وجهات نظر
ضرغام الدباغ
ليس من الصعب ملاحظة ما ترمي إليه خطط
وفعاليات تدور في السر والعلن.
الخطط التي ترمي إلى إحكام السيطرة على
منطقة الشرق الأوسط، وطالما أن العراق يمثل قلبها القوي الحيوي، فسيحضى بالثقل
الأقسى والأكثر دموية من المخطط. وبتقديري أن الخطط، حتى بعض تفاصيلها قد درست
بعناية في مراكز استخبارية في دول كبرى، وأحدث دليل على ذلك هو حزمة الفعاليات
المعادية للأمة العربية والإسلامية وهي تدور في أكثر من قطر، بدرجات متفاوتة من
الوضوح والقوة في الإيقاع.
وللأسف لابد من الاعتراف أن هذه الخطط
لا تواجه مقاومة فعالة، لأسباب ذاتية وموضوعية. والأسباب الموضوعية تتلخص بأن
القوى المتآمرة مختلفة جزئياً وكلياً، كما أنها متخوفة من النتائج النهائية لهذه
المغامرة الكبيرة، أي قلب الطاولة بفسيفسائها رأساً على عقب، فهناك دائماً حيز
مجهول أو عناصر وفقرات كامنة غير ظاهرة، أو خارجة عن السيطرة، وقد يكون الوبال كل
الوبال في هذه العناصر بالذات، وفي الفقرات التي لم ينتبه لها المتآمرون. ثم وكسبب
موضوعي أيضاً، أن المتآمرون لإخفاقات (ذاتية وموضوعية) باتوا لا يثقون بقواهم على
ضخامتها. ألم يخرج الأمريكان من العراق بجحافلهم العسكرية مدحورين على يد الشعب
العراقي، وها هم اليوم ينسحبون من أفغانستان أيضاً، ولكنهم يحاولون قدر الإمكان أن
لا يبدو الأمر كهزيمة مذلة، ولكنها كذلك، فبعد 13 عاماً، لم يستطع الأمريكان ومعهم
حلفاء الناتو وغيرهم بقضهم وقضيضهم من قهر إرادة شعب يفتقر إلى كل شيئ عدا
الإرادة، لا يتلقى السلاح ولا حتى أبسط المساعدات في نضاله من أحد، ورغم ذلك هو
يحقق الصمود، والأنتصار قادم المدوي حتماً وقريباً، كما الهزيمة المدوية آتية
حتماً، وها هم الأمريكان يفقدون السيطرة على مجريات المؤامرة، ولكنهم يقولون
لحلفائهم لا تغرنكم حالة التراجع، فهناك بركان خامد، بوسعه أن يحرق السهل كله.
الأسباب الذاتية تكمن، أننا نفتقر إلى
استراتيجية مقاومة واضحة، وتعوزنا القدرة والمصداقية في إقامة التحالفات الداخلية
والخارجية، وهناك تفاوت في وضع جدول الأولويات، كما أن هناك قصور واضح في نظام
التفكير، فما زالت الخلافات الداخلية تهيمن على الموقف السياسي الداخلي، والتنافضات
الثانوية تتحول بدون داع حقيقي إلى تناقضات رئيسية، بل إلى تناحرية في معظم الحالات،
والقوى الرئيسية لحركة التحرر تعاني من الأنقسام والتشرذم، وفي أفضل الأحيان إلى
الافتقاد للثقة فيما بينها.
ومع ذلك فالمخطط المعادي يواجه
الاخفاقات والفشل قريباً، وسوف لن ينجح، ليس بسبب حنكة خططنا ومقاومتنا لها فقط،
بل أولاً وقبل كل شيئ بفضل أخطاؤهم الكبيرة، فهم يخططون على الورق، ويستمعون لما
يقوله خبرائهم الأكاديميون، وهذا ليس عيباً بحد ذاته، ولكنه يفتقر إلى الدقة
الحيوية، إلى نبض الحياة، فهم يتعاملون مع معطيات مادية وأرقام وإحصاءات، مع بلدان
تختزن الكثير من قدراتها وطاقاتها، ولا تظهر مما تمتلك إلا قليلاً، وتلك خاصية
تاريخية قديمة، فالعربي والشرقي بصفة عامة قد أعتاد على الادخار والاحتفاظ بالمؤنة
والاحتياطات، ومن هنا لا تنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر، والنتائج هي
دوماً، خيبة أمل كبيرة.
فعلى سبيل المثال تماطل كافة الأطراف
وتناور في الموقف السياسي حيال ثورة الشعب السوري، ويعزفون مع الروس وسائر جوقة
الشر معزوفة طحن الشعب السوري وقدراته، فأي كان مستقبل سورية الذي ستكون عليه،
فلتكن ضعيفة هزيلة، وبالضبط هذا هو لب وفحوى سياسة القوى المتحالفة في العراق،
والهدف هو إبقاء العراق ضعيفاً، معدوم القدرات بعد إبادة منجزاته السياسية
والاقتصادية /الصناعية، والعلمية/ الثقافية والفنية، ليلف الظلام العراق ولا نلمس
سوى بصبص شعاع بسيط هو الأمل ليس إلا، ولذلك يتواصل تراجع العراق، بدون الخدمات
والهياكل الأساسية، بدون بنى تحية، وبدون سائر مستلزمات الاقلاع والتنمية الاقتصادية
والاجتماعية، ومن هنا بالضبط أعمال القتل اليومية لإيصال العراقيين لدرجة اليأس
وأن يكفروا بوطنهم، وليبقى التقسيم هو السيف المسلط على رقبة هذا البلد الحاضر في
التاريخ والجغرافيا منذ ألاف السنين كضربة قاضية ونهائية، وإلى ذلك نلفت أنتباه
العراقيين المخلصين.
سيستغرق بعض الوقت إنجاز عمليات جراحية دموية
هنا وهناك، وحتى ذلك الوقت لا بد من إبقاء النمر العراقي حبيساً وإبعاد تأثيراته
عن الساحة، وليلاحظ كل ذي بصيرة، إن إشارة البدء تمثلت باحتلال العراق، وإشارة
النهاية ستأتي من العراق أيضاً.
ليست هناك قوة في العالم تتحدى الشعب،
وتعتقد أن أسلحتها، مهما كانت فتاكة، أنها قادرة على قمع إرادة الشعب، ودفعهم
للتخلي من مطالبهم العادلة في سيادته على أرضه.
خسرنا كثيراً، وربما سنخسر أكثر، ولكن
الشعب العراقي سينتصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق