موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

حرب المياه الداخلية

وجهات نظر
نزار السامرائي
أذكر في صيف عام 1974 أنني كنت عائدا من جولة سياحية صيفية في شمال العراق، أنا وأفراد أسرتي، وفي طريق عودتي إلى بغداد وكما كنت أفعل على الدوام، اخترت طريق السليمانية- دربنديخان- كلار، ومع وصولي قرب نفق سد دربنديخان، وجدت الطريق مقطوعاً وتنتشر على جانبيه وحدات عسكرية من المشاة الآلي والقوات الخاصة، وعرفنا أن قوات من الحركة الكردية كانت قد احتلت ربايا على قمتي زمناكو وبمو، وهما جبلان يشرفان على بحيرة السد من الجانبين، وخلال دقائق أغارت طائرات القوة الجوية العراقية على الربايا، تمهيدا لاستردادها من قوات البيشمركة الكردية، وهذا ما تحقق بعد وقت قصير حيث اندفعت القوات الخاصة وحررت الربيتين، وتم تأمين الطريق المؤدي إلى كلار وجلولاء وبعقوبة ثم بغداد.

ما أريد قوله إن الجيش العراقي وطيلة زمن الحركات التي شهدها شمال الوطن منذ منتصف ثلاثينات القرن الماضيوحتى 2003 أي في كافة العهود التي تناوبت الحكم عليه، لم يتعرض للسدود في أي ظرف من ظروف المعارك، كما أن الحركة الكردية حرصت على عدم إلحاق الضرر بتلك السدود وخاصة دوكان ودربنديخان الواقعين في مناطق ساخنة، لأن كل طرف يرى في السدود ثروة وطنية لا يتكرر بناؤها في كل زمان ومكان.
ولم أجد تفسيرا لبقاء المشاريع الكبرى وخاصة السدود (على قيد الحياة) على الرغم من ضراوة المعارك في محيطها أو على مقربة منها، إلا بعد وقوع الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتسليم العراق لمحتل أكثر سوءً وخبثا منه هو الاحتلال الإيراني، واللذين وجدا في مثل هذه الركائز سببا في منعة العراق وقوته ورفاهية شعبه ومنع الكوارث الطبيعية عنه، وأن واجبهما يتلخص بالتخلص من أي تراكم نوعي في البناء أو ركائز أساسية للثروة في العراق وذلك بإهمال صيانتها وعدم الحرص على تجنيبها للمخاطر القادمة من فعل البشر وأحيانا الحض على تعريضها للخطر.
إن ما كان يحصل من حرص على سدود العراق لم يكن إلا نتيجة للالتزام الأخلاقي والمبدئي العالي الذي كان يجسده الجيش العراقي ويجسده المواطن العراقي الكردي أيضا، على الرغم من قسوة ظروف المواجهة التي كانت مستعرة في معظم مناطق الاشتباك، ونتيجة لإحساس عال من قيادات البلد السياسية والعسكرية بأن مثل هذه المنشآت هي جزء حيوي من ثروة البلد التي يمتلكها كل مواطن عراقي يشعر بالانتماء للوطن بصرف النظر عن انتمائه السياسي أو ما يطرحه من مبررات لرفعه السلاح بوجه الدولة، ولهذا فلم يسبق لمسؤول عراقي واحد حتى في أكثر الظروف حراجة وصعوبة على المستويين الشخصي والحكومي أن أطلق تهديدا ولو مبطنا أو ضمنيا لضرب سد من السدود العراقية، كما فعل أخيرا رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي بقصف سدود الفلوجة بدعوى أن (المسلحين) أغلقوها ومنعوا المياه عن محافظات الفرات الأوسط، وقبل أن ينفذ جريمته، قال بأن (الإرهابيين) يمتلكون مضادات أرضية قادرة على منع الطائرات من تأدية هذا الواجب؟
ومن يعرف خارطة السدود المقامة على نهر الفرات في محافظة الأنبار لن يجد صعوبة في أن يعرف أن ثالث سدود العراق من حيث الطاقة الخزنية هو سد القادسية (سد حديثة) والذي بإمكانه استيعاب أكثر من 11 مليار متر مكعب في بحيرة مقدم السد، ويأتي تسلسله بعد أكبر سدود العراق وهو سد الثرثار الذي يستوعب أكثر من 14 مليار متر مكعب كخزن ساكن في منخفض الثرثار، ثم يأتي من بعده سد الموصل الذي يستوعب أكثر من 12 مليار متر مكعب في بحيرة مقدم السد، كما يوجد في الرمادي السد الذي يرفع منسوب الفرات في مواسم الفيضان ليحوله عبر ناظم الورار إلى بحيرة الحبانية ذات السعة الاستيعابية التي تزيد على 3 مليار و400 مليون متر مكعب، أما السدود الأخرى الواقعة أسفل الرمادي وحتى الفلوجة فليس لها هدف لخزن المياه بسبب التضاريس الأرضية وإنما لرفع منسوب الفرات لتغذية الجداول الإروائية التي تسقي ما بين النهرين من الفلوجة وصولا إلى محافظة بابل.
