موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الاثنين، 7 أبريل 2014

حلبجة هولوكوست الأكراد 2

ملاحظة: الحلقة الأولى هنا.
وجهات نظر
علي الكاش

التهويل الإعلامي لموضوع حلبجة
كانت حلبجة محوراً مهماً للأعلام الغربي بعد أزمة احتلال الكويت فقد تم توظيف موضوع حلبجة لخدمة موضوع الكويت لأغراض سياسية واضحة، لا تحتاج إلى الكثير من الفطنة والذكاء، ففي الوقت الذي صمت الأعلام الغربي عن الأحداث لمدة أقل من ثلاثة سنوات، ثارت الضجة بعد أزمة الكويت، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل إضافة إلى إيران يشكلون رأسمال هذه الحملة الإعلامية.

فإيران لا تزال تحلم بإلصاق التهمة بالعراق وإبعاد شبح الكيماوي عنها ولا سيما أن لها مشروعها العلمي الذي يصب في تطوير أسلحة الدمار الشامل، إضافة إلى أن ألباس النظام العراقي الجلباب الكيماوي سيحررها من الاتهامات المزدوجة التي كيلت للحكومتين، كما أن الوقت مناسب للثأر من الحكومة العراقية التي أذاقتها طعم السمّ الزعاف خلال سنوات الحرب ألثمان، وأزفت ساعة التخلص من هذا النظام المعادي لها أو على الأقل إضعافه بحيث لا تقوم له قائمة بعد الحرب القادمة مما يؤمن لها الهيمنة في المنطقة فليس لها منافس سوى العراق، وكانت الدبلوماسية المعممة موفقة في خطتها التآمرية على العراق، ففي مجال الأعلام نجد من الضروري الاطلاع على بعض ما أوردته هذه الماكنة حول حلبجة لمعرفة أين تصب ومن تخدم؟، فقد ورد عن مراسل صحيفة الأوبزيرفر البريطانية "أن جلاوزة النظام العراقي أسروا احد الثوار، ولإشاعة الرعب في نفوس السكان قاموا بربطه إلى سيخ وشيه حياً على النار" ومن تسمية الجيش العراقي( جلاوزة النظام) والمتمردين( الثوار) تظهر ملامح تزييف الحقائق, من الطبيعي إن الكلام لا يرقى مطلقاً إلى الصحة فالجيش العراقي لم يعرف طوال تأريخه المجيد مثل هذه الأفعال المشينة وحاشا له إن يتبع مثل هذه الأساليب الهمجية مع أبناء شعبه! وأشارت تقارير السفارة الأمريكية في بغداد في برقية لحكومتها في 19/4/1988 بأن مدن النصر ضمت (1،5) مليون كردي، رغم أن هذا العدد مبالغ به كما سيتضح لاحقاً، كما أنتج روزبياني فليماً عن حلبجة سماه "جيان" عرض في مهرجان لندن السينمائي ولم يحظى الفيلم بشهرة كبيرة لضعفه من كافة النواحي الفنية من إخراج وقصة ومونتاج، و ضعف أداء الممثلين والتسرع في أنتاجه، فقد أنتج خلال ( 28) يوماً فقط في هوليود، وبالرغم من أنه عرض في (20) مهرجاناً دولياً بدعم أمريكي بريطاني إسرائيلي مشترك لتشويه صورة النظام العراقي السابق، كما قد وظف غورين روبرتس منتج الأفلام الوثائقية العديدة عن حلبجة كل إمكانياته لدعم عملية تحميل الحكومة العراقية مسؤولية إحداث حلبجة. وقامت (13) منظمة كردية بعقد مؤتمر في لندن، وابتدأ المؤتمر بإلقاء كلمات وخطب مع عرض موسيقي للفنانة هزار الزهاوي بهذه المناسبة وقصائد للشاعرة بهية الجاف، وشددت هيلين بامبر صاحبة مؤسسة (ميدكل فاونديشن) على الاهتمام بضحايا حلبجة، أما البروفيسور دولار علاء والباحث الكردي شورش حاجي فقد تحدثا عن حلبجة عارضين صور وسلايدات كان عرضها يكرر في كل مناسبة، ومن الفعاليات ذات العلاقة المهرجان الذي أقيم في كلية الدراسات الشرقية والآسيوية في جامعة لندن بمناسبة الذكرى (17) لواقعة حلبجة والذي شارك فيه بيرفتن دوسكي والبروفيسور كيفين بويل عضو مركز حقوق الإنسان والباحث الكردي شورش حاجي والبروفيسور دلاور علاء وصلاح الشيخلي وهيرو خوشناو من الاتحاد العلمي والطبي الكردي وعدد من الفنانين.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن الأعلام البريطاني خرج مؤخراً ليحدثنا عن ارتفاع نسب الموت في المدينة الناجم عن ارتفاع نسبة سمية لدغات الحشرات والزواحف بسبب تغذيها على رواسب الغازات القاتلة والكامنة في الأرض المنكوبة على حد زعمهم. ونشرت صحيفة ( جيروزاليم بوست) الإسرائيلية تناغماً مع الحملة الدعائية خبر اكتشاف مصنع للأسلحة الكيماوية جنوب العراق، وأن تحقيقات تجري بشأنه ولم تكشف الصحيفة عن نوع الأسلحة الكيماوية المنتجة ولم تحدد مكان المصنع بشكل محدد, وفي لاهاي بدأت محاكمة (فرانس فان ارات) تاجر المواد الكيماوية المتهم بالتواطؤ مع الحكومة العراقي في عمليات إبادة لأنه سلمها مواد كيماوية استخدمت في حلبجة.
وكان آخر فصل في المسرحية الإعلامية اختيار القاضي رؤوف عبد الرحمن وهو من مواطني حلبجة ليكون القاضي الذي يحاكم الرئيس صدام حسين، وقد أثارت هيئة الدفاع الشكوك حول نزاهة المحاكمة، ولكن الدعاية الكردية لم تكن مكرسة لإثارة تعصب القاضي ضد الرئيس صدام فحسب وإنما لتسليط الضوء المستمر على أحداث حلبجة، ونجح الأمر حيث تتناقل وسائل الأعلام خبر كون القاضي من مدينة حلبجة " التي أمطرها الرئيس صدام بالقنابل الكيماوية وقتل فيها خمسة آلاف كردي و من أساليب الدعاية الأخرى جعل مجلس النواب الأخير يعقد أول جلساته بنفس اليوم الذي تعرضت فيه حلبجة للضربة الكيماوية، ووقف النواب الجدد دقيقة صمت على أرواح ضحايا حلبجة، كما فرض الأكراد في ديباجة الدستور العراقي العبارة التالية".. ومستوحين ظُلامةَ استباحة المدن المقدسة والجنوب في الانتفاضة الشعبانية ومكتوين بلظى خرافة المقابر الجماعية الاهوار والدجيل وغيرها، ومستنطقين عذابات القمع القومي في مجازر حلبجة مجازر وبرزانَ والأنفال والأكراد الفيليين، ومستلهمين مآسي التركمان في بشير، وكما في بقية مناطق العراق فقد عانى أهالي المنطقة الغربية من تصفية قيادتها ورموزها وشيوخها وتشريد كفاءاتها وتجفيف منابعها الفكرية والثقافية، فسعينا يداً بيد، وكتفاً بكتف، لنصنع عراقنا الجديد، عراق المستقبل، من دون نعرة طائفية، ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطق ولا تمييز، ولا إقصاء."
وبالطبع روج الأعلام الأمريكي لرواية قيام الجيش العراقي بقصف حلبجة متخذا منها ذريعة لإضفاء الشرعية والجانب الأخلاقي في الحرب التي شنها عام 1991 وفي تقرير نشر في صحيفة نيويور تايمز عام 2003 ذكر ستيفن بليتيري نقلاً عن تحقيقات أجرتها وكالة المخابرات المركزية بأن مسألة حلبجة لم تكن جريمة حرب وإنما عمل حربي، ولكونه محلل مخابراتي وترأس لجنة حول هذا الموضوع بأن إيران أيضاً تقف وراء ضرب حلبجة بالأسلحة الكيماوية كما سنفصله لاحقا. لقد كان للأعلام الخارجي دوراً بارزاً في ترويج محرقة حلبجة، كما قام الأعلام العراقي بعد الغزو الأمريكي بالسير في نفس الطريق.

الابتزاز الكردي لموضوع حلبجة
كان الابتزاز الكردي غير المعقول لقضية حلبجة مثاراً لامتعاض الكثير من الأكراد وخاصة سكان حلبجة نفسها، فقد أعلنت الحكومة الكردية لإدارة السليمانية التي يحكمها حزب جلال الطالباني الاتحاد الوطني الكردستاني عن توقيف عدد من المشتبه بهم في الضلوع بإحراق النصب التذكاري لضحايا حلبجة، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن شهود عيان أن المتظاهرين طالبوا بإعادة الأوضاع الطبيعية إلى حلبجة، كما أشار بعضهم إلى أن إحراق النصب يرجع إلى عدة عوامل منها:-
الابتزاز غير الطبيعي لحادثة مدينتهم من قبل الحزبيين الكرديين الرئيسيين، رغم أن المدينة لم تشهد عمران منذ أن ضربت بالأسلحة الكيماوية باستثناء النصب التذكاري.
إن سكان حلبجة لم يحظوا بشيء من مئات الملايين من الدولارات التي أغدقها الأمريكان والأوربيون على الأكراد كمساعدات لضحايا حلبجة, فهم لم يحصلوا سوى على فقاعات هواء سرعان ما تبخرت ونزلت على شكل أمطار في جيوب الحزبيين الكرديين، ويتساءل عدد من الأكراد بمرارة :" لماذا يجعلون من المدينة تجارة يستفيد منه الساسة فقط ويحرمون أهلها من الفائدة " ؟
تعاني حلبجة كما يشير الكثير من العلماء والمختصين من تلوث في الماء والهواء والتربة، وان الحكومة الكردية لم تسعى لطلب مساعدات دولية لتنقية البيئة، وإنما أنصبت جهودها للحصول على دعم مالي فقط.
تحتاج المدينة إلى الكثير من الاهتمامات الطبية بسبب وجود العديد من المعوقين بسبب تعرضها لضربة كيماوية، إضافة إلى مشاكل عديدة في الولادات الجديدة، ولم يحظى هذا الوضع باهتمام القيادات الكردية.
في الذكرى السنوية الثامنة عشر على ضرب حلبجة قام (7000) من المتظاهرين الأكراد في حلبجة بحرق "نصب الشهيد" والمتحف الملحق به بعد أن نهبوه ومنعوا المسئولين من التقرب من النصب بعد أغلقوا المنافذ المؤدية إليه بالصخور والإطارات المحروقة، أثر قيام قوات البيشمركة بقتل شخص وجرح (11) آخرين بالعيارات النارية، وأكد العديد من المتظاهرين بأن حرق النصب جاء كردّ فعل للمتظاهرين بسبب أطلاق البيشمركة النار عليهم لغرض تفريقهم، مما أثار استفزازهم واستيائهم وخرج عدنان المفتي رئيس المجلس الوطني الكردستاني بفتوى غريبة بأن قانون العقوبات العراقي يعاقب بالإعدام المسئولين عن حرق النصب؟ وبرر عدم الاهتمام بالمدينة بلغز محير عندما ذكر بأن حلبجة لم تكن قبل عام 2003 تحت سلطة إدارة كردستان لذا لم تتمكن الإدارة الكردية من متابعة أوضاعها ؟ ولم يفتنا المفتي لأي سلطان كانت خاضعة حلبجة؟
 من المعروف انه في مدينة حلبجة وقرب النصب التذكاري توجد لافتة كتب عليها "يمنع دخول البعثيين"ً وقد قام المتظاهرون بوضع لافتة مقابلة لها كتب عليها "بمناسبة ذكرى حلبجة نمنع المسئولين من دخولها"، فتساوى المسئولين الأكراد مع البعثيين بمنعهم من دخول المدينة، كما كتبوا يافطات أخرى جاء فيها "المسئولون الحكوميون متورطون في الفساد الإداري".
أدعى عدد من المسئولين ألأكراد وجود أيادي خارجية خفية وراء ما حصل في أشارة واضحة إلى تركيا وإيران، وصرح البعض بأن حلبجة تمثل مركز ثقل للحركات الأصولية المتطرفة التي تلقى دعماً من إيران، ويعتقد البعض الآخر أن تدمير النصب جاء كردّ فعل أيراني ضد الطالباني الذي عارض ترشيح الجعفري الموالي لإيران في تجديد رئاسته للحكومة.
طالب المسؤولون الأكراد الحكومة العراقية المؤقتة التي يمثلونها بنسبة كبيرة الاعتذار العلني للأكراد وتعويض سكان حلبجة عما لحق بهم من دمار، ونقل عن رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني أن الحكومة العراقية مطالبة بتقديم ألاعتذار وتعويض الأكراد ماديا بسبب العمليات العسكرية التي شنها الجيش العراقي السابق ضدهم في الثمانينيات والتسعينيات، ويبدو أن المسئول الكردي تناسى أن يقدم الأكراد الاعتذار للعراقيين جميعاً عن المواقف التآمرية التي اتخذها الحزبين الكرديين الرئيسيين منذ الستينيات ولحد الوقت الحاضر ضد الشعب العراقي، وتكبيد الجيش العراقي عشرات الآلاف من الضحايا والمعوقين بسبب الألغام التي كانت تستهدف الجنود، وتعويض العراقيين عن الخسائر المادية التي تكبدوها منذ أربعين عام ونيف بسبب حروب الجيب العميل، وتأخيرهم لتنمية العراق وتطوره ونهضته واستقراره وأمنه, ويعتذروا عن  التآمر مع الإيرانيين والإسرائيليين والأمريكان ضد أبناء جلدتهم والتفنن في المؤامرات ضد الحكومات المركزية المتعاقبة، إضافة إلى نهب المؤسسات الحكومية أبان عاصفة الصحراء والاستفراد بممتلكات العراق منذ قدوم قوات الاحتلال، حيث تم تفكيك العديد من المصانع الحكومية ونقلت الأسلحة الثقيلة وممتلكات الدولة العراقية إلى إقليم  كردستان سواء تلك التي كانت في الوسط أو الموصل وكركوك، وبدهشة بليدة يستغرب بارزاني من عدم تجاوب الحكومة العراقية مع مطلبهم بتخصيص 25% من ميزانية البلاد إلى إقليم كردستان؟

الدور الإيراني في حلبجة
هناك توقيت غريب يردّ في روايات الأكراد الشهود على أحداث حلبجة، وهي أن إيران حققت سبقاً صحفياً بسرعة إرسال عدد من الصحفيين مزودين بأحدث آلات التصوير لتوثيق هذه الجريمة، في الوقت الذي لم تشر أي من وكالات العالم إلى الضربة الكيماوية بعد وحتى الأقمار التجسسية لم تلتقطها آنذاك؟ ففي مقال للكاتب الكندي (دون سيلار) نشر في 1/3/2003أشار إلى ضعف التقارير عن أحداث حلبجة وأن مصدرها كان وكالة رويترز للأنباء من مقرها في قبرص التي ذكرت أن الأكراد يقاتلون الجيش العراقي إلى جنب القوات الإيرانية وتمكنوا من احتلال حلبجة, ويتهم الإيرانيون الجيش العراقي باستخدام أسلحة كيماوية ضد الأكراد ويستطرد" بثت الوكالة خبرا عن مقتل(5000) كردي بالأسلحة الكيماوية عبر قنابل ألقتها طائرات عراقية مقاتلة, وعرض الإيرانيون صورا للضحايا, كما علق طبيب إيراني بأنه تم استخدام غاز الخردل" ثم تناولت رويترز خبر إرسال الأمم المتحدة خبيرين إلى المنطقة ولم يتمكنا من تحديد الجهة التي استخدمت السلاح الكيماوي أو كيف استخدم! وبالرغم من إرسالها مرة أخرى فريق للمنطقة برئاسة الكولونيل( مانوئيل ديمننغويز) فأنها لم تتمكن من تحديد أي من الجهتين المسئولة! رغم أنها وثقت بان الجانبين أستعمل الغازات السامة ضد قوات الآخر.
ومن المعروف أن إيران كانت تقوم أيضاً بتطوير الأسلحة الكيماوية شأنها شأن العراق، وقد أشار إلى هذه الحقيقية وكيل وزارة الخارجية العراقي رياض القيسي في جلسة غير رسمية لمجلس الأمن، مما جعل السفير الإيراني (محمد حسن فادايفارد) يمتعض ويذكر أن الأدلة التي كشفت عنها الأمم المتحدة في التسعينيات تشير إلى حجم البرنامج العراقي للأسلحة غير التقليدية، ولكنه لم يتمكن من اتهام العراق باستخدامها في حلبجة، ومن المؤسف أن يشكو وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري لنظيره الإيراني منوشهر متقي من معاناة الشعب العراقي المستمرة من قبل النظام السابق بسبب تطويره أسلحة الدمار الشامل، والتي أستخدمها ضد القوات الإيرانية في الحرب وضد الشعب العراقي في حلبجة الاهوار!! فقد أثبت هوشيار بحماقة ما لم تثبته الفرق العلمية المتخصصة، ولم يكتف بذلك وإنما أضاف منطقة الاهوار إلى جانب حلبجة؟ ولضلوع إيران في الموضوع ذكر الصحفي البريطاني ريتشارد بيستون وهو يعمل في صحيفة التايمز البريطانية خلال تغطيته لأحداث حلبجة واقعة فريدة حول استغلال إيران للحدث" عندما استخدم الرئيس العراقي السابق صدام حسين أسلحة كيماوية ضد سكان حلبجة الكردية، كان ذلك أهم خبر استطعت تغطيته، فلم يكن الغرب يعرف خفايا نظام صدام بعد، وكنت ضمن مجموعة من 3 صحافيين بريطانيين في زيارة إلى طهران لتغطية الحرب العراقية ـ الإيرانية، فقد دعت القوة الجوية الإيرانية الصحفيين إلى زيارة جبهة الحرب، ونقلتنا طائرة عسكرية إيرانية داخل الأراضي العراقية لقرية من دون سابق إنذار. لم اعلم إننا كنا سندخل الأراضي العراقية ولا رؤية الدمار هناك" ؟ كما أعترف مؤخراً ضابط الموساد الإسرائيلي اليعازر تسافير في حديثه إلى (فريميه نوفوستيه) الذي نشر مؤخراً بأن "الموساد كان ينسق نشاطه في شمال العراق مع الأجهزة الإيرانية ومع الاستخبارات المركزية الأميركية, و قدمت الاستخبارات المركزية الأميركية منذ عقود سابقة دعما كبيرا لكردستان."
في حديثه عن الأسلحة الكيماوية يطالعنا العالم العراقي حسين الشهرستاني – وهو إيراني الجنسية - و كان له دورا في تصنيع هذه الأسلحة بفرية غريبة تدخل في باب عهد الولاء إلى إيران بلده الأم، حيث يؤكد بأن"النظام العراقي أستخدم الأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين المدنيين والعسكريين في الحرب العراقية الإيرانية! وهذا الأمر يدخل في باب الغرابة لأن إيران نفسها لم تعلن عن إصابات بين المدنيين" ويستمر الشهرستاني في أكذوبته فيدعي أن النظام العراقي أستخدمها عام 1984 وليس كما أدعت إيران عام 1988ويردد الشهرستاني مقوله أسياده الملالي بأن العراق استخدم الخردل والسارين والتابون، ويأتي بخبر جديد يعبر عن ولائه الكبير لإيران مدعياً أن الإيرانيين قدموا المساعدات من خلال قواتهم في حلبجة لإنقاذ عدد كبير من الأكراد الذين تم أخلائهم إلى إيران، ولم يكتف بذلك وإنما أضاف فرية تتناقض مع فروضه العلمية بأن النظام العراقي أستخدم أسلحة كيماوية في ضرب مدينة كربلاء في أحداث عام 1991 وهذه قنبلة لم يفجرها أحدا قبله ولم تتناولها وسائل الأعلام كافة. في حين ينفي العالم ضياء جعفر هذه الافتراءات, فعندما سئل فيما إّذا جرى تحفيز العلماء لصنع أسلحة فتاكة ضد إيران أجاب" لا، أبدا! لم تكن إيران مستهدفة بهذا النوع من السلاح. لقد ابلغنا الرئيس صدام حسين إن هذا السلاح له هدفان: أولا، مواجهة التحدي الإسرائيلي في المنطقة لأنه كان معلوماً أن الإسرائيليين يمتلكون السلاح النووي، فهو إذا لموازنة التفوق العسكري الإسرائيلي في الجانب النووي. وثانياً صار واضحاً انه لا يمكن المضي في العراق في أي برنامج نووي سلمي.." وفي سؤال آخر عن معرفة العلماء باستخدام الجيش العراقي الأسلحة الكيماوية في حلبجة أجاب" نحن لم نكن على اطلاع, غير إني استشهد بمقال نشر في 31 كانون الثاني 2003 في صحيفة النيويورك تايمس " ويقول فيه ستيفن بليتيري، المسؤول عن مكتب العراق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) أن حلبجة لم تكن مستهدفة بالأسلحة الكيماوية العراقية، بل كانت هناك معارك حول حلبجة استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية من الطرفين العراقي والإيراني. ويقول أيضا انه جرى تحليل أسباب وفاة بعض الأشخاص الذين قتلوا بالأسلحة الكيميائية، وتبين أن الوفيات سببها استخدام ما سمي عوامل الدم التي تعتمد على عنصر السيانيد الذي لم يكن موجودا لدى العراق. كان لدى العراق عوامل أعصاب وغاز الأعصاب وغاز (vx) بكميات قليلة. إذا كان هذا صحيحا، فإنه يعني أن حلجبة لم تكن مستهدفة أصلا من الطرفين العراقي والإيراني، إنما في هذه الحروب يتأثر المدنيون، لان هذه الأسلحة تعتمد على اتجاه الريح وعلى كثير من العوامل" وهذا يعني أن العلماء ليس لهم علم بهذا الموضوع كما أدعى الشهرستاني ولم يطلب منهم تطوير أسلحة كيماوية وحتى ان طلب فالغرض مواجهة إسرائيل وليس إيران!
ولنطلع إلى ما نشرته صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر بتأريخ31/1/2003تقريراً مهماً وضعه المحلل الإستراتيجي ستيفن بليتيري عن موضوع قصف حلبجة، وأشار بأنه أطلع على تقارير من وكالة المخابرات المركزية تشير إلى أن الإيرانيين هم الذين قتلوا أهالي حلبجة، ويجزم بأن كافة التحقيقات والتقارير السرية تشير إلى أن كلا الجانبين العراقي والإيراني أطلقا غازات سامة ضمن سياق المعركة في مدينة حلبجة، مؤكداً بأن الأعراض التي ظهرت على سكان المذبحة البشرية المروعة ناتجة عن الإصابة بغاز هيدروجين السيانيد الذي عرفت به ترسانة الأسلحة الإيرانية في ذلك الوقت، وليست ناجمة عن الإصابة بغاز الخردل كما أشيع الذي كان العراق ينتجه كسلاح كيماوي؟
في آذار هذا العام صرح خليل الدليمي، محامي الرئيس صدام حسين بأنه يمتلك وثائق تدل  " وتؤكد بشكل قاطع على أن الذي ضرب حلبجة هو الجيش الإيراني وبغاز السيانيد الذي لا تملكه أي دولة بالشرق الأوسط" سوى إيران. وأضاف بأن "المخابرات الأمريكية أرسلت فريقا بقيادة أحد الجنرالات- ولا أريد أن أذكر اسمه- وهذا الجنرال كان مسئولا على منطقة الشرق الأوسط وإيران وقام بأخذ عينات من التربة والمزروعات والمصابين وقام بتحليلها وتبين له أن غاز السيانيد هو الذي أستخدم في ضرب حلبجة، وأن العراق لا يمتلك هذه المادة! كما جاء في تقارير المفتشين، ويضيف الدليمي بأن "هذه الوثائق هي ملك هيئة الدفاع وهي وثائق قانونية" وستعرض في المحكمة، ويؤكد الدليمي بأن الحكومة الإيرانية" التقت بالمحامي حاتم شاهين وبعض محامي الرئيس صدام في باريس وعرضت عليهم (100) مليون دولار مقابل عدم الإشارة إلى هذا الموضوع وإلقاء المسؤولية على منظمة مجاهدي خلق ".
ولابد أن نستذكر الدور الإسرائيلي المعاضد لإيران والأكراد, فقد جاء في تقرير لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية بان الكيان الصهيوني قد زود النظام الإيراني بكافة احتياجاته لتطوير سلاحه الكيماوي, ومن النوع الذي أستخدم في حلبجة لقتل الأكراد(السيانيد).

لعبة الأرقام في الهولوكوست الكردي واليهودي
كما تلاعب الكيان الصهيوني بأرقام ضحاياه في المحرقة اتبع الأكراد نفس الأسلوب مستفيدين من التجربة اليهودية وربما بنصيحة منهم. فالتهويل والمبالغة بلغت إلى حد يثير السخرية والاشمئزاز سواء كانت تلك الإحصائيات صادرة من الدوائر الأمريكية أو الإيرانية أو الجهات الأخرى المعادية للعراق بما فيها الحزبين الكرديين الرئيسيين. ويمكن أن نوجز البعض منها لنستشف حجم التلاعب. كان أول من أعلن نتائج الضربة هي الحكومة الإيرانية حيث أدعت أن عدد القتلى(4000) شخص, من ثم بعد أيام ذكرت راديو صوت طهران إن عدد القتلى(5000) والجرحى(4000) شخص, في حين ذكر مندوب إيران في الأمم المتحدة محمد محلتي بان الطائرات الحربية العراقية ألقت قنابل غاز الخردل والسيانيد على المدن الكردية فقتلت(5000) وأصيب بقدرهم أيضا! بمعنى أضاف(1000) ضحية إلى المصابين. أما وزير الخارجية الإيراني ولايتي فأنه أدعى بأن القتلى(5000) كردي إضافة إلى(7000) جريح وأن 75% هم من النساء والأطفال.
منظمة( مراقب حقوق الإنسان) وهي أداة فاعلية بيد وكالة المخابرات المركزية, وتدعي أنها درست وحللت ما يقارب(18) طن من الوثائق والتقت بمئات الشهود طوال ثلاث سنوات من الجهد المستمر ونتج عنها أن العراق هو من ضرب حلبجة وأن عدد القتلى يتراوح ما بين(50000-100000) قتيل ولإثارة العطف الدولي كما أتبع في المحرقة اليهودية أضافت معظمهم من النساء والأطفال! ولكن أين الرجال والشباب ولماذا لم يكونوا بين القتلى؟ هل هربوا إلى إيران أم كانوا يقاتلون معها ضد الجيش العراقي؟ أما أستاذة علم الوراثة في جامعة ليفربول البريطانية( كريستين جوسدن) فأنها وفقا لأمانتها العلمية كما يفترض كأستاذة جامعية رفعت سقف الضحايا إلى(200000) ولم تنسى أن تحمل الحكومة العراقية المسئولية فحسب وإنما أضافت تهمة ثانية بأنها أي الحكومة العراقية استخدمت أيضا أسلحة بيولوجية وإشعاعية إضافة إلى الأسلحة الكيماوية! أما المصادر الإيرانية وهي التي أعلنت خبر الضربة الكيماوية فقد قدرت القتلى بحوالي(5000) شخص, أما رئيس الوزراء البريطاني فقد ادعى أن عددهم (100) ألف كردي، في حين تشير إحصائيات منظمة العفو الدولية إلى ما يقارب (5) آلاف كردي وإصابة (9) آلاف آخرين، ويطالعنا مسعود البرزاني متحفظاً على البيان الختامي للاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق العربي بأن صدام أودى بحياة (182) ألف كردي إلى مصير مجهول، أما وزارة البيئة العراقية فأنها تتفق بأن عدد القتلى كان بحدود (5) آلاف كردي لكن عدد الجرحى (10) آلاف فقط ، أما محمد أبو زيد فأنه يقدر الخسائر المادية بتدمير 4000 قرية و30 ناحية و 134675 مبنى إضافة إلى البنية التحتية من مدارس ومستشفيات ومساجد ومصانع. وأن المدينة ضربت بحوالي 100 طن من المواد الكيماوية، مما أسفر عن مقتل( 5000) مواطن وإصابة أكثر من (10000) آخرين. ومن الأمور التي تكشف زيف منظمات حقوق الأنسان ما أصدرته منظمة مراقب حقوق الأنسان نفسها في شهر تشرين الثاني عام 2004 فقد كذبت بياناتها السابقة بوجود مقابر جماعية تضم رفت(100000) جثة, وان القوات الأمريكية فشلت في العثور على تلك المقابر المزعومة سواء في شمال العراق أو جنوبه بعد(20) شهرا من البحث المتواصل. ويسخر ( ستيفن بلتير)المحلل السياسي لوكالة المخابرات المركزية من هذه الأرقام المهولة بقوله" حسنا إذا كان قد قتل مائة ألف كردي فعلا فأي هي جثثهم"؟ بعد نبش ثلاث مقابر لم تتمكن منظمة مراقب حقوق الإنسان سوى أن تثبت إخراج(26) جثة فقط ويبقى في ذمتها(99974) جثة حسب ما أدعت! كما أن إدعاء المنظمة بأن القوات الإيرانية دفنت(3000) قتيل في حلبجة في مقابر جماعية بمنطقة( مجمع عنب) تبين انه زيف فلم يعثر على أية مقبرة في هذه المنطقة بعد تفتشها! وحسب رواية بلتير" من خلال جمع الأدلة فإنها تؤكد بأن عناصر من حزب الطالباني ساعدوا القوات الإيرانية على التسلل إلى حلبجة ليلا, وفي الصباح شنوا هجوما على القوات العراقية فاستخدم الجيش العراقي قنابل مدفعية (من غاز الخردل) فتراجع الإيرانيون إلى خارج حلبجة, وبسبب تقهقر الجيش الإيراني ضربوا حلبجة من قبلهم(الجيش الإيراني) بقنابل من (مركبات السيانيد) ويخلص التقرير بأن المدنيين في حلبجة كانوا ضحية وجودهم بين وسطين متقاتلين وليس بفعل حملة تطهير عرقي كما أدعى البعض وان القتلى كانوا بالمئات وليس الألوف! ويتوصل إلى أن الدلائل تشير بان أفواه وأطراف القتلى كانت زرقاء اللون مما يدل على استخدام غاز من مركبات السيانيد, ولم يستعمل العراق على الإطلاق هذا النوع في حربه مع إيران, في حين استخدمته إيران.
 ومن الطريف أن تصدر وكالة المخابرات المركزية نفسها تقريرا في شهر تشرين الثاني عام 2002 مؤكدة بأن عدد القتلى يقدر بالمئات ونفى قتل(100000) ألف كردي. بل أن وزارة الخارجية الأمريكية خلال هجوم حلبجة" استعمل العراق وإيران الغاز, لهذا نؤكد بأن الإيرانيين هم من قتلوا الأكراد في حلبجة" ونفى الكولونيل( باتريك لانغ) مسئول لمخابرات العسكرية في وكالة مخابرات الدفاع الأمريكية/ منطقة الشرق الأوسط استخدام العراق طائرات خلال المعارك.

قرار مجلس الأمن في شهر مايس 1988 بشأن حلبجة
يأخذ بنظر الاعتبار تقرير البعثة التي أرسلها الأمين العام للتحقيق بإدعاءات إستخدام الأسلحة الكيماوية في الصراع الدائر بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعراق والصادر في 25 نيسان/أبريل 1988 (S/19823) ، فإن مجلس الأمن، متخوفا من نتائج البعثة حيث أن الأسلحة الكيماوية لا تزال تستعمل في الصراع وأن استعمالها كان على مستوى أعلى مما كان عليه سابقاً.
وبهذا فإن المجلس-:
1- يؤكد الضرورة القصوى للتنفيذ الحازم لبروتوكول منع استعمال الغازات الخانقة والسامة والغازات الأخرى في الحروب وكذلك طرق الحرب البكتيرية الموقع عليه في جنيف في 17 حزيران/يونيو 1925.
2- يدين بشدة استمرار استعمال الأسلحة الكيماوية في الصراع الدائر بين إيران والعراق خلافاً للالتزام ببروتوكول جنيف.
3- يتوقع أن يمتنع الطرفان من استعمال الأسلحة الكيماوية في المستقبل تبعاً للالتزام ببروتوكول جنيف.
4- دعوة جميع الدول للاستمرار في تطبيق سيطرة شديدة على تصدير مواد كيماوية لأطراف الصراع من التي تستخدم في إنتاج الأسلحة الكيماوية.
5- قرر الاستمرار بملاحظة هذه المسألة وبيان تصميمه على النظر بتنفيذ هذا القرار.
وهذا القرار ينفي نفيا قاطعا تحميل العراق مسئولية ضرب حلبجة بالأسلحة الكيماوية رغم انه صرح بأن الجانبين استخدماها في الحرب, ولكنه لم يحدد الطرف الذي أستخدمها في حلبجة!

ملاحظات مهمة عن هولوكوست حلبجة
يؤكد العديد من الكتاب الأمريكان بأن موضوع استغلال الولايات المتحدة الأمريكية لأحداث حلبجة له سابقة فقد استخدمته خلال الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، ويستغرب عدد منهم عدم إدانة الولايات المتحدة لنظام صدام حسين وتجاهل ضحايا حلبجة بل وتحريضها عدد من وسائل الأعلام لإدانة إيران خلال فترة ما قبل عاصفة الصحراء؟ وعند إجراء إستحضارات المعركة القادمة أنصبت وسائل الأعلام الأمريكية والبريطانية ومن ورائها اللوبي الإسرائيلي على إحياء الموضوع ثانية، ومن الملاحظ أن الفترة التي سبقت عاصفة الصحراء وردت أشارات إعلامية عابرة لحلبجة وعلى نحو (16) مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وإثناء الأستحضارات وردت أحداث حلبجة أكثر من (57) مرة في شهر واحد فقط، وعند إعلان الحرب على العراق ذكرت حلبجة في شهر آذار من عام 2003 ما يقارب (145) مرة، وتشير المصادر الأمريكية بأن عدد من المعتقلين العراقيين في السجون الأمريكية من كبار الضباط والمهندسين في هيئة التصنيع العسكري وحملة الشهادات العليا يعانون من ضغوط أمريكية شديدة لنزع اعترافات منهم عن استخدام النظام العراقي الأسلحة الكيماوية في حلبجة.
أن إدعاءات الولايات المتحدة حول امتلاك العراق أسلحة التدمير شامل تبين أنها أكذوبة، لشن الحرب عليه، وكذلك الأمر بالنسبة للمقابر الجماعية فهي مجرد أكاذيب ليس أكثر وعليه فأن موضوع حلبجة يدرج ضمن الأكاذيب التي اختلقتها الولايات المتحدة لإدانة العراق رغم معرفتها بأن إيران وليس العراق من يقف وراء الضبة الكيماوية! لذا كان رد الرئيس العراقي عن اتهامه بحلبجة "سمعت ذلك من الإذاعات" وقد ولد كلامه الكثير من القلق لدى الأكراد، الذين يرون أن التهم الموجهة لصدام غير كافية لأدانته، فقد ذكر الفنان إبراهيم الحوراني وهو الذي شيد النصب التذكاري في حلبجة عام 2003 بعد الغزو "لا أعتقد أن صدام سيعدم" بسبب حلبجة.
اعترف ضابط الموساد الإسرائيلي اليعازر تسافير بأن الحركة الكردية بادرت بالاتصال بإسرائيل منذ الستينيات باعتبار أنهم مضطهدون مثلما " تعرضنا نحن اليهود للاضطهاد وبالتالي فان الدولة اليهودية تفهم مطالبهم " وقمنا بتزويدهم ببرامج ومحطات إذاعية من ثم أسلحة غنمت من حروبنا مع الدول العربية، وأقامت إسرائيل مستوصفاً يعمل فيه أطباء إسرائيليون.
لماذا لم تخلى المدينة إذا كانت الأرض والجو والنباتات وحتى الحشرات ملوثة بالمواد الكيماوية المترسبة في التربة والمياه والعالقة في الجو؟
أن شهادة الشهود تدل على التلقين المحرض، فالغريب أن يعرف الكثير من الأكراد أن الطائرات التي ألقت عليهم القنابل الكيماوية هي عراقية في الوقت الذي يصعب حتى على بعض القادة تمييز الطائرات الصديقة عن المعادية، فامرأة بسيطة لا تعرف القراءة والكتابة تدعى نجية رسول وتسكن ليس في القرية المنكوبة بل جوارها تؤكد أن الطائرات العراقية قامت بالهجوم، ورجل مسن يشكو من نظره يدعى عزيز محمود يقر بنفس الرأي، وكذلك امرأة أميه تدعى( كوسلر علي) والآلاف من هذه الشهادات المزورة.
جرى الاستيلاء على أطنان من الوثائق من جانب الأكراد عام 1991 وتحت حماية أميركية وبريطانية تمكنوا من شحن ملفات الشرطة والاستخبارات إلى الولايات المتحدة لغرض تحليلها وحفظها في مكان أمن. وقالت ساندرا هوجكنسون، رئيسة مجموعة العدالة الانتقالية في سلطة الاحتلال، إن العراقيين ظلوا يركزون على ثمانية أحداث مختلفة خلال فترة حكم صدام تمتد من قتل الأكراد إلى إعدامات الشيعة منذ عام 1979، وهناك تساءل غريب لماذا تودع الملفات إلى أمريكا بالذات وليست جهة محايدة مثل لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية طالما أن الأمر يتعلق بجريمة إبادة جماعية ؟
ذكر جوست هلترمان، الباحث السابق في منظمة هيومان رايتس ووتش ومؤلف كتاب سينشر قريبا حول استخدام العراق للأسلحة الكيماوية. ان الاتهامات التي تعني الأكراد معروفة على نطاق واسع خارج العالم العربي عبر أشرطة الفيديو وشهادات الناجين وخصوصا في ما يتعلق باستخدام الحكومة العراقية للغازات القاتلة ضد حلبجة، ولم يرد وجود وثائق وإثباتات علمية عمن استخدم الأسلحة الكيماوية العراق أم إيران؟
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية بان بريطانيا قدمت للعراق معظم  الخبرات والمساعدات التقنية لمساعدته على أنتاج المواد الكيماوية، وان احد هذه المنشئات تسمى( الفلوجة 2) بلغت تكاليف بنائها (14) مليون جنيه إسترليني لإنتاج الخردل وغاز الأعصاب, كما تشير الصحيفة إلى أن وزير التجارة البريطاني (بول تشانون) أبقى الاتفاقات التجارية بين البلدين في مجال إنتاج الكولورين سراً على الإدارة الأمريكية، مبرراً الأمر بأن حظر مثل هذه الصادرات من شأنه أن يضر بالعلاقات التجارية بين بلاده والعراق، ومن الغريب أن يتحدث بلير الذي ساعدت حكومته صدام على أنتاج الأسلحة الكيماوية أمام النقابات العالمية عن مقتل (100) ألف كردي مستنداً في ذلك إلى إحصائيات منظمة العفو الدولية، متجاهلا أن حكومته هي التي ساعدت العراق بهذا الشأن.
كان للنمسا والمعروفة بموقفها المؤيد لأسطورة المحرقة ودورها الفاعل في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين دور كبير في استضافة عدد من المصابين الأكراد على أراضيها لغرض معالجتهم من الأعراض الكيماوية وبطريقة ملفتة للنظر لتشبيه فعل صدام بأكراد حلبجة بفعل هتلر باليهود في المحرقة .
هناك تساؤلات مشروعة حول أحداث حلبجة يشير إليها العديد من السياسيين والعسكريين في العراق، منها أن الأكراد كانوا يداً فاعلة في الهجوم الإيراني على حلبجة، ولم يكتفوا بكونهم أدلاء أذلاء وإنما قاموا بإسناد القطعات الإيرانية، وأن المدينة كانت شبه خالية من الشباب كما يتضح من القتلى وأعمارهم والصور التي نشرت، والتي صور فيها القتلى من الشيوخ والنساء والأطفال لأغراض دعائية، ولكن المقابر تتكلم بلغة المعقول وليس الصور، وأن أعمار القتلى ظاهرة غريبة بحد ذاتها، تحتاج إلى المزيد من الدراسة والتمحيص؟
يبدو أن الأكراد مازالوا لم يكونوا مستعدين بعد لمحاكمة الرئيس صدام عن ضرب حلبجة لافتقارهم الأدلة الكافية رغم ادعائهم بأنهم حصلوا على أطنان من الوثائق والتسجيلات التي تدعم حججهم، وهذا السبب الذي حدا بهم إلى تأخير محاكمة حلبجة وتقديم الدجيل عليها، وجرت في حلبجة وغيرها من المدن الكردية عمليات تلقين عدد من الأكراد عما يقولونه في المحكمة عن الموضوع، وإلا كيف يمكننا أن نفسر محاكمة الرئيس صدام حسين عن مقتل (128) شخص، في حين أن قتلى حلبجة (5000) شخص كما يزعم، كما أن التهمة الأولى بان ضعفها وضعف شهادات الشهود وسخافة تلقينهم، وهذا الأمر أعطى الأكراد انطباعا بان محاكمة حلبجة ستكون أكثر رداءة من محاكمة الدجيل، ورغم الأطنان من الوثائق التي يدعي الأكراد الحصول عليها من المخابرات والاستخبارات العسكرية، ورغم تسخيرهم الكثير من الكتاب مثل كنعان مكية وغيره لإثبات الواقعة على العراق وتبرئة إيران، فأنه الوثائق كانت غير كافية، والتسجيلات الصوتية لا تصلح لأن تكون شاهداً في المحكمة، لإمكانية دبلجتها والتلاعب بها بسهولة وهذا ما جهل المحاكم الأوربية لا تأخذ بها كدليل في عصر التطورات التقنية، ورغم مرور أكثر من عقد ونصف عن إحداث حلبجة، فلم يتمكن الأكراد من الحصول على اعترافات صريحة من القادة العسكريين الميدانيين تؤيد أن قواتهم ضربت حلبجة، بما في ذلك رئيس أركان الجيش السابق نزار الخزرجي الذي ذكر بأنه لا توجد معلومات عنه أو عن وزير الدفاع عن الموضوع، ثم أين الطيارون الذين ضربوا المدينة كما يزعم الأكراد والإيرانيون، وهل تبخروا من العراق وهل ماتت ضمائرهم جميعاً دون أن يصحو أحدهم من غفوته و يعترف بأن له يد فيما حصل، وخاصة أن الرئيس جلال الطالباني استدعاهم إلى الشمال بعد تعرضهم إلى الاغتيالات على يد قوات بدر الموالية لإيران ؟ وهل أن استهداف الطيارين العراقيين المشاركين في الحرب العراقية الإيرانية، يدخل في مجال وأد الحقيقة قبل خروجها؟ وهل مثل هذا التناقض يخدم أحد الأطراف المتصارعة على الساحة العراقية.
إذا كان العراق قد ضرب فعلاً حلبجة وليس إيران أو اشتراك الطرفين باستخدامها، لماذا عصي ألأمر على الأمم المتحدة رغم كفاءة الفرق والخبراء الذين  أرسلتهم للمنطقة، ولم تتمكن من تحديد الجهة المسئولة ؟ ولماذا لم تصدر قرارا ضد أي من الطرفين بتهمة الإبادة الجماعية، حسب اتفاقية منع الجريمة ؟ من خلال تفحص الاتفاقية وبنودها ندرك بسهولة بأنها لا تنطبق على العراق، فالحكومة العراقية لم تجبر الأكراد الذين أبعدوا عن مناطق القتال على العيش بطريقة تهدد تكاثرهم ونسلهم ولكن لأبعادهم عن شبح الحرب، بمعنى المحافظة عليهم وليس العكس؟
لماذا يغض النظر عن الجنود العراقيين الذين أصيبوا من جراء الضربة الكيماوية في حلبجة، ويسلط الضوء على القتلى الإيرانيين والجرحى؟ وهل يدخل هذا في مجال العدل وتصوير الحقائق ونقلها للرأي العام؟ أم التحيز الواضح لطرف وأي طرف؟ يضمر كل العداء للعرب ! ثم كيف يمكن تبرير الإصابات بين الجنود العراقيين إذا كانت قياداتهم العسكرية فعلاً ضربت حلبجة، ولماذا لم توجه القيادة العراقية جنودها إلى ارتداء أقنعة الوقاية، أو ترسل وسائل الوقاية من الضربة الكيماوية كالعجلات والوحدات الكيماوية المتخصصة إلى حلبجة.
لا يجوز إلقاء التهم جزافا على العراق فالعراق باق والأنظمة تزول عاجلاً أم آجلاً ويطويها التأريخ، وأن الحقائق يجب أن تظهر بوضوح للرأي العام سواء كانت تدين الحكومة العراقية السابقة أو إيران أو كليهما، وقتلى حلبجة من المدنيين هم عراقيين قبل كل شيء وهم شهداء في جنات خلد وضحايا مجزرة مروعة، لكن ليس من الأنصاف أن تتاجر الحكومة الكردية بهذه المأساة الإنسانية بطريق لا تعبر عن أية قيمة أو احترام للشهداء الأبرار، وأن كانت حلبجة قد ضربت بالأسلحة الكيماوية فأن العراق بأكمله ما عدا الشