وجهات نظر
مهند العزاوي
يدخل المجتمع
الاعلامي والسياسي في غيبوبة مهنية وقانونية ، وبات يفتقر للتحديث والتقييم والمعايير
المهنية وتحليل المخرجات ، ولعل حزمة الاخبار السياسية عبر الاعلام اصبحت سطحية
ساذجة منقولة قطبية التوصيف تغفل حقائق الواقع السياسي والاجتماعي ومفرداته ، وبلا
شك يرجع السبب لنمط وسيلة الاعلام والراعي المالي والهدف الاستراتيجي للوسيلة.
شرق اوسط ممزق
طرحت قضية
السلام في الشرق الاوسط وحصرا في حل القضية الفلسطينية كوسيلة سياسية لتطبيع الواقع الفلسطيني بلا حلول،
والتسطيح لأهمية القضية وتشعبها ، والتدليس عن الجرائم والانتهاكات، ولم ينتج عنها
اي مخرجات ايجابية بخصوص القضية
الفلسطينية، ويسير الاعلام ومنظوماته خلف الروايات السياسية والتصريحات بلا تحليل
واستقصاء، وقد لفت الانتباه التصريح الاخير بالأمس لوزير الخارجية الاميركي جون
كيري عندما يحذر من انهيار عملية السلام!، وقد تناقلته غالبية وسائل الاعلام دون
مراجعة واستقصاء، ويغفل وزير الخارجية شكل الخارطة السياسية والأمنية والاجتماعية
للشرق الاوسط بنسخته العربية الملتهبة
بالفوضى والموت والقتل والانتهاكات والحروب الداخلية والظواهر المليشياوية المسلحة
المختلفة ، ولم يحدث ذاكرته السياسية وفقا للمتغيرات، وإذا ما اخذنا بنظر الاعتبار
ان السلام في القضية الفلسطينية الذي اصبح
من الماضي في ظل سياسة الاستيطان المستمرة والقمع المنظم والقتل الصادم، ناهيك عن المتاجرة
الاقليمية السياسية والدعائية بها ، والاختلاف
والنزاع السياسي الداخلي الفلسطيني، اضف للسلام المفقود عشرات القضايا قد تخطت
قضية فلسطين في العالم العربي من حيث المخاطر السياسية والأمنية والاجتماعية
والقانونية ، وعلى سبيل المثال نشهد في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن
والسودان والصومال وليبيا ومصر صبغة الدم هي السائدة وتمزيق الدول وسيادة روح
التفكك الاجتماعي وغياب الحنكة والعقلانية واستهداف الانسان واستباحة حقوقه لإغراض
السياسة ، ومن الظواهر الخطيرة النازفة يلاحظ تعاظم ظاهرة (المليشيا سلطة) العابرة
للقيم السياسية والقانونية والاجتماعية ، وتمثل برمتها محاور الدم كما اسماها "رالف
بيترز" عام 2006 والتي ستقود الشرق الاوسط بنسخته العربية الى دويلات طائفية
قومية متناحرة تسودها الحروب في كل مكان وهو
ما يحصل الان بالضبط ، كما نشرته صحيفة نيويورك تايمز مقال بعنوان خارطة
جديدة للشرق الاوسط وأظهرت خارطة سياسية افتراضية تحاكي تفكيك خمس دول عربية الى
16 دويلة، ويبدوا ان معايير الامن والسلم قد اندثرت واحتضرت لدى مراكز صنع السياسة
العربية والعالمية لتحل بدلا منها ثقافة صناعة وتجارة الارهاب لندخل في عقد صناعة ارهاب وتوظيفه وتفكيك العالم
العربي .
حرب طائفية اقليمية
تبرز مخاطر
اتساع الحرب الطائفية بشكل واضح منذ عام 2003 بعد غزو العراق وإزاحته من محور
التوازن الاقليمي العربي، ودخول المليشيات الطائفية الوافدة وتناسلها داخليا
وأشاعتها عقيدة التطهير والتمييز الطائفي بوشاح مذهبي عابر للدين والوطن والدولة
والمواطن، لتفتح مسارح الحرب الطائفية من اوسع ابوابها ، خصوصا ان العراق يشكل
صمام الامان الاقليمي والعربي ، واتسعت رقعتها الى سوريا عام 2011 من خلال اشتراك
تلك المليشيات في عمليات ممنهجة للتطهير
الطائفي وقد اشار اندروجيه تيلر في 1 نيسان 2014 في مقال نشر على موقع "معهد
واشنطن" بعنوان (تورط "حزب الله"
في سوريا يشعل نيران حرب طائفية في المنطقة) ويغفل عن عمد ان الحرب قائمة بإدارة
اقليمية دولية منذ عام 2003 وحتى لحظة كتابه هذا المقال ، وقد أسهمت بشكل واضح في
تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي ونشر ثقافة القتل خارج القانون والتهجير ، وأضحت
نافذة ومشاركة في العمل السياسي الديمقراطي بالعراق ، ولم يصفها الاعلام الغربي
والناطق باللغة العربية بالتنظيمات الارهابية ولا تسلط الضوء على جرائمها وتشرعن وجودها في تضليل منظم يرتقي لسياسة شد الاطراف .
