نزار السامرائي
ربما هم قلة من الناس الذين يعلّقون
آمالا حقيقية على الانتخابات النيابية التي سيبدأ تصويت الخارج فيها صباح يوم الأحد
وتبلغ ذروتها غداً، ويعكس ذلك خيبة أمل مريرة عاشها معظم العراقيين من تجارب
انتخابات بالجملة منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 وحتى صباح اليوم، ولزمن غير
منظور إلى أن يعاد تصميم العملية السياسية على أسس جديدة تتخطى حواجز الهويات
الفرعية وتعبر بالعراقيين إلى شاطئ الهوية الوطنية الواحدة.
ولأن جميع الذين احتلوا مقاعد في مجلس
نواب الاحتلالين الأمريكي – الإيراني، إلا من رحم ربي، كانوا سلعا متداولة لها
سعرها في بورصة المنطقة الخضراء فقد كان طبيعيا أنهم سيميلون مع ريح من يشكل
الحكومة حيثما ما مالت، ولن يسمحوا للفرصة الذهبية أن تفلت من أيديهم، وهذا ما حصل
إذ أن تحالفات ما قبل الانتخابات سرعان ما تبخرت مع أول نسمة ساخنة هبت عليها، وتبدل
ولاء نواب العراقية وربما كان بالأصل ولاء مزدوجا، هذا عرفناه في انتخابات عام
2010 إذ أن التحالفات التي أعقبت ظهور النتائج قلبت الخارطة السياسية ظهرا على عقب
فقد عاد القديم إلى قدمه ومضى كل إلى مشتريه الذي دفع فيه ثمنا أكبر فأصبح مالكه
الجديد.
وكانت القائمة العراقية أكبر الخاسرين في تلك
الانتخابات مع أنها حصدت أكبر عدد من مقاعد البرلمان مما أهلّها دستوريا لتشكيل
الحكومة، ولكن سطو المالكي على السلطة القضائية مكنّه من يستصدر منها حكما قضائيا
بأن العراقية التي حققت الفوز بواحد وتسعين مقعدا ليس لها أن تشكل الحكومة، بل على
التحالف الذي سيتشكل بعد الانتخابات هو المؤهل ليفعل ذلك، فعاد الأبناء الضالون
إلى بيت الطاعة الشيعي الذي أسسه بجدارة شخص لا يفهم من التشيع شيئا إلا أنه مطية
يركبها لإيصاله إلى طموحات شخصية ممنوعة في الشارع الشيعي على كل علماني متزمت أن
يقود تيارا دينيا له آلياته ومفردات تحركه والتي من بينها تكرار ذكر مقتطفات من
نهج البلاغة لعلي ابن طالب رضي الله عنه، وهذا العلماني ربما لا يعرف أن هناك
كتابا بهذا الاسم.
جراء هذه المناورة التي شارك فيها
المالكي ورئيس الحكمة الاتحادية ضاعت على العراقية فرصة تشكيل الحكومة، وبسبب
طبيعة قديمة في الشعب العراقي كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قد أشار إليها في
أكثر من مكان في نهج البلاغة، فقد تحولت القائمة العراقية إلى ذبيحة يحاول
الجائعون تقاسم لحمها وسط ذهول قادتها وبعضهم ذرف دمعة أسى عليها وبعضهم فرك يديه
طربا لهذه النهاية السعيدة.
ولأن من بيده المال العام المبذول في
خزائن غير محكمة الإغلاق إلا على الشعب، ومن بيده السلطة وأجهزة القمع والمادة 4
إرهاب، يمتلك قدرة أعلى في الدخول في كل المزادات السياسية وحتى في سوق العبيد،
فقد تمكن المالكي ومنذ الأيام الأولى من شراء عدد من نواب العراقية الذين انشقوا
عليها وأخذت أسماء قوائمهم الجديدة تتعدد بتعدد ألوان الطيف الشمسي تمييزا لهم عن
القائمة الأم فأصبح منهم وزراء وأصبح الآخرون من أثرياء الحرب، ومن باب الإنصاف
ليس العيب في المالكي أنه وجد أرضا رخوة فداس عليها وليس العيب عليه أنه نجح في
شراء كثيرين من نواب سبق لهم أن أقسموا يمين الولاء لغيره، ولكن العيب في أن هؤلاء
لا يرقبون في سياسي مؤمن أو علماني إلاّ ولا ذمة بسبب عيب قديم في التربية
المنزلية.
ولم يتوقف الذين انتقلوا من صف العراقية
إلى الرصيف الآخر، عند حد بيع أنفسهم بسعر معلوم بصفقات تمت في عواصم لا تبعد
كثيرا عن بغداد، بل تحولوا إلى دعاة للمالكي للتأثير في مواقف من بقي في صف الخصوم
رغبة في هز معنوياتهم وتركهم يبحرون في المياه العالية من دون بوصلة وبالتالي
استدراجهم إلى حومة المالكي، وهذا ما تأكد في أكثر من واقعة وخاصة ما حصل أثناء
محاولة حجب الثقة عن المالكي، إذ اهتزت قلوب كثير ممن وقّع على طلب عزل المالكي
وبلغت قلوبهم الحناجر ظنا منهم أن المالكي موكل من ملك الموت لخطف أرواحهم إن هم
أصروا على تواقيعهم، ذهب بعضهم إلى نفي التوقيع على العريضة وذهب آخرون لطلب الصفح
من ولي نعمتهم المالكي لأنهم ارتكبوا خطيئة التقرب من حصونه، بالنتيجة تشظت
القائمة العراقية وأصبحت عبئا كبيرا على قادتها الذين طفقوا في حرب تنابز بالألقاب
أفقدتهم المصداقية أمام ناخبيهم أو من يزعمون أنهم يمثلونه.
فهل حصل شيء جديد يستحق أن يغامر المرء
بشرف مروم، وينسى جرح الأمس ويظن أن التجربة الجديدة أفضل من سواها، ويظن أن ثعالب
المنطقة الخضراء قد تابت عن فسادها الذي مكّن العراق وللسنة الحادية عشرة على
التوالي وبلا منازع أن يحتفظ بمركزه الأول بين أكثر بلدان العالم فسادا ويجعل من
بغداد أسوأ مدينة للعيش حتى بعد مقديشو وجوبا ودمشق وكابل وبيونغ يانغ إذا ما
اعتمدنا كل العوامل والمقاييس المعمارية والأمنية والمعاشية وأجواء الحرية
والديمقراطية وحرية التعبير الآمن عن الرأي مقياسا لتسلسل المدن الأكثر تجسيدا
لرغبات الناس في العيش الكريم، وهل هناك إحصاءات دقيقة لعدد من قتلوا أو هجّروا
على الهوية خلال ولاية المالكي الثانية، وهل هناك من يعرف حجم مداخيل العراق وفي
أية مسالك تسربت لتحول دون تحولهاإلى مشاريع إنتاجية تؤدي إلى رفاه العراقيين؟ وهل
هناك من وقف ضد إرادة الشر التي تلبست في عقل المالكي وقلبه إن كان له عقل وقلب،
من النواب الذين وعدوا بأنهم سيقفون مع كرامة شعبهم ضد الانحراف وأقسموا بشرفهم
ومعتقدهم أنهم سيفعلون ذلك حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، ولكن أحدا منهم لم يفعل إلا
القلة القليلة وهؤلاء خذلهم زملاؤهم المقربون وتركوهم يواجهون محنتهم لوحدهم كما
حصل مع النائب أحمد العلواني، ومن يدري لعل من شحذ سكين المالكي لتفتك بالعلواني
ما يزال في مقعده في مجلس النواب شامتا بمصيره ولا يتورع عن ارتداء ألف وجه ووجه
حسب الفصول والمواسم وتقلبات الجو ويمكن أن يدافع عنه في مجالس المقربين من
العلواني ويحرض عليه في مجالسه الخاصة والمغلقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا ومن أدوات
الشحن.
فبماذا يغري الناس من نصح بالذهاب إلى
صناديق الاقتراع؟ هل يعدهم بفتح طريق آمن لعودة إلى بيوتهم ومدنهم بعد يوم عمل
شاق؟ وهل هناك الأمل أو نصفه لكل مهجر أو مغترب اضطرارا إذا عاد إلى وطنه من دون
أن يأتيه زائر الليل لينوب عن ملك الموت ليقتله وأفراد أسرته أو ينتهك حرمة بيته
قبيل صلاة الفجر وكأن ذلك من طقوس عبدة النار؟
أسئلة لا أجوبة سريعة عليها ولكنني أجزم
بأن أحاديث السهرة ستتكرر بعد أربع سنوات بنفس العناوين والحماسة والقلق، ما لم
يتمكن العراقيون من الإطاحة بالعملية السياسية التي يشكو الجميع من سيئاتها،
ولكنهم يغترفون مما يأتيهم من زبدها اعتقادا أنه يحمل لهم خاتما سحريا.
هناك تعليق واحد:
انتخبو زعاطيط العملية السياسية من اجل عراق لا يطاق
إرسال تعليق