وجهات
نظر
مصطفى
يوسف اللداوي
هل بدأ الكيان
الصهيوني يشعر لأول مرة بجدية فقدان الحليف الأمريكي والأوروبي، وهو الذي تأسس برعايتهم،
ونما وكبر في كنفهم، ونشأ وقَوَّيَ وتغطرس واعتدى معتمداً عليهم، ومارس العنف
والإرهاب والقتل والبغي بسلاحهم، وهم الذين يدافعون عنه ويحمونه، ويتصدون للمعادين
له، ويحولون دون إدانته أو شجب عدوانه، ويمنعون أي تكتلٍ دولي ضده، بل ويتحملون
آذاه، ويتكبدون الخسائر بسبب أخطائه، ونتيجة سياساته، ويدفعون من جيوب مواطنيهم ما
يرفه حياة مواطنيه، وينعش اقتصادهم، ويحقق أمنهم.
لا شك أن جون
كيري وحزبه مؤيدٌ لـ(إسرائيل)، وحريصٌ عليها، ولا يغامر بها، ولا يفرط في أمنها،
بل لا يستطيع أن يغير سياسة بلاده المتوارثة تجاهها، فـ(إسرائيل) بالنسبة إلى
الولايات المتحدة الأمريكية خطٌ أحمر، لا يمكن تجاوزه، ولا يجوز اللعب أو العبث
به، أياً كان ساكن البيت الأبيض، ولهذا سارع ناطقٌ رسمي باسم الخارجية الأمريكية،
للتلطيف من حدة تصريحات وزير الخارجية، ولوضعها في سياقها الطبيعي والعادي، لئلا
تستفز الحكومة (الإسرائيلية)، ولا اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية،
الذي تحتاج إليه الإدارة الأمريكية، وتخاوف من نفوذه في مواجهة قراراتها، وتحدي
سياساتها، ولئلا تفتح الباب واسعاً أمام المزيد من الإنتقادات الأوروبية للحكومة (الإسرائيلية)،
التي قد تكون أكثر حدةً وقسوة، وربما أكثر وجعاً وإيلاماً.
أم أننا فعلاً
بتنا على أعتاب تغيراتٍ إقليمية ودولية حقيقية، ستنعكس على كل دول المنطقة، وسيكون
الكيان الصهيوني أكثر تأثراً وتضرراً، وسيكون مضطراً لأن يدفع جزءاً من الفاتورة، وأن
الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبية باتت جادة في إيجاد حلٍ مرضي للقضية
الفلسطينية، وأنها وصلت إلى مرحلة باتت فيها غير قادرة على تحمل مسؤولية التوتر
السائد في منطقة الشرق الأوسط، والذي يعود في أغلبه لعدم التوصل إلى إتفاقٍ حقيقي
ودائم بين الفلسطينيين والصهاينة، يكون من القوة والملائمة بما ينهي حالة الصراع
العربي الصهيوني، التي مضى عليها سبعة عقود، ويدخل المنطقة كلها في حالة استقرار
ونمو، يرضي سكانها، ويشغلهم في تنمية أوطانهم، والنهوض بشؤون مجتمعاتهم، وتحسين
مستوى شعوبهم.
أم أن تصريحات
كيري، وتهديدات دول الإتحاد الأوروبي، هي مجرد أحلامٍ وطموحات، وأماني الضعفاء
المحرومين، الذين يبحثون عن الحل والفرج، ويتمسكون بكل بارقة أمل، ويصدقون كل من يعدهم
ويمنيهم، ويسمعهم معسول الكلام، وحلو الوعود، فلن يكون هناك نتائج حقيقية لهذه
التصريحات، خاصةً بعد أن عدلت وزارة الخارجية تصريحات وزيرها، وخففت من لهجتها،
بما يطمئن (الإسرائيليين) ويذهب عنهم الروع والفزع.
ربما تكون دول
الإتحاد الأوروبي جادة في تهديداتها، ومؤثرة في مقاطعتها الإقتصادية للمؤسسات
والمنتجات الإستيطانية، خاصة إذا نفذت وعودها وطبقت المقاطعة الإقتصادية على بعض
البنوك وبيوت المال (الإسرائيلية)، بما يقيد حركتها، ويضعف قدرتها، ويربك
مشاريعها، ويؤخر تمويلها لبناء المزيد من المستوطنات، أو توسيع القائم منها، وقد
شكى المستوطنون من أثر المقاطعة عليهم.
والكيان
الصهيوني مازال يعتمد في إقتصاده على ما تمنحه إياه الكثير من دول العالم، فيما
يتعلق بالأفضلية والأولوية، في محاولةٍ منها لدعم الإقتصاد (الإسرائيلي)، الذي
يعاني من مشكلة في الأسواق القريبة منه، كونها أسواق عربية معادية ومقاطعة، ولهذا
فإن دعوة كيري والتي أيدها الإتحاد الأوروبي لفرض مقاطعة إقتصادية على الكيان
الصهيوني، فإنها ستولد ردودَ فعلٍ داخلية، سواء من قبل قطاع الإقتصاديين والتجار،
أو من قبل المنتجين وحتى المستوطنين، الذين يهمهم تسويق منتجاتهم، وبيع بضائعهم.
رغم التبني
الأمريكي والأوروبي للكيان الصهيوني، إلا أنه من الصعب جداً أن نضرب صفحاً عن هذا
التطور الجديد، فهذه اللهجة القاسية نوعاً ما، هي الأولى في تاريخ الكيان
الصهيوني، التي تصدر عن أهم حليفٍ له، فهي تهديداتٌ علنية، وفيها جدية، وفيها نبرة
حازمة أو محذرة، وهي تقلق وتخيف، وبالتأكيد هي مختلفة عما قبلها، وستكون لها
نتائجها المختلفة فيما بعد.
ولو افترضنا
جدلاً أن الإدارة الأمريكية والإتحاد الأوروبي سينفذان تهديدهما، وسيفرضان مقاطعة
على الكيان الصهيوني، وسيتسببان في فرض عزلة دولية عليه، لدفعه للقبول بخطة جون
كيري، والتي أجرى عليها تعديلاتٍ جوهرية، تتناسب مع الشروط والتحفظات (الإسرائيلية)،
فإن أقصى ما ستقدمه الحكومة (الإسرائيلية)، لا يلبي طموحات السلطة الفلسطينية، ولا
المفاوضين الفلسطينيين، فضلاً عن طموحات وأماني الشعب الفلسطيني، الذي يرفض
المفاوضات جملةً وتفصيلاً، ولا يقبل بنتائجها أياً كانت، لأنها بالضرورة ضد الحق
الفلسطيني، ومع مصالح العدو الصهيوني.
لكن في الوقت
نفسه، يجب علينا ألا نخدع أو يغرر بنا، وألا
تنطلي علينا السياسة الأمريكية، إذ أنها في نهاية المطاف لن تؤيد الحق العربي
الفلسطيني، ولن ترغم الكيان الصهيوني على تقديم تنازلاتٍ حقيقية، ولكنها قد تجبره
على الموافقة على شروطه القديمة، التي تحقق له الأمن والإستقرار، والتي تقيد
السلطة الفلسطينية، وتجعل منها خادماً لدولة الكيان، وحارساً لمصالحها، دون أن
تقدم لها شيئاً مما تتمنى، فيما يتعلق بالمساحة والحدود والسيادة والمقدسات
والعودة، فكونوا على حذرٍ وانتبهوا، ولا تتأملوا كثيراً فتفشلوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق