وجهات نظر
مثنى عبدالله
لم يعد هنالك من شك في ان
الوضع العراقي الراهن قد بات قاب قوسين او ادنى من الانزلاق الى نفس المصير
السوري. قصف عشوائي بالمدفعية الثقيلة والصواريخ، وطيران الجيش والطائرات بدون
طيار على مدن واحياء ذات كثافة بشرية كبيرة في محافظة الانبار. مدن واحياء كبرى
خلت من ساكنيها بعد ان هدمت دورهم وتوقفت الحياة فيها بشكل تام، وانعدم فيها كل
مستلزمات العيش. موجات بشرية تتدفق على المحافظات القريبة طلبا للجوء في مدرسة او
مسجد او لدى قريب.
وعندما يختار الحاكم السلطة وقواها العارية واجهزتها القمعية في وقت الازمات الداخلية لمواجهة مطالب شعبية، يعني انه ذاهب الى حرب شعواء ضد شعبه. هذا هو الذي حصل في سوريا في بداية الحراك، وهو الطريق نفسه الذي يسير عليه المالكي اليوم، واذا كان الروس قد حشدوا جهدهم السياسي والعسكري مع الاسد، فان الامريكان اليوم حشدوا جهدهم السياسي والعسكري مع المالكي، لكن لاسباب مختلفة عن الدعم الروسي للاسد، فالامريكان يعتقدون بان النظام الحالي هو نظامهم الذي صنعته ايديهم واموالهم ودماء قتلاهم، وهم حريصون على اعطاء صورة للشعب الامريكي مغايرة تماما لحقيقة النظام السياسي الذي صنعوه، كي لا يثار السؤال الكبير عن جدوى الذهاب الى العراق واحتلاله، لذلك هم اليوم يسوّقون الى الرأي العام حرب المالكي ضد شعبه على انها حربه ضد القاعدة والدولة الاسلامية، ويمارسون الترغيب والترهيب على صحواتهم في الانبار وغير الانبار كي يعودوا الى ارتكاب نفس الجريمة، ويعملوا مخبرين سريين للسلطة وقواتها، ويمارسوا دور الدلالة على كل وطني شريف يناهض المنهج الطائفي الحالي، وهي وسائل تقوي من عزيمة المالكي وتدفعه الى الايغال اكثر في دماء اهلنا، خاصة حينما بات الغطاء الامريكي عامل جذب لغطاء دولي من خلال موقف المنظمة الدولية، التي انزلقت الى ترويج فرية مقاتلة الارهاب في الانبار. لقد تضافرت عوامل عديدة في انزلاق الوضع العراقي الى ما هو عليه الان، حيث ان النظام السياسي القائم هو نظام منقسم على ذاته، مما يساعد عناصره على المراوغة واعتماد اساليب غير قانونية في معالجة الازمات الناشئة لتحقيق الغلبة على بعضها الاخر. كما ان القيادات المتصدرة للمشهد قيادات ازمة تعتاش وتنتج وتستنسخ كل عناصر الاختلاف والتقاتل الداخلي، وهي حريصة على اعادة تدوير السلطة لصالحها الى سنوات قادمة، في ظل سياسة الاجتثاث، التي اقصت النخب التاريخية الوطنية التي هي وحدها قادرة على وضع الدولة على سكة الانطلاق الصحيح من جديد. ولان العراق يسير في غياهب اللادولة، ولان الجهات الحاكمة تتعاطى مع اكثر من جهة خارجية دولية واقليمية، فان مصير الوطن سياسيا واقتصاديا وامنيا باتت تقرره جهات عديدة، وتستثمر في كل شؤونه وموارده لصالح أمنها الوطني والقومي، لذلك لا غرابة في ان يضع الساسة في سوريا والعراق وايران وبعض القوى الدولية المشكلة العراقية والسورية في اطار ما يسمى (داعش) فقط، بعيدا عن المطالبات بالحقوق ورفض المظالم التي جهر بها الناس في القطرين. انه اجتزاء انتهازي بامتياز، وابتعاد تام عن المصدر الرئيسي للمشكلة، وهي البيئة السياسية المفككة التي خلقتها الطبقة السياسية الحاكمة، ذلك الوسط الصحي الذي تنشأ فيه كل عوامل الاضطراب وتترعرع فيه الجماعات الخارجة عن القانون وتضيع فيه الحقوق العامة. ان التهرب الدولي وغض النظر المتعمد عما يحصل في العراق، واختصار الحل بالحل العسكري وتزويد النظام بالاسلحة والمعدات المتطورة ستزيد المشكلة سوءا، وتعطي المالكي شعورا بأنه لابد من مواصلة الاعتماد على الجيش والقوى الامنية، لكنه خيار سيعري النظام الحاكم والقوى الدولية الحليفة له، لانه سيكشف هشاشة بناء هذه الاجهزة التي انفقت عليها مليارات الدولارات لاعدادها وتسليحها وتدريبها. وقد بانت هذه الهشاشة واضحة في المعدات العسكرية المتروكة والمحترقة في كل شوارع الانبار، ولجوء العديد من الجنود والضباط الى مقاتلي العشائر وشيوخها، وفشل رهان المالكي واعوانه على أن’الحسم العسكري سيكون خلال بضعة ايام، بعد ان حاول مرارا وتكرارا استفزاز المعتصمين كي يتحولوا الى العنف حتى يبرر تصديه لهم املا في تحقيق نصر كاذب، فخاب ظنه وفشل مسعاه.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليق واحد:
لا حول ولا قوة الا بالله ..
إرسال تعليق