عمر الكبيسي
مكامن اختراق الحراك:
أولا: الساسة: بأي مشروعية ووسيلة ومبرر يتحدث النواب (كامل الدليمي وسلمان الجميلي وظافر العاني) باسم المتظاهرين ويعقدون جلسات تفاوضية مع اركان السلطة التي هم جزء منها، ويتعهدوا باقتراحات وخيارات هزيلة تخص مستقبل الاعتصامات بدون تخويل منهم وتظهر تصريحاتهم في أخبار الإعلام وشاشات الفضائيات؟
من قال إن المعتصمين يقبلون بجزء من تحقيق المطالب او تغيير ساحات الاعتصام أو أن يكونوا أدوات للسلطة لإلقاء القبض على المتهمين والمتورطين بجرائم لا علاقة لها بساحات الإعتصام؟
هل تريدون ان تقولوا لو لا سامح الله حدثت مواجهة كما حدثت في الحويجة، للسلطة إرضاء وللمتظاهرين إعجازا: لقد قدّمنا حلولاً قبل الحدث، لكنكم لم تستجيبوا!
أليس في اقتراحكم بوقف الإعتصامات واللجوء للحل السياسي غدر للمعتصمين وهدرا لوقفتهم ومبررا للمالكي وحكومته لشن حملة التصفية؟ وهل يتصور ان هذه الاعتصامات غير مشروعة أو مجرد استعراض بلا مبررات؟ هل هذا كل ما تمخضت، يا نواب آخر زمان ويا فلتات السياسة، عنه عقولكم وقرائحكم؟
تذكروا جيدا أنكم حين صعدتم منصة الأنبار في بداية الاعتصام، أعلنتم فشلكم واستنفذتم وسائلكم لتحقيق شيء لناخبيكم ومكونكم وقدمّ الدكتور رافع العيساوي استقالته ومن بعده وزراء منكم تبعوه توافقا معه اعترافا بالفشل، ما الذي حقق من بقي بعدهم بمنصبه من إنجازات للمعتصمين، إلا المزيد من القتل والبطش والتطبيل والتسويف؟
عندما تتحدثون مع عزت الشابندر للتشاور والتفاوض، ألا تستحون؟ حين يخرج على الشاشة ليعلن انه وسيده وجيشه له معركة ومنازلة مع هؤلاء القتلة في الانبار (ويقصد طبعا المعتصمين)!
وفقا لتقرير اللجنة النيابية في حادثة الحويجة وفي منتصف ليلة الاثنين قبل المواجهة بساعتين ووفقا لشهادة النائب فلاح زيدان الذي رافق الدكتور صالح المطلك في زيارته لسعدون الدليمي في داره هل قرأتم ما قاله سعدون الدليمي (ليقتل من يقتل، هذوله إرهابيين والمهم هيبة الدولة)؟
أقول لكل الساسة الذين هم جزء من العملية السياسية الوزراء والنواب والمحافظين وأعضاء مجالس المحافظات، إذا كانت التظاهرات بدأت استنكارا وردة فعل لموقف كان فيه غدر سياسي، فإن القاصي والداني يدركون إن توسع حجم التظاهرات وتنظيمها واستمرارها وتبنيها حقوقا مشروعا خرج عن نطاق العملية السياسية ومصالح السياسيين وتشبثاتهم لتكون ساحاتهم منابر للمطالبة بحقوق وطنية وشعبية رغم أنها اقتصرت جغرافيا على تمثيل المكون السني لأسباب قاهرة معروفة.
لقد نبه قادة الاعتصامات ومراجعهم بشكل متكرر ومتعاقب على ضرورة ابتعاد أركان العملية السياسية بكل مواقعهم عن الساحات والحديث بإسمهم او التفاوض عنهم. كفوا الكلام والحديث والتصريحات يا شركاء العملية السياسية، الساحات تعرف من أنتم، وتعرف قدركم وكيدكم، تمتعوا بسكوت المالكي (المؤقت) عن ملفاتكم، فأنتم بعد أن يعبر فوق جسوركم الواهمة ستكونوا حصاده الجديد.
ثانيا: الأحزاب والتنظيمات السياسية المناهضة للاحتلال وعمليته السياسية عليها أن تكون جزءا من الحراك بكل نشاطاته وتواجهاته وأن لا تكون أدوات تتحرك بأجنداتها وتوجهاتها الضيقة إلا ضمن ما يتم التوافق عليه ضمن اللجان التنسيقية في الساحات، سواء كان يخص ساحة معينة أو الساحات مجتمعة ولا يوجد مبرر لآن تكون ساحات الاعتصام ساحات استعراض لتنظيمات سياسية بلافتات ضيقة وهويات معينة تلافيا لكل محاولة استغلال لحراك شعبي واسع ينبغي ان يكون حاوية كل الوطنيين والمناهضين.
ثالثا: شيوخ العشائر: هم حكماء أبنائهم وقلنسوة عقلائهم وحكمة الشيوخ تكمن في وحدة الرأي والإجماع على موقف وطني يكون خيارهم لا يفرضه واحد منهم على الآخرين ولا يساوم فيه أحد على الآخر، شراء الذمم والتهديد بالسلاح داخل الساحات أخطر سهم في جسد الحراك، واستخدام السلاح لقمع إرادة شيوخ العشائر الموحدة خيانة للشرف العشائري وأعرافه الوطنية.
وإلا كيف تكون للجسد العشائري صحوات تتناقض بالمواقف ويستهدف أحدهم الآخر لو كانت الأسبقية النافذة للحكمة والعقل والمعيار الوطني؟
لقد اعترفت السلطة الغاشمة المتنفذة بإسنادها ودعمها لصحوة جديدة مسلحة ومدعومة ماديا وتسليحيا لتقف بالضد من صحوة سابقة دعمتها السلطة لسنوات واعتبرتها اليوم خارجة عليها!
كما تعترف السلطة بأنها قد جيشت شيوخا وأبناء عشائر سيكونوا عونها في هزيمة من تسميهم بالإرهابيين، هل في هذا الأمر حكمة يا شيوخ السلطة؟
رابعا: المقاومة الوطنية المسلحة: في ظل استمرار النفوذ الأمريكي والإيراني في الساحة العراقية وتوكيل من يثق بهم هذا النفوذ الأجنبي بتنفيذ ادواره من قبل مجاميع وميليشيات عراقية، تظل شرعية المقاومة الوطنية المسلحة قائمة ولها دور وطني في إحداث التغيير وتحقيق السيادة الكاملة، وهذه الشرعية لا تنتظر ان تأخذ شرعيتها من أطراف العملية السياسية القائمة على الفساد والمحاصصة الطائفية والمصالح الشخصية والحزبية المذهبية. لكن فعل هذه المقاومة ينبغي ان لا ينعكس على شرعية الحراك وسلميته المعلنة بالسلب والتقويض.
فعل المقاومين المسلح وميدانهم ليس ساحات الحراك لكن ساحات المواجهة ومداهمات ومناورات العصابات والمليشيات ذات التبعية الأجنبية التي تفتك بحياة العراقيين وتريق دمهم وشرفهم ومالهم.
خامسا: المراجع الدينية: خطاب وسلوك الأحزاب الدينية المشاركة في العملية السياسية (شيعية وسنية) لا يحضى بقبول شعبي بعد كل الذي اقترفته هذه الاحزاب بحق الشعب من حماقات وسلوكيات منها إسهامها في العنف والفساد باسم الدين.
القول الفصل اليوم لمراجع الدين الذين لم تتلوث أيديهم بالمال أو الدم العراقي ولم يكن لهم ميول سياسية أو تحزبات وتنظيمات سياسية ، حكمة هؤلاء المراجع وجهودهم اليوم تكون مثمرة بسبب شعبيتهم وتعلق قاعدة كبيرة من الشعب بفتاواهم وآرائهم، لهؤلاء الحكماء دور كبير في إصلاح الأمور بعد أن ظهر الفساد وعمت الفتن وحدث الانقسام المذهبي في صفوف الشعب العراقي الذي لم يمر بمحنة كالتي يمر بها وهي تهدد وحدته ومصيره وثرواته.
قولة موحدة لتشخيص الخطأ وترميم الجرح يشارك فيها مراجع الدين الكبار المحترمين ستكون في أجواء الساحة العراقية أمضى وأقوى وأشد تأثيراً من أركان السلطة الحالية المتشرذمين والمتصارعين فيما بينهم على غير مصلحة الأمة وإرادتها.
ركائز الحراك:
مستقبل الحراك كامن بالحفاظ على سلميته ومشروعية حقوقه والإصرار على تجاوزه للاختراقات السياسية والمذهبية والعنفية.
لا خيار للحراك الا الاستمرار على سلميته ومطالبه، مواقف السلطة الغاشمة تشكل أكبر تهديد للحراك وهي حين تنأى لاستخدام القوة والمواجهة بلا مبرر تكون قد اقترفت جرما يهدد استمرارها كسلطة، استمرار الاعتصامات سلميا هو الضمانة لإستجابة السلطة، التسويف الذي تتبعه تستخدمه كورقة وقت لتمرير أجندات إختراقية من داخل حواضن الحراك او تنظيماته وبنفس الوقت لضمانة عدم الترويج لتعميمه كظاهرة حضارية لتحقيق المطالب التي ستلجأ اليه مؤكدا جماهير المحافظات في الوسط والجنوب التي تتراكم معاناتها وتتفاقم أحوالها سوءاً يوم بعد يوم، إذ لا بديل ولا سبيل لتحقيق الضغط على السلطة إلا من خلاله.
لكم ايها المعتصمون في موقف ساحة الفلوجة (السابقون الأولون) في موقف الشرف والجهاد والصمود خير قدوة في الصبر والصمود .
لتكن خياراتكم هي اهدافكم: نيل الحقوق أو إسقاط الحكومة أو الإستمرار بالإعتصام حتى يأذن الله بنصره، والعاقبة للمتقين.
التلويح باستخدام القوة والتهديد بالحرب الأهلية وفرض التقسيم والاقاليم اهداف من يقف بوجهكم ويمانع في منحكم حقوقكم، وهي نتائج كلها مرّة قد تفرض عليكم ولكنها ليست خياراتكم، وحينها نقول (لا عدوان إلا على الظالمين).
الأقاليم (السم القاتل والخيار الفاشل):
ظلم وخطأ كبير بحق المعتصمين والمتظاهرين والحراك الشعبي ان تكون المطالبة بالإقاليم والفدرلة خيار يحسب انه حل وبديل عن الحقوق، بأي مبرر، حتى وان كان ذلك من باب التلويح او التكتيك، للأسباب التالية:
أولا: تطالب ساحات الاعتصام منذ اكثر من 130 يوما بتحقيق مطالب تحسب أنها من سمات الحكم العادل من خلال تحقيق الخدمات والتوازن والقضاء العادل، الخ.. المطالبة بالإقليم لم تكن من بينها، فهي لا تضمن تحقيق الحكومة العادلة واشاعة العدل بين الناس ما دامت ضمانات عدل السلطة المركزية غير مضمونة.
ثانيا: المطالبة بالإقليم تحسبه السلطة المركزية حق دستوري في نصوص دستورها، هناك تناقض واضح بين المطالبة بتعديل الدستور وبين المطالبة بأقاليم وفدرلة رفضتها جماهير المكون والحراك في استفتائها على الدستور بالأمس!
هل يعقل اليوم أن نحتكم إلى دستور كتب في ظل احتلال ينص على الأقلمة؟ وقد كانت الجموع الرافضة تدرك جيدا أبعاد هذا الدستور ونصوصه التي شرعت لغرض تقسيم العراق قبل الاحتلال بسنين!
ثالثا: باستثناء الاحتلال ومن جاء معه والأحزاب الطائفية (الإسلامي والمجلس الأعلى والدعوة والفضيلة) لم تتبنَ قواعد شعبية، عن علم ودراسة وتمحيص، موضوع الأقاليم والفدرلة فيما تنازلت عنها بعدئذ أحزاب السلطة (حقيقةً أو مكرا) متمثلة بتحالفها الطائفي، فهل يعقل ان يتم اختراق ساحات الحراك لتكون سباقة بالمطالبة لإقامة أقاليم طائفية تحمي مكون معين من إجراءات سلطة طائفية مركزية، أصبح وجودها على رأس السلطة بدون مقومات تضمن استمرارها؟
رابعا: المطالبة بالإقليم في أجواء الحراك كحل، يعني الإنسلاخ من العراق كله وحتى لو كان هو حل لمظالم السنّة في محافظات يشكلون غالبيتها الساحقة، وهذا هو حل الخاسرين لأنه حل هزيمة وانفصال وتنصل وطني ومذهبي وديني وأخلاقي لملايين السكان من المكون السني في مناطق لا يشكلون فيها أكثرية.
خامسا: إن موقف العلامة الشيخ عبدالملك السعدي من الفدرلة والاقاليم واضح وقد افتى بحرمتها بخمس فتاوى مدرجة في موقعه الإلكتروني، فكيف يتم إدراج الإقليم كخيار للحراك من نفس الساحات التي فوَّضت الشيخ لينوب عنها بالتفاوض مع السلطة؟ أليس في هذا الموقف مكيدة وتناقضاً وخللاً في التفويض المطلق لسماحة الشيخ الذي رفض وحرّم الفدرلة؟
سادساً وأخيرا: واعراقاه! إن كانت حقيقة اعتبار إقامة أقاليم طائفية هدفا من أهداف الحراك اليوم، وهو الحراك الذي حسبت منصاته وخطابات الجمعة فيه على العمائم والعلماء؟ إذ لم نكن قد عهدنا غير لافتة (لا للتقسيم ولا للطائفية) في مقدمة كل منصات الحراك المعهودة بالأمس، فما الذي جرى؟ انه صلب الانحراف والاختراق والسقوط لأعظم وأشرف وأنبل حراك شعبي حضاري سلمي عنيد بوجه السلطة الغاشمة شهدته الشعوب المنكوبة والمناهضة في العالم.
الحراك معجزة شعبية، لا نقبل تحويله الى حركة تقسيمية.
الحراك جذوة وقّادة بوجه المحتلين لا يمكن تحويله الى هفوة غافلين وتقسيميين؟
الحراك يقظة، لا يمكن أن يصبح غفلة؟
الحراك لنا جهاد، فلماذا يصبح لنا حداد؟
الحراك هو الأمل فلماذا يراد له الفشل؟
الحراك حل وتغيير ونجاة، والقبول بالمر وتمرير الأمر، استهلاك وهلاك.
واسمحوا لي فيما لو تبنى قادة الحراك إقامة الأقاليم، أن أنعي إلى المعتصمين الشيخ د. عبدالكريم زيدان والشيخ د. عبدالملك السعدي والشيخ د. حارث الضاري وكل من كان متوافقاً معهم في الرأي من العلماء الأجلاء والوطنيين بشرعية الحراك السلمي واستمراره وتصعيده وحرمة التقسيم والفدرلة والتلويح بها، نعم أنعيهم وهم أحياء يرزقون، لأنهم أفتوا وارشدوا بما وجب عليهم وبناءً على طلبكم، فإذا طويتم فتاويهم ولم تتعظوا بحكمتهم فكأنكم دفنتوهم وهم أحياء، وليس لتفويضكم للعلامة السعدي قيمة، فهذا هو الشيخ الجليل ينذرنا في إجابته لهذا التفويض (بالتزام الصمت لا خوفاً ولا تراجعاً ولا يأساً بل معذرة الى ربه من ظلم الظالمين وافتراء المفترين).
ليس أمام المعتصمين إلا الاستمرار على الاعتصام في ساحاتهم والتمسك بمواقفهم وحقوقهم المعلنة والالتزام بوحدة صفوفهم، وسلميتهم، والالتزام بحكمة مراجعهم، وتطهير الساحات من عناصر الفتنة والظلال، وحسن اختيار القيادات واللجان، وحذار أن تتأثر وقفتهم وصبرهم بمكر الماكرين واختراقات المنتفعين، وحذار أن يكون الحراك ضحية فيما يخطط له من حبائل وشراك، بل تسكوا به وعضوا عليه بالنواجذ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق