لكن بوسعها أن تفعل ذلك، ولكن بوسعنا أيضاً أن نفعل ما نريد وبسهولة ونعيد فتح الممر البحري.
العقل السياسي/ العسكري الإيراني يخلط المبالغة بالقدرات الحقيقية، الواقع بالخيال، والمغامرة بالمجازفة، والتراجيديا بالكوميديا، فينجم عن ذلك كله خلطة إيرانية بامتياز، غالباً ما بالعودة للمربع الأول، وبالفعل تراجع المسؤولون الإيرانيون بعد أيام معدودة ومسحوا تصريحاتهم النارية، بكلمات ودية، عن مضيق هرمز، وضرورة بقاء الملاحة فيه مفتوحة، بل إن إيران هي من تضمن بقاؤه مفتوحاً للملاحة الدولية ..؟
أغلب الظن أن القيادة الروحية/ السياسية الإيرانية قررت إجراء مناورات سياسية بالدرجة الأولى، وإبداء ما يمكن إبداؤه للمساهمة في السجال الدائر حول سوريا ولتخفيف الضغط عنها، وعن هذا بالضبط عبر أحد المسؤولين الإيرانيين بقوله، ربما نستطيع إبداء العون لسوريا عن بعد ولكننا لا يمكننا إنقاذ النظام.
وفي هذا السياق أيضاً قرأت اليوم أن الإيرانيون يتفاوضون عن النظام السوري، وتلك مفارقة أخرى، والسعي لعقد صفقات مع المعارضة السورية، ولكن مقترحاتهم وحلولهم للأزمة قوبلت برفض المعارضة.
إذن فالمؤشرات تشير على أن هذه التحركات هي استعراضات سياسية لتخفيف الضغط عن واحدة من الملفات، يراد منها القول أن لدينا إمكانيات وقدرات نحن قادرون على تحريكها وقت نشاء.
الأمريكان لهم خبرة قديمة في التعامل مع العقلية السياسية الإيرانية، وخبرتهم طويلة تعود إلى فجر تاريخ إيران السياسي الحديث، فالإيراني هو إيراني في نهاية المطاف، إن كان ملكاً قاجارياً، أو شاهنشاه آري مهر، أو آية الله العظمى، السياسي الإيراني يبدأ بطرح الموقف في حدوده العليا، كأي بائع سجاد في بازار طهران، ثم ما يلبث بعد المساومة معه أن يتراجع في سعره، حتى ليكاد يبكي بالقول أن هذا هو سعر التكلفة، فيضحك المشتري الأمريكي المتخمة جيوبه بالدولارات، وهو يعلم أن البائع الإيراني يغشّه، ولكن بخفة دم مقبولة ومحبوبة، تآلف معها وتآلفت معه، وصار أحدهما يفهم الآخر على الطاير .
ولكن ليس دائماً تأتي حسابات الحقل مطابقة لحسابات البيدر.
هناك تعليقان (2):
التاريخ يخبرنا ان سقوط بابل واحتلالها وتحطيمها تم عندما اتفقت زوجة ملك الفرس سارة اليهودية وتعاونت مع اليهود في الجانب الاخر من بابل للأحتلالها وتحطيمها. وما يجلب النظر هو كمية الحقد والهمجية لعدو قديم وهم الفرس، لم يكتفوا بأحتلال مملكة بابل ولم يكفيهم القتل والذبح للأنسان والحيوان بل تعدى ذالك الى تهديم حدائق بابل المعلقة!!
أي بشر أو اي عدو هذا الذي لم يهتم او يفهم ما هي الحديقة وليست اي حديقة انها من عجائب الدنيا ولكم هذا العمل يبين كمية الحقد والجريمة والكراهية لعدو شرير مولع ومحب للدم والتخريب منذ القدم.
وانا أتعجب من تلك الملايين تهرع راكظة، زاحفة بأمرة من أعاجم مختبئون في سراديب ويدعون انهم "قنادر" عتيقة ليس لهم هم غيرجمع المال الذي لايشبعون منه.
لنقرا مقالة الدكتور عبدالإله الراوي حول موضوع ايران ومفاعلها وامريكا واسرائيل
تحياتي و محبتي و تقديري لأستاذنا الفاضل الاستاذ مصطفى. موضوع المقال و ما جاء فيه و السيد الكاتب الدكتور ضرغام كلها امور متميزة. هكذا أنتم دائماً تبهرونا بمفاجاتكم و مواضعيكم أيها الأستاذ العزيز. استاذنا الكاتب الدكتور ضرغام قد غطى الموضوع بشكل رائع لكن بقي من وجهة نظري المتواضعة جانباً شديد الأهمية لم يغطه و هو في تقديري يمكن أن يساهم في إلقاء الضوء على كثير من المظاهر الغامضة و الغريبة في مشهد العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية و التي لا أظن أن صفة البراغماتية الايرانية لوحدها يمكن أن تكون سبباً كافياً لتوضيحها. بالتأكيد أنا هنا لا يمكن أن يوقعني جهلي في الشك و لو للحظة أن السيد الكاتب يمكن أن يكون نسي أو تناسى هذا الموضوع أو غابت عنه فكرته و لكنه الاسلوب الذي يختاره الكاتب لمعالجة الموضوع و طريقته في إستثارة قرائه و دفعهم للتفاعل و بناء الاستنتاجات المنطقية. الجانب الاخر المهم في المسألة بنظري هو في العقلية الأمريكية و العقلية الإسرائيلية و نظرتيهما الى العرب و بلاد العرب و استراتيجيتيهما تجاه تلك البلاد و أولئك القوم و إختلافها عن نظرة أمريكا و إسرائيل لإيران و للإيرانيين. فكل مشهد علاقة بين طرفين أو عدة أطراف لا يمكن أن ترسم ملامحه من طرف لوحده و بمفرده و هذه الفكرة هي عادة ما تكون مغيبة أو مقصاة عن التحليل سواء عن قصد او من دون قصد و ذلك مما يوقع البعض في تصورات و إستنتاجات خاطئة و هنا لابد أن أوضح فأقول أن السيد الكاتب و هو الغني عن شهادتي هو بالتأكيد ليس من أولئك الذين يمكن أن نظن أنهم يتورطون في هكذا مسلك و ذلك لمعرفتنا بعمق ثقافته و تفكيره و تاريخه النضالي و تبنيه للفكر اليساري. أعود فأقول هكذا يتورط البعض في تفسير الظواهر الشاذة و الغريبة في العلاقات الايرانية الامريكية الاسرائيلية على انها ذكاء و شطارة و عمق تفكير من الايرانيين و بنفس المنطق يفسر مشاكل الاخرين مع أمريكا على ان سببها أخطاء و إساءات ارتكبوها بحق امريكا أو اسرائيل من ساءت علاقاتهم معهما و من هذا المنطلق يلقي البعض اللوم على القائد الشهيد صدام حسين في أنه أخطأ في تصرفاته و لولا أخطائه لما إستهدفته أمريكا و لما أسقطته و لما تحملنا نحن العراقيين ما تحملنا جراء ذلك. ينسى أولئك أن نظرة أمريكا و إسرائيل لإيران في الاصل و مكانة ايران لديهما في الاصل و ابتداءاً هي مختلفة عن نظرتيهما للعرب و مكانة العرب لديهما. إسرائيل سرقت العرب و هي تقاتلهم على أرضهم و هذه قضية يعرفها اصغر طفل في اسرائيل و هي حاضرة في ذهنه فيما هي لا تشعر بمثل هذا الشعور مع الايرانيين فهي لا تقاتلهم على أرضهم بل تستغرب منهم أن يساعد أحدهم العرب و تعتبره جاهل لا يعرف مصلحة ايران و الايرانيين أو مجرد بياع كلام مقتنص للفرص ، أما امريكا فهي تعتبر العرب مصدر للعقيدة الاسلامية المتخلفة و المتطرفة و المعادية بنظرها للعالم و ان الشعوب العربية بنظرهم هم باشد الحاجة لنزع هذه الأفكار الشريرة من عقولهم و من قلوبهم فيما الايرانيون في نظر أمريكا و إسرائيل شعب صاحب تاريخ و حضارة و مجد و فكر و فلسفة و قد وقع ضحية إنتهاك العرب المسلمين البدو الرعاع الذين حطموه و اذلوه و ابدلوا عقائده الفلسفية العميقة بالتفكير العربي السطحي الاجلف. إن الولايات المتحدة و اسرائيل لن تطمئن على مصالحها الحيوية في قلب العالم القديم الا بعد ان تنزع من الشعوب العربية عقائدها و وعيها القومي العربي الاسلامي لانه هو بنظرهم مصدر الخطر الاكبر على أهدافهم و مصالحهم حيث بسببه يشعرون العرب ان فلسطين سلبت منهم و بسببه ينتشر بين الشعوب الارهاب و تنتشر افكاره. لقد فكر بعض المتطرفين الامريكان بقصف الكعبة بالقنابل النووية و فكر احدهم بحرق القران المكتوب باللغة العربية و هم يستحيل أن يطمئنوا لنا و يعطونا الثقة كما يفعلون مع الايرانيين. فالسارق لا يمكن ان يولي ظهره لمن سرقه و هذه الفكرة لا يمكن أن تغادر عقولهم خصوصا و قد ادركوا ان وكلائهم الحكام التقليديين قد فشلوا في ترويض هذه الشعوب فجاؤوهم بالفوضى الخلاقة ليمزقوهم عبرها و يغيروا وجودهم المادي و المعنوي فتغدوا الارض لهم امنين مطمئنين. من هذا الجانب ياتي تفسيري المتواضع للدلال الايراني و استمرارها بالربح الدائم دون اي خسارة و ليس فقط من جانب الذكاء و البراغماتية فقط. ايران اليوم تمد اذرعها من باكستان و افغانستان شرقا و حتى بلاد المغرب العربي غرباً و قريبا جداً ايران ستصبح قوة عسكرية نووية و لربما هي بعد هذا ستعطى مقعد في مجلس الامن فلا تستغربوا بعد ذلك يا اخوة تصريحات السليماني و البيتنجاني لان الجماعة تاتي رياح الصراع الامريكي الاسرائيلي العربي لصالحهم. اعتزازي و تقديري و محبتي للجميع و أعتذر عن الاطالة
إرسال تعليق