موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

السبت، 28 يناير 2012

لا أحد يملك الحلّ في سوريا

بيترهارلينغ، مدير قسم سوريا ولبنان والعراق في مجموعة الأزمات الدولية، نشر مقالة جديرة بالقراءة في الـ Foreign Policy (فورن بوليسي) عن مآل الأوضاع في سوريا.
وكما ينطق عنوان المقالة فإن المعارضة والحكم في سوريا، والمجتمع الدولي، عاجزون، لأسباب شتى، عن إيجاد حل لمشكلة كبرى تنزلق إليها العزيزة سوريا، بل قد يبدو الجميع، من وجهة نظر الكاتب، متواطئاً في جرِّ البلاد إلى حرب أهلية.
وجهة نظر جديرة بالقراءة العميقة، وهذه هي الترجمةالعربية للمقالة.



بين النظام والمعارضة والمجتمع الدولي:
 لا أحد يملك الحلّ في سوريا



بيتر هارلينغ *
منذ اندلاع الأزمة في سوريا، ولأشهر طويلة، لم ينجح أي طرف من الأطراف المعنيّة، سواء كان النظام السوري أو المجتمع الدولي أو حتى المعارضة في الخارج، في أن يقدّم أي أمل يوحي بأفق حلّ لهذا التدهور الخطير الذي تنجرف إليه البلاد.
بل على العكس، يبدو الجميع "متواطئاً"، على نحو متزايد، في جرّ سوريا إلى حرب أهليّة لن تصبّ في مصلحة أي جهة بالتأكيد، بل ستزعزع الاستقرار في المنطقة لسنوات طويلة. علاوة على ذلك، تهدّد المطالب "المتطرفة"، التي يطلقها كل طرف من جهته مؤخراً، بنسف أي فرصة للتفاوض في هذه المرحلة الانتقالية.
من الناحية الأولى، تقوم رؤية النظام على عمليّة سحق "مثيري الشغب" المدعومين من الخارج من ناحية، والانفتاح على مطالب الشعب عبر الوعود الإصلاحية من ناحية أخرى، على غرار ما حصل في الأردن والبحرين... في هذه الأثناء، يحرص النظام، كما حلفاؤه، على أن يصدّق خصومه أنه ما زال قوياً، وعلى أن حركة الاحتجاج ليست كما تبدو، بل يجري تضخيمها عبر وسائل الإعلام المعادية، وعلى أن "المؤامرة الخارجية" عاجزة، وأن المجتمع السوري مصاب بمرض تفشي السفاحين والأصوليين والعملاء، ويتطلّب ذلك علاجاً قاسياً.. عبر الأجهزة الأمنيّة.
في الواقع، تُعدّ هذه الرواية منقوصة من نواحٍ عدة. فعلى امتداد عشرة أشهر، ظهر جلياً أن النظام السوري يعاني من تآكل في هياكله السياسية الداخلية، التي أصبحت غير قابلة للإصلاح. أما السلطة التنفيذية فقد فقدت أي قدرة على تنفيذ سياساتها، كما أن الحزب الحاكم أصبح بمثابة قنبلة فارغة. صحيح أن القوى الأمنية تظهر تماسكاً ملحوظاً واستعداداً فائقاً للقتال، ولكنها تتحول على نحو متزايد إلى قوة معزولة عن المجتمع. أما السبب، فيمكن تفسيره بأن بسط الجيش نفوذه يعتمد على طبيعة حركة الاحتجاج التي كانت لا تزال سلميّة بسوادها الأعظم، أما الآن وقد توسعت أعمال الشغب، فيبدو أن الجيش قد بدأ يفقد قبضته، لا سيّما أنه فضّل في المرحلة الأخيرة اعتماد خيار عدم استخدام العنف كثيرا، خوفاً من أن يُستغلّ ضدّ سوريا في المجتمع الدولي.
في الوقت نفسه، يبدو أن الاقتصاد ينهار بشكل متسارع.. أما المتضرّر الأكبر فهو "الأغلبية الصامتة" من السوريين، التي يدّعي النظام أنها إلى جانبه، في حين أنها غاضبة وخائفة من الطرفين: قادة البلاد المرتابون من حركة الاحتجاج، والمعارضة في المنفى والعالم الخارجي العاجزان عن تقديم أي أفق واضح للخروج من الفوضى التي تُغرق البلاد.
أما على المستوى الشعبي، فتبدو الصورة مختلفة أيضاً عمّا يودّ النظام وحلفاؤه والمتعاطفون معه أن يعتقدوا. فالحركة الاحتجاجية الغائبة عن الرواية الرسمية منذ الأيام الأولى، صحيح أنها ضمّت بشكل واسع مجموعة من قطاع الطرق والخارجين عن القانون والمتطرفين الموجودين بوضوح داخل المجتمع، إلا أن هناك جانبا إيجابيا في هذه الاحتجاجات وهو يعدّ السلاح الأفضل لمواجهة "الشياطين" الذين يتحدّث عنهم النظام.
منشقون عن الجيش السوري في ضاحية دوما قرب دمشق

نظرية المؤامرة في هذا الإطار لها حدودها. صحيح أن الحركة الشعبية لم يكن لها لتعيش وحدها من دون التعاطف، غير المهني في كثير من الأحيان، من قبل وسائل الإعلام العالمية، فضلاً عن نيل الدعم اللوجستي من الشتات السوري المنتشر في الخارج. ومهما تكن هذه العوامل صحيحة ومقلقة وتحمل في طياتها بوادر مؤامرة، إلا أنها لا تلتقي بأي شكل مع الرواية السورية الرسمية التي تستند إلى نظرية أن هناك مجموعة من الإرهابيين الدمويين المموّلين من الخارج يحركون ما يجري على الأراضي السورية.
من جهته، يبدو المجتمع الدولي عاجزاً ومنقسماً على نفسه إلى حدّ بعيد. لقد فشل في التصرّف بحسم لغاية الآن. في البداية، أمل الغرب أن ينجح النظام في إدارة الأزمة، وبالتالي يوفّر عليه أي مغامرة محفوفة بالمخاطر في تلك البقعة الحساسة من المنطقة، غير أنه أصبح في قلب الأزمة. في المقابل، تشعر روسيا بالقلق إزاء عدم الاستقرار المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، لا سيّما في ظلّ محاولات الغرب المتعجرف لدفع أعماله دائماً تحت ستار القيم الأخلاقية النبيلة.
أما الجامعة العربية بدورها فقد انخرطت بنيويا في الأزمة السورية، عبر إرسال مراقبين، ربما فشلوا بحل الأزمة، لكنهم كبحوا التصعيد في العنف من أي طرف أتى، وهو الأمر الذي لم يكن أحد ليتوقعه في غيابهم. للأسف، كان أكثر أعضاء الجامعة، الذين أبدوا حزماً في التعامل مع الأزمة، من الأطراف الأقل مصداقية لاتخاذ زمام المبادرة، وتحديدا الممالك الخليجية التي بعدما اتحدت لإخماد الاحتجاجات الشعبية في البحرين، مالت إلى تبني منظور طائفي للأحداث الإقليمية، فيما لم تقم سوى بالقليل على مستوى الإصلاح في الداخل... ناهيك عن تعثر دول عربية أخرى منشغلة في التوترات لديها، في وقت لا تثق بالغرب نظرا لسجله الحافل في جعل الأمور أسوأ في هذا الجزء من العالم... فكانت النتيجة على شكل جهد بطيء ولكن محدد، يهدف إلى اعتراض النظام عبر مجموعة من القيود تجبره على الاعتراف بحقيقة الأزمة الداخلية والتفاوض على الخروج، والوقوف في المقابل ضد أي مساع تمهد للتدخل الغربي. إلى ذلك، أُعلنت الخطة الانتقالية هذا الأسبوع متحدثة عن دور مؤقت لنائب الرئيس السوري، وإقامة حكومة وحدة وطنية، وانتخاب لجنة دستورية، وإصلاح الأجهزة الأمنية، الأمر الذي من شأنه توفير آلية يمكن البناء عليها وتعزيزها. إذا حظي التفاوض حول انتقال السلطة بدعم كل الأطراف، سوف تُمارس عندها ضغوط هائلة على النظام الذي يعتمد اليوم على الدعم الروسي...
يكمن الجزء الآخر من المشكلة في الأداء الضعيف للمعارضة في المنفى. فأعضاؤها، الذين يتحدثون مرارا وتكرارا على شاشات الفضائيات عن معاناة ذويهم في بلدهم الأم، أهدروا في الواقع الجزء الأكبر من طاقتهم في الخصومات الشخصية، والضغط من أجل الاعتراف الدولي بهم، ومناقشة تدخل أجنبي - إن كان مرغوبا به أم لا - لن يحدث ببساطة في المستقبل المنظور. وبدلا من قيادة الطريق إلى الأمام، ركزت هذه القيادات على تعقب مزاج الشارع، مغلقة الباب في وجه أي انتقال للسلطة عن طريق التفاوض، ومنتقدة مبادرة جامعة الدول العربية بدلا من اقتراح سبل لتحسينها، كما فشلت في التعبير عن استراتيجية ذات مصداقية وقابلة للتطبيق...
وفي الخلاصة، عجزت كل الأطراف المعنية في الاتفاق على ما يمكن أن يكون شكل ومضمون أي قرار صائب قد يصدر عن مجلس الأمن: عدم تأييد التدخل العسكري الأجنبي واضح، سواء لطمأنة روسيا، أو لأن هذا الأمر في ظل الصراع الحالي ليس من ضمن الخيارات المطروحة حاليا، دعوة جميع الأطراف لوقف إطلاق النار، إلقاء اللوم على النظام لجلبه البلاد الى شفا الحرب، تحميله المسؤولية الكاملة عن مساعي إيجاد الحل؛ مطالبته بتنفيذ خطة الجامعة العربية للمرحلة الانتقالية، الإصرار على احترامه الاحتجاجات السلمية مع تعزيز دور بعثة المراقبين العربية، بالإضافة إلى نشر مراقبين عرب داخل جهاز الأمن المطلوب لمواجهة الجماعات المسلحة.
في النهاية لن يكون مفاجئاً، في ظلّ غياب أي بصيص أمل أن يستفحل اليأس في المجتمع السوري. وقد بدأت بوادر الأخير تظهر في أشكال متعدّدة، جميعها ذات طابع عنفي. فعندما يشعر السوريون بأن جهودهم الجماعية ذهبت سدى، وبأن العالم قد تخلى عنهم، فإنهم سيلجأون بشكل واسع إلى محاربة النظام بأساليبه، الأمر الذي يهدّد بالتحول إلى مشهد أكثر تفتيتا ووحشية. ومن السهل أن يشعر أولئك "اليائسون" بأن الله وحده قادر على مساعدتهم، الأمر الذي يدفعهم للارتماء في أحضان الإسلاميين، في حين أن الاحتياجات اللوجستية لهذه الجماعات يمكن أن تساعد في تعزيز هذه الظاهرة إلى حد كبير، الأمر الذي يعمّق من الانشقاقات الطائفية.
ولغاية الآن يبدو أن النظام وكذلك خصومه يعوّلان على عامل الوقت، والقدرة على الصمود حتى يستسلم الطرف الآخر. قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن الأمور تزداد سوءاً بحيث يمكن أن يتحوّل الصراع إلى حرب أهليّة ضارية. وعلى الرغم من أن النظام يتحمّل المسؤولية في وصول الحال إلى ما هي عليه اليوم، إلا أن لا عذر أيضاً للمجتمع الدولي وللمعارضة في المنفى للاستمرار في دفع الأمور بهذا الاتجاه المرعب.

مدير قسم سوريا ولبنان والعراق في مجموعة الأزمات الدولية *(عن فورين بوليسي، بتصرّف)


ملاحظة:
نُشر المقال باللغة الانجليزية هنا
ونُشرت الترجمة العربية للمقال هنا


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..