الاختلال السكاني في أقطار الخليج العربي، والناجم أصلاً عن العمالة الوافدة، وهي آسيوية في معظمها، مسألة خطيرة وقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، وهي إذ تهدد أمن تلك الأقطار فإنها تعرض الأمن القومي العربي برمته للخطر، والمقالة التالية وهي للباحث الإماراتي، حسين غباش، تعرض جانباً من مخاطر تلك القضية القنبلة.
اختلال الخليج
عن الهجرة والاستيطان والمستقبل الغامض
حسين غباش
يتأكد يوما بعد يوم أن المجتمعات الخليجية الصغيرة قد دخلت، بسبب من تعاظم الوجود الآسيوي فيها، في أتون مأزق تاريخي يصعب تصور امكانية الخروج منه. لم يعد الأمر يهدد الهوية الثقافية التي همشت، والثوابت الوطنية التي اهتزت، بل يشكل خطرا مستقبليا على ما تبقى من الوجود البشري العربي ذاته.
بعيداً عن المشهد الخارجي المبهر، فإن الصورة من الداخل تثير القلق، بل الريبة. الشوارع تعج بكل الجنسيات، إلا بالمواطنين، وبشكل خاص في الإمارات وقطر. الأغلبية هندية، تليها الباكستانية، البنغالية، الأفغانية، الفيليبينية، والإيرانية، ولحقتها مؤخرا الهجرة الصينية. هناك اليوم 16 مليون آسيوي تقريبا في بلدان مجلس التعاون الستة، ومن المرشح أن يصل إلى 30 مليونا في عام 2025.
تبين الاحصائيات الرسمية وشبه الرسمية لعام 2006 ـ 2007، الخارطة الديموغرافية كالآتي: تصل نسبة العمالة الأجنبية في الكويت إلى 60%. البحرين 50%. السعودية 40 إلى 50%. عمان 30%. أما في قطر فتصل إلى 85%. وتصل نسبة المهاجرين في الإمارات إلى 90%.
هناك اليوم قرابة سبعة ملايين آسيوي في الإمارات وحدها. تشكل نسبة الهنود 60% من مجموع تعداد السكان، أي قرابة أربعة ملايين، مقابل 800 ألف مواطن فقط.
يتبين من هذه الأرقام الناطقة، إذاً، أن خلف المباني الشاهقة وبريق الثراء ثمة مأساة وطنية وقومية في طور التحقق. إذ لم تعد المسألة، كما جرى وصفها سابقا، مسألة «خلل» في التركيبة السكانية، بل تحولت، بعد ثلاثة عقود من الوجود الفاعل، النشط، إلى مسألة استيطان آسيوي واضح وطاغٍ.
لا جدال في أننا أمام مشهد مقلق جدا. يقول مجيد العلوي، وزير العمل البحريني السابق، «إن الهجرة الأجنبية تهدد وجودنا... وإذا لم يتحقق هذا التهديد اليوم فسيتحقق في الجيل القادم». والجيل القادم يعيش بيننا الآن. إذاً، لم يعد التغيير السياسي إلا مسألة وقت قصير. إنه داهم على الأبواب.
تمثل الإمارات وقطر أضعف حلقتين في المنطقة، تليهما الكويت والبحرين. على الأقل توجد في الكويت جالية عربية كبيرة. هناك استثناءان. عُمان تبدو محصنة بثقافتها وتاريخها العريق، وربما يحمي المملكة السعودية مركزها الديني المميز من المصير المجهول. بيد أن الوجود الأجنبي ينخر في الجسم العربي الخليجي، وأي تغيير سياسي في أي بلد من بلدان المنطقة سيكون له تداعيات كبيرة على الأقطار الأخرى. لن يسلم الخليج كله من ذلك.
كانت الأسئلة المؤرقة للإنسان الخليجي، هي: كيف وصلت بلدان الخليج العربي إلى هذا المأزق التاريخي؟ من هو المستفيد الأول من هذا التحول الديموغرافي الدراماتيكي؟ كيف تم كل ذلك بصمت محير؟ هل الأمر نتاج تطور طبيعي أم إن ثمة محركا خارجيا؟ لكن تلك كانت أسئلة الأمس، سؤال اليوم هو: هل ثمة مخرج؟
تُساق جملة من العوامل تسببت، في مجملها، في إيصال المجتمعات الخليجية إلى هذا المأزق التاريخي. أهمها، كما قيل، تعداد السكان الصغير، والثروة الهائلة. بيد أن هذه الادعاءات، على حقيقتها، لا يمكن ان تمثل عوامل سلبية، بل على النقيض، هي عوامل إيجابية لتحقيق التنمية الوطنية. هي عوامل تضمن، منذ البدء، نجاح التنمية. ستكون الإشكالية حقيقية لو كان العكس صحيحا. كما ان الثروة الوطنية لا يجب، في الظروف الطبيعية، ان تتسبب في تهميش المجتمعات الصغيرة وتلغي هويتها.
لكن الإشكالية الحقيقية تكمن في التوجهات التنموية، في الفكر التنموي ذاته. إذ شكلت السياسات التنموية، التي طبقتها الحكومات الخليجية طوال العقود الثلاثة الأخيرة، وعلى نحو متفاوت، الإطار العام الذي أحدث هذا التحول الكبير. فالتركيز الكلي على قطاع البناء والإعمار وتشجيع الاقتصاد الريعي والحداثة الزائفة، أهمل حقائق الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ. لم تأخذ هذه «التنمية» في حساباتها حاجات المجتمعات المحدودة في المنطقة. فتنمية هذه المجتمعات الصغيرة لا تحتاج إلى هذه الملايين من العمالة الأجنبية.
فضلا عن ذلك، لم ترافق هذه السياسات «التنموية» رؤية تنموية اجتماعية وثقافية. لم تراعَ مسألة الهوية الوطنية والثقافية. لم تأخذ في الحسبان مسألة الأمن الوطني والاستراتيجي للمنطقة ككل. والنتيجة، اليوم، نرى هذا التراجع في الحضور العربي والتهديد الجاد والماثل للمستقبل العربي في المنطقة بأكملها.
المستقبل بطبيعته مجهول، مشحون بالتحديات، وفي عالمنا العربي، ملغم بكل صنوف العثرات. ومن أهم أهداف التنمية هو أن تؤسس لمستقبل آمن ومستقر. يبقى ان أي «تنمية» لن تكون تنمية وطنية ما لم تتمحور حول الإنسان كوجود وقيمة. المفترض منها ان تبني الذات الوطنية، ان تثبت حضور الإنسان على أرضه، أن تعزز لغته وهويته، تصون تراثه وثقافته. وأخيرا، تحصن السيادة وتحمي الاستقلال الوطني ذاته. والتنمية، كما يقال، خطوة في الحرية.
بالطبع، لم تقتصر الهجرة على العمال، بل شملت مهنيين وحرفيين في مختلف المجالات. كما ضمت التجار من كل المستويات. وقد تمكنت شرائح واسعة من الهنود والباكستانيين من الإمساك بمفاصل الاقتصاد. فهم اليوم مدراء البنوك وشركات التأمين، وهم التجار المتربعون على كل أنواع التجارة الكبيرة منها والصغيرة، ومنها تجارة الأغذية والأدوية والملابس والالكترونيات وغيرها. وأخيرا، فتح لهم مجال التملك العقاري في بعض الإمارات الخليجية.
وهذا إجراءات نوعية تفتح على دعوتهم للاستيطان، ووضع الأسس لضمان مستقبل أجيالهم القادمة. ونعلم، ان الاقتصاد والتجارة هما من شرايين الحياة، ولهما منطقهما القاهر. فمن بيده مفاتيح الاقتصاد يملك، بالضرورة، تأثيرا مباشرا على القرار السياسي، وهو بالتأكيد قادر على تحديد مسار المستقبل.
بالطبع، لكل وجود استحقاقاته. وإذا أخذنا الإمارات وقطر كنموذج، فسنجد أن التغيير الاجتماعي قد تم، ولا زال يتثبت ويقنن يوما بعد يوم. الثقافة الآسيوية سادت. والفضاء الثقافي العربي تراجع كثيرا. لم يبقَ من الثقافة إلا الفولكلور للسياح. اضعفت اللغة العربية الركيكة اصلا، وأصبحت الرابعة أو الخامسة. وهمشت الثقافة العربية الضامرة، ومزق النسيج الاجتماعي الهش هو الآخر. حطمت ثوابت المجتمع ومناعته، وبدأت مرحلة الانقراض. ألا تمثل نسبة المواطنين، التي تتراوح بين 2 و3 و4%، أو قل حتى 10%، في بعض الإمارات سوى بقايا عرب؟
أما عن السياسة فهي مسوقة، بحكم قوة الواقع، بأن تتبع التحول الاجتماعي والاقتصادي. أليست السياسة تعبيرا عن الواقع؟ الواقع السياسي يتبع الواقع الديموغرافي. والتغيير السياسي هنا ليس الا تحصيلا حاصلا، ذلك انه عندما تتغير القاعدة البشرية للسلطة تضعف السلطة ذاتها وتكون عرضة للسقوط.
من يهمش قاعدته يُهمش. ومن يُضعف شعبه يضعف معه. أليست قوة النظم والحكومات من قوة وتماسك شعوبها؟ أم إن هذه المعادلة قد تغيرت؟ إذا كانت الشعوب قد تم استبدالها في غضون ثلاثة عقود سريعة، كم سيحتاج تغيير الحكومات؟ عقدا أم عقدين؟
العقد القادم هو إذاً، عقد الهوية. عقد أن نكون أو لا نكون. إنه آخر عقد لعرب الخليج. إما ان يعود الخليج عربيا كما كان، أو أن يكون آسيويا.
بعض مراكز الأبحاث الأوروبية، والفرنسية تحديدا، تتوقع ان يتم التغيير خلال العقد القادم، وتوحي بأن بعض الحكام العرب المعاصرين هم آخر حكام عرب للمنطقة. وقد وضعت فعلا السيناريوهات التي يمكن ان يتم من خلالها تحويل المسألة الديموغرافية إلى مسألة سياسية. وعناوين التغيير حاضرة. أهمها حقوق العمال والمهاجرين. وفعلا لقد طرحت الهند ذلك في أكثر من مناسبة. فإعطاء المهاجرين حق التجنس ومن ثم فرض الديموقراطية، سيفضي حتما إلى حكم الأغلبية. إنها معادلة حسابية لا تقبل المكابرة أو الإنكار.
وإن شاءت الولايات المتحدة وقدرت أن الوقت قد حان لاستبدال المشهد السياسي، فستجد ان الأرضية البشرية والثقافية جاهزة ومهيأة. المسألة هنا مسألة توقيت وحسابات استراتيجية دقيقة. فعندما نضجت الأمور في سنغافورة عام 1964، فصلت عن ماليزيا وسلمت للغالبية الصينية المهاجرة إليها. وهكذا الأمر في فيجي، التي يحكمها اليوم هنود جلبتهم بريطانيا للعمل فيها، وهم للمناسبة لا يشكلون إلا 50% من تعداد السكان الأصليين. أي أقل من هنود الخليج.
لا شك أبداً، بأن ضرب الهوية العربية في هذه المنطقة الهامة كان هدفاً في ذاته. هو مؤشر على مخطط إستراتيجية واضحة يهدف إلى السيطرة الكاملة على مخزون النفط الخليجي. فحكم أقليات آسيوية يلغي الوحدة الخليجية العربية، ويسحب قرار النفط إن كان لا يزال مستقلا. باسم الديموقراطية، إذاً، تمزق العراق، وباسم التنمية، وفي غفلة من الزمن، وبصمت محير، يتحول الخليج العربي إلى خليج هندي.
الخليج أمام أزمة تاريخية مركبة ومعقدة. والمعالجة أضحت أكثر من ملحة. أولها، بالطبع تغيير التوجهات التنموية. ومن ثم فتح الباب واسعا للعمال والمهنيين العرب، فهم كثر وعاطلون، وبشكل خاص من عمان واليمن، مخزن الخليج البشري، ومصر. وسيمثلون جميعاً خشبة نجاة لعروبة الخليج وأمنه.
ثم لماذا لا يجنس العرب المقيمون في الخليج، والذين خدموا المجتمعات الخليجية منذ عقود وفي أكثر من مجال. الجيل الأول الذي شيد دويلات الخليج تخرج من الجامعات المصرية والعراقية، وكان تعليمهم مجاناً. قبل ذلك، عبد الناصر أرسل البعثات لتعليم أبناء الامارات (ساحل عمان سابقاً)، على حساب مصر الناصرية، وفي الأخير كوفئ بالتآمر عليه.
ولماذا لا يستفاد من الطاقات العربية المميزة والمشتتة في كل أصقاع الأرض؟
في الختام، إن الاصرار على النهج والتوجه التنموي ذاته، الذي شوه الروح العربية للمنطقة، لن يبقي المنطقة امام مفترق الطرق، بل يفرغها مما تبقى من هويتها الوطنية والثقافية، وينتزعها بالتالي من عالمها العربي.
ملاحظة:
نشر المقال هنا
هناك 5 تعليقات:
الاستاذ مطصفى كامل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الان يطلقون على هذا القزم لقب:الفيلسوف برنار هنري ليفي:
فما بفعلون في بلدانهم انه بأمر من الفلاسفة مثل هذا" الكلب "
سؤال واحد محير يا أستاذ كامل وهو:
منذ 1948 ولحد الان الكل تبكي على الفلسطنين وحالهم المخزي في كل البلدان العربية باستثناء العراق ونحن نعرف حالهم وكيف يعاملون وكيف ان جميع ابناؤهم دوسوا في المدارس العراقية سواسية مع العراقيين وتخرجوا من الجامعات العراقية مجانا وغادرواالعراق وعملوا في مختلف دول العالم بشهاداتهم.
لماذا لم يتم استقطابهم كلهم الى بلدان الخليج الفارغة من البشر بدلا من تركهم في المخيمات؟
ستقولون انه قرار الجامعة العربية وغيره من الاسباب.. ولكن اعتقادي الشخصي انه هم من يعلقون كذبهم على هذه الشماعة وهم الذين ساهموا ويساهمون في جلب عبر العرب والغير مسلمين لاراضيهم لعدة اسباب منها الفائدة المالية من مقاولات الباطن ومنها كما سمعت من احد الاخوان المتعة معهن بأعتبارهن "أمة"
الاستاذ مصطفى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أحببت ان اطلعكم على الأتي وحسب الخبر من موقع برنامج قطر الزطني للامن الغذائي:
ان دولة قطر ولغرض تأمين الغذاء للمواطنين والبالغ عددهم 1.7 مليون ، فقط 20% قطري والاخرين أجانب!!
فعليه فأن مؤسسة حصاد الغذاء بدأت بالاستثمار في دول العالم بشراء مزارع في السودان، كينيا، تركيا، الارجنتين ،اوكرانيا وباكستان لغرض استثمارها زراعيا للاطعام 340,000 "مكموع" قطري؟
سلامي
صلاح
محاولة ثانية بالارسال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،قد قرأت تقرير منذ سنوات حول شروط بريطانيا المفروضة على الامارات
عندما استقلت شكلياً
..فقد شرطت بريطانيا بأن نسبة العرب الوافدين يجب ان لا تتعدى على سبيل المثال 15% و ونسبة الهنود والباكستان يجب مثلا ان تكون 30%
والبريطان و الاوربين مثلا 15 % و هكذا.
ليتك تؤكد لنا اخي الناشر هذا الشرط البريطاني و شكرا
اخي الكريم
لا اعرف شيئا عن هذا الشرط الذي تفضلت بالسؤال عنه..
ربما يستطيع الاخ الكاتب او سواه من السادة القراء الاجابة عن تساؤلك المهم.
حسب معايير حرية الانتقاد في الامارات فهذا الكاتب جرئ لان الامارات لايقبلون الانتقادات حتى الايجابية وحتى في الازمة المالية العالمية رفضت الامارات اي انتقادات رغم ازمة ديونها , الكاتب رغم انه لم يذكر كل السلبيات ولم يتطرق لكل سبل الحلول لكن مقاله يفتح باب للنقاش والجدل لعله تعي الامارات خطورة مايحدث رغم اني اشك باهم يعلمون جيدا لكن ليس بيد الحكام شئ , الامارات بالذات اكثر دولة في الخليج فقدت هويتها والمشكلة يعيشون في فقاعة لايعلمون متى تنفجر فالبنايات الشاهقة والعمارة المنتشرة في اي زلزال اقتصادي تصبح خاوية فالغرب استنفذ ثروات الامارات بالعمارة وقد ذكر احد الاقتصاديين الغربيين خطورة هذا الامر لكنه جوبه بالهجوم واتهموه بانه يحسد الامارات فمشكلتهم لايقبلون اي انتقاد ايجابي وبالمناسبة افضل دولة بالعالم استغلت ثروتها النفطية هي النروج فلا يوجد بلد نفطي في العالم كله استطاع ان يستغل ثروته النفطية ويؤمن مستقبل الاجيال القادمة مثل النروج
الامارات انسلخت من هويتها الاسلامية العربية منذ عقود ولااحد يعلم هل هذه سياسة مفروضة على حكامها ام هو انسلاخ من الهوية! فمن يعيش في الامارات لايشعر اطلاقا انه في بلد عربي فاللغة العربية محيت بشكل تام تقريبا ويتم تنشئة الاطفال بدون هوية ولالغة , ايضا هم يتعاطفون مع الاسيوي اكثر من العربي فيفضلونه في كل الامور وصحيح توجد بعض الاسباب منها قلة معاش الاسيوي مقارنة بالعربي لكن بشكل عام هم حتى يتعاطفون مع الاسيوي ويعتبرونه جزء منهم
إرسال تعليق