السياسة الأردنية بين الحذر القلق والمغامرة المحسوبة!

وجهات نظر

نزار حسين راشد

للسياسة الأردنية ملامح، تاريخية، يميزها المتابع بسهولة:

أبرز هذه الملامح أن قراراتها المصيرية هي دائما محصلة لتوازنات السياسة العربية، وهي بذلك تضمن بقاءها على برالأمان من ناحية، واستمرارية الحضور في المشهد السياسي دون الإضطرار لاستقطاب أعداء جدد، من الناحية الأخرى!

فقد خاضت حرب حزيران/يونيو 1967، انسجاما مع قرار الرئيس جمال عبد الناصر، وبالرغم من شبح خسارة الحرب، الحاضر بقوة في المشهد، وخلافا للنصيحة الغربية وبالاخص الأمريكية! لم يكن ذلك نزولا عند الرغبة الناصرية، بقدر ما كان استجابة للحماس الشعبي والعواطف القومية المتقدة، في ذلك الحين، ذلك أن السياسة الأردنية، لم تغامر يوما بفقدان قواعدها الشعبية! لقد برز ذلك بوضوح مرة أخرى، بوقوفها إلى جانب صدام حسين في حرب الخليج الثانية، نزولا عـــند الإرادة الشعبية، مرة أخرى، وخلافا لنصيحة الأصدقاء الغربيين، مرة أخرى أيضا! في حين كانت وحدات الجيش السوري، تقف في المعسكر الأمريكي، بقرار من الرئيس حافظ الأسد!
ها هي السياسة الأردنية تعبر اللحظة الراهنة، من خلال البوابة الفلسطينية، وعبر خطة كيري للسلام، ولكن على الجسرالذي مدته السلطة الفلسطينية، ورئيسها، محمود عباس بالذات، وبمساندة وحضور سعودي!
وعلى الرغم من أن الثوابت حاضرة في المعادلة، إلا أن السياسة الأردنية هذه المرة، تجد نفسها في وضع أكثر تعقيدا، لأسباب على رأسها، التشكك الشعبي الواضح في النوايا الأمريكية، الأمرالذي يهدد صاحب القرار السياسي، بفقدان ثابت المساندة الشعبية، فبالنسبة للوجدان الشعبي بجناحيه الأردني والفلسطيني، يبدو مشروع التوطين، حتى وإن كان واقعا ديمغرافيا، يبدو تسليما بالإرادة الأمريكية الإسرائيلية، وعلى حساب الثوابت الوطنية الكبرى، والتي تبدو في المشهد الراهن، مهددة بالتصفية النهائية، الأمر الذي يثير قلق المكونين الديمغرافيين الأردني والفلسطيني في آن معا!
ومما يجعل الموقف أكثر هشاشة، أن الرئيس عباس يبدو كمن يبحث عن كتف يتوكأ عليها، أكثر من بحثه عن شريك سياسي! مديرا ظهره في الوقت نفسه، لقرار فك الإرتباط، الذي تم بتوافق أردني فلسطيني، في عهد الراحلين الملك حسين وياسر عرفات، رحمهما الله!
جون كيري نفسه، عبر من البوابة المقابلة، البوابة الإسرائيلية، متبنيا مسمى’الدولة اليهودية’ الذي ابتدعته إسرائيل، مما يجعله هدفا سهلا للهجوم المعارض المستند إلى إرادة شعبية أردنية فلسطينية قوية، لن تغفلها السياسة الأردنية، ولن تقفز فوقها اعتباطا هكذا، خاصة وأن مسيرة الأردن الديمقراطية، قوت شوكة المؤسسية، ونصبت مرجعيات برلمانية على المستوى الرسمي، ومرجعيات حزبية مستندة لقواعد شعبية، على مستوى القاعدة!
صانع السياسة الأردني، يدرك ذلك بالتأكيد، وهو وإن أبدى تجاوبا مع خاطب الود الأمريكي، وأطلق عددا من التصريحات الإيجابية، فذلك يدخل في هامش التعامل الديبلوماسي النمطي والمألوف، وليس في باب التسليم بالمشروع، كحتمية لا فكاك منها! حتى وإن جرى الحديث حول تعويض اللاجئين، أو تعويض الدولة الأردنية عن استضافتهم، فهذا بند مطلبي، ومن موقع خطوط السياسة الخلفية، والتي تؤكد أن الخطوط الأولى والمتقدمة، لا زالت متروكة للفلسطينيين وسلطتهم، ليقولوا كلمتهم فيها أولا، وقبل الآخرين!
إسرائيل ألقت بعبارتها المسمومة’الدولة اليهودية’، ونامت عن شواردها، تاركة الفلسطينيين والعرب مِنْ خَلفهم، ليسهروا ويختصموا، وبينما ينشغل كيري في دفع هذه اللقمة المسمومة، في الحلق العربي، آملا من وراء ذلك، أن يجبرهم على ابتلاعها، في النهاية، تمضي إسرائيل في خط مستقيم، لابتلاع ما تبقى، غير عابئة بمن يختلف ومن يختصم! ومن يقتسم!

ملاحظة:

نشر المقال هنا.