ديمقراطية على اجنحة التضليل
يدخل العراق
مسرحية الانتخابات الثالثة على اجنحة الدم والجماجم والموت والحروب الداخلية والاضطهاد والتلاعب بالقانون والفساد ونهب المال العام
وانهيار الخدمات، وسيادة نفوذ المليشيات، والإبادة
الطائفية والتهجير والنزوح والفشل الوظيفي الشامل، وبالرغم من كل ذلك يتغنى ساسته
الوافدون القابضون على كراسي السلطة بالديمقراطية والقانون والدستور، وفي طبيعة
التوصيف وفقا للمؤشرات الدولية الكمية والنوعية ومؤشرات الاداء والأثر يقبع العراق
بوجودهم في قاع قوائم التصنيف الدولي مما يؤكد ملحمة الفشل والتهديم للعراق، وقد وصفته
تقارير منظمة مسائلة الحكومة الاميركية (ان الحرب على الارهاب ارجعت العراق الى القرون الوسطى عام 2009) ورغم كل ذلك يمارسون ساسة اليوم الكذب الانتخابي
والسياسي والوقائي من المسائلة على انفسهم وعلى الرأي العام، لفرض واقع وهمي مزيف
وهيكلة عقول الرأي العام الخارجي ، وفقا لنصائح وإجراءات شركات العلاقات العامة
الاميركية المتعاقد معها من المال السياسي الفاسد، ولعل من ابرز مخرجاتها الصلبة اغلاق انظار الرأي العام وتصوير العراق بعين
واحدة من خلال صناعة دعاية هوليوودية
منظمة لاغتيال ارادة ورأي الجمهور العراقي برمته، بعد ان ضمنوا احتضار وموت
الرأي العام الداخلي بمعونة المجتمع الدولي الذي شرع الحرب والدمار بالعراق، ما
أفقد شعبه حق التنمية والتطور من خلال تغييب ووسائل التعبير والوصول والتأثير
والمطالبة بالحقوق، وهنا قتل العراق مرتين الاولى بغزوه واحتلاله وتهديم
دولته وتفكيكها عام 2003 دون مبرر،
والثانية بجعله الساحة الرئيسية لصناعة وتجارة الارهاب وتركه بلا ضوابط حاكمة
ومسائلة شفافة تعتمد الاطر القانونية والمراقبة الفعالة ، وأصبح بذلك يتصدر الفشل
والهمجية والفساد والانتهاكات في العالم، وبالرغم من كل البصمات الرقمية الكارثية المجسدة بملايين
المهجرين والمعتقلين والضحايا والمعوقين والأيتام والأرامل والعاطلين عن العمل ،
تصفه دوائر النظام الدولي ورئيس البيت الابيض بالعراق الديمقراطي بعد 11 عاماً على
غزوه وتدميره.
يبقى التحسب
والاستقصاء والبحث والتحليل مسارات القيادة والادارة الراشدة، والتي من خلالها
يجري التحسب للمخاطر والتهديدات والعلاج والوقاية منها، لتحقيق التنمية الاجتماعية
وتنمية راس المال الاجتماعي والمادي والبشري والذي يعود بتنمية راس المال الحكومي
العامل على صناعة الانجاز الوطني لتحقيق
التنمية المستدامة وحفظ حقوق الاجيال، وخلافاً لذلك، وفي ظل الحرب الطائفية والفوضى
والكذب والتضليل والهروب الى الامام وتلميع الكارثة بمصطلحات وهمية مزيفة، فإن
القادم ينذر بالمخاطر الزاحفة والأزمات المركبة والفوضى الشاملة التي اضحت تهدد
الكل بلا استثناء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق