موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

التهجير الطائفي... جريمة الإبادة الرابعة

وجهات نظر
نزار السامرائي
تشن حكومة نوري المالكي حملة ملاحقات شرسة ضد أهل الفلوجة ونازحيها الذين لجأوا إلى أحياء الغزالية والعامرية والجامعة في بغداد، على نحو يذكرنا بثلاث ظواهر حصلت في حقب مختلفة، كان المسلمون ضحيتها الكبرى، اثنتان منها لا تتوفر عنهما الأفلام ولا الوثائق المصورة.

حصلت الأولى في القرون الوسطى وخاصة بعد سقوط الأندلس عام 1492، عندما تمت ملاحقة المسلمين في منازلهم وفي مساجدهم وفي كل مكان يظن أنهم يتواجدون فيه، من أجل إجبارهم على تغيير دينهم أو القتل أو ترك البلاد عبر البحر إلى المغرب ونشطت محاكم التفتيش بأوامر من ملوك قشتالة وبمباركة بابا الفاتيكان في تطبيق هذه الأحكام التي أكدت البون الشاسع بين تسامح الإسلام وقسوة السيحية الأوربية.
وكان القتلة الذين يطاردون المسلمين في مظانهم يستدلون على منازلهم من كميات المياه التي يستهلكها ساكنو المنزل، لأن المسلم عادة ما يحتاج إلى كميات أكبر من المياه للوضوء والاستحمام على وفق شروط الاستحمام الواردة في القرآن الكريم وتكريم النظافة، وعند اكتشاف المسلم فإنه يحال إلى محاكم التفتيش التي لم تبق عقوبة جسدية تخطر على بال إلا وطبقتها بمنتهى الوحشية والقسوة والهمجية وبروح انتقامية لا يفلت منها أحد إلا من رحم ربي.
والمثال الثاني هو ما نفذه إسماعيل الصفوي في بلاد فارس عندما صمم على فرض التشيع على سكان البلاد بقوة السيف بعد أن عجزت عنده وعند مراجعه قوة الحجة الصغار والعظام فانتقم لعجزه الفكري بحد السيف، فساق الملايين من الأبرياء في البيوت والأزقة والمساجد ودور العبادة إلى الموت ضربا بالسيف بعد أن طرد من قلوب جلاوزته كل رأفة وإنسانية، وارتدوا ثياب القسوة ونزعوا عن أنفسهم أي قدر من الرحمة، وكانوا يضعون المسلم بين خيارين لا ثالث لهما، إما الموت أو شتم أمهات المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفكر الصفوي يوما بنشر الدين الإسلامي في أي مكان لم يكن الإسلام قد وصل إليه، ولم يتعرض بسوء لأي من حملة الديانات المجوسية والوثنية واليهودية والمسيحية، بل حصر كل اهتمامه باستئصال شأفة التسنن من بلاد فارس.
تلك المجازر التي تحدثت الوثائق بالتفاصيل الدقيقة بأن ضحاياها وصلوا إلى عدة ملايين، ولكنها ظلت بلا أفلام ولا صور توثقها، غير أن صورها بقيت منحوتة في ذاكرة ذوي الضحايا من الذين نجوا وحموا أنفسهم بادعاء تبنيهم للتشيع ولكنهم كانوا يستبطنون المذاهب الأخرى، وكان إسماعيل الصفوي يريد هذا لأنه لم يراهن على الجيل الأول للمتحولين الذين فعلوا ذلك خوفا ولكنه كان يراهن على الأجيال اللاحقة.
حافظت الأجيال على الصور المرعبة التي تركتها عمليات قود الضحايا إلى ساحات القتل صبرا، ولكن التاريخ للأسف الشديد لم يحدثنا أن هناك مقاومة حقيقية ومنظمة قد واجهت الجرائم الصفوية التي هزت الضمائر التي لم تمت أبدا، وتركت قصصها ماثلة لأنها كتبت بمداد من الدم والألم يستنهض العزائم على التصدي لأية محاولة مماثلة في مواجهة الباطل والزيغ والضلالة.
والمشهد الثالث هو مشهد معاصر ومعاش بتفاصيله وما تزال أحداثه تصفع وجه العالم بقوة، هذا المشهد ما عاشه المسلمون في ميانمار (بورما) وعانوه على أيدي غلاة البوذيين المتطرفين الذين كان رهبانهم يأمرونهم بإحراق المسلمين وهم أحياء بعد تكديسهم في أماكن يحصرون فيها نساء ورجالا وأطفالا وشيوخا، وتتم طقوس الإحراق وسط أجواء احتفالية لا تتم خلالها مراعاة أي معنى من المعاني الإنسانية التي أشاعها رهبان البوذية عن أنفسهم وصورا للعالم أنهم رمز من رموز الوداعة والتسامح، إذ لا ترعى في مهرجانات الإحراق الجماعي للإنسان كرامة ولا قيمة، وربما تختلج المرء بعض المشاعر الإنسانية فيما تم مثل ما يحصل للمسلمين، فيما لو تم إحراق حقل من الدواجن بسبب الإصابة بإنفلونزا الطيور، ولكن أفواج المسلمين كانت تساق إلى المحارق بلا توقف ولا رحمة وسط ذهول من مسلمي العالم وصمت من المجتمع الدولي مما لا ينسجم مع التطورات الحاصلة في وعي الإنسان وتطوره على كل الصعد.
وما جرى في ميانمار موثق بالصورة والصوت، على خلاف ما جرى في الأندلس وفي بلاد فارس قبل عدة قرون، ولكن جرائم الإبادة الجماعية الثلاث تلتقي عند نقطة واحدة وهي أن التطهير تم لسبب مشترك وهو العقيدة الدينية للطرف الذي تعرض للإبادة بعد أن ظل متمسكا بمعتقداته، وهذا ليس معناه عدم وجود حالات إبادة جماعية وتطهير من أنواع أخرى شهدتها جميع دول العالم من دون استثناء بما فيها الولايات المتحدة وما حصل فيها من حرب إبادة للسكان الأصليين "الهنود الحمر" وحذفهم من الخارطة السكانية تقريبا، وكذلك ما جرى للزنوج وبعد ذلك من تمييز عنصري ضدهم، أو في أوربا أو أسيا وأفريقيا وأستراليا، إلا أن تلك الجرائم التي حصلت قديما أو حديثا كانت ذات طابع عرقي من قبيل النزاعات بين القبائل والأعراق المختلفة أو لأسباب اقتصادية كجزء من الصراع على مصادر الثروات الطبيعية، أو في حروب التوسع التي خاضتها الدول الاستعمارية واحتلت دولا كانت تعاني من الضعف والتفكك.
صحيح أن كل تلك الجرائم هي حروب إبادة للجنس البشري، لكن جرائم القتل الجماعي لأسباب تتعلق بالمعتقدات الدينية تبقى هي الأسوأ على مر التاريخ لأنها تريد التحكم بعقائد الناس ومعتقداتهم، وتسعى لاستئصال ما في داخل النفوس والعقول من معتقدات دينية.
ما حصل في أحياء الجامعة والغزالية والعامرية من تطويق لها وإغلاق لمداخلها ثم مباشرة حملات دهم وتفتيش لمنازل المواطنين وما يجري في مدن محافظة ديالى وفي حزام بغداد، لم يكن مستغربا أبدا أن حكومة المالكي تستنسخ تجارب حرب الإبادة للناس بسبب معتقداتهم من دون ذنب اقترفوه، ولكن اللافت أن أجهزة الأمن والمليشيات التابعة للمالكي لم تبحث في حملتها الجديدة عن أسلحة محظورة أو مطلوبين من أبناء هذه المناطق بتهم تتعلق بالمادة 4 إرهاب، لكن الصدمة التي لا بد أن تترك ألف علامة استفهام، أن البحث كان منصبا على أي نازح من أبناء الفلوجة ربما حصل على الملاذ الآمن في منزل قريب أو صديق أو عراقي شهم تطوع بما يقدر عليه فوفر لعائلة فلوجية نازحة من القصف العنيف الذي تتعرض له هذه المدينة بالمدفعية والطائرات، وبطريقة همجية غير معهودة سحب هذه العائلات وتم إلقاؤهم في شوارع تلك الأحياء، ليواجهوا البرد القارس والجوع والمطر، والأنكى من ذلك أن ضباط الدمج الجهلة كانوا أوفياء للشعارات التي رفعها قائدهم العام، من أنهم أنصار الحسين الذين يواجهون أتباع يزيد، فوجدها هؤلاء فرصة للتنفيس عن عقد النشوء الاجتماعي والشعور بالدونية، فغالوا في أساليب التنكيل على نحو غير مسبوق عندما صمموا على قتل الشهامة العراقية الأصيلة التي كان العراقيون يفاخرون بها سائر الأمم فأرادوا استبدالها بقيم فارسية لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة، ومن أجل أن يحققوا كامل أهدافهم فقد أخذوا تعهدات خطية من الأسر بعدم إيواء نازح واحد من أبناء الفلوجة وإلا فإنهم سيساقون إلى محاكم التفتيش الجديدة بتهمة 4 إرهاب.
ما يريده المالكي من كل هذه الأزمات المتناسلة يكمن في هدف واحد هو إجبار العراقيين من المكون السني على ترك العراق بعد أن عجزت أساليبه بالترغيب والترهيب على التحول المذهبي، لأن المالكي قد تحكمه ظروف إقليمية ودولية لا يستطيع معها مواصلة حرب التصفيات الدموية على أساس مذهبي إلى ما لا نهاية، ولهذا لجأ إلى الخيار الأسهل وهو إجبار العراقيين على ترك مدنهم ومنازلهم والهجرة إلى خارج العراق وحينها يظن أنه نجح في خطته الخبيثة.
فهل ينجو المالكي من تبعات هذه الجريمة العمدية؟
وهل يفلت الجناة مما ارتكبت أيديهم؟
وهل يتواصل موقف الصمت العربي والدولي إزاء حرب إبادة هي الرابعة التي يتعرض لها المسلمون في التاريخ؟ وأين في مركز الخلافة العباسية التي نشرت أجنحة المعرفة والفكر والفلسفة في كل الأرجاء؟ وهل تتكرر تجربة هولاكو في إلقاء الكتب في دجلة من جانب المالكي ولكن هذه المرة بإلقاء الجثث؟


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..