وجهات نظر
طيب تيزيني
طلع علينا التلفاز في السادس عشر من هذا الشهر ببرنامج يهز الإنسان كرامة
وضميراً ومصيراً، ويطرح أسئلة عظمى على المشاهد عموماً والسوري خصوصاً.
أما هذا البرنامج فينقل لقاء يعلن أنه يعالج قضية تتصل، هكذا قيل، بحالة
مذهلة حدثت في سجن بسوريا تسيطر عليه عناصر من الشرطة العسكرية، أما ناقل هذه
الحالة فهو واحد من هذه العناصر انشق عنهم واسمه سيزار، وقد ظل هذا صامتاً، إلى أن
وجد المكان المناسب للإعلان عن المشاهد المرعبة في السجن المذكور.
والآن، علينا أن ننقل ما نقله الشرطي المنشق مما شاهده مشاهدة العين في
السجن، لقد أعلن السجين المنشق هذا في «ملف السجون في سوريا» أنه يوجد في هذه
الأخيرة أحد عشر ألفاً من السجناء.. وكانت هنالك صور أخذت لهؤلاء وصل عددها إلى
خمسة وخمسين ألفاً، وهذه الصور أخذت لأولئك الأحد عشر ألفاً، وبالتالي يكون لكل
واحد من هؤلاء خمس صور، أما أعمار السجناء فهي بين عشرين وأربعين عاماً، وقد التقط
تلك الصور ذلك الرجل سيزار ما بين عامي 2011 و2013، أما كيفية قتل أولئك السجناء
(الأحد عشر ألفاً) فقد تمت بطريقة «الخنق باليدين» وليس بطريقة الإعدام.
هذه هي الصورة الفائقة الوحشية التي ناقشها التجمع المذكور في ضوء
الاعترافات التي قدمها الشرطي العسكري الذي ضبطها بعد أن شاهد أحداث الخنق وقرر
بعدها أن ينشق عن أولئك الوحوش القتلة، لم يحتمل الرجل تلك المشاهد فكان بحاجة
هائلة لاكتشاف أن ذلك الذي طُلب منه (القتل بطريقة الخنق باليدين)، يحتاج أن يتحول
الإنسان المعروف بالعاقل إلى كائن آخر ليسميه المرء ما شاء.
ولعلنا نعود إلى مرحلة تاريخية منصرمة هي تلك التي عاد إليها المفكر الفرنسي
رينيه جينون (توفي 1951) أي إلى الإسلام فوجد فيها حلاً لما لم يجد فيه مثل هذا
الحل. ثنائية الشرق والغرب هي التي عاد إليها "جينون": هذا الشرقي الذي
يمتلك شعوراً بالآخر، والغربي الذي لا يمتلك شعوراً بالآخر، ولكنه العالم المادي،
بماديته التقنية وثرواته المالية والاقتصادية، وعلينا أن نختار بين هذا وذاك.
جينون الذي كتب كتابه الشهير «أزمة العالم الحديث» وجد أنك إن أردت العيش فعليك أن
تنبذ العالم الغربي الحديث وتأخذ بقيم العالم القديم ومن ثم فأنت تسير بقدم واحدة.
كانت الفكرة التي جرى تجاوزها هي تلك المتمثلة بالمادي (هنا: الشرقي
والسوري من ضمنه) من أجل امتلاك المادي، ولكنك حين ترغب في الاثنين كليهما معاً،
فإنك تكون قد أنشأت علاقة زائفة، كما هو الحال بالنسبة إلى روسيا التي رفضت
الاعتراض على من تسبب في خنق أحد عشر ألفاً من الناس وفضلت الوقوف إلى جانب
القتلة، أما لماذا؟ فإنك تواجه بفكرة المصالح من طائرات ودبابات وأسلحة متوسطة
وخفيفة، من تلك التي قدمتها روسيا للمتعاملين معها في المصالح، لقد ترك جينون
عالمه الغربي (القاسي بإجرامه) وانحاز إلى عالم شرقي مازال قائماً في العالم
العربي -ومن ضمنه سوريا- يعتاش على الاستبداد والفساد والإفساد وعلى رفض الإصلاح
والنهضة والتقدم والتنوير.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
هناك تعليق واحد:
لاعين ترى ولا اذن تسمع استاذ
إرسال تعليق