كان فصل الشتاء الماضي غزير الأمطار كما شهدت تركيا تساقط ثلوج كثيفة مما يجعل من شحة المياه في نهر الفرات في هذا الفصل من السنة أمرا مستحيلا على الرغم من وجود سدود تركية كبرى على نهر الفرات مثل سد أتاتورك وكيبان وقرة قابا، وكذلك وجود سد الطبقة السوري، هذا من جهة التغذية الطبيعية لحوض الفرات، من جهة أخرى يعلم العراقيون جميعا وخاصة أبناء الأنبار علم اليقين بأن سدي حديثة والرمادي هما تحت سيطرة القوات العسكرية المؤتمرة بأمر المالكي وبالتالي فإن التحكم بكميات المياه المطلقة من أسفل السدين تخضع لسلطة حكومة بغداد، فإن تم قطع المياه عن المدن الواقعة على الفرات ابتداء من الرمادي ونزولا إلى الفلوجة فقد كان قرارا اتخذته حكومة المالكي بل المالكي بنفسه لقطع شريان الحياة عن المدن التي عجزت قوات المالكي عن اقتحامها مع أنها كانت قد حددت أكثر من مرة مواعيد لذلك سرعان ما تأكد أنها مجرد سراب خادع، أي أن قرار قطع المياه عن نهر الفرات كان قرارا سياسيا أمنيا انتخابيا اتخذه نور المالكي من دون مشاورة أحد ظنا منه أنه سيطرح نفسه مدافعا عن شيعة محافظات الفرات الأوسط ويخلق فتنة طائفية جديدة يقول فيها إن سنة الأنبار هم الذين قطعوا ماء الفرات عن شيعة الفرات الأوسط، ولكن عندما تم إغلاق بعض بوابات السدود الفرعية في محافظة الأنبار من أجل معالجة الشحة المميتة في مجرى الفرات عند الفلوجة، راحت أبواق المالكي وما أكثرها تتحدث عن حرب المياه الداخلية لأسباب طائفية.
ويبدو أن المالكي ركب هذا الحصان الأعرج وراح يسابق به فأمر بضرب سدود الفلوجة معتبرا هذه الجريمة عملا وطنيا مشروعا لأنه حماية لحقوق الشيعة في مياه الفرات، وبعد ذلك أمر بفتح بوابات سد حديثة وإلا كان سيعاني من اختناق مؤكد جراء وصول طاقته الخزنية إلى حدودها القصوى، فكان أن تم إغراق مساحات شاسعة من أراضي المدن الواقعة على حوض الفرات في أسفل مجرى النهر من الفلوجة نزولا ومدن أخرى باتت على وشك الغرق، كما تم إغراق ملايين الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة القريبة من بغداد والتي كانت سلة غذائية غزيرة العطاء لمدينة بغداد ودمرت محاصيلها الناضجة والواعدة أو التي كانت في طور الإنبات، وبذلك ألحق المالكي أكبر الأضرار بالمنتوج الزراعي الذي كان قبل الاحتلال يحتل حيزا مهما في مجمل الناتج القومي، وهذا أمر حيوي لمن يريد العراق سوقا لتصريف المنتوج الإيراني ومنتوجات مجهولة المنشأ.
ما فات المالكي الذي لا يستطيع أن يحسب نتائج أوامره إلا على أضيق نطاق لأنه مصاب بعمى الأوان السياسي والأمني وأحادية النظرة الطائفية والمناطقة، أن إغراق بعض المناطق التي كانت مستعصية على قواته في عملياتها الأخيرة، سيزيدها منعة لأن الأرض الموحلة لن تسمح بتحرك الدروع والآليات العسكرية ولا المشاة، مما أعطاها حصانة ذاتية إضافية، وبذلك تنقلب الخطوات الغبية إلى وبال على فاعليها ومن أمر بها، ويبدو أنه لم يسأل الإيرانيين عن واحدة من وسائل الإعاقة التي تم اعتمادها في الحرب التي كسر العراقيون فيها أنف إيران والعمود الفقري لقوتها العسكرية وجرّعوا الخميني فيها كأس السم.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..