وجهات نظر
إسماعيل ياشا
نجحت حكومة أردوغان حتى الآن صد
الهجمات التي شنتها جماعة كولن عليها منذ 17 ديسمبر الماضي لإسقاطها بخطة محكمة
ينفذها رجال «الدولة الموازية» المتغلغلة في القضاء والشرطة، بل وتقدمت بخطوات
سريعة لتفكيك هذا التنظيم السري وإزالة خطره على النظام الديمقراطي.
الرياح التي كانت تهب ضد الحكومة بعد 17 ديسمبر غيرت وجهتها بعد إفشال محاولة الانقلاب، وبدأت الآن تهب ضد الجماعة، وكانت الخطة في أساسها تعتمد على خلق صورة ذهنية لدى الرأي العام تظهر الحكومة التركية غارقة في الفساد والرشاوى، ولكن الشارع التركي لم يخطئ في قراءة التطورات وأبعادها، وحمل الجماعة مسؤولية محاولة الانقلاب الفاشلة وتبعاتها الاقتصادية، ومن المحتمل فتح تحقيقات ورفع دعاوى قضائية في الفترة القادمة لمحاسبة المتورطين بهذه المحاولة الأخيرة وسط أنباء عن هروب «إمام» جماعة كولن في القضاء إلى الولايات المتحدة.
ومن مؤشرات تغير وجهة الرياح اعتذار وزير البيئة والتخطيط العمراني السابق أردوغان بيرقدار من دعوة الاستقالة التي وجهها إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وكان بيرقدار دعا أردوغان إلى الاستقالة من أجل «صالح الأمة والبلد»، بعد أن طلب منه أردوغان تقديم استقالته على خلفية احتجاز ابنه في قضية الفساد، ولم يكتف بيرقدار آنذاك بهذه التصريحات التي استغلت في الحملة الإعلامية ضد أردوغان، بل وأعلن استقالته أيضا من حزب العدالة والتنمية ومن البرلمان التركي. وقبل أيام، تقدم بيرقدار بالاعتذار إلى أردوغان واعترف بأنه أخطأ في تصريحاته تلك، كما تراجع عن قرار استقالته من عضوية الحزب والبرلمان.
لم تفلح جماعة كولن حتى اللحظة في إقناع الرأي العام التركي بقبول الصورة الذهنية التي تروجها وكذلك في تغيير آراء الناخبين، فمعظم المؤيدين لدعاية الجماعة بحق الحكومة هم في الحقيقة كانوا معارضين للحكومة قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، والذي حصل هو انشقاق الجماعة من المعسكر المؤيد للحكومة وانضمامها إلى معسكر المعارضة، لأسباب مرتبطة بمصالح الجماعة الخاصة التي ليست بالضرورة أن تتفق مع مصلحة الشعب التركي.
حزب العدالة والتنمية حصل على %38.8 من أصوات الناخبين في الانتخابات المحلية الأخيرة في 2009، وإذا حصل على نسبة أكبر من هذه النسبة فسيعتبر ذلك فوزا كبيرا للحزب بغض النظر عن مقارنتها مع التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهي %49.9، لأن الانتخابات المحلية تختلف أجواؤها عن أجواء الانتخابات البرلمانية التي يتجه فيها غالبا أنصار الأحزاب الصغيرة إلى التصويت للأحزاب الكبيرة، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أصوات حزب العدالة والتنمية سوف تتجاوز في الانتخابات المحلية التي ستجرى في نهاية الشهر القادم النسبة التي حصل عليها في 2009، بل وستقترب من النسبة التي حصل عليها في 2011 في الانتخابات البرلمانية.
الحرب صولات وجولات وهذه الجولة يبدو أن أردوغان كسبها، ولكنها بالتأكيد لن تكون نهاية المعركة، لأن المعركة أكبر بكثير من أن تكون مجرد صراع النفوذ بين الحكومة والجماعة، إلا أن كل جولة يكسبها أردوغان تزيد قوة الرجل وصلابته، وهذا ما يجعل مهام خصومه في الجولات القادمة أصعب مما كانت في السابق، خاصة بعد أن احترقت الأوراق وانكشفت الأدوات وسقطت الأقنعة وبانت الوجوه.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق