وجهات نظر
علي الكاش
لا يمكن أن ينمو الفساد وينضج ويثمر في دولة يسودها
القانون ويتساوى الناس أمامه كأسنان المشط.
فالقانون والفساد ضدان لا يجتمعان وصراعهما أزلي، ولكن إن
إجتمعا في ظرف أو لسبب ما، فهذا يعني وجود خلل في تركيبة القضاء وليس الفساد، لأن
الفساد سيكون في وضع السيد القوي، والقانون في وضع العبد الذليل.
واذا تعامل القانون أو من يمثله مع الشعب بمعايير مختلفة،
كأن يكون في موقفين متعارضين إتجاه قضية واحدة، مع جانب غفور ورحيم ومع الجانب الآخر
شديد العقاب، فإن شريعته تكون أقرب لشريعة الغاب.
أثيرت
في الآونة الأخيرة مسألة حسن السلوك في المرشحين للإنتخابات القادمة التي بدأ
سعيرها يشتد يوما بعد يوم، ولازمها تسقيط سياسي على مستوى الكتل الحاكمة، اظهر
للجميع رداءة معدن القوى الحاكمة من كل الوجوه. وإنتهى الفصل بمسرحية تافهة عرضت
في غير أوانها بإستقالة المفوضية غير المستقلة للإنتخابات بحجة التقاطع في المواقف
بين السلطتين التشريعية والقضائية رغم ان السلطتين في حقيقة الأمر هما بقبضة
السلطة التنفيذية. ليس من المنطق ان يعقل الإنسان الواعي بأن مجلس المفوضية يستقيل
قبل بدء الحملة الدعائية للمرشحين بإسبوع، وبعد أن إستكمل كل المستلزمات المطلوبة
للإنتخابات. ولا من المعقول ان يوافق مجلس النواب على طلب الإستقالة الجماعية.
وبنفس تفاهة إستقالاتهم الجماعية كانت تفاهة عودتهم الجماعية. فقد كان مجلس المفوضيه
بإستقالته الماكرة مثله مثل كلب عوى على سيده ليرخي رباط رقبته قليلا.
إنحصر
الجدال بشأن تفسير الفقرة 3/ المادة 8 من الدستور التي إشترطت في المرشح ان لا يكون محكوما
بجريمة مخلة بالشرف، وان يكون حسن السيرة والسلوك. ولا يخفى حتى على الجاهل
بأن الفقرة واضحة ولا تحتاج الى تفسير وتأويلات، علما أن المادة/21 من قانون
العقوبات العراقي حددت تلك الجرائم بالسرقة والإختلاس والتزوير والرشوة والقتل
والإحتيال والخيانة العظمى والإغتصاب وغيرها من الجرائم شبه المتعارف عليها دوليا
أو عربيا على أقل تقدير. ولدوافع سياسية ولأن المفوضية خاضعة لمبدأ المحاصصة، ولأن
رئيس الوزراء هيمن على مجلسها وأغنى اعضائها بالمكارم من أراضي وسيارات وملايين
الدولارات كرواتب ومخصصات، وتخصيص درجات وظيفية يوزعونها حسبما يرغبون لمعارفهم،
لذا عملت المفوضية على (إخصاء) المناوئين لرئيس الحكومة وسياسته الطائفية،
والرافضين للتدخل الإيراني في الشأن العراقي، وذلك من خلال الأخذ بالفقرة المكملة
للمادة (ان يكون حسن السيرة والسلوك) وفصلها عن
الفقرة الأولى أي التلاعب بالقانون من قبل رجال القانون. لذلك أتيحت لهم فرصة
إسقاط معارضين المالكي بحجة سوء السيرة والسلوك. وهذا تأكيد بأن دولة القانون هي
دولة الدكتاتور الذي يهيمن على كل السلطات. وإعتراف واضح بأن المفوضية ليست مستقلة،
وإنما هي جحش المالكي الذي يسيره كيفما يشاء.
من
البديهي إننا لو طبقنا مبدأ حسن السيرة والسلوك على البرلمان والحكومة والقضاء فهذا
يعني إقصاء الجميع من الخدمة وتحويلهم الى ربات بيوت، فهم ما بين عملاء وجواسيس
ينفذون أجندات أجنبية، ومجرمين وقتلة وأصحاب ميليشيات، ومزورين ومرتشين ولصوص
ومغتصبين، وإرهابيين وزناة، وحيالين وتجار مخدرات. ينطبق عليهم قول ابو القاسم
البغدادي:
معشر أشبهوا القرود ولكن خالفوها في خفة الارواح
وسنستذكر بعض من تصرفات النواب الحاليين والذين ترى المفوضية
العليا للإنتخابات وقضاء المالكي بأنهم يتمتعون بحسن السيرة والسلوك.
في عام 2013 قامت النائب عن
الكتلة العراقية البيضاء (المنشقة)، عالية نصيف، بضرب رئيس الكتلة العراقية
(الأصلية) في البرلمان سلمان الجميلي بـالحذاء، بعد أن وصف الجميلي زميلته نصيف بكلمات نابية.
ونقلت
(السومرية نيوز) بأن "النائب عن الكتلة العراقية الحرة عالية نصيف قامت بضرب رئيس الكتلة
العراقية في
البرلمان
سلمان الجميلي بحذائها". يعنى فرضا لو قامت النائبة بضرب عربيد القضاء مدحت المحمود بفردة
من حذائها، هل يعتبر كبير القضاة تنعيله حسن سيرة وسلوك؟ ثم ما رأي القضاء
عندما تصرح نائبة برلمانية منتخبة من قبل ناخبين،
في غمرتهم ساهين، وعن حقوقهم لاهين، بأنها
عازمة على "مقاضاة الجميلي قانونياً وعشائرياً".
تقاضية قانونيا لا غيار عليها، لكن عشائريا وفي دولة القانون نضع عليها علامة
إستفهام؟
وفي
كانون الثاني العام الماضي تحول مجلس النواب إلى حلبة ملاكمة بين المتنافسين على
الحزام النيابي الذهبي في دولة القانون، المنافس الأول النائب علي الشلاه عن
ائتلاف دولة القانون، وخصمه النائب بهاء الاعرجي عن الكتلة الصدرية، وإنتهى النزال
بتوجيه لكمة قاضية للشلاه، مع تأجيل الجلسة الى حين تحسن الوضع. لكن المفوضية لا
ترى في تصرفها ما يمس السمعة وحسن السلوك! وفي جلسة غاب عنها اكثر من مائة من
ممثلي الشعب المغيب جرى إشتباك قريب بين النائبين حيدر الملا ممثلا عن فريق القائمة
العراقية وخصمه النائب (الإيراني العراقي) كاظم الصيادي عن فريق التحالف الوطني،
والسبب مطالبة الملا برفع صور الخامنئي والخميني من شوارع العاصمة والساحات العامة
إحتراما لمشاعر العراقيين سيما عوائل شهداء الحرب العراقية الإيرانية،. لكن النائب
الصيادي كان يصيد في المياه العكرة، فصفع الملا إكراما لولايه الفقية، وحصل
الإشتباك. اعتبرت المفوضية المصفوع العراقي الملا ـ الذي قال حقا ـ سيئا في السيرة
والسلوك، أما الصافع الإيراني فلا شائبة على سلوكه! بالطبع تطور الصراع بمشاركة
النواب الآخرين أما الشتائم فقد أدخلت في قاموس البغاء العصري لأن جديدة على اللغة
العربية.
وفي
صراع آخر بين المحارب القديم حيدر الملا وكمال الساعدي المنتمي الى دولة القانون بزعامة
المالكي، حصل اشتباك قريب بعدما إتهم صانع الكبة المحترف الساعدي، زميلة بصناعة
الإرهاب، واستخدم الساعدي السلاح الأبيض (عكازا) ضد خصمه، الذي لم تسمح له الفرصة
بالرد على منافسه، والمحصلة تمتع الساعدي بشهادة حسن السلوك من المفوضية التي حرمت
الملا منها! الباديء بالضرب حسن السلوك، والمضروب الذي لم يرد على خصمه سيء
السلوك! فعلا مفوضية مستقلة وقضاء نزيه!
مشادة
أخرى بين النائبة انتصار الجبوري رئيسة لجنة المرأة والاسرة والطفولة ونواب من دولة القانون اثر
القائها تقريرا
لمناسبة اليوم العالمي ضد العنف ضد المرأة، فضحت فيه ما يجري من اعتداءات
واغتصابات للنساء داخل السجون، وحملت وزارتي الداخلية والدفاع المسؤولية، فإنبرى
المدافعون عن المغتصبين ضدها وتحول النقاش إلى عراك بالايدي بين عدد من النواب. من البغاة المدافعين عن نظرائهم المغتصبين السفلة كل من سامي العسكري
وحسن السنيد
وعدنان
الشحماني إئتلاف دولة القانون. والفريق الآخر ضم حيدر الملا وخالد العلواني واحمد
المساري واحمد
العلواني
من العراقية. المجموعة الأولى كالعادة حظيت بحسن السيرة والسلوك، لكن المعارضين
للتعذيب والإغتصاب في السجون، حرمتهم المفوضية الشريفة من شرف الحصول على شهادة حسن
السيرة والسلوك!
في
كانون الثاني 2013 وقع
اشتباك
بالأيادي على حلبة المجلس أيضا، هذه المرة بين الخصم الدائم ائتلاف دولة القانون ومنافسه
التيار الصدري، مما دفع بحكم المباراة أسامة النجيفي الى رفع الجلسة لمدة ساعة. ولم يعلن
المجلس غير الموقر أسماء المشاركين في السباق ولا نتيجته! كذلك لم نسمع من (المفوضية
العليا لإنتخاب المالكي) إعتراضا على المتسابقين من الفريقين أو حرمانهم من شهادة
حسن السيرة والسلوك. في حقيقة الأمر هي لم
تحرم اي كادر من كوادر حزب المالكي من شهادة حسن السلوك، لأنهما منهم ولهم. هل هناك تلبيس أشد من هذا التلبيس وتدليس أخبث من هذا
التلبيس؟
الأخطر من هذا كله ما تفوهت به النائبة الزينبية حنان
الفتلاوي بشأن معادلة القتلى من خلال رغبتها الدموية المنفلتة "نريد عندما يقتل 7 اشخاص من الشيعة
ان يقتل قبالتهم 7 اشخاص من السنة ليتحقق التوازن". هذا حديث نائبة في البرلمان العراقي! ألا تفٍ على من لوث
إصبعه بالحبر القاني وإنتخبها سابقا، وألف تفوا على من سينتخبها لاحقا! هذه
الشيطانة الرجيمة تمتلك من القوة لأن تعقب بتصريح للاحق عن" عدم خوفها من الطعون المقدمة بشان ترشيحها الى للانتخابات البرلمانية
المقبلة". تحدِ سافر
للسلطة القضائية، ونؤكد للجميع بأن المفوضية غير المستقلة للإنتخابات لا ترى بأن
حديث النائبة المسعورة فيه سوء سلوك!
ولا نعرف رأي النائبة، هل ينطبق الأمر في حالة العكس؟ فقطعان
المالكي تستخدم الطائرات والمدافع الثقيلة والدبابات لقتل المدنيين في الفلوجة
ووصل عدد الضحايا حوالي الألفين، فهل على الشيعة أن يقدموا ألفين قربان بشري لأهل
الأنبار بالمقابل؟ وهل تطبق المعادلة على المعتقلين في السجون العلنية والسرية
سيما أن حوالي 98% منهم من أهل السنة؟ أم تطبق على خطباء الجوامع حيث 98% من
الضحايا هم من أهل السنة؟ وهل سيرجع الشيعة الدين لأهل السنة عن مجزرة الحويجة
واليوسفية والزبير والمحمودية والطارمية وأخيرا بهرز؟ وكيف تحل المشكلة مع الشيعة
الأبرياء الذي قتلتهم قطعان المالكي في الزركة والبصرة في صولة العميان؟ كيف سيتم
التعامل مع هذه الحالة؟
المشكلة تكمن في أن القضاء المسيس لا يعتبر حديث الدماء
والتهديد به نوع من الإرهاب أو إضرار بسمعة وسيرة المسؤول، لكن مطالبة نائب برفع
صور الخميني والخامنئي من الساحات العامة يدخل في خانة الإرهاب وليس خانة سوء
السلوك فحسب! إضافة إلى حديث النائبة المستذئبة الفتلاوي، سبق أن هدد المالكي أهل
السنة ببحر من الدماء وصدق وعده، ومؤخرا أعلن صاحب دولة القانون بعد مقتل الصحفي على
يد عنصر البيشمركة الكردي "الدم بالدم".
عجبا بدولة تسمى نفسها دولة القانون ولديها كل هذا التسيب والإنفلات! والأعجب منه حزب
حاكم يحمل إسم الإسلام(الدعوة الإسلامية) ويهوى سفك الدماء بهذه الشهوة البهيمية!
وهاك آخر ما صرحت به المفوضية إنها "لا تستطيع محاسبة
ائتلاف دولة القانون على استغلاله موارد الدولة في دعايته الانتخابية. وأن
استخدام سيارات الدولة وأماكن العبادة والكليات الرسمية ودوائر الخدمة العامة في الدعاية الانتخابية من قبل
ائتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي خرق أخلاقي لمبادئ التنافس الشريف لكننا
وللأسف لا نستطيع محاسبة المالكي على هذه الخروقات"! هل هذا التصرف فيه حسين
سيرة وسلوك يا مفوضية؟
الخلاصة: إن العدالة وشرف المهمة ونقاوة
الضمير هي آخر ما يخطر على بال مجلس المفوضيه، فهم أقسموا بأن يكون الشيطان رائدهم
في العمل الإنتخابي وقد أحسنوا المهمة سابقا ولاحقا.
السؤال
هو: هل مثل هولاء الثعالب يؤتمنون على أصوات الشعب؟ وهل يمكن
ان تجري عملية إنتخابية نزيهة في ظل وجود مفوضية
غير نزيهة؟ الذي أقسم اليمين على الأمانة وحنث به مع ربٌه، هل سيصعب عليه
ان يحنث بأمانته مع عباده من الناخبين؟ لقد أمسى قلقنا من المفوضية بدرا بعد أن
كان هلالا.
لكن أين الشعب العراقي من كل هذا؟ متى يعلم بأن من يشتري
الأوهام والوعود الخرافية يتحمل تبعاتها. والى متى تدوم تجارة الأوهام يا أبناء
مدينة السلام؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق