موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الأحد، 27 أبريل 2014

رد الدكتور عبدالحكيم السعدي على بيان الدكتور محمد عياش بشأن الانتخابات

بسم الله الرحمن الرحيم

الاخ الدكتور الشيخ محمد عياش المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
فقد قرأت بيانك وفتواك بشأن وجوب المشاركة في الانتخابات والرد على من يقول بتحريمها الصادرة بتاريخ 22-4-2014 وأود التعليق عليها بالآتي :

اولاً: كنت اتمنى لو كانت الانتخابات الحالية تحقق ما جاء في مقدمة الفتوى من ان الانتخابات يتعين فيها (اختيار الصالح لإبعاد الطالح) ونحن نعلم ان هذه الانتخابات لا تمثل رأي الشخص بحد ذاته بل ان المنتخب وعضو البرلمان يمثل كتلته وهذه الكتل المشتركة في الانتخابات هي في معظمها الكتل التي جرَّبنا فسادها وأدَّت بالعراق الى هذه الحال التي لا يحسد عليها، اما الكتل الجديدة فانها تكونت من اناس كان لهم دور في العملية السياسية سابقاً او من المتفعين منها وهذا يعني انه (خوجة علي ملا علي) او (مثلما رحتي جيتي).
ثانياً: اما مسألة ان من لم ينتخب فإن بطاقته يمكن ان تستخدم من قبل الظالمين والمجرمين، فاني استغرب لهذا المقال الاعلامي الذي يردده مؤيدو العملية السياسية من اهل السنة...
فهل يظنون ان الانتخابات نزيهة لهذه الدرجة التي يتخوفون عليها من ان تستخدم بطاقات المتخلفين لصالح غيرهم؟
ان هذا الكلام يُروَّج وكأن الانتخابات قائمة على النزاهة المطلقة ولم يتبق الا هذه المسألة (مسألة البطاقات). فليتق السياسيون الله من هذا الخداع الذي يمارسونه لدغدغة عواطف الناس والتمويه عليهم وهم يعلمون ان الانتخابات محكوم بها سلفاَ والمقاعد مقررة انتخب اهل السنة أم لم ينتخبوا .
ثالثاً: الدخول في جدل التفريق بين (الشرعية والمشروعية) عقيم وقد سمعت هذا مراراً من القانونيين من امثال الدكتور محمد الشيخلي. اما عامة الناس فانها لا تدرك هذا الفرق الدقيق ونحن نخاطب الناس في فتاوانا بما يفهمونه، فهم يفهمون اننا نحرم المشاركة في الانتخابات التي ستؤدي في النهاية الى اقرار القرارات الفاسدة والتشريعات الجائرة، والخطط والسياسات التي تخدم المحتل من خلال البرلمان الذي لو امتنعنا عن الدخول فيه سيكون ناقصاً غير ممثل للشعب وبالتالي فإنه سوف لن يعترف به احدٌ محلياً ولا دولياً، لأنه برلمان لا يمثل الشعب العراقي بل يمثل ثلة من العملاء الذين قطعوا على انفسهم العهد لخدمة المحتل الامريكي والفارسي، سواءَ أسمينا ذلك شرعية او مشروعية.

رابعاً: التنظير والاستدلال بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مكة تنظير خاطيء و(قياس مع الفارق):
أ- فالرسول صلى الله عليه وسلم كان في مقتبل دعوته التي جاءت لتصحيح عقيدة الشرك التي تأصلت منذ مئات السنين ليحولهم من عبادة العباد الى عبادة رب العباد.
ب- والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يتعامل مع سلطة ودولة (عضو في الامم المتحدة) و (جامعة الدول العربية) بل كان يتعامل مع حكم قبلي يتعامل بمنطق الغلبة والقوة والاستكبار لا بمنطق القوانين والدساتير والبرلمانات.
ج – ومع كل هذا فانه لم يعط الدنيَّة ولم يخضع لما كانت تريده قريش ولم يشارك معهم في انتخاب ولا في قرار ولا في سياسة ولا في اي ممارسة من ممارساتهم، بل كان يعمل بجدية – سراً وعلناً– للتغيير، الذي كان من بين التخطيط له، السماح بالهجرة لاصحابه الى المدينة ثم هجرته هو ليتمكن من اقامة الدولة ونشر دين الله.
اما موقفه في عقد صلح الحديبية، فانه لم يفعل ما يضر بالمسلمين فكل ما وافقهم عليه هو الهدنة والحج من عام قابل حتى يأذن الله بالفتح – وقد كان- بعد ان اعدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم العُدَّة وهيّأ الله اسباب النصر.
فهل فعل او سيفعل المشاركون في الانتخابات مثل هذا ليصح التنظير ويكون مطابقاً، ام انه سيصبح مجرد مغالطة نخدع بها الناس ونتظاهر بأن ما نفعله اليوم هو شبيه بما كان قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة والمدينة المنورة ليكون ذلك لنا دليلاً على مشروعية عمل فاسد كالمشاركة السياسية؟!
 خامساً: إن ما جاء في الفقرة ثانياً فيه شيء من المغالطة، فلم يفكر احد في اسقاط الدستور بشكل مباشر انما كانت الفتاوى والحلول المطروحة إسقاط النظام والخلاص من الفاسدين والعملاء ليتسنى للوطنيين الشرفاء كتابة دستور عراقي وطني اصيل ويكون ذلك باستمرار الثورة حتى النصر ان شاء الله تعالى.
سادساً: كنت اتمنى لو ثقفتم العراقيين على ما ورد (ثالثاً) بالمفهوم الصحيح الذي طرحتموه وهو ان تقوم الشراكة على اساس الوطنية لمثل هذا الشعب المتنوع لا على اساس الطائفية في مقابل الطائفية. غير ان طرحكم هذا يحتاج الى تقييد وهو ان يكون المشاركون وطنيين ذوي نزاهة وهو ما لا يتوفر في اصحاب العملية السياسية الحالية.
سابعاً: احب ان اطمئنك ايها الاخ العزيز عما ورد في الفقرة (رابعاً) من ان الثورة قائمة ومستمرة من قبل المخلصين حتى (ننتصر او نموت) وليس لأحد الحق في تحريم السلاح لتجربة بل عليه الاستمرار حتى النصر او الشهادة، وهذا هو الفرق بين التجربتين: تجربة المفسدين الذين نقول لا يجوز انتخابهم وتجربة الثورة التي سيستمر الثوار على إيقاد شعلتها حتى يطردوا الغزاة كما طردهم ابطال الفلوجة والانبار وعامة الثوار من قبل ويتم طرد اذنابهم من بعدهم ان شاء الله. 
ثامناً: ان التذرع بأن المشاركة تحقق ولو الشيء اليسير من المكاسب فكان لزاماً الدخول فيها بناءً على القاعدة الاصولية (الميسور لا يسقط بالمعسور) ذريعة باطلة
لأن هذا الميسور حاصل من غير ان يشترك الجميع في العملية السياسية ويعطوها الغطاء الشرعي.
فالرواتب والوظائف والخدمات اليسيرة متيسرة، سواءٌ اشترك اهل السنة في البرلمان او لم يشتركوا، فهذه حجة واهية لا يصح الاستناد اليها لإباحة امر يرجع اليه مصير العراق وسيادته وقوته ووجوده.
 تاسعاً: وهناك مغالطة اخرى وردت في الفتوى، فقد ورد في بعض عباراتها ان المفتين لم يميزوا بين وظيفة ووظيفة، بل ذهب البيان الى ان المفتين اباحوا الاشتراك في العملية السياسية في الوظائف الصغيرة بينما حرَّموا عليهم الوظائف الكبيرة.
اقول: هذا تصوير وتبسيط لفتوى تحريم الاشتراك في الانتخابات غير مبرر.
فنحن حين حرَّمنا المشاركة في العملية السياسية كان التحريم منصباً على تحريم المراكز والوظائف التي تكون صانعة للقرار ومؤثرة فيه كعضوية البرلمان والمناصب الوزارية والسيادية. وبينّا سبب تحريمها وهو ان الداخل فيها غير قادر على فعل شيء فيكون دخوله تأييدا للظلم والقهر والتهميش.
بينما لم نحرِّم الاشتراك بالوظائف الخدمية التي تعنى بالمواطن مباشرةً كأن يكون معلماً او استاذاً او طبيباً او مهندساً او غير ذلك من الوظائف الخدمية التي لا علاقة لها بصنع القرار. والسبب في ذلك حاجة الموظف لهذا الراتب من جهة وتمشية امور الناس بما لا يكون فيه ظلم او تهميش او قهر او مساس بالسيادة والوطنية من جهة ثانية، وهذا هو الفرق بين الموظف العادي وبين الوزير وعضو البرلمان.
عاشراً: أغرب ما قرأته في الفتوى ان المحاصصة التي استند اليها المفتون بالتحريم ليست في الدستور. ثم يُنصح المفتين ان يقرأوا الدستور لأنه عبارة عن وريقات قليلة.
أقول: من الذي منح القوة والقدرة للطائفيين والعملاء على ان يعملوا بنظام المحاصصة سوى قوة الدستور وما ورد فيه صراحة او ضمناً؟!
ونحن لا نتحدث عن نصوص في الدستور انما نتحدث عن تكوين عام له يسمح بالمحاصصة. ونتحدث عن المشاركين الذين كلما فعلوا فعلاً قالوا: انه دستوري، وكلما احجموا عن فعل لا نفع لهم فيه قالوا: انه غير دستوري. مع انه لا هذا ولا ذاك قد وردت به نصوص في الدستور.
والمحاصصة من هذا القبيل. فاعطاء اهل السنة نسبة 18% او 20% كان من هذه التوافقات التي اعتمدها العملاء واستندوا فيها الى الدستور.
فكيف يكون التغيير بهذه النسبة التي لا تعني شيئاً؟! ثم اننا جرَّبنا السياسيين من اهل السنة اكثر من 10 سنوات لم يستطيعوا ان يغيروا شيئاً ولا ان ينصروا مظلوماً ولا ان يحققوا خيراً لأبناء مذهبهم.
بل الادهى من ذلك ان بعضهم كان حرباً على المخلصين من ابناء جلدتهم عوناً للظلم والظالمين.
ألم يندسَّ أعضاء ما يسمى بـ(حماس العراق) مع المنتفضين في الانبار ثم اتضح انهم كانوا يتجسسون عليهم، ألم يكن (احمد الخلف) وهو من قادة (حماس العراق) ثم اصبح الان يقود الصحوات ضد اهل السنة والثائرين ضد الظلم؟!
ألم يتقلب أحمد ابو ريشة من تأييد للمالكي ثم انخراط مع المعتصمين وانتقاد حاد للمالكي ثم العودة له وإيقاع كل الاذى بابناء العشائر والثوار في الانبار... الخ.
هل استطاع المشاركون في العملية السياسية ان يغيروا (4 ارهاب) التي قصمت ظهور اهل السنة؟
وهل استطاعوا ان يطلقوا سجينا او يدفعوا عن ارض او  عرض او اغتصاب؟!
بل هل استطاعوا ان ينقذوا انفسهم هم من الملاحقة والظلم الذي اشتركوا في تقوية اصحابه؟!
حادي عشر: أقول، وارجو ان لا يضيق الاخ محمد عياش بما اقول، أقول: اذا كانت الانتخابات واجبة وان الاشتراك في العملية السياسية كذلك فلماذا لا تنفذ امر الله تعالى وتسارع الى رفع الاثم عنك وتعود الى البلاد فأنت أقدر وأكفأ من غيرك، سواء في حجز مقعد في البرلمان او في دائرة لها علاقة بصنع القرار، فارفع الاثم، اخي الكريم، عن كاهلك وتفضل بالمشاركة الفاعلة ولا تقف عند التنظير والفتوى، خصوصاً واني متأكد من انك ستربح الجولة لأن لك قاعدة عريضة من الاصدقاء والاحباب والاتباع، الذين تربى بعضهم وتثقف على كره العلماء وقلة الادب معهم وربما التشهير بهم والتهديد لهم او لذراريهم، وكنت اتمنى لو تعلموا منك ما نعهده فيك من خلق واحترام للعلماء وتقديرهم.
ثاني عشر: بقى ان اذكَّر الاخ محمد عياش بآرائه وتحليلاته المغايرة عما عليه الان يوم ان كان ممثلاً لهيئة علماء المسلمين وإعلانه بين الفينة والاخرى في وسائل الاعلام رفضه للعملية السياسية برمَّتها، جاعلاً من يشارك فيها آثماً.
وربما يقول لي: (الفتوى تتغير بتغير الازمان والاحوال) كما هي القاعدة الاصولية المعروفة فأقول له: لم يتغير الزمن ولم يتبدل شيء وما كان مفسدة في ذلك الزمن مازال هو هو وما بنيت عليه افكارك السابقة مازال قائماً بل هو الان اشد، فما الذي غير رأيك؟ سبحان الذي لا يتغير؟
ثالث عشر: بعد هذه الخواطر التي اوردتها مناقشاً فتواك تبقى اخاً عزيزاً كريما ًافتخر بصوابك واعذرك على خطئك والله يوفقك ويرعاك.

اخوك د.عبدالحكيم السعدي
25-4-2014
.........
وإتماماً للفائدة ننشر نص بيان الدكتور محمد عياش الكبيسي في هذا الصدد

بسم الله الرحمن الرحيم
بيان الحكم الشرعي في الانتخابات البرلمانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه ومن سار على هديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فلولا أن الله حذرنا من كتمان العلم فقال: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) لأحجمت، لما في البيان من فتح باب لجدل غير منتج، حيث تشيع لغة سطحية تتناول الأشخاص لا الأفكار، وتناقش النوايا لا البراهين، وهذا قد جعل الكثيرين من أهل العلم يفضّلون الصمت درءا لهذه المفسدة.
الانتخابات: عقد اجتماعي بين الناخبين ومنتخَبيهم، لأداء مهمة عامة، وهذا العقد يتضمن الشهادة والوكالة، ويتضمن أيضا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ يتعين اختيار الصالح لإبعاد الطالح، وهذه كلها واجبات وحقوق مركبة، ينتظمها عقد تجري أحكامه على الجميع؛ المشارك والمقاطع، وعليه يكون المشارك أبرأ للذمة حينما بذل جهده في اختيار الصالح واستبعاد الطالح بخلاف المقاطع الذي يفتح الباب للغش واستخدام بطاقته من قبل الظالمين والمجرمين، ثم هو خاضع بالنتيجة لهذا العقد بحكم الواقع أقرّ أو أبى.
وقد قرأت لبعض من علمائنا ما يفيد حرمة المشاركة، مستندين لأدلة وجيهة من حيث المبدأ لكنها قد لا تكون مستوفية للشروط اللازمة لبناء الأحكام عليها، وسأتناولها باختصار شديد، متوسلا إليهم أن تتسع صدورهم لمناقشات علمية واسعة وشاملة بأية صورة يحبذونها زمانا ومكانا وآلية.
أولا: (المشاركة فيها إقرار بشرعية الدستور والعملية السياسية)، وهنا ينبغي التذكير أن الإقرار نوعان؛ إقرار بالشرعية، وإقرار بالمشروعية، فالمسلمون اليوم في أغلب الأقطار يتعاملون مع دساتير وقوانين وضعية  لتولية الوظائف وتوثيق الحقوق والعقود واستخراج بطاقات الإثبات وجوازات السفر، وكل ما يتعلق بشؤون الحياة كالتعليم والتجارة والخدمات، دون نكير معتبر، فهو إذاً عمل مشروع، وإن كان القانون أو النظام ليس شرعيا، ومثل ذلك التعامل مع (نظام التأشيرات) بين الأقطار الإسلامية المقسمة وفقا لمعاهدة (سايكس بيكو) فهناك ما يشبه الإجماع على (مشروعية) استخراج التأشيرات مع ما فيها من إقرار ضمني بهذه المعاهدة، ولكنه ليس إقرارا بشرعيتها، وعليه فأنا معهم في رفضهم لإعطاء الشرعية لهذا الدستور وللعملية السياسية المنبثقة عنه، لكني أدعوهم لملاحظة هذا الفارق فقط، كما أدعو المشاركين لتوخي الدقة في هذا، فحكم الاستثناء مهما كان لا ينسخ حكم الأصل.
ثانيا: (إن الواجب الشرعي هو العمل على تغيير الدستور والنظام القائم، وإن المشاركة تضعف روح الثورة وتمد في عمر الظلم والظالمين)، والحقيقة أن (إسقاط الدستور) والتعويل عليه لإحداث التغيير المنشود هو تفكير معكوس، فلو تتبعنا كل الثورات الناجحة لوجدنا أن مسألة (إعادة كتابة الدستور) تأتي بعد نجاح الثورة، أما قبل ذلك فالناس سيبقون خاضعين لهذا الدستور بحكم الواقع، ولأن الناس لا يستغنون عن النظام ولو كان ظالما وفاسدا إلا بنظام جديد، وإلا شاعت الفوضى وانعدمت الحياة، والثورة لا تستطيع أن تفرض على الناس نظاما وهي في مرحلة الكر والفر والمد والجزر، والسؤال هنا: كيف نوفّق -في هذه المرحلة- بين (مشروعية الثورة) و (مشروعية التعامل مع النظام)؟
لقد تعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قريش كسلطة قائمة في مكة، ليس لأنها سلطة شرعية، بل لكونها سلطة واقعية، وهذا واضح في الحديبية، لكن الإعداد لتغيير الواقع المكي كان موجودا أيضا، بل لقد كان الالتزام النبوي ببنود الحديبية سببا في تقريب الفتح وليس العكس، وهذه صورة من الحلول المركبة التي قل من يتنبه لها. 
ثالثا: (أن المشاركة تعني موالاة الظالمين والجلوس معهم ومعاونتهم على باطلهم)، وهذه مخاوف ومحاذير لا ننكرها، لكن هذه النظرة تفتقر إلى تكييف دقيق للعمل السياسي وفلسفة الحكم من الأصل، فالشعب المتنوع في عقائده وثقافته وتربيته يملك هذه الأرض ملكا تشاركيا، فهي أشبه بالدار التي ورثها إخوة مختلفون، فيهم الصالح وفيهم الطالح، وفيهم الراشد وفيهم القاصر..وهكذا، فكيف يتعامل الصالح مع شركائه الآخرين في إدارة هذا الإرث؟
إن حصر التفكير هنا في دائرة الولاء والبراء العقدي لا يستقيم دينيا ولا سياسيا، وقد رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف وضع الوثيقة المدنية لإدارة المدينة مع المكونات الأخرى وخاصة اليهود، وكان بالتأكيد يجلس معهم ويتعاون معهم لحل الإشكالات وإدارة الأزمات ونحوها.
رابعا: (ما الذي حققته لنا المشاركات السابقة؟) وهذه حجة استنتاجية لتجارب واقعية لا يمكن إغفالها، بيد أن النتائج الواقعية إن كانت تصح منفردة في التقويم، فلنسأل إذاً: ماذا حققت المشاريع الأخرى؟ وهل يجوز لنا أن نحرّم خيار (السلاح) مثلا لأننا حملنا السلاح عشر سنوات وكانت النتيجة التمكين لإيران وأذنابها؟ والمقاطعة أيضا جرّبها أهل السنّة إبان العدوان الكبير على الفلوجة فماذا كانت النتيجة؟
ثم ما هو معيار النجاح والفشل؟ وما المطلوب من البرلماني بالضبط؟ أن يقف مثلا بوجه إيران ومليشياتها؟ ويحقق التوازن في مؤسسات الدولة؟ ويطلق سراح المعتقلين والمعتقلات؟  بأية قوة يحقق كل هذا؟
إن المالكي نفسه لا يحكم العراق من خلال منصبه، بل من خلال أجهزته العسكرية والأمنية ومليشياته المتغولة والدعم اللامحدود محليا وإقليميا وعالميا،وهذا يعني أننا حتى لو فزنا بمنصب رئيس الوزراء فإن هذا المنصب سيكون خاضعا لكل تلك القوى والمؤثرات، فكيف ببرلماني أعزل لا يملك إلا ثوبه وصوته؟
إننا هنا ينبغي أن نتحدث بأمانة وصراحة، أن غاية المشاركة الحالية إنما هي مشاركة في إدارة الواقع وفق قواعد هذا النظام نفسه، وبالإمكانيات المتاحة والتي يمكن تقويتها بالتعاون والمتابعة والمحاسبة، وكذلك رفع الصوت داخليا وخارجيا عبر القنوات الدستورية والقانونية لفضح الفساد والمظالم والمخالفات الحكومية لقواعد النظام وليس لقواعد الحق الذي نعتقد، فهذا خيارنا الممكن في هذه المرحلة.
إن الذين يحرمون عليكم المشاركة إنما يحرمونكم من هذا الهامش المتاح لكم فقط، من غير أن يحرّموا عليكم الخضوع العملي في شؤون حياتكم لهذا النظام،  وتولي المناصب الأدنى في وزاراته ومؤسساته.
إنهم يقولون: يجوز لك أن تكون أستاذا جامعيا أو طبيبا أو كاتبا أو محاسبا أو فراشا، لكن يحرم عليك أن تكون وزيرا للتعليم أو وزيرا للصحة! ويجوز لك أن تكون إماما وخطيبا تابعا للوقف السني، لكن يحرم عليك أن تكون مديرا لهذا الوقف! فما معنى هذا؟ وما مآلاته على الأرض؟
خامسا: هناك عبارات تضمنتها بعض الفتاوى والبيانات الرسمية لدعاة المقاطعة أتمنى أن يعاد النظر فيها للتأكد من صحتها، مثل (أن الدستور ينص على المحاصصة، وأن حصة السنة العرب لا تتجاوز 20%) وبعضهم يجعلها 18%، فالدستور وريقات معدودة ويمكن مراجعتها بسهولة للتأكد من هذه المعلومات وغيرها، والواقع أن نسبة السنّة العرب في البرلمان السابق قد تجاوزت هذه النسب بكثير بسبب تشجّع الناس على المشاركة، ولا علاقة للدستور بالزيادة أو النقصان، نعم هناك أدوات أخرى تتحكم في النتائج منها سياسة التزوير، والمراقب المنصف يجزم أن السبب الأكبر في التزوير هو البطاقات الفارغة التي يوفّرها المقاطعون.
بناء كل ذلك فإنني أقول بوجوب المشاركة في هذه الانتخابات، ووجوب اختيار الأصلح والأكفأ، من دون تحيّز لحزب أو قرابة، فهذه أمانة وشهادة، والله يقول (وأقيموا الشهادة لله) ويقول: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه).
وأقول أيضا بوجوب متابعة النواب ومعاونتهم على الحق، ومحاسبتهم على الخطأ، وأن يكون هناك اتفاق مسبق معهم على آلية للتواصل المستمر والتشاور والتناصح، فالتصويت بداية الواجب وليس نهايته.
 وأقول أيضا بوجوب تحالف أهل الحق والخير من الأعضاء الفائزين، مهما كانت عناوينهم وأحزابهم وقوائمهم، ومن قصّر في هذا فلا شك في إثمه، والله يقول (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)
وأقول أيضا بوجوب المشاركة في إدارة الدولة والدخول في مؤسساتها المختلفة، ومراقبة ما يجري في كل زاوية من زواياها وخبية من خباياها.
وأؤكد هنا أننا لا نعوّل على هذه المشاركة في إحداث التغيير المطلوب، فالثورة الشعبية الشاملة هي طريق التغيير، محذرا في الوقت ذاته من المحاولات الآثمة لجعل الثورة في كفّة وحياة الناس ومصالحهم في الكفّة الأخرى، فهذا تسميم لحاضنة الثورة، ودفع لمحاصرتها وعزلها، فلنتق الله ولنستفد من دروس الماضي القريب ولنتواص بوصية الله تعالى في أمره ونهيه : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)
اللهم قد بلغت ..اللهم فاشهد

                                                    د. محمد عياش الكبيسي
                                          22-جمادى الآخرة   22-4-2004



هناك 7 تعليقات:

Abo Ouf يقول...


ذلك راي صواب يقبل الخطأ ..وخطأ يقبل الصواب، وان اختلاف الرأي ﻻيفسد بالود قضيه،، ليس هذه المشكله وانما الموضوع يتعلق بالمساهمه او عدم المساهمه المساهمه تصبح غير ذات فائده مادمت انت مهمش وان حققت فوزا فاﻻولى عدم المشاركه أذن، وعدم المشاركه لن يغير شي مادامت المقاطعه غير عامه فعندهالن تكون أداة ضغط مثلما مطلوب ﻻجبار خصمك على الرضوخ لمطاليبك وعلى هذا اﻻساس كان من المفروض ان يكون التثقيف في وقت مبكر اما مشاركه قويه وفاعله وان يكون المشاركين على قلب رجل واحد وهذا اﻻمر صعب جدا" ان لم يكن مستحيل(ﻻن كﻻ منا ينظر بانه اﻻفضل واﻻحسن ولن ينزل احدمنا عن بغلته على مبدأ انت مير واني مير ياهو الي يسوك الحمير )، او اﻻتفاق في وقت مبكر على المقاطعه واعﻻن ذلك لكي اجعل من هذه المقاطعه اداة ضغط استخدمها على نطاق واسع اشرك فيها وسائل اﻻعﻻم والمنظمات العالميه.
كنا نتصور موضوعة اﻻنبار والفلوجه ستكون احد ادوات الضغط لكن طريقة معالجتها حكوميا افسدت الفرصه والمقاطعه قد يستفاد منها خصمك باعﻻن حالة الطوارئ وهذا ما يتمناه من حل البرلمان وتعطيل الدستور وبالتالي فرض اﻻحكام العرفيه المعلنه ويستمر الوضع على ماهو عليه.

Tarik Ali Alsaleh يقول...

وجهة نظر رائعة ومشخصة للواقع الذي يفرض ضرورة مقاطعة هذه الانتخابات لما ستحققه من تكريس للمحاصصة الطائفية والاستمرار في منح الشرعية لهذا الواقع المرير.

يوسف العاني يقول...

اذا كان رب البيت في الدف ناقر....اذا كان علماءنا مختلفين فكيف سيتوحد شعبنا.

Tarik Ali Alsaleh يقول...

وجهة نظر رائعة ومشخصة للواقع الذي يفرض ضرورة مقاطعة هذه الانتخابات لما ستحققه من تكريس للمحاصصة الطائفية والاستمرار في منح الشرعية لهذا الواقع المرير.

Abo Ouf يقول...


ذلك راي صواب يقبل الخطأ ..وخطأ يقبل الصواب، وان اختلاف الرأي ﻻيفسد بالود قضيه،، ليس هذه المشكله وانما الموضوع يتعلق بالمساهمه او عدم المساهمه المساهمه تصبح غير ذات فائده مادمت انت مهمش وان حققت فوزا فاﻻولى عدم المشاركه أذن، وعدم المشاركه لن يغير شي مادامت المقاطعه غير عامه فعندهالن تكون أداة ضغط مثلما مطلوب ﻻجبار خصمك على الرضوخ لمطاليبك وعلى هذا اﻻساس كان من المفروض ان يكون التثقيف في وقت مبكر اما مشاركه قويه وفاعله وان يكون المشاركين على قلب رجل واحد وهذا اﻻمر صعب جدا" ان لم يكن مستحيل(ﻻن كﻻ منا ينظر بانه اﻻفضل واﻻحسن ولن ينزل احدمنا عن بغلته على مبدأ انت مير واني مير ياهو الي يسوك الحمير )، او اﻻتفاق في وقت مبكر على المقاطعه واعﻻن ذلك لكي اجعل من هذه المقاطعه اداة ضغط استخدمها على نطاق واسع اشرك فيها وسائل اﻻعﻻم والمنظمات العالميه.
كنا نتصور موضوعة اﻻنبار والفلوجه ستكون احد ادوات الضغط لكن طريقة معالجتها حكوميا افسدت الفرصه والمقاطعه قد يستفاد منها خصمك باعﻻن حالة الطوارئ وهذا ما يتمناه من حل البرلمان وتعطيل الدستور وبالتالي فرض اﻻحكام العرفيه المعلنه ويستمر الوضع على ماهو عليه.

Abo Ouf يقول...

اﻻخ العزيز اﻻستاذ مصطفى كامل المحترم..
تحيه طيبه وبعد
اتمنى عليك بلا امر ابداء رأي واضح بما اضفته من تعليق على فتوتي اﻻساتذه الاجلاء د.محمد عياش ود.عبدالحكيم ﻻن اﻻستاذين الجليلين ﻻيختلفان بالنتيجه بقدر ما يختلفان بالوسيله، مع ملاحظة ان علماء ومشايخ اﻻخوه الجعفريه وان اختلفوا في جوهر العقيده فيما بينهم اﻻ انهم ﻻيظهرون ذلك وتراهم ظاهريا" قلبا على قلب...اتمنى ان نسمع منك رأي صريح بذلك وﻻباس ان يستمعان لما تقول سماحة الشيخين الجليلين رأيك بالموضوع فهو يفترض ان يكون معروض للمناقشه ، شجعني للطلب منك ذلك اعجابك بما كتبت دون ان تبدي تعليقا عليه.
اختار الطريقه المناسبه ﻻيصال وجهة نظرك ان كنت ﻻترغب باﻻفصاح جهرا"عن وجهة نظرك.
تقبل خالص تحياتي مع فائق التقدير.

وجهات نظر يقول...

اشكر ثقتك ايها الاخ العزيز Abo Ouf
اذا كنت تقصد رأيي بالانتخابات فأنا ممن لا يؤمنون بكل المشروع الاحتلالي في العراق بدءاً من مجلس الحكم وحتى اللحظة.
واذا كان المقصود رأيي بفتوى الشيخين السعدي والكبيسي فعلمي أقل من ابدي رأيا بفتوى شرعية ..
ولك تقديري

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..