وجهات نظر
مثنى عبدالله
كان الاسبوع المنصرم من
عمر العملية السياسية وتاريخ العراق الحديث حافلا بالعار لا بالغار، فالتاريخ سجل للناصع من
الافعال والمشين منها، فلا شاردة او واردة الا وتدخل موسوعته، ولا بطل صنديد او
جبان رعديد إلا وله صفحة تنطق بافعاله.
في الاسبوع الماضي صوت
البرلمان العراقي على اقرار قانون التقاعد العام، محتسبا عقودا من السنين خدمة
جهادية لميليشيات عديدة تأسست وتدربت وتسلحت بارادات خارجية، وفي بلدان كانت
ولازالت في حالة عداء مع الشعب العراقي، بل حتى ‘جهادهم’ المزعزم لم يكن يصيب
السلطة السياسية انذاك بأدنى ضرر، بل كان الضرر كله ضد مواطنين عراقيين ابرياء.
كان ضحية افعالهم جنودا يدافعون عن وطنهم واهلهم، فيقطعون الطريق عليهم ويقتلونهم
وهم عائدون من جبهات القتال في اجازاتهم الشهرية، او مزارعين بسطاء في قرى حدودية
يهددونهم بالقتل والتهجير وقطع الارزاق ان لم ينتموا اليهم، او لم ينفذوا اوامرهم
بتفجير مركز صحي او مجلس بلدي. كان القسم الاخر منهم قد انتظم بوحدات وفرق وفيالق
عسكرية مسكت قواطع في جبهات القتال مع ايران، وكانت جزءا لا
يتجزء من المنظومة العسكرية الايرانية، بل انها سهلت في الكثير من المرات دخول العدو
الى الاراضي العراقية واحتلاله لها. اما القيادات العراقية التي كانت تتزعم هذه
المليشيات فكان ارتباطها بالمنظومة الاستخباراتية للعدو، وكانت هي المصدر الرئيسي
للمعلومات الواردة اليه عن الساحة العراقية، التي غالبا ما كانت معلومات مفبركة
كاذبة هدفها الاول الحاق المزيد من الضرر بالوطن ومواطنيه، كما اثبتته الاحداث
التي تلت غزو واحتلال العراق حين كشف فيها العدو
مصادر معلوماته والشخصيات والاحزاب التي كانت صنيعته. فهل يجوز شرعا وقانونا ان
يكون في موقع ادنى في القانون الجديد، من عمل بأجر رمزي في سنوات الحصار، على
الرغم من مؤهلاته العلمية العليا، من ‘المجاهد’، الذي لا يحمل اي مؤهل علمي، وبات
يملك حسابات بملايين الدولارات من سرقات المال العام، ويخوتا فاخرة وقصورا فارهة
في اوروبا وكندا وجنوب شرق آسيا؟ أم هل يستوي الضباط والجنود الذين دافعوا عن شرف
بلادهم وعسكريتهم وافنوا حياتهم في حرب الثماني سنوات مع ايران، والحرب الكونية في
عام 1991 وحرب عام 2003، مع من قاتل ضدهم ثم عاد كي يحمل رتبة ربما اعلى منهم تحت
تسمية ضباط ‘الدمج’ بعد الاحتلال، كي يستحق راتبا تقاعديا اعلى منهم؟ وبأي عرف
يتقدم في سلم الرواتب التقاعدية على غيره ويصبح مجاهدا، من انزلته الطائرات
الامريكية في غرب وشمال وجنوب العراق، قبل واثناء
الغزو كي يصبح دليلا لهم او يمسك الارض المحتلة خلفهم وهم يتقدمون نحو العاصمة
بغداد؟
انها
اسئلة يعرف الجميع الإجابة عليها بعد ان وضعت طهران وامريكا ولندن وباريس واسرائيل مجاهديها في قمة وسفوح
هرم السلطة في العراق، ثم قام هؤلاء ‘المجاهدون’ بوضع العراق في الصدارة الدولية
لمؤشرات الفساد المالي والاداري والسياسي والبيئي والاقتصادي والعلمي والثقافي
والتربوي. ولانهم هم الحكام وهم السلطة وكذلك لهم الدولة، فلا غرابة ان يسرقوا كل
ما في ارضها من ثروات ويرهنوا الشعب الى جحافل الجوع والبطالة والمرض والفقر
والعوز، حتى دفعهم غيهم الى تغييب الاف النساء البريئات في السجون العلنية
والسرية، الحكومية منها والميليشياوية، واستخدام الاغتصاب وسيلة من وسائل التحقيق
بغية انتزاع الاعترافات. ففي الوقت الذي كانوا يشرعنون فيه سرقتهم الجديدة باحتساب
سنوات التآمر والتخابر مع الاجنبي سنوات خدمة جهادية لاغراض التقاعد لهم، كان
تقرير منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ يعلن ان هنالك الالاف من النساء المعتقلات في
السجون العراقية يتعرضن للتعذيب واساءة المعاملة وصولا لـ’الانتهاك الجنسي’، وان
القضاء العراقي العاجز يستند في احكامه الى الاعترافات المنتزعة منهن، تحت تاثير
واقعة الاغتصاب او التهديد بها. كما ان الكثيرات منهن لازلن يخضعن للاحتجاز
والابتزاز منذ فترات طويلة من دون تهمة، وان الفترة الممتدة بين اعتقالهن وعرضهن
على القضاء قد تستمر سنين طويلة، بينما يؤكد دستورهم على ضرورة عرض المتهم على
القضاء خلال ثمان واربعين ساعة. ويذكّر التقرير بالوعد الذي قطعه المالكي بالافراج
عن السجينات الحاصلات على قرار قضائي بالافراج، لكن رغم مرور عام على ذلك لازلن في
غياهب السجون، ولازالت الممارسات اللاقانونية هي السياق العام في تعامل قوى الامن
مع المواطنين عامة والنساء بشكل خاص، حيث تقوم القوات باحتجازهن ليس لذنب اقترفن،
بل للصلة العائلية مع رجال يشتبه فيهم . وعلى الرغم من ان احدى المحاكم اسقطت
التهم عن احدى المتهمات، بعد التأكد من ان الاعترافات قد أُخذت تحت التعذيب، لكن
السيدة اعدمت. وللتأكيد على طائفية السلطات الحاكمة فان المنظمة سجلت وجود غالبية
من السجينات من طائفة دون اخرى، وللتدليل على اساءة استخدام السلطة من قبل
المكلفين بتحقيق العدالة، فقد تساوى الخوف منهم مع الخوف من الخارجين عن القانون،
حسب شهادات الناس، خاصة في الفلوجة. كذلك يجري وبشكل مقصود استغلال ما يسمى قانون
مكافحة الارهاب في عمليات انتقام شخصي وسياسي وطائفي ضد النساء لارتباطهن بطائفة
او عشيرة او شخص، وان القضاة لا يأخذون بما يدلين به من معلومات عن تعرضهن للتعذيب
والاغتصاب بحجج مختلفة، مما يطلق يد القائمين على السجون والمحققين بالاستمرار في
هذه الانتهاكات وانتزاع اعترافات باطلة تؤدي بالبريئات الى حبال المشانق. نعم اننا
في عصر مختار العصر القابع في المنطقة الخضراء، تحُف به جحافل الحرس الخاص هو وزمر
‘المجاهدين’ الذين في كل يوم يزدادون ثراء، ويزداد الشعب فقرا وبطالة ومرضا وأمية،
وتتعرض النساء البريئات فيه الى عمليات اغتصاب ممنهج داخل مؤسسات الدولة. فهل تهز
حزمة الضوء الجديدة التي سلطها تقرير المنظمة الدولية على هذه الجريمة الانسانية
البشعة المستدامة منذ اكثر من عشر سنوات ضمائر الواقفين على المنابر سنة وشيعة،
خاصة اولائك الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، كي لا يغضبوا السلطان الجائر؟ وهل
سيرتجف ‘شارب’ شيخ عشيرة لبس الدرع وبات يهرول مع جحافل قوات ‘سوات’ لمساعدتهم في
قتل اهله، او يلقي ‘الهوسات’ في حضرة مختار العصر؟ لا نظن ذلك.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليقان (2):
ألا لعنة الله على الظالمين
ولااكدر اشوف او اقره.
ياربي كون بعونهن وقويهن وارحمهن
إرسال تعليق