أثار موضوعنا (الفيدرالية السنّية وتقسيم العراق- وجهة نظر شخصية) المنشور هنا يوم أمس، ردود فعل مختلفة، وقد وردتني العديد من الملاحظات والتعليقات والاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني بشأنه، بعضها يؤيد ويبارك ويشجع، وبعضها يبدي اعتراضه على فكرة هنا وأخرى هناك، كما وردت بعض الرسائل التي تعترض على الموضوع بشكل عام، بل وترفضه تماما.
ومع احترامي لملاحظات السادة القراء والأصدقاء الأعزاء، فما زلت اعتقد بصحة الفكرة الأساسية الواردة فيه، وهي ان السنة العرب الذين كان لهم شرف بناء دولة العراق المعاصرة والدفاع عنها، لأسباب موضوعية وليست طائفية، والذين ذابوا في الوطنية العراقية إيماناً منهم بضرورتها، والذين يتعرضون اليوم لحملة تطهير عرقي وطائفي مقصودة، يتوجب عليهم أن يعملوا على استكمال مهمة تحرير العراق بالحفاظ على وحدته، من جهة، والتصدي للعملاء المتحكمين بأموره، من جهة أخرى، وهي مهمة نبيلة وذات أبعاد إنسانية، وليست قومية ووطنية فحسب، وعليهم أن ينجزوها بأية وسيلة ممكنة، فكل الوسائل متاحة في الحب والحرب، وفي العراق نعيش اليوم حالتي الحب للوطن والحرب من اجله، معاً.
ولعل اهم الردود التي وصلتني، تعقيب الدبلوماسي العراقي السابق والصحفي والأكاديمي المعروف، الدكتور عبدالله الغني، الذي ننشره هنا اليوم، لأهمية ما ورد فيه من أفكار وملاحظات.
مصطفى
..........
تعقيب من الدكتور عبدالله الغني
عند تأسيس الدولة الوطنية العراقية الحديثة، جرت عملية تاريخية للإنتقال من صيغة الإدارة العثمانية البدائية البسيطة المتخلفة للعراق الى صيغة الدولة الكاملة المستقلة ومايعنيه ذلك من القدرة الخارقة والسهر على بناء المؤسسات الوطنية من الصفر تقريبا.
وكانت النخبة العراقية المهيأة لتحمل أعباء هذه العملية التاريخية الرائدة تقوم في معظمها على الضباط العراقيين في الجيش العثماني ومن بعده في الجيش العربي الذي ثار على الحكم العثماني بقيادة الشريف حسين وابنه الأمير فيصل (الملك فيصل الأول فيما بعد) مثل نوري السعيد وجعفر العسكري وياسين الهاشمي ومولود مخلص وعبد الجبار الراوي وغيرهم، يرحمهم الله جميعا.
وكانت مرجعيات المذهب الجعفري في العراق، واغلبها ذات جنسية وولاءات فارسية، تحرم على العراقيين من اتباعها خدمة الدولة العثمانية بدوافع قومية متلفعة بأغطية طائفية. فقد جرت انهار من دماء في معارك طاحنة بين دولة فارس الصفوية والدولة العثمانية، نتيجة النزعة القومية التوسعية الدموية للقيادة الفارسية الممثلة بالشاه اسماعيل الصفوي بعد ان سيطر على دولة فارس في العام 1501 وفرض عليها بقوة السيف التحول من المذهب الشافعي الى مذهب التشيع الصفوي المناهض لكثير من أسس العقيدة الإسلامية (والمختلف تماما عن تشيع المسلمين لآل البيت الأطهار أي محبتهم واحترامهم وهو مايدعى بالتشيع العلوي العربي) من أجل خلق اختلاف ونزاع وصراع ذي طابع ديني بين المسلمين الفرس والمسزلمين العثمانيين والعرب يبرر حشد ابناء فارس ضد أخوانهم المسلمين.
وقد تجسدت هذه الحالة على أرض الواقع في العراق بكون أفراد النخبة العراقية التي تصدَّت في العشرينيات لعبء بناء دولة العراق الوطنية كلهم من اهل السنة والجماعة جراء فتاوى التحريم من المرجعيات الجعفرية.
ولكن هذه الحال لم تدفع قادة الحكم الجدد من العراقيين، ومعهم وعلى رأسهم الملك فيصل الأول، لتغليب انتماءاتهم الأدنى من الوطنية، أي الدينية والعرقية والمذهبية والقبلية والمناطقية، على انتمائهم الوطني الأكبر والأشمل والأعلى، أي الإنتماء للوطن العراقي.
ولم يدفعهم إنتماؤهم الديني والمذهبي الواحد للتعامل مع العراقيين والدولة العراقية من منظور أدنى من المنظور الوطني الجامع الشامل. وعملوا منذ الأيام الأولى للحكم الوطني على معالجة هذا الخلل في الوظيفة العمومية الحكومية.
وكان ابرز عنوان لهذا التوجه الوطني الجامع الشامل لهذه النخبة الوطنية العراقية، تأسيس الجيش العراقي الباسل عام1921، على اسس وطنية جامعة شاملة، وليس على اي اساس فئوي تجزيئي.
وليس مصادفة، إطلاق النخبة الوطنية القائدة للحكم الوطني والمعروف انتماؤها المذهبي، تسمية الإمام موسى الكاظم على أول فوج شكل في الجيش العراقي الوليد.
وقد بذل الملك فيصل وقادة الحكم الوطني جهودا جبارة لإقناع المراجع الجعفرية والأعيان البارزين للتخلي عن الموقف السلبي من الوظيفة العمومية الموروث من أيام الحكم العثماني.
وقد بذل الملك فيصل وقادة الحكم الوطني جهودا جبارة لإقناع المراجع الجعفرية والأعيان البارزين للتخلي عن الموقف السلبي من الوظيفة العمومية الموروث من أيام الحكم العثماني.
ومما يعد سجلا مشرقا لدولة العراق الوطنية ان جميع قياداتها من الملك فيصل الأول وولديه ومساعديه الى الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1958 الى الزعيم أحمد حسن البكر 1963 الى الرئيسين عبد السلام وعبد الرحمن عارف 1963-1968 الى الرئيس احمد حسن البكر والرئيس الشهيد صدام حسين 1968-2003- تعاملوا مع الدولة ومع مؤسساتها ومع الشعب من منطلق وطني شامل ولم يخضعوا الى أي منهج تجزيئي ديني أوعرقي أو مذهبي أو مناطقي.
وكان هذا النهج الوطني الشامل في كل أنظمة دولة العراق الوطنية منذ تأسيسها عام 1921 الى إسقاطها في عام 2003 واحداً من أهم عوامل قوة العراق وعظمة دولته. ولذلك كان هذا النهج أول وأهم هدف للإحتلال والقاسم المشترك الذي اجتمعت حوله جميع أطراف الغزو والإحتلال، أي الحكومتان الأميركية والبريطانية المتصهينتان واسرائيل وايران والأحزاب الإيرانية والإنفصالية الكردية المرتبطة باسرائيل ونظام الكويت.
وفي هذا السياق يأتي تبني الأميركان الدعاية الفارسية الصفوية المناهضة لوجود الدولة العراقية بحذافيرها.
وثمة المئات من الأدلة على ذلك، ومن أبرزها ما اورده بول بريمر، اول حاكم استعماري اميركي للعراق، في كتابه عن عامه في العراق من نقل أمين للمنهج الصفوي الفارسي في الموقف من الدولة العراقية ومن الإسلام بصورة عامة.
ولعل القارىء ما يزال يتذكر التركيز الغربي على ان المقاومة محصورة بـ"العرب السنة" وانها محصورة بـ"المثلث السني" وما الى ذلك من تركيز على بث المفاهيم الطائفية وفرضها على الواقع المناهض للإحتلال، بعد أن اضفاها على المجموعة الخادمة له منذ ما قبل الغزو، وجسَّدها في تشكيلة مجلس الحكم والدستور المسخ والحكومة الموزعة جيوبا وحصصا واسهما كأية مجموعة لصوص يقتسمون غنيمتهم.
لقد فرضت ظروف موضوعية انطلاق المقاومة وتصاعدها في مناطق عراقية بعينها بسبب التركيز العسكري والأمني الإيراني المكثف وممارسته أفظع جرائم الإبادة ضد كل العراقيين المناهضين للإحتلال وللنفوذ الفارسي من أبناء مناطق الوسط والجنوب بحماية كاملة من قوات الاحتلال الاميركية والإيرانية، وبغطاء ديني طائفي من المراجع الإيرانية الحاكمة للمرجعية الشيعية.
ولكن هذا لم يمنع من انتشار المد الوطني في تلك المناطق متمثلا بالدرجة الأولى بانتشار تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي ووقوع الكثير من عمليات المقاومة ضد قوات الإحتلال في تلك المناطق.
إذن، ملايين العراقيين ردوا على الحملة التي تستهدفهم كلهم، على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والدينية والعرقية، باعتبارهم شعبا واحدا ينتمون لوطن واحد ودولة واحدة مما جعل لفعلهم تأثيرا قاصما لظهر الإحتلال.
ومن هذا نرى خطل وغرابة وشبهات الدعوات التي يطلقها سياسيون أو دعاة إسلاميون منحوا انفسهم تمثيل من يسموهم بالعرب السنة للهروب من مسؤوليات العمل في إطار الوطن العراقي الواحد، والتخلي عن الوطنية العراقية الجامعة الشاملة التي حملها بشرف اباؤهم واجدادهم مؤسسو دولة العراق الوطنية العظيمة، واللجوء الخانع الذليل لمنهج التعامل مع العراق ومع دولته وشعبه من منطلق تجزيئي طائفي إنعزالي إنهزامي تحت ذريعة حماية أهل السنة.
ورغم ما قد نفترضه من حسن نية لدى هؤلاء، فإن عملهم شاءوا أم أبوا، علموا أم لم يعلموا، قصدوا أم لم يقصدوا، يصبُّ في خانة المخطط الصهيوني الأميركي الإيراني لتقسيم العراق وشرذمته دولة وأرضا وشعبا تمهيدا لإلغائه والحاقه بدولة فارس، من خلال تحويله كخطوة أولى الى أقاليم وفدراليات ما انزل الله بها من سلطان.
فهل ثمة في العالم كله دولة واحدة تحل مشاكل خلقها احتلال اجنبي ويسهر على ادامتها حاكم مستبد عميل للمحتل بأن تجزئ أرضها وشعبهاودولتها؟ فأي فدرالية هذه؟ ومن قال ان ما يحدث هو انشاء فدرالية؟
فالفدرالية نظام اتحادي بين عدة دول تتحد في دولة واحدة ذات حكومة مركزية يرتبط بها جيش واحد وسلطة تشريعية تعلو قوانينها على كل مجالس الأقاليم، وسلطة قضائية تسمو على سلطات الأقاليم، وجهاز أمني واحد، وتمثيل دبلوماسي واحد، وسياسة خارجية واحدة واستثمار وطني مركزي لثرواتها المعدنية وعملة واحدة. وأمثلة ذلك كثيرة فالولايات المتحدة وسويسرا والمانيا والنمسا وروسيا كلها دول اتحادية فدرالية. لكن كل منها له حكومة مركزية هي صاحبة القرار الأعلى في كل الأمور السيادية.
اما النظام الكونفدرالي فهو اتفاق دولتين أو أكثر على التنسيق في بعض الأمور السيادية مثل ما جرى في السنين الأولى بعد انهيار الإتحاد السوفيتي بين بعض دوله السابقة.
أما ما يجري في العراق الآن فهو أمر غريب لم تشهده أية دولة من قبل. فما يحدث هو تجزئة دولة واحدة وتقسيمها الى أقاليم تتمتع بكل ميزات الدولة المستقلة، ولصقها مع بعضها بصورة شكلية!
فما يسمى اقليم كردستان يتمتع بكل ميزات الدولة المستقلة. وارتباطه بدولة العراق ارتباط شكلي من جهة وطفيلي من جهة أخرى.
فهذا الإرتباط يتيح لحكومة "الإقليم" امتصاص الموارد والتمتع بمرافق الدولة ووظائفها واموالها وأغطيتها الرسمية، دون السماح للدولة العراقية بممارسة أي جانب من جوانب سيادتها على المنطقة التي تتحكم بها حكومة "الإقليم". فلا يحق لأي وحدة عسكرية أو امنية عراقية الدخول الى منطقة "الإقليم" ولايحق لأي مواطن عراقي الدخول الى تلك المنطقة بدون اجراءات كفالة من مواطن كردي مقيم هناك. ولايحق للحكومة المركزية التدخل بشؤون حكومة الإقليم وعلاقاتها الخارجية ولا يحق لها مراقبة أو مساءلة هذه الحكومة عن أي وجه من وجوه تصرفاتها المالية.
فإذا كان "اقليم" كردستان المنفصل (إلا قليلا) والمرتبط قادته باسرائيل منذ الخمسينيات من القرن الماضي نموذجا لهؤلاء الساسة والدعاة "الإسلاميين" مثل ما يعلنون، فهل بوسعهم القول انهم لا يريدون تقسيم العراق؟ وهل بوسعهم التخلص من تهمة المشاركة في مخطط اسرائيل لتقسيم العراق وانهاء وجوده؟
هناك 4 تعليقات:
لا صوت فوق صوت المعركة
لا صوت فوق صوت المقاومة العراقية الباسلة .
والمقاومة والقائد الشرعي صوتهم مدوي فيما يخص الحرص على وحدة العراق.
و لتسقط خطط التقسيم و الاقاليم
وحيا الله شيخ المجاهدين عزة الدوري
لقد اوضح المقال ما كان قد خفي على البعض
ورد على من كان في قلبه مرض
وصد من كان يفكر بالهرب
اشكر اخي الدكتور عبد الله الغني على هذا الرد الجميل
واعتقد ان المقاومة وحدها هي الرد العملي على ما يخططه الاحتلال للعراق
ولكم تحياتي
القرار الاول والاخير بيد الاحتلال وقد اتخذو القرار اصلا بتقسيم العراق وبقاء هذه الحكومة الطائفية التكفيرية في السلطة هو محفز لجر البلد الى هذا المشروع فامريكا عندما اصرت على بقاء المالكي في الحكم فان لهم غاية وبقائهة هو يجر البلد لهذا التقسيم حتى يقال ان الشعب هو من قسم البلد بسبب سياسة حكومته الطائفية ولااحد يتهم امريكا , تبقى ارادة الشعب في الحفاظ على وحدته هي من ترسم لهذا المشروع خطوط النجاح اوالفشل , الارادة الحقيقية وليست الشعارات الفارغة فهل الشعب يستطيع التصدي لهذا التحدي! حسب المعطيات الان فيبدو ان المشروع يسير لماتريده امريكا فالشعارات شئ والواقع شئ واذا اردنا ان نصل الى بر الامان فيجب ان نترك الشعارات فمعطيات القضية لاتبشر بخير
اما كلام الاخ في التعليق الاول فاتمنى ان اعرف متى نتخلص من الشعارات وكلمة (تسقط) و و و ونناقش معطيات الاحداث باسلوب علمي وعقلاني وناخذ جوانب المشكلة لكي نصل لحل!! الشعارات مثل (يسقط) ومن هذا الكلام لاتحل مشاكل فهذا تزمت وجمود في التفكير فموضوع الاقاليم يحتاج الى مفكيرين لانه هناك شريحة لايستهان بها من اهل السنة والمحافظات السنية يطالبون بالاقاليم ومن حقهم ان يحترم رايهم وان يعرف سبب مطالبتهم فهم لم يطلبو هذا بطرا واصلا مسالة الوطن في الشرع الاسلامي لها نقاش طويل ومن يتكلم بها هم فقط المجتهدون , وايضا المقاومة لاتنحصر بشخص واحد ولاقائد واحد
لا صوت فوق صوت المعركة
لا صوت فوق صوت المقاومة العراقية الباسلة
الله اكبر و ليخسا الخاسئون
إرسال تعليق