ملامح "الحب" على ضفتي الخليج العربي أكثر من واضحة، ومع ذلك تخفى على البعض، ربما لأنها "حب" من طرف واحد، طرف يهدد ويرعد ويزبد، وطرف آخر يتلقى كل تلك "العواطف" الجيّاشة بكثير من الصدود أحياناً، وربما بشيء من "الجحود" أحياناً أخرى!
والمقال التالي يعرض جانباً من تلك الملامح..
"الود" الإيراني
عبدالله إسكندر
لا تتردد طهران في إرسال إشارات «الود» إلى جيرانها في الخليج العربي. وهي إشارات يومية يصعب تعدادها لكثرتها. لكنها تقع عملياً تحت بنود عامة.
من هذه البنود:
عدم التوقف عن المناورات العسكرية على أنواعها، البحرية والبرية والجوية، وتجارب صاروخية من كل الأنواع، إضافة إلى الاشتباه بأنها تسعى إلى تطوير سلاح نووي.
التدخل المباشر في شؤون عربية، كما يحصل في العراق ولبنان وحالياً في سورية، مع الاشتباه بدور لها في تحركات في دول عربية أخرى خليجية، خصوصاً البحرين واليمن مع محاكمات في بلدان أخرى لأشخاص يشتبه بارتباطهم بالجهة الإيرانية.
التهديدات اليومية لسياسيين وعسكريين ورجال دين فاعلين، في طهران، باستهداف عسكري لمناطق خليجية في أي مواجهة، حتى وإن كانت ذريعتها الرد على قواعد أميركية.
التأكيد المستمر لإغلاق مضيق هرمز بالقوة في حال اعتبرت طهران أن العقوبات الدولية عليها ستتسع وتهدد مداخيلها النفطية. وتعتبر أن هذا الإغلاق من حقها لأنها قوة إقليمية ودولية تملك القدرة على ذلك، وأنه رد على الغرب الذي تعتبره متآمراً عليها بحرمانه من مصادر الطاقة التي تمر عبر المضيق. لكنها تعتبر في الوقت نفسه أن من حقها أيضاً منع البلدان المنتجة المطلة على المضيق من التصدير.
هذه هي أهم إشارات «الود» الإيراني في اتجاه الجيران العرب الذين حذرتهم طهران قبل أيام من مغبة الاستمرار في التصدير في حال فرضت عليها عقوبات نفطية.
كل هذا «الود» على العرب أن يتقبلوه برحابة صدر وبامتنان، وألا يفكروا بمصالحهم ومداخيل التنمية في بلدانهم وعلاقاتهم مع العالم الخارجي. كل ذلك كرمى إيران المصرة على سياسة عدائية إزاءهم والمعتمدة على الضبابية والغموض في ملفها النووي، بما يقلق جيرانها ويثير حفيظة العالم.
قبل أيام، حذر مسؤولون إيرانيون، في إشارة «ودية»، «الجيران العرب»، في حال فرض عقوبات أوروبية على النفط الإيراني. وهي إشارة تعيد إلى الأذهان تحذير صدام حسين قبل غزوه الكويت. وأردف الإيرانيون هذه الإشارة «الودية» بأخرى لا تقل «وداً» بتهديدهم إغلاق مضيق هرمز.
في ظل هذا المناخ، كان لا بد من أن يوضح المنتجون الآخرون للنفط في المنطقة موقفهم في حال نقص الإنتاج وأيضاً من إغلاق هرمز، الأمر الذي ينعكس مباشرة ليس على مصادر أموالهم فحسب وإنما أيضاً على العلاقة بين المنتج والمستهلك والاستقرار الاقتصادي العالمي. وجاء تصريح وزير النفط والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي في هذا السياق لطمأنة الأسواق بأن بلاده تستطيع زيادة إنتاجها.
لكن هذا المسعى السعودي بات، في المفهوم الإيراني، «خطوة غير ودية» إزاء إيران. وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بدعوة السعودية إلى «التفكير ملياً (في تهديد ديبلوماسي مبطن) وإعادة النظر (التدخل المباشر في قضية سيادية وكيفية تحديد السياسة النفطية)» في خطوة تعويض نقص المعروض في السوق. لأن هذه السياسة «إشارات غير ودية» إزاء طهران.
هذه هي طبيعة «الود» الذي تريد إيران أن تفرضه على جيرانها. تقوم هي بكل ما أوتيت من إمكانات بالتهديد والوعيد والتحذير وعرض القوة والتدخل المباشر وغير المباشر. وعلى جيرانها أن يتعاملوا مع كل هذه الظواهر على أنها «إشارات ودية» إزاءهم. أما أن يفكر هؤلاء الجيران بمصالحهم وان يحددوا سياستهم وفق هذه المصالح، فهذه هي «الإشارات غير الودية» التي ينبغي عليهم الامتناع عنها... هكذا يكون «الود» الإيراني، وهذه هي شروطه.
ملاحظة:
نُشر المقال هنا
هناك تعليقان (2):
وردت في هذا المقال إشارة نقلها الكاتب على ما يبدو من أحاديث حاولت إقران التصرف الإيراني الأهوج بالتهديد بغلق مضيق هرمز بخطوة اخترعتها المخيلة المعادية للعراق والمسكونة بالرغبة في تشويه سمعة الحكم الوطني العراق وقائده الشهيد صدام حسين وهي الزعم بان الرئيس الشهيد هو الآخر سبق أن أطلق تهديدا مماثلا لدول الخليج عام 1990. والحقيقة لا وجود لهذا التهديد ولم يرد الا في هذه الأحاديث التي لا يمكن لأصحابها أن يتناولوا موقفا سيئا في سلوك أعداء الشعب العراقي المتمثلين بعملاء إيران وأميركا واسرائيل المتحالفين على تهديم العراق إلا وحاولوا موازنته بشتم الحكم الوطني في العراق. ولا يبدو الكاتب السيد اسكندر ولا يبدو أن الكاتب من هؤلاء لكنه قد نقل عنهم،واتمنى عليه ان يصحح غلطته.
بالتأكيد ان ماتفضل به الاخ القارئ غني نعمان صحيح تماما، وقد انتبهت الى العبارة لدى قراءتي للمقال اول مرة، وكنت ارغب بالتعليق عليها ودحضها، ولكن مشاغل العمل اخذتني بعيدا.
نعم لم يعمل العراق على تهديد الامن والاستقرار في الخليج العربي يوما ما، بل كان دائما عامل قوة واقتدار في المنطقة، واعتقد ان كلام الامير تركي الفيصل في مؤتمر الامن الخليجي الاخير في المنامة كان أكثر من واضح، وانصف العراق في هذا الصدد.
شكرا للاخ غني نعمان الذي اكد على هذه الحقيقة بما تستحق.
إرسال تعليق