وجهات نظر
رشيد يلوح
لم
يَعُد النّوروز الإيراني مناسبة لتبادل تهاني رأس السنة الفارسية فحسب، بل أصبح
منذ سنوات فرصة لتبادل الرسائل السياسية بين طهران والغرب، وقد تميَّز نوروز هذه السنة (21
اذار/مارس 2014) بوصول كم كبير من رسائل التهنئة إلى بلاد فارس، وكانت أبرزها على
الإطلاق تلك التي تلقاها الإيرانيون من واشنطن وتل أبيب، فما الذي قالته أو لم
تقله تلك الرسائل؟
فبالإضافة إلى الخطاب السنوي الذي وجهه الرئيس باراك أوباما إلى الإيرانيين، بَسَطَ البيت الأبيض داخل أحد أروقته سُفْرة (هفت سين) أي (السينات السبع)، وهي طقس رمزي أساسي في عيد النوروز، كما استقبلت فيلري جرد مستشارة الرئيس أوباما في البيت نفسه فرقة استعراض بلباس إيراني تقليدي. علما أن فيلري من مواليد مدينة شيراز حيث كان أبواها مقيمان قبل ثورة 1979، وتعتبرها الصحافة الأمريكية من أقوى المدافعين عن سياسة التقارب مع إيران في البيت الأبيض.
وفي خطابه إلى الإيرانيين اغتنم أوباما فرصة التهنئة ليؤكد على أن من حق طهران الحصول على تكنولوجيا الطاقة النووية، وأنَّه متمسك إلى حد كبير بالديبلوماسية كحل للخلافات الحاصلة على الملف النووي. ولم يَفُت أوباما التذكير بحرصه على أن تعود إيران لتؤدي دورها كاملا داخل المجتمع الدولي قائلا :’هذا النوروز لن يكون بداية سنة جديدة فحسب، بل سيكون أيضا بداية جديدة في تاريخ إيران ودورها في العالم، وضمن ذلك الدور علاقة أفضل وأعمق مع الولايات المتحدة وشعبها تضمن الاحترام والمصالح المتبادلة لكلا الطرفين’. كما لم يفت الرئيس الأمريكي تمجيد الشعب الإيراني بقوله: ‘تستحقون أفضل من هذا. إن مواهب ونبوغ الإيرانيين جلبت إلى العالم مكاسب عظيمة في مجالات الأدب والفنون والعلوم والتكنولوجيا’. لقي هذا الخطاب ترحيبا كبيرا من الإيرانيين في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كانت معظم التعليقات معجبة بالاحترام الذي يكنه أوباما للشعب الإيراني وحضارته.
وكان اهتمام وزارة الخارجية الأمريكية بالنوروز الإيراني هذه السنة بدوره لافتا، إذ أصدرت الوزارة بيان تهنئة أبرزت فيه الدور الريادي والمشرق للإيرانيين في الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية داخل الولايات المتحدة، دون أن تنسى التذكير بأن النوروز مشترك إنساني ومناسبة لتعميق العلاقات الثقافية والعلمية بين إيران والولايات المتحدة.
وفي جوانب أخرى من الاحتفال عرضت الوزارة سفرة (هفت سين) النوروزية بالقرب من مكتب وزير الخارجية نفسه، هذا الأخير الذي خصص حوارا بالمناسبة لقناة ‘صوت أمريكا’ الفارسي عبَّر فيه عن إعجابه الكبير بالثقافة الفارسية، مؤكداً أنها ليست غريبة عن أسرته، إذ كشف جون كيري في هذا الحوار ولأول مرة عن جوانب من ارتباط أسرته الصغيرة بإيران، إذ قال: ‘زوج ابنتي الصغرى إيراني الأصل، وأنا أحبه وأعتبره رجلاً استثنائياً، كما سبق لأختي أن عاشت في إيران قبل الثورة، حيث شغلت هناك وظيفة مُدرسة بإحدى المؤسّسَات’.
في هذا الحوار عبر وزير الخارجية الأمريكي أيضاً عن إعجابه بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف واصفا إياه بأنه يجيد توضيح مواقف بلاده والتعبير عنها، وفي ثنايا الحوار كرَّر جون كيري أكثر من مرة رغبة بلاده الأكيدة في التوصل مع إيران إلى حل سلمي ونهائي للملف النووي.
واختار ألن إير المتحدث الفارسي باسم الخارجية تهنئة الإيرانيين بعيدهم القومي عبر فيديو مسجل وبأكبر قدر من المحاكاة لثقافة وتقاليد التهنئة النوروزية كما يعرفها الإيرانيون، فهذا الخبير اللغوي الأمريكي الذي لم يسبق له أن زار إيران كان حريصا على التحدث بلغة فارسية سليمة وقريبة من لكنة العاصمة طهران، إذ استخدم أبياتا شعرية في تمجيد النوروز استعار ها من الشاعرين الفارسيين فريد الدين العطار ومنوتشهري دامغاني.
لم يخرج خطاب ألن إير عموما عن إطار ما قاله الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري، مؤكدا أنّه من الممكن جدا أن يتم حل الملف النووي وفق قاعدة: منتصر/منتصر. وفي ختام حديثه بَشّرَ الطُّلاب الإيرانيين المُقيمين في أمريكا ببدء تنفيذ قرار واشنطن بتسهيل التحويلات المالية الإيرانية المُتعلِّقة بالتكاليف الدراسية لهؤلاء الطلاب في الجامعات الأمريكية.
وأجرى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بدوره حواراً مع شبكة (راديو فردا) الفارسية، ومثل نظيره الأمريكي اغتنم فرصة تهنئة الإيرانيين بعيد النوروز للتعبير عن تقديره الكبير للحضارة الفارسية واحترامه لها، وأشار بيريز في حواره إلى أحداث تاريخية معينة في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، كان أبرزها فضيحة (إيران كونترا) والحرب العراقية الإيرانية التي أكد بخصوصها أن إسرائيل لم تكن يومها إلى جانب العراق في حربه على إيران، قائلا: ‘لاتنسوا أنَّ العراق لما هاجم إيران استمرت الحرب لست سنوات وقتل فيها مليون شخص، هل تظنون أن قلوبنا كانت مع العراق؟ هل تظنون أننا كنا سعداء لأن العراقيين يقتلون الإيرانيين؟ أعوذ بالله!’.
تأتي تهاني النوروز الأمريكية الإسرائيلية بعد مرور حوالي أربعة أشهر على الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة 5+1، وبعد ما سبقه ولحقه من اتصالات وتفاهمات سرية وعلنية بين الأمريكيين والإسرائيليين ونظرائهم الإيرانيين، وكأن هذه التهاني تحاول تتويج جهود متواصلة من التقارب بين الطرفين، فالكم الكبير من الإشارات والعبارات التي تحملها تلك الرسائل تشي برغبة أمريكية للوصول إلى توافق نهائي وشامل مع نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما تكشف عن حقيقة الموقف الإسرائيلي الذي لم ينجح حتى الآن في تحقيق إجماع داخلي على إبقاء خيار الحرب على الطاولة كما طالبت بذلك بعض الأصوات الإسرائيلية المتطرفة.
وفي المحصلة يبقى المزاج المُسيطر حاليا في واشنطن وإلى حد ما في تل أبيب هو التقارب مع إيران، إذ لا يفوت الطرفان أي حوار أو فرصة يخاطبون فيها الشعب الإيراني إلا ويعبرون فيها عن تمجيدهم للشعب الإيراني وذكائه وتفوقه – وبالنسبة للإسرائيليين – أفضاله التاريخية على اليهود.
حَاوَلتْ إذاً رسائل النوروز الأمريكية الإسرائيلية الواصلة يوم 21 اذار/مارس 2014 إلى طهران أن تستثمر العامل الثقافي والتاريخي الفارسي لتمسح من ذاكرة الإيرانيين أحداث الماضي المؤلمة ولغة الكراهية السياسية المتبادلة بينهما، كما حاولت أن تغازل القيادة والشعب الإيرانيين، وتُبرز لهما أن بإمكان الإسرائيليين والأمريكيين أن يكونوا قريبين جدا من إيران إذا ما اختار صناع القرار في طهران مسار التعايش ولغة المصالح المتبادلة.
وختاما، يبدو قطار التَّقارب الإيراني الأمريكي منطلقاً، كما يبدو مُراهناً على أكثر من قاطرة، لاسيما القاطرة الثقافية التي يؤكد بها الطرفان لبعضهما أن ما يجمعهما في الماضي والحاضر أكثر بكثير مما يفرقهما.
وطبعاً، سيبقى السؤال هو: أين موقع العرب في هذا القطار؟ وما موقع المسألة الثقافية العربية الإيرانية في تفكير النخب وصناع القرار العرب؟ وماذا أعد العرب للتعامل مع النزاع الثقافي المُحتَدم في المنطقة؟
ملاحظة:
نشر
التقرير هنا.
هناك 8 تعليقات:
يبقى سوالك الاخير في المقال هو المطلوب اجابته ولكن من من؟
تحياتي استاذ مصطفى
بدأت علاقاتهم السرية تعلن .. امريكا وتل ابيب وايران روح واحدة بثلاثة اجساد ...
متى تفيق امتنا النائمة؟
بلهجة اهلنا (( عمي الله يثخن لبنهم )) بس لا على حسابنا وحساب دمائنا واموالنا .....
أبو عبيدة العزيز
المشكلة ان لبنهم الثخين على حساب دمائنا وأموالنا وأعراضنا وأوطاننا.. ولا متعظ!
محا الله ايران واذنابها
يبدو ان العرب ليسوا معنيين بالامر لا من قريب ولا من بعيد.... واهم انشغالاتهم هو ان لا يتفقوا مع بعضهم.... والتدهور مستمر
العرب يهمه اولا التامر فيما بينهم والتناحر من اجل الوصول الى اكبر تخريب لجيرانهم وتبديد ثرواتهم لصالح غيرهم , وافقار من تبقى منهم نقدس الاشخاص الذين نكتشف بعد اربعين سنه انهم كانو خونة ونخون الامين الذي نكتشف بعد ان نفقده انه كان وطني... وتعادلاتنا مقلوبة واكثر الناس يظلمون قوميتهم هم العرب . فكل امة من حقها ان تسمى باسمها الا العرب اذا قلت انا عربي قالوا انت قومجي اما عمري ما سمعت عن احد يقول للتركي عندما يقول انا تركي انت قومجي ولا الفارسي انت قومجي سبحان الله بس العربي قومجي.... هل احترمنا ذاتنا نحن لكي يحترمنا الغير؟
مع الاحترام لكل مشاعر القلق التي يعبر عنها كل حريص على هذه الامة وهو يستعرض المشاهد السينمائية للسياسة الامريكية ، أجد ان لوم النفس وجلد الذات مخالف لحقائق الاشياء ، والسؤال من هم العرب الذين ننتظر منهم موقفا وفعلا وطنيا وقوميا حاسما جراء مايجري ، النظام الرسمي بغالبيته ما هو الا ادوات طيعة ومنفذة فقط لما يريده اعداء الامة ، ومنذ سايكس بيكو وليومنا هذا ، وغيرهم وبعد الاحتلال الغادر الغاشم للعراق والذي كان للنظام الرسمي دوره المباشر والرئيس فيه، وكذا ليبيا ، وبعد الانهيارات الموجهة التي حدث في الانظمة العربية خارج سيكسبيكو وما ، اصبح تصرفهم كم يخشى على نفسه شرب الماء كي لايغرق . فهل من مثل هكذا ...... ننتظر موقف ينصر الامة ،أم على حركات واحزاب سياسية ادعت بوطنيتها وقوميتها لكنها بعضها أبى الا ان يمد يده للشيطان ليعتاش على خياراته( والشيطان هنا كل القوى المتعمدة للاظرار بالامة دولا ام جهات ام اشخاص ) ، ليس لنا الا اعادة تشكيل المزاج والروح الوثابة للمواطن العربي كي يتحرر من النظام المولغ بدم الامة ويبني نظامه الوطني كل في قطره ، لاننا وان كانت المعركة قاسية وطويلة ، علينا ان نبدأ وبالتالي من يبدأ لا بد ان يصل ، لا ان نستسلم ونترك الام يمّر مغمسا بالاحلام والتمنيات ، لنجد أنفسنا في آخر المطاف أمة سبايا ـ وصف عملاء استهوتهم السلطة وان كان على حساب الشعب والامة ، وان راح ضحيتها كل التاريخ والحاضر والمستقبل الى فناء .
إرسال تعليق