عمران الكبيسي
صرح وزير الخارجية الأميركي جون
كيري في مؤتمر صحافي بمدينة مونترو السويسرية الأسبوع الماضي، حيث بدأت أعمال
مؤتمر جنيف 2 لحل الأزمة السورية، قائلا “إن أحداً لم يفعل أو يجعل من سوريا
مغناطيساً للإرهاب أكثر من بشار الأسد”، واتهمه بالتضليل.
أليست هي أميركا بشخص رئيسها بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد ووزير خارجيته كولن باول ومستشارة الأمن القومي الأميركي كوندليزا رايس! فهل نسي كيري هذه الحقيقة أو تغافل عمدا عن مسؤولية دولته العظمى كأول من يُسأل عن تفشي الإرهاب بالمنطقة، وهل كان في العراق أثر لمنظمات إرهابية قبل غزوهم الظالم المقيت كما هو الحال اليوم؟ ألم يقل بوش حتى لو لم يكن للعراقيين أسلحة دمار شامل لنفذ حملته على العراق فالعالم بدون صدام حسين أفضل؟ واليوم بعد احد عشر عاما من الاحتلال الأميركي للعراق، هل أصبحت المنطقة أكثر أمنا واستقرارا، كما كان الإعلام الأميركي يعد الناس؟ أم أصبحت أكثر توترا وقلقا وسوءا عما كانت عليه في كل المجالات، بما فيها غياب الحرية والديمقراطية، وتعاظم الانفلات الأمني، وتردي الأحوال العسكرية والاقتصادية والاجتماعية؟
واليوم أليس من حقنا القول إن أميركا ما أقدمت على حل الجيش وقوات الأمن والاستخبارات إلا لإحداث فراغ أمني تستغله القاعدة والمنظمات الإرهابية لصالحها وإشاعة الفوضى في المنطقة؟ وإذا كان بشار الأسد مجرما لأنه قتل 150 ألف شهيد واعتقل وعذب مئات الآلاف وهجر الملايين خارج سوريا وداخلها، فما أصاب العراقيين من الأميركان أكثر فضاضة وفضاعة مما جرى في سوريا؟ ألم يتجاوز عدد الشهداء العراقيين الذين سقطوا على يد الجيش الأميركي وحلفائه في حملته لاحتلال العراق وما خلفته بعدها من مآس أكثر من نصف مليون شهيد، وكلفتها المادية أضعاف سوريا، فهل يعترف السيد كيري بذلك ويصحح موقف أميركا؟
ونسأل السيد كيري صاحب الضمير الحي الذي استيقظ بعد فوات الأوان، هل الإرهاب وحده هو الذي يقتل الناس ويُميتهم، والحصار الذي فرض على الشعب العراقي أربعة عشر عاما، ألم يكن مميتا للأطفال الرضع والشيوخ، واستخدام اليورانيوم المخضب والقنابل الفسفورية والأسلحة المحرمة في الفلوجة والنجف ومناطق أخرى كثيرة من العراق، الم تتسبب بكارثة إنسانية؟ هل لدى السيد كيري إحصائيات عن التشوهات الخلقية التي أصابت المواليد في العراق بعد الاحتلال أو عن إحصائيات مرضى السرطان حيث بدأ ينتشر بين العراقيين؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية للتكفير عن جريمتها ومساعدة المصابين وعلاجهم والتخفيف من معاناتهم؟
ثم من ترك الحبل على الغارب للأسد كي يفعل ما فعل؟ وجلب المصائب وجر الويل على المنطقة غير سكوت الدول العظمى وعلى رأسها أميركا كل هذا الوقت الطويل؟ وما الذي فعلته أميركا طيلة هذه الفترة لإيقاف نزف الدماء في سوريا، والتخفيف من محنة المهجرين، لماذا تحركت أميركا جديا فأبرقت وأرعدت وأصرت على تخلي الأسد عن أسلحته الكيماوية ونفذت ما أرادت، ولم تستطع أن توقف طيران الأسد عن قصف المدنيين بصواريخ كروز جو أرض وقصف الطائرات وتدمير الأحياء بالبراميل المتفجرة، وهل الموت بالسلاح الكيماوي يختلف عن الموت بقصف الطائرات وقسوة التعذيب؟ لماذا لم تفرض منطقة حظر جوي على سوريا؟ ولماذا لم توفر منطقة آمنة للمهجرين لضمان بقائهم داخل الأراضي السورية وهي قادرة على ذلك لو أرادت حتى بدون موافقة روسيا ومجلس الأمن؟ ألا تتحمل أميركا مسؤولية أخلاقية عن وقوفها المتخاذل إزاء ما جرى؟
يا سيد كيري احتلال أميركا للعراق هو الذي جلب المصائب إلى المنطقة وشجع على استقطاب الإرهاب تدخلكم السريع المريب في ليبيا وتدمير جيشها وليس تنحية القذافي؟ تركتم السوريين يطحنون بعضهم خدمة لربيبتكم إسرائيل، فليس لدينا ما نقوله فيكم أكثر من قوله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُم وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون 4.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليقان (2):
من قال أن كيري ضميره صحى؟
لا ابدا انه التوقيت المراد التصريح به انها سياسة اظهار الحقائق واخفائها حسب توقيت تأثيرها
حقائق تظهر وقتما يراد لها الظهور وتختفي وقتما يراد بها الكتمان ، وكذلك يجرمون وقتما يشاءون ويبرءون وقتما يشاءون والشعب فقط والوطن هو الضحية وهو اللعبة التي يتسلون بلعبها
إرسال تعليق