وجهات
نظر
سمير
صالحة
الخاسر الوحيد في الانتخابات
المحلية التركية كما تقول أحزاب المعارضة الرئيسة هو الأحزاب الصغيرة، مثل حزب
«السعادة» الذي أسسه نجم الدين أربكان، و«الوحدة الكبرى» اليميني المحافظ والشيوعي
التركي اللذين تراجعت أصواتهما مجتمعة من 3 في المائة إلى 2 في المائة. هذا هو
الدرس الأول والأهم الذي استخلصته المعارضة من نتائج الانتخابات المحلية التي
شهدتها تركيا مؤخرا.
ألن تقول لنا المعارضة شيئا ما حول التحالف الأخير بين حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي العلماني وخصمه اللدود حزب الحركة القومية المتشدد في وجه اليساريين وجماعة العلامة فتح الله غولن، التي حارباها لسنوات طويلة واتهماها بمحاولات تغيير شكل النظام الأتاتوركي العلماني؟
كمال كيليشدار أوغلو، الذي غاب طيلة أسبوع كامل عن المشهد السياسي، ظهر فجأة ليقول إن وجدان المواطن التركي لن يسمح بانتخاب رجب طيب إردوغان رئيسا للدولة، وإن حزبه لن يترك إردوغان وحده يقرر مصير البلاد. هذا هو الدرس الآخر الذي استخلصه كيليشدار أوغلو من النتائج، وهو المضي في خطة التحالف مع حزب الحركة القومية بتنسيق وإشراف جماعة غولن التي أعطته فرصة زيادة عدد أصواته في أنقرة وإسطنبول لكنها لم تحمله إلى موقع القيادة.
حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني الذي يبحث عن كرسي الحكم منذ أكثر من نصف قرن، وجد فرصته في تحالف مع أبرز خصومه السياسيين والعقائديين مجتمعين حول هدف يتيم، هو إنزال إردوغان من على عرشه السياسي حتى ولو تركت المبادئ والأفكار جانبا لبعض الوقت.
المعارضة التركية تجاهلت أن أزمتها الأولى هي الثقة المطلقة في جماعة غولن، وبنت كل المعادلات على الأشرطة والتسريبات التي كانت تزودها بها طيلة العملية الانتخابية حول مزاعم الفساد والرشاوى، مع أن الانتخابات كانت منافسة حول مقاعد البلديات وطرق إدارتها وتنظيم شؤونها.
«تفاهم» اليساري العلماني مصطفى صاري غول مرشح إسطنبول، واليميني المحافظ منصور يواش مرشح أنقرة، على الخروج بسيناريو الدم الجديد لإنقاذ المعارضة، هو الذي يتقدم اليوم أيضا على غيره من السيناريوهات، وهذا ما تشجع عليه وتدعمه الجماعة قبل بدء حملة الانتخابات الرئاسية التي تريدها فرصة جديدة لتصفية الحسابات مع إردوغان، الذي لم يوجه أي رسائل انفتاحية نحو المعارضة وتحديدا الجماعة، بل على العكس من ذلك ذكرها بأن الحرب الحقيقية لم تبدأ بسبب الافتراءات وحملات الإهانة التي شنتها ضده وضد أسرته.
أول استطلاع للرأي نشر في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات مباشرة يقول إن قواعد «العدالة والتنمية» لم تتأثر بحملات المعارضة ضد إردوغان، وإن اتهامه بتقييد مساحات الحرية والديمقراطية والفساد والرشى لم يقنع الناخب التركي بالتخلي عنه، لذلك نرى المعارضة تبحث اليوم عن البديل العاجل والملح وهو المضي في تجربة توسيع رقعة التحالف تمهيدا لمعركة انتخابات الرئاسة، وربما الانتخابات البرلمانية أيضا، قبل أن يفوتنا القطار لعشر سنوات أخرى.
تحركات «العدالة والتنمية» في الداخل والخارج وزيارة إردوغان الأخيرة إلى أذربيجان تقول إن التوتر السياسي لن يتراجع في تركيا، وإن جماعة غولن تعرف أن الخيارات أمامها باتت محدودة جدا، إذا ما كانت هي الأخرى تريد حماية مؤسساتها التعليمية ومصالحها التجارية وقوتها البشرية والمالية.
بقي أن نوجه الشكر إلى بعض الأقلام في الخارج التي تبرعت بدعوة المعارضة التركية «لأخذ الدرس الانتخابي، وتجاوز حساسيتها حتى لا تخلي الساحة لإردوغان وحزبه للاستمرار في تشريع الفساد»، والتي رأت أن «الإسلاميين في تركيا صوتوا لإردوغان لحماية أنفسهم من تنكيل اليساريين والعلمانيين»، حتى ولو اختلطت عليها الأرقام والتواريخ، فأعلنت فشل «العدالة والتنمية»، رغم أن المعارضة نفسها لم تقل مثل هذا الكلام.
ومع ذلك فالحقيقة التي خرجت من صناديق الاقتراع، هي أنه مقابل القوة التي يملكها إردوغان لصناعة القرارات واتخاذها في المستقبل هناك قوة اعتراضية جديدة، لا يمكن الاستخفاف بها وتجاهلها، كونها قادرة على عرقلة هذه القرارات وتعطيلها، وأن حزب «السلام والديمقراطية» الذي عزز من أماكن انتشاره رغم تراجع أصواته في هذه الانتخابات سيكون «بيضة القبان» التي تحسم الكثير من المسائل في المستقبل بين إردوغان وأحزاب المعارضة المتربصة.
ملاحظة:
نشر المقال هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق