وجهات نظر
إيمان احمد خمّاس
ليس للاحتلال هوية ولا جنسية
سوى الرغبة في السيطرة، كما أثبتت الحكومة العراقية حتى الآن، فكل تصرفاتها
وسياساتها ومبرراتها الاعلامية والدبلوماسية حتى ادقّ التفاصيل هي نسخة طبق الاصل
عن اساليب الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة ذاتها ضد العراق منذ عقد ونيّف، وما يفعله الاحتلال الصهيوني في فلسطين منذ نحو قرن. فالحكومة العراقية حكومة احتلال قولا وفعلا.
وكذلك هو الموقف الدولي من سياسة هذه الحكومة. فمجلس الامن الذي وفر غطاء قانونيا للاحتلال بعد قيامه، يساند اليوم سياسة حكومة فاشيّة متخلفة تذبح مواطنيها كما تُذبح الخراف في مجزرة على حد تعبير سترون ستفنسن، رئيس لجنة العراق في البرلمان الاوربي. ووصف ستفنسن لما تمارسه حكومة المالكي من تقتيل جماعي واعدامات بالجملة ليس مجازيا، بل هو وصف حرفي. فالحكومة العراقية اتهمت بعض مناطق العراق بالارهاب وصبّت على مواطنيها المدنيين العزّل نيران المدفعية والطيران والصواريخ والاسلحة الحارقة المحرّمة دوليا (تماما كما فعلت قوات الاحتلال)، وتقود من تأسرهم الى المشانق فورا دون تحقيق او محاكمة او أي أجراء قضائي يذكر. بل أنها تجهز على الجرحى وتمثل بأجساد الضحايا. ناهيك عن مئات الالاف من الأُسر التي شردت.
والاسوأ من هذا – اذا كان ثمة أسوأ من هذا!- ان سياسة الحكومة ماضية في فرض الحرب الاهلية عنوة على شعبها كخطوة اولى نحو تقسيم العراق وتحويله الى كانتونات صغيرة يحكمها كل من هبّ ودب نيابة عن اصحاب المصالح الامبريالية التوسعية الاقليمية (فالامبريالية ليست حكرا على الدول العظمى كما يتوّهم اصحاب اليسار التقليدي) والا ما معنى ان يقرر المالكي تحويل اقضية محددة الى محافظات مستقلة؟ بل أن مناطق في بغداد بدأت تطالب بتحويلها الى محافظات مستقلة! أليس هذا هو التقسيم بعينه؟.
هل انتهت كل المصائب التي مُنيّ بها العراقيون جرّاء الاحتلال وحكوماته من غياب الأمن والبطالة والفساد الذي يفقأ العين قبل ان يزكم الانف والظلم المطلق وغياب سلطة الدولة وانتفاء اي مشروع تنموي والتخلف الثقافي…كل هذه المصائب نسيها المالكي وراح يفكر باستحداث محافظات جديدة.
ولو انه بلّط شارعا واحدا في المحافظات الموجودة… ولكن هيهات. وتحضرني بهذه المناسبة نكتة يرددها أهالي كربلاء (التي يدّعي المالكي أنها تؤيده) عن شارع لا يكاد يصل طوله الى بضعة مئات من الامتار انفقت عليه الحكومة ملايين الدولارات منذ ست سنين ولم يتم تبليطه حتى الآن.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ـ بشيء من السذاجة ربما ـ هو اذا كان الهدف من الاحتلال انهاء الدولة العراقية بوصفها عائقا في طريق المشروع الاستراتيجي الامريكي الصهيوني، ما الذي يهدف اليه المالكي بأستنساخ سياسة الاحتلال بكل وحشيتها واجرامها وتخريبها؟ ولعل القارئ الكريم يتذكر كيف ان الاحتلال الامريكي ادّعى استدراج ‘القاعدة’ وتجميعها وضربها في العراق من خلال احتلاله.
الشيء نفسه فعلته الحكومة العراقية اذ اعترف وزير العدل قبل ايام انها اطلقت سراح مجموعة من قادة المجاميع المسلحة في عملية تهريب مسرحية للسجناء من سجني ابو غريب والتاجي، وبعدها بفترة قصيرة تناقلت الاخبار دخول خمسة الاف مسلح من سوريا الى العراق (وليس الحديث هنا عن المدنيين الفارين من القصف الاجرامي لنظام الاسد لابناء الشعب السوري).
وهاهي القوات الحكومية العراقية الآن تعيث في الارض دمارا وقتلا واجراما بذريعة محاربة الارهاب.
اليست الصورة واضحة في تطابق السيناريوهات! فتح الباب امام الارهاب ثم التنكيل بالمواطنين بذريعة محاربة اولئك. ولا اكتم القارئ الكريم أنني بحثت بجديّة عما يمكن ان يكون سببا حقيقيا يدفع الحكومة العراقية الى هذا السلوك الاجرامي ولم اجد غير الاستمرار في تنفيذ مخطط الاحتلال في اصابة العراق بالشلل التام ، حتى لا يفكر اهله الا بتوفير العيش بأدنى صوره والسير جنب الحائط وترديد ‘يارب استر’. ولكي لا يتجرأ احدهم على المطالبة بأبسط حقوقه.
ويبقى السؤال لماذا؟ بالتأكيد ليست الاجابة في الايديولوجيات الدينية او العرقية او الطائفية او الطبقية التي هي أطر فكرية لتحريك الجماهير باتجاه دون آخر من خلال ممارسة السلطة. بمعنى آخر ان الطائفية ـ في هذه الحالة ـ ليست هي الغاية بل هي الوسيلة او الغطاء. ولذلك فأن قصص المظلومية (التي استخدمها الاحتلال ايضا) لا تنطلي على لبيب ولا غيره، خاصة ان حكومات الاحتلال في العراق نكّلت بالجميع، بكل من لم يصفّق لها او لم يغلق فمه ازاء ظلمها بغض النظر عن توجهه الفكري. بل انها اوغلت في سياسة الدهماء والجهالة والظلامية وعادت بالعراقيين قرونا الى الوراء.
ولقد اوغلت الحكومة العراقية في الارهاب: ارهاب الدولة (بدأه علاوي في الفلوجة وزاده الجعفري وصولاغ واما المالكي فحدث ولا حرج من فساد قضائي وشراء ذمم ومتاجرة بارواح الناس واعدامات بالجملة) ، وارهاب الميليشيات التابعة لاحزاب الدولة التي حوّلت القوات المسلحة من جيش وشرطة وقوات خاصة بمختلف مسمياتها الى ميليشيات بالزي الحكومي الرسمي تجوب الشوارع نهارا جهارا وهي ترفع الشعارات والرايات ومكبرات الصوت بما لم ينزل الله به من سلطان من شتائم واستفزازات دونية متخلفة، وعصابات القتل التي تُمول وتُسلح وتًدرب في ايران او من قبل قوات ايرانية في العراق، هذا اذا لم نتحدث عن حملات التفجيرات ‘الغامضة’ التي يتهم فيها ‘التكفيريون’ و’الصداميون’ الذين عجزت الحكومة عن معرفتهم ومقاضاتهم وهذا بذاته يكفي سببا لحكومة تحترم نفسها ان تنزاح عن الطريق.
بل انها الرغبة المرضية في السيطرة وانها ثقافة الانتقام والكراهية المتأصلة في النفوس والتي جعلتها مطايا للمحتل الذي استغلها أبشع استغلال في جرائمه ضد الشعوب من اجل مصالحه الاستراتيجية في السيطرة على العالم ، واستغلها الاخرون خدمة لمشاريعهم التوسعية في القوة والسيطرة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق