وجهات نظر
طالب الداوود
في
قضية مفاجئة، أعلن مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، يوم الأحد، 6
نيسان 2014، أن "تنظيم (داعش) والبعثيين وأيتام النظام السابق في مدينة
الفلوجة قطعوا المياه عن مناطق الوسط والجنوب"، ورافق الإعلان عن هذه القضية
التأكيد على "أن هذا التصرف يخلو من معاني الشرف والرجولة"، وانطلاقا من
ذلك، هدد مكتب القائد العام بـ"استخدام أقصى درجات القوة لإنقاذ حياة الناس
والأراضي الزراعية"، داعيا المواطنين وخاصة أهالي الأنبار إلى "تحمل
مسؤولياتهم الشرعية والوطنية في دعم القوات الأمنية".
سأترك
السؤال عن متى، ولن أجيب عليه، فالأوقات لدى مثيري الأزمات لا تعني شيئا. السؤالان
أين وكيف، وهما يوضحان جوهر القضية، سأجيب عليهما بالتفصيل.
يوجد على نهر الفرات وضمن جغرافية محافظة الأنبار السدود والنواظم التالية:
1 ـ سد حديثة، ويتم من خلاله تنظيم منسوب مياه بحيرة حديثة وعانة التي نشأت بعد بناء السد، والمنطقة بكاملها تقع ضمن سلطة المؤسسات الحكومية.
2 ـ ناظم الورار، ويقع وسط المجرى المائي المتفرع عن نهر الفرات نحو بحيرة الحبانية، والذي يبلغ طوله أكثر من 20 كيلومترا، وهو المسؤول عن التحكم بمنسوب البحيرة، تعبئة، انطلاقا من نهر الفرات. وهذا يقع ضمن سلطة المؤسسات الحكومية.
3 ـ ناظم سدة الذبان، قرب قاعدة الحبانية، ويقع بمحاذات نهر الفرات على المجرى الواصل بين البحيرة والنهر، ويتحكم بمنسوب بحيرة الحبانية، تفريغا، نحو نهر الفرات. ويقع أيضا ضمن سلطة المؤسسات الحكومية.
4 ـ ناظم ذراع دجلة، والمتفرع من ذراع الفرات، الواصل بين بحيرة الثرثار ونهر الفرات، وهو ناظم تحويلي لتغذية نهر دجلة من مياه بحيرة الثرثار، ويقع أيضا ضمن سلطة المؤسسات الحكومية.
5 ـ سدة أبو غريب، الناظمة لمنسوب نهر الفرات من أجل تزويد نهر أبو غريب، والجداول المتفرعة عنه وجميع المناطق الزراعية المنتفعة من جدول أبو غريب أصبحت تابعة لمحافظة بغداد، وتساعد هذه السدة إلى الشمال من نهر الفلوجة في تغذية نهر الصقلاوية الذي يتفرع إلى جدولين؛ جدول «علي سليمان» وجدول «التميمي» في منطقة السكر «السچر»، وتقع هذه السدة جنوب مدينة الفلوجة، وهي أيضا ضمن سلطة المؤسسات الحكومية.
6 ـ سدود صغيرة ناظمة لتوزيع مياه نهر أبو غريب نحو الجداول المتفرعة منه، ومنها سدة الهيتاويين التي تم قصفها من قبل الجيش قبل عدة أيام، وإغراق آلاف الدونمات من المناطق الزراعية المحيطة به، وتدمير المزروعات ومساكن الفلاحين في تلك المنطقة، بحجة وجود مسلحي تنظيم داعش الإرهابي.
ويقع إلى الجنوب من الحدود الإدارية لمحافظة الأنبار، وضمن حدود محافظة بابل، سدة الهندية التي تساهم في تنظيم منسوب نهر الفرات من أجل نهري اليوسفية واللطيفية والجداول المتفرعة عنهما.
إن مواقع السدود والنواظم في محافظة الأنبار، والمُشار إليها في المعلومات المذكورة أعلاه.، تؤكد على الحقائق التالية:
1 ـ سيطرة المؤسسات الحكومية الكاملة عليها.
2 ـ وجود بعض السدود الصغيرة في مناطق النزاع المسلح، وهي لا يمكن ان تقطع المياه عن مدن الوسط والجنوب، بل عن بعض الأراضي الزراعية المحاذية لتفرعات نهر أبو غريب، وجميع هذه السدود الفرعية تقع تحت سيطرة المؤسسات الحكومية.
3 ـ لا يوجد أي ناظم تخزيني، يمكن التحكم به وينتج عنه قطعا لمياه نهر الفرات، باستثناء سد حديثة، المرتبط ببحيرة حديثة، فيما إذا افترضنا أنها انتقلت من سيطرة المؤسسات الحكومية إلى أيدي مسلحي داعش، وإن الإمكانات التقنية المتوفرة تستطيع قطع مجرى النهر بشكل كامل. وحتى في هذه الحالة، فإن الفترة التي يمكن أن تُقطع بها مياه نهر الفرات سيكون لفترة محدودة جدا، لأن البحيرة المرتبطة به مليئة بشكل جيد، وأن جميع الأراضي الزراعية في محافظة الأنبار ستتأثر به من حديثة وحتى حدود محافظة بابل وتقدر بملايين الدونمات الزراعية.
4 ـ استحالة تأثير النواظم الرئيسية والفرعية من التأثير على مستوى الانسياب لتدفقات نهر الفرات، وحتى في حال تم إغلاق التدفقات من سدة أبو غريب جنوب الفلوجة بالكامل، فإن مياه النهر سترتفع خلال ساعات، لتغمر جهتي النهر، وتدمر الأراضي الزراعية الواقعة في الجهتين، وتعود إلى نهر الفرات.
5 ـ إن أقصى إجراء تم اتخاذه في نهاية الستينات وبداية السبعينات وأثناء فترات زيادة منسوب نهر الفرات في شهر أيار من تلك السنوات، بحيث أصبح من الممكن فيه فيضان نهر الفرات، وسيكون هذا الفيضان باتجاه مدينة بغداد والأجزاء الجنوبية منها، قد تمثل بتهديم أجزاء كبيرة من السدة الجانبية لنهر الفرات من الجهة اليمنى نحو منطقة الحصي، وأطراف من أراضي البوعيسى، وساعد ذلك على تخفيض منسوب نهر الفرات وليس قطعه.
بعد كل المعلومات السابقة، علينا أن نتساءل عن السبب أو الأسباب وراء إثارة قضية غير صحيحة نهائيا، وإطلاق التهديدات العسكرية، في منطقة ملتهبة منذ عدة أشهر، وشهدت تهجير أكثر من نصف مليون من سكانها.
إن وضع القضية في إطار حرمان الوسط والجنوب من المياه، ستكون فكرة مؤثرة، وستتداولها الأقلام بدون تدقيق، وسيدبج الشعراء الشعبيون آلاف القصائد، وستستُحظر فيها الرموز الدينية وعطشها. ولن يستطيع أن يقول احد أن الإمبراطور عاريا من الثياب، وحتى لو قيل مثل ذلك، فإن صوت المعركة والرموز الدينية، واستحضار التاريخ والطوائف، سيظل صوتها أعلى من كل الحقائق المبذولة في كتب الجغرافية، ومخططات الري، وعلى قارعة الطريق أيضا، وتكون الجريمة قد وقعت.
لا يمكن وصف القضية بهدف انتخابي، رغم أن ذلك الهدف سيكون من ضمن الخيارات المطروحة على الطاولة، بل ستكون جريمة تتعلق بالبيئة والإنسان، وستكون جريمة عرقية في حال انتقلت نحو الخيار العسكري، وسيكون من أهدافها الحقيقية إيجاد خريطة ديمغرافية طائفية، بحكم المعارك العسكرية.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليقان (2):
موضوع المياه ماكو عاقل يصدكه اذا عنده شوية ادراك وفعلا هي تسقيط غير مبرر وحيعيدون قصة العطش
نعم ... تهويل عملية قطع المياه هو لتبرير شن هجوم سيحدث المزيد من الدماء العراقية ... ولعزل العديد من الأماكن التي تمثل طيفآ من أطياف الشعب " الأصليين " ومنعهم من خوض الأنتخابات ...
إرسال تعليق