ضرغام الدباغ
يحلو للبعض من الذين يعانون باضطراب في معطيات
هويتهم الوطنية والقومية، أن يسخروا من حال الثورات العربية، بل من حال الأمة
العربية. وبعضهم يقدح زناد فكره ... ويقدح
... فلا يجد في نهاية المطاف غير كلمات الشتائم والسباب والإهانة.
نعم نحن نتعرض منذ سنين طويلة لمؤامرة
معقدة وضعنا في تفاصيلها المعقدة، وتطرح علينا خيارات أحلاها أمر من الحنظل،
مؤامرة متعددة الأطراف والصفحات، لها جوانبها التي كشفها الزمن، وأخرى في طريقها
لأن تكشف عن نفسها، فلهيب المعركة المشتعلة ستحرق ثياب المهرجين المهلهلة، وتكشف
الخونة والمتآمرين الأصليين والثانويين، وحتى الكومبارس ومن يلعب دوراً هامشياً
تافهاً ارتضاه لنفسه، فأصطف مع المؤامرة لهذا السبب أو ذاك، ولكنه على كل حال
أرتضى لنفسه دخول قبو المؤامرة على وطنه وأمته، وأصطف مع القوى الاستعمارية
والتوسعية وساهم بقتل شعبه، والأيام ستكشف المزيد.
في مقال سابق بعنوان (محنة الولايات
المتحدة)، أدناه الرابط.
توصلنا بعد التحليل أن الولايات المتحدة
في محنة، فالهزائم المتواصلة، والأخرى المقبلة تفقدها توازها، وثقتها بنفسها، وثقة
الآخرين بها، وفي المقدمة أصدقائها وحلفائها، وهاهم الأوربيون يتحدثون علناً عن
دور متزايد للقوة المسلحة في مناطق التوتر، بعد أن أصبح من الثابت أن قدرات
الولايات المتحدة في تراجع، وتركيزها على نقاط أخرى، وحتى دورها ومكانتها في الشرق
الأوسط الذي حضي في السابق بالاهتمام الأوفر وكفقرة رئيسية في السياسة
والاستراتيجية الأمريكية (مبدأ ترومان 1947، مبدأ أيزنهاور 1957، مبدأ كارتر 1980)
أصبح اليوم في مهب الريح، نتيجة استخدام خاطئ للقوة السياسية والاقتصادية
والعسكرية، بما يناقض مصالح كل من تمسهم هذه السياسة، من الاطراف الأخرى بما في
ذلك الأصدقاء.
واليوم يتفق الخصوم والمتناقضون على
التصدي لمشروع الامة العربية في النهضة السياسية والاقتصادية والحضارية ويوضعون كل
طاقاتهم سراً وعلناً في التصدي لهذا المشروع، إذ يعتقد هؤلاء (بالطبع بمبالغة غير
منطقية) أن نهوض الأمة سيلحق بهم الضرر. لذلك وظفوا كل قواهم، حتى خزينهم
الاستراتيجي في التصدي للمشروع النهضوي العربي، ولكنهم حتى الآن لم يحققوا النجاح.
نعم إنهم الحقوا بنا خسائر جسيمة، قتلاً وتدميراً واحتلالاً، ولكنهم يفاجئون بنهوض
الامة لترميم الموقف في شتى الساحات، وبروح مقاومة لا تعرف اليأس والسكون.
وبهذا المقدمات الوصفية فنحن في معركة دفاعية
صعبة أكثر مما توصف بأنها محنة. فالمحنة هي عندما يجد طرف ما نفسه في مواقف
حرجة صعبة، تستنزف قواه دون نتيجة واضحة أو مأمولة، فترتبك خططه المنتظمة، ثم يفقد توازنه، ثم يكيل
ضربات عشوائية، ثم يبدأ بالخسارة في جبهات مختلفة، يفقد أصدقاء وحلفاء رئيسيين،
وأصدقاء وحلفاء محتملين وثانويين، ثم يخسر من كان على الحياد، ثم يبدأ بخسارة
أطراف من معسكره، وتلك هي مراحل ستنتهي ببروز موقف جديد.
نعترف أننا ما نزال نحفظ الود للاتحاد
السوفيتي، بطيبة قلب مشهودة للشرقيين عموماً وللعرب المسلمين خصوصاً، وحتى بعد أن
أتفق الشرق والغرب على تأسيس دولة الكيان الصهيوني، وتردد ومواقف تفتقر إلى الحزم،
وبد أن أنتهى الاتحاد السوفيتي، صارت مواقف روسيا لا يمكن وصفها بالودية، بل
معادية في كثير من الاحيان، فالروس يخشون مستقبل الكيانات الاسلامية الملحقة
بالاتحاد الروسي، الذين لم يستطع الروس اقناعهم بمزايا الاتحاد الروسي، وفقط بأستخدام
مفرط للقوة المسلحة(التي لا أفق شرعي أو تاريخي لها) لا تقل عن الاساليب
الستالينية، أبقيت قسراً شعوب وقوميات غير روسية ضمن الاتحاد الروسي.
اليوم نجحت ثورة مسلحة بأقتلاع أوكرانيا
من المعسكر الروسي، وتثبت التجارب أن لا يمكن تدجين شعب، وفقدان أوكرانيا يعني
الكثير جداً، سياسياُ واقتصادياً واستراتيجياً لروسيا، فروسيا كانت قد منحت
أوكرانيا أيام العلاقة السوفيتية، اطلاله على البحر الاسود، من ضمنها مدينة روسية
قديمة وتاريخية هي سيواستوبل، تمسكت بها أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي،
والروس فعلوا الكثير من أجل أوكرانيا، ومن ذلك أن خروتشوف الحديدي كان أوكرانياً،
وتحمل الروس والأوكرانيين مستحقات الحرب والتحرير، وأيام المحن والمجاعات، وتحرير
أوكرانيا من قبضة الجيش الهتلري النازي أبان الحرب العالمية الثانية.
وقام الهتلريون بفضاعات لا تنسى في
أوكرانيا، ومن ذلك إعدام منتخب أوكرانيا بكرة القدم لأنه فاز على فريق قوات الجيش
الهتلري المحتل، وبما في ذلك أيضاً تشجيع أوكرانيين على خيانة وطنهم السوفيتي،
فنصبوا الجنرال فلاسوف قائداً لجيش أوكراني من المرتزقة والأسرى، ثم سلموهم للجيش
السوفيت في صفقة رخيصة في أواخر أسابيع الحرب العالمية الثانية.
ولكن الناس تنسى، والنسيان نعمة أم نقمة
فهذه مسألة لم يبت بها بعد، فالغرب قاد بكفاءة وحرض على الثورة البرتقالية في
أوكرانيا، ومن المؤكد أن الاستخبارات الغربية أنفقت ملايين كثيرة لبلوغ هذه
النتيجة، أي يلوذ رئيس الجمهورية والحكومة بالفرار، ويحاولون بأي وسيلة مغادرة
البلاد، وتنقل شاشات التلفاز أفراح الشعب الأوكراني ب " الحرية " بينما
يحضر الرئيس بوتين اختتام الاولمبياد الشتوية في سوتشي بوجه حزين، فها هي درة
ثمينة تفلت من التاج الروسي، دون أن يستطيع أن يفعل شيئاً لإنقاذ الموقف، فالقتل المجاني بلا حساب، ليست
لعبة سورية / أسدية، فهنا أوربا، وسيمثل من أصدر الأوامر بالقتل أمام المحاكم
حتماً، ولا شيئ سوف يجنبهم هذا المصير، وحتى الرئيس بوتين لن يستطيع انقاذ أصدقاءه
الأوكرانيين، بل ليس بوسعه إيقاف التمثيليات التي تسخر منه شخصياً .
لا شماتة، ولكن هل يفهم الروس أن الدم
السوري ثمين أيضاً كالدم الأوكراني، هل يفهم أن الشعب سوف يحاسب القتلة وأن دعم
الطغاة والأنظمة الاجرامية لن يشرف روسيا قط، وخسارة لعواطف العرب والمسلمين الذي
اتجهت الثورة الروسية إليهم لرفع الظلم والحيف عنهم، وتضامنت مع شعوب الشرق.
واليوم نفضت روسيا يدها من ذلك الأرث وتحولت إلى دولة قيصرية إمبريالية، نظام بلا
فلسفة حكم ولكن بنظام ذا طبيعة جديدة، بإمكان الرئيس (المنتخب !) أن يحكم ستة دورات متعاقبة كرئيس وزراء وكرئيس
جمهورية وفي كلا المنصبين يحكم بقبضته على مفاتيح الكرملين، بانتظار ثورة جديدة في
موسكو تحمل لوناً جديداً.
ويوم يتساقط من تدعم موسكو جرائمهم
تباعاً، ممن تدافع عنهم في المحافل الدولية، وتمنحهم السلاح والهليكوبترات وبراميل
الموت، وتشجع عمليات الاغتيال والقتل بدم بارد، وربما لن يحدث ذات السيناريو
الاوكراني بحذافيره، ولكن من المؤكد أنه سيتكرر بنتائجه الختامية، فهل تعتبر
روسيا.
إن أيام برتقالية قادمة، وربما بألوان
خضراء، سوداء، بيضاء، حمراء.
هناك تعليق واحد:
مصانع السلاح الروسي والبعض من منشآتها النووية تقبع في أوكرانيا والتي تمتلك ثاني أكبر جيش في أوروبا..
تهانينا لبوتين وخلي يبدله بقبقاب هوايه أحسن له
إرسال تعليق