مهاتير محمد، اسم بارز في تاريخ القرن العشرين، انه صانع نهضة ماليزيا، ورئيس وزرائها لاثنين وعشرين عاما، جعلها قوة اقتصادية بارزة في شرق آسيا ومنطقة الباسفيك.
وهو في ىمقالته هذه، يقدم نصيحة لاقتصاديي أوروبا بالاستفادة من التجربة الماليزية التي لطالما تهكَّموا عليها، بينما تعاني منطقة اليورو من أزمات اقتصادية عدة، في مدمته أزمة الديون السيادية في عدد من بلدانها.
أيها الأوروبيون المفلسون.. تواضعوا قليلاً
تعلموا من ماليزيا التي تهكَّمتم عليها يوماً!
تعلموا من ماليزيا التي تهكَّمتم عليها يوماً!
مهاتير محمد *
يقول الماليزيون بما معناه انه «عندما تضيع طريقك ارجع للبداية وانطلق من جديد».
أنا على يقين ان كل واحد منا ضيَّع طريقه في معالجة الازمة المالية الحالية.
الغرب على وجه الخصوص يحتاج الى اعادة التفكير في بعض الاساسيات.
فالعالم لا يزال مشغولاً بمنطقة اليورو، واخذت قضية معالجة اوروبا للازمة المالية اهتماما عالميا، لكن انا شخصيا لدي شكوك حقيقية حول «معصومية» الاوروبيين من الخطأ، واكره بالذات معاييرهم المزدوجة.
سنوات الهيمنة والسيطرة اقنعتهم بأنهم يعرفون اكثر وافضل من غيرهم ما هي المصلحة العامة، وقيمهم يتم قبولها كمعيار عالمي، في حين تهمَّش القيم الآسيوية.
وهذا ما يفسر الحلول البسيطة التي قدموها لدول شرق آسيا عندما افقرها تجار العملات، فقد طلبت الدول الاوروبية عبر هذه الحلول من ماليزيا ان ترفع معدلات فائدتها، وان توفر فائض ميزانية، وتتيح للبنوك والشركات المتعثرة سبيل الافلاس وما الى ذلك.
هذه كانت وصفتهم لجميع دول شرق آسيا.
لكن عندما واجهت اميركا واوروبا ازمتها المالية، لم ينفذوا اي شيء مما طلبوه من ماليزيا ودول شرق آسيا ان تفعله، وفي حين ظنوا ان تلك المعايير تجدي نفعا لآسيا، وجدوا انها لا تناسب الغرب.
بالنسبة لأوروبا كانت الرأسمالية طوال أكثر من عقدين ماضيين قصة مباشرة وواضحة يتحدث عنها الجميع. ولسنوات طويلة، ظلت أوروبا تضع منتجات تغرق أسواق العالم، واحتكرت الأعمال والتجارة العالمية. ووفرت لشعوبها أعلى مستويات المعيشة.
هذه الزيادة في نمو أوروبا وثروتها كادت تستمر إلى ما نهاية، لولا ان جاءت الحرب العالمية الثانية، فبعد تلك الحرب استطاعت اليابان ان تصنع وتنتج بضائع استهلاكية بجودة عالية لكن بسعر أرخص.
ثم جاءت تايوان، وكوريا الجنوبية، وأخيراً الصين وهذا ما جعل الأوروبيين يخسرون بسرعة أسواقهم.
ولأنهم لم يعودوا قادرين على المنافسة، اختار الأوروبيون والأميركيون الأسواق المالية. فاخترعوا منتجات مالية مثل البيع المكشوف على الأسهم، وتجارة العملات والمشتقات، وإقراض الرهون العقارية، والتوريق، والاستثمارات بأموال أغلبها مقترض عبر صناديق تحوط وغيرها، وبد أنهم مستمرون في النمو والازدهار.
لكن لم تخرج من سوق التمويل أعمال تجارية حقيقية، ولم تُخلق وظائف جديدة، وتسبب ذلك تالياً بتراجع التجارة.
ولأنهم أصبحوا جشعين، أفسدوا النظام المالي، واحتكروا السوق بهدف جني المزيد من الأرباح.
في هونغ كونغ عام 1997، تحدثت خلال اجتماع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وألقيت باللوم على التجارة بالعملات كسبب في تفجر الأزمة المالية الآسيوية آنذاك، وقلت لهم إن العملات لم تكن سلعاً ولم يكن ينبغي حينها التداول بها.
لكن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لم يهتما بما ذكرت. بل قبلوا بإعطاء حقوق لتجار العملات تخولهم عدم الإفصاح عن تعاملاتهم أو حتى دفع ضرائب، ومنحوهم هذه الاستثناءات تحت مسمى التجارة الحرة، في حين انه يتوجب على آخرين الإفصاح بشفافية والخضوع لتشريعاتهم.
وبناء على ما نصحونا به، نستطيع ان نستشف اننا كنا سنفلس ونعتمد على قروضهم.
انتقادي لتجارة العملات لم يلقَ سوى الشجب والتنديد.
لكن استغلال وانتهاك السوق المالي لا يدوم للأبد. ففي عام 2008، انفجرت الفقاعة، وافلست بنوك وشركات تأمين وصناديق استثمار وحتى دول.
لكن بالنسبة لمركز الدولار. ربما أصبحت قيمته شيئا لا يذكر لولا انه عملة للتسويات التجارية.
وتماما كما شهدت دول شرق آسيا في السابق، ها هي دول اوروبا واميركا اصبحت فقيرة. ورفضها قبول الفقر نتج عنه نبذ فكرة قبول معايير التقشف.
وهو ما يتراءى في التظاهرات والاضرابات التي تعبر عنها شعوبها رفضا لتلك المعايير. هذا، ببساطة يفاقم الوضع لديهم.
الدول الآسيوية تصرفت على نحو مختلف. فعندما اصبحت فقيرة بسبب تخفيض قيمة عملاتها، استطاعت التأقلم مع الوضع بإمكاناتها وما تملكه.
بعض الدول ذهبت الى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تطلب منه العون والمساعدة، لكن ماليزيا ثبتت معدل الصرف، ومنعت تجار العملات من الحصول على الرينغيت. وقالوا لنا حينها ان اقتصادنا سينهار، وان اي احد لن يقرضنا المال، وحذرونا من تداعيات مروعة. لكن ايا من هذا لم يحدث. واستطاعت ماليزيا ان تنهض بأسرع من البقية.
الاسيويون الآخرون ايضا تعافوا لكن بفضل الشعوب التي اعطت ما تملك من مال ومجوهرات لحكوماتها كي تساعدها في سداد الديون. وبذل العمال قصارى جهدهم، وقبلوا العيش بمستويات اقل من السابق.
الطريقة الوحيدة التي يمكن للأوروبيين ان يستعيدوا بها تعافي اقتصادياتهم هي ان يعترفوا بأنهم فقراء الآن، وعليهم العيش وفق امكاناتهم.
ولهذا عليهم العودة الى قواعد «البيزنس» الحقيقية، التي تنتج السلع وتبيع الخدمات.
وعلى الدول الأوروبية ايضا ان تخفض الاجور والمكافآت ومزايا اخرى كي تصبح تنافسية. اضافة الى ذلك، ينبغي مراقبة الاسواق المالية واشراف الحكومة عليها. كما لا بد من فحص الكثير من المنتجات المالية، ان لم يكن «منعها».
هذه الدول بحاجة الآن الى عقد اتفاقية «بريتون وودز» جديدة بوجود تمثيل كاف من الدول الفقيرة. ودراسة وضع التجارة بالعملات على اساس الذهب، مقابل ان يتم تقييم جميع العملات الاخرى.
اما تقلب اسعار الذهب فربما يصل الى ادنى مستوياته. وقد تتعرض الاعمال والانشطة التجارية الى اضطرابات اقل.
وعلى الحكومات ان تثبت معدل الصرف استنادا الى الذهب او الاداء الاقتصادي، وعدم التداول بتجارة العملات. أما على صعيد البنوك، فينبغي من هذه الدول تنظيمها بشكل افضل، ووضع قواعد جديدة لتجنب الاقتراض المبالغ فيه، والحد من القروض، وتجميد اقراض الرهون العقارية.
في حين ان النظام المالي بحاجة الى توحيده، ودعم الاعمال التجارية الحقيقية. هذه المعايير ستأخذ وقتا، الا انها ستضمن ضآلة نسبة عودة او تكرر هذا النوع من الازمات العالمية.
لا عودة الى الطرق التي كان يسلكها او يختارها العالم من قبل. وعلى الاوروبيين ان يقبلوا بأن ايام هيمنة اوروبا على الاسواق والاقتصاد العالمي قد ولت. وعلى اوروبا ايضا ان تبحث عن حلول لها عند الشرق.
أنا على يقين ان كل واحد منا ضيَّع طريقه في معالجة الازمة المالية الحالية.
الغرب على وجه الخصوص يحتاج الى اعادة التفكير في بعض الاساسيات.
فالعالم لا يزال مشغولاً بمنطقة اليورو، واخذت قضية معالجة اوروبا للازمة المالية اهتماما عالميا، لكن انا شخصيا لدي شكوك حقيقية حول «معصومية» الاوروبيين من الخطأ، واكره بالذات معاييرهم المزدوجة.
سنوات الهيمنة والسيطرة اقنعتهم بأنهم يعرفون اكثر وافضل من غيرهم ما هي المصلحة العامة، وقيمهم يتم قبولها كمعيار عالمي، في حين تهمَّش القيم الآسيوية.
وهذا ما يفسر الحلول البسيطة التي قدموها لدول شرق آسيا عندما افقرها تجار العملات، فقد طلبت الدول الاوروبية عبر هذه الحلول من ماليزيا ان ترفع معدلات فائدتها، وان توفر فائض ميزانية، وتتيح للبنوك والشركات المتعثرة سبيل الافلاس وما الى ذلك.
هذه كانت وصفتهم لجميع دول شرق آسيا.
لكن عندما واجهت اميركا واوروبا ازمتها المالية، لم ينفذوا اي شيء مما طلبوه من ماليزيا ودول شرق آسيا ان تفعله، وفي حين ظنوا ان تلك المعايير تجدي نفعا لآسيا، وجدوا انها لا تناسب الغرب.
بالنسبة لأوروبا كانت الرأسمالية طوال أكثر من عقدين ماضيين قصة مباشرة وواضحة يتحدث عنها الجميع. ولسنوات طويلة، ظلت أوروبا تضع منتجات تغرق أسواق العالم، واحتكرت الأعمال والتجارة العالمية. ووفرت لشعوبها أعلى مستويات المعيشة.
هذه الزيادة في نمو أوروبا وثروتها كادت تستمر إلى ما نهاية، لولا ان جاءت الحرب العالمية الثانية، فبعد تلك الحرب استطاعت اليابان ان تصنع وتنتج بضائع استهلاكية بجودة عالية لكن بسعر أرخص.
ثم جاءت تايوان، وكوريا الجنوبية، وأخيراً الصين وهذا ما جعل الأوروبيين يخسرون بسرعة أسواقهم.
ولأنهم لم يعودوا قادرين على المنافسة، اختار الأوروبيون والأميركيون الأسواق المالية. فاخترعوا منتجات مالية مثل البيع المكشوف على الأسهم، وتجارة العملات والمشتقات، وإقراض الرهون العقارية، والتوريق، والاستثمارات بأموال أغلبها مقترض عبر صناديق تحوط وغيرها، وبد أنهم مستمرون في النمو والازدهار.
لكن لم تخرج من سوق التمويل أعمال تجارية حقيقية، ولم تُخلق وظائف جديدة، وتسبب ذلك تالياً بتراجع التجارة.
ولأنهم أصبحوا جشعين، أفسدوا النظام المالي، واحتكروا السوق بهدف جني المزيد من الأرباح.
في هونغ كونغ عام 1997، تحدثت خلال اجتماع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وألقيت باللوم على التجارة بالعملات كسبب في تفجر الأزمة المالية الآسيوية آنذاك، وقلت لهم إن العملات لم تكن سلعاً ولم يكن ينبغي حينها التداول بها.
لكن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لم يهتما بما ذكرت. بل قبلوا بإعطاء حقوق لتجار العملات تخولهم عدم الإفصاح عن تعاملاتهم أو حتى دفع ضرائب، ومنحوهم هذه الاستثناءات تحت مسمى التجارة الحرة، في حين انه يتوجب على آخرين الإفصاح بشفافية والخضوع لتشريعاتهم.
وبناء على ما نصحونا به، نستطيع ان نستشف اننا كنا سنفلس ونعتمد على قروضهم.
انتقادي لتجارة العملات لم يلقَ سوى الشجب والتنديد.
لكن استغلال وانتهاك السوق المالي لا يدوم للأبد. ففي عام 2008، انفجرت الفقاعة، وافلست بنوك وشركات تأمين وصناديق استثمار وحتى دول.
لكن بالنسبة لمركز الدولار. ربما أصبحت قيمته شيئا لا يذكر لولا انه عملة للتسويات التجارية.
وتماما كما شهدت دول شرق آسيا في السابق، ها هي دول اوروبا واميركا اصبحت فقيرة. ورفضها قبول الفقر نتج عنه نبذ فكرة قبول معايير التقشف.
وهو ما يتراءى في التظاهرات والاضرابات التي تعبر عنها شعوبها رفضا لتلك المعايير. هذا، ببساطة يفاقم الوضع لديهم.
الدول الآسيوية تصرفت على نحو مختلف. فعندما اصبحت فقيرة بسبب تخفيض قيمة عملاتها، استطاعت التأقلم مع الوضع بإمكاناتها وما تملكه.
بعض الدول ذهبت الى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تطلب منه العون والمساعدة، لكن ماليزيا ثبتت معدل الصرف، ومنعت تجار العملات من الحصول على الرينغيت. وقالوا لنا حينها ان اقتصادنا سينهار، وان اي احد لن يقرضنا المال، وحذرونا من تداعيات مروعة. لكن ايا من هذا لم يحدث. واستطاعت ماليزيا ان تنهض بأسرع من البقية.
الاسيويون الآخرون ايضا تعافوا لكن بفضل الشعوب التي اعطت ما تملك من مال ومجوهرات لحكوماتها كي تساعدها في سداد الديون. وبذل العمال قصارى جهدهم، وقبلوا العيش بمستويات اقل من السابق.
الطريقة الوحيدة التي يمكن للأوروبيين ان يستعيدوا بها تعافي اقتصادياتهم هي ان يعترفوا بأنهم فقراء الآن، وعليهم العيش وفق امكاناتهم.
ولهذا عليهم العودة الى قواعد «البيزنس» الحقيقية، التي تنتج السلع وتبيع الخدمات.
وعلى الدول الأوروبية ايضا ان تخفض الاجور والمكافآت ومزايا اخرى كي تصبح تنافسية. اضافة الى ذلك، ينبغي مراقبة الاسواق المالية واشراف الحكومة عليها. كما لا بد من فحص الكثير من المنتجات المالية، ان لم يكن «منعها».
هذه الدول بحاجة الآن الى عقد اتفاقية «بريتون وودز» جديدة بوجود تمثيل كاف من الدول الفقيرة. ودراسة وضع التجارة بالعملات على اساس الذهب، مقابل ان يتم تقييم جميع العملات الاخرى.
اما تقلب اسعار الذهب فربما يصل الى ادنى مستوياته. وقد تتعرض الاعمال والانشطة التجارية الى اضطرابات اقل.
وعلى الحكومات ان تثبت معدل الصرف استنادا الى الذهب او الاداء الاقتصادي، وعدم التداول بتجارة العملات. أما على صعيد البنوك، فينبغي من هذه الدول تنظيمها بشكل افضل، ووضع قواعد جديدة لتجنب الاقتراض المبالغ فيه، والحد من القروض، وتجميد اقراض الرهون العقارية.
في حين ان النظام المالي بحاجة الى توحيده، ودعم الاعمال التجارية الحقيقية. هذه المعايير ستأخذ وقتا، الا انها ستضمن ضآلة نسبة عودة او تكرر هذا النوع من الازمات العالمية.
لا عودة الى الطرق التي كان يسلكها او يختارها العالم من قبل. وعلى الاوروبيين ان يقبلوا بأن ايام هيمنة اوروبا على الاسواق والاقتصاد العالمي قد ولت. وعلى اوروبا ايضا ان تبحث عن حلول لها عند الشرق.
*رئيس وزراء ماليزيا من 1981 وحتى 2003
ملاحظة:
نشرت المقالة باللغة الانجليزية في صحيفة فايننشال تايمز، ونشرت ترجمتها باللغة العربية هنا
هناك تعليق واحد:
السلام عليكم
لمزيد من معلومات مفيدة عن السيد مهاتير محمد.
قاد ماليزيا في أصعب الظروف الاقتصادية ونجح في بناء دولة عصرية باقتصادها ومحافظة على تراثها
الاسلامي الشرقي وهو الذي فتح حدود بلاده لجميع حاملي جواز اية دولة اسلامية واستفاد العراقيون ولازالوامن هذا الكرم وقد تنادت ضده كل دول الشر عندما وصف اسرائيل وصفا لاذعا فقدم استقالته حفاظا على مصالح بلده
وقد لعبت بريطانيا الاستعمارية لعبة خبيثة كررت مافعلته مع العراق عند منحها الاستقلال لماليزيا حيث فصلت
الفرع (جزر بروناي) الغنية بالنفط عن الاصل (ماليزيا).
فتحية مني والعراقيين الى السيد مهاتير محمد والله يحفظه ولشعبه الصديق مزيد من الازدهار.
إرسال تعليق