طبعاً، سيعترض كثيرون على نشر هذه المقالة، وسيبدي آخرون فرحهم بنشرها.. وأعرف ان قرائي المعترضين يفوقون كثيراً أولئك الذين سيبادرون لإعلان فرحتهم.. ومع ذلك سأنشرها، ولكن لماذا؟
نعم أنا ضد الإقليم من حيث المبدأ ومن حيث التفاصيل، فهناك كلام كثير يمكن أن يُقال في هذا الصدد، ولكن هذه المقالة تفضح جانباً من خفايا تشريع قانون الأقاليم في مجلس النواب العراقي، المرفوض منا ابتداءً وانتهاءا.. انها مقالة تستخدم ضد المنادين بالإقليم وتفضح حقيقة حزب الدعوة الشيطانية وإدعاءاته الفارغة بالحفاظ على وحدة العراق، أرضاً وشعباً، وهي أخيراً تشرح موقف الداعين لاقليم في غرب العراق اليوم.
حسناً لنقرأ المقالة وليبد كلٌ منا رأيه، في خانة التعليقات، أسفل الصفحة، وهي مفتوحة للجميع، وأكرر للجميع..
مصطفى
.........
لاتعاتبوا دعاة الفيدرالية بل لوموا الظالمين
ظافر العاني
لسوء حظي تم اختياري في الدورة البرلمانية السابقة رئيساً للجنة الأقاليم والمحافظات، وهي من بين اكثر اللجان أهمية، فمجرد اسمها مقروناً بالأقاليم كان يشعرني بالنفور.
هكذا أنا نشأت عروبياً كأبناء جيلي وأحب ان أرى وطني موحداً بلا أي ثلمةٍ فيه، رغم أني استسلمت لفكرة وجود اقليم كردستان، فهو أمر واقع واناأُقدّر ان هذه رغبة إخواني الكورد وهو مطلب قومي بلورته المعاناة والهوية المشتركة والجبل والسروال .
ولكن اللجنة التي أرأسها كان عليها وفقاً للدستور ان تنجز قانون الإجراءات التنفيذية لتشكيل الأقاليم خلال ستة شهور من بدء البرلمان ، وبدأ البرلمان ودخلت في فترة عصيبة من الصراع السياسي والاعلامي المحموم للوقوف بوجه إقرار القانون ، وقد أجلت إقراره بالفعل لما يقارب السنة ، لكن المحكمة الدستورية أوجدت تخريجاً بان المدة تبدأ من بدأ تشكيل الحكومة لأن الجلسة الاولى صحيح انها بدأت ولكنها ظلت مفتوحة لشهور حتى تشكلت حكومة المالكي الاولى .
كان دعاة الاقليم يريدونه إقليماً طائفياً ، هذا رأيهم الذي اعارضهم فيه بشكل قاطع بالأمس واليوم وغداً ، وقلت عبارة ما أزال مؤمناً بها ، ان القانون بصيغته الطائفية هو وصفة جاهزة للحرب الاهلية والتقسيم، ورحتُ أنظِّر في كل مكان لمعاداة الفيدرالية الطائفية .
وللحق فقد اصطف بقوة الى جوارنا في التوافق والحوار الاخوة في التيار الصدري والفضيلة .
واستطاع البعض عبر الضغط ان يحَّوروا القانون من تشكيل أقاليم ذات صبغة طائفية الى اقليم ذو مسحة إدارية بحيث تستطيع محافظة واحدة ان تتحول الى اقليم ، فما لايدرك كله لايترك جله. كان هذا خطاً دفاعياً ثانياً لو فشلت الجهود في منع المنادين بالفيدرالية الطائفية .
ومع ذلك لم يبق على إقرار القانون الا يوماً واحداً، يوم واحد يفصل بين إقرار القانون او تجاوز المدة، وبعدها تحدث مشكلة قانونية لايمكن حسمها الا عبر المحكمة الدستورية، وسيكون لدينا وقت لمعركة سياسية قادمة .
وصلنا لليوم الأخير. ياالله لم تبق الا ساعات تفصلنا عن الموعد النهائي للقانون، والحملة السياسية والإعلامية جاءت بثمار طيبة فالنصاب القانوني للجلسة لم يكتمل بعدما قاطعنا الجلسة، لكن المجلس الأعلى وحزب الدعوة كانا مصرين على التصويت قبل انتهاء اليوم وبالطبع معهم التحالف الكردستاني الذي يعتبر انشاء أقاليم جديدة تعزيزٌ لإقليم كردستان .
النصاب القانوني غير كامل ، والوقت يمر وانا لم يبق إظفرٌ في أصابعي الا وهرسته بأسناني وهي عادة قبيحة تلازمني من الصغر كلما شعرت بالقلق الجدي . انها قضيتي وقضية وطني الذي لا أريده الا موحداً بكل ذرة تراب فيه .
مضت ساعة وساعتان والجلسة معطلة بسبب عدم إكتمال النصاب، وقد جاء عبدالعزيز الحكيم الذي لم يحضر جلسات البرلمان السابقة، بسبب وضعه الاعتباري ، وشدة مرضه ، جاء لكي يكمل النصاب الذي كان مختلاً ، فهو يعتبرها قضية مركزية في أفكاره وتوجهات المجلس الأعلى. قولوا ماشئتم لكني اعتبرت هذا الموقف دلالة منه على مبدئيته للقناعات التي يؤمن بها، حتى وان اختلفت معه فيها جملة وتفصيلاً. فانا احترم خصومي المبدئيين حتى وان اختلفوا معي ، لكني امقت الانتهازيين حتى لو اصطفوا بجواري .
الدقائق تمضي بطيئة، والحوار الجانبي كان ساخناً للغاية ، ونحن ننتظر خارج القاعة ونحسب أعداد الذين يدخلون فتضطرب دقات قلبي مع كل نائب يدخل القاعة ويزداد معه عدد الحضور. عصر ذلك اليوم اكتمل النصاب، اكتمل النصاب بدخول ثمانية من أعضاء القائمة العراقية التي يرأسها الدكتور أياد علاوي، وهو الذي كان يقف علناً ضد القانون، ولكن أهم منظريه الرئيسيين كان من اعضاء قائمته وهو الدكتور وائل عبد اللطيف .
اعلن رئيس البرلمان الدكتور محمود المشهداني اكتمال النصاب وقرع الجرس للدخول للقاعة للتصويت على القانون، ولكني رئيس اللجنة التي عليها ان تقرأ القانون للتصويت عليه .
دخلتُ القاعة وقلت لهم لن اسمح بقراءة القانون قبل ان أقول رأيي، فاغتاظ هادي العامري رئيس فيلق بدر قبل ان يحوله الى منظمة. اصريت على موقفي وقلت: مستحيل ان يقرأ قبل ان أقف على المنصة وأقول كلمتي، ووافقوا على مضض .
وقفت على المنصة ومن بين ماقلتُ: أنا لا يليق بي وبتأريخي وقناعاتي ان أكون رئيساً للجنة تسن قانوناً يمهدُ الطريق لتقسيم العراق، ولذا أعلن أستقالتي منها .
خرجت من القاعة وبدأوا بقراءة القانون والتصويت عليه على عجل كي لا يختل النصاب ، وبعد ذلك سمعنا التصفيق وعلت اصوات الحاضرين للجلسة حتى وصلت أسماعنا ونحن خارج القاعة (اللهم صل على محمد وآل محمد). فأعلنت حزني الأبدي .
واليوم، ماذا عن اليوم؟ ما بالي لا أقف نفس الموقف المتشدد من المنادين بالإقليم في المحافظات الست المنتفضة، لماذا اعترضتُ بشدة على فكرة (الاقليم خيارنا) التي كانت مخصصة شعاراً للجمعة الفائتة ولكن من خلف الكواليس، لماذا لا أعلن موقفي المعترض جهاراً نهاراً كما فعلت عندما كان الشعار هو إقليم الشيعة، لماذا أتردد في مواجهة شرسة مع المعتصمين المنادين بإقليم؟ لماذا أكتفي بالحوار معهم لأقنعهم بوجهة نظري؟ هل هي نزعة طائفية مني؟ سأترك الحكم لكم .
ولكني أرجوكم تمهلوا، لا تحكموا على من ينادون بالإقليم بانهم دعاة التقسيم فأنا أعرف حرقة قلبهم على العراق الموحد مثلي ومثلكم، واعرف كم أنهم قلقون مثلي ومثلكم من حرب محتملة، وبأنهم يريدون عراقاً موحداً ولكن على ان لايعيشوا فيه كالعبيد، انهم باحثون عن الكرامة باي وسيله حتى لو كانت محفوفة بالشكوك، ارجوكم لا توجهوا عتبكم عليهم بعدما دُفعوا لحافة اليأس، لاتعاتبوا من يشعرون بالظلم، بل لوموا الظالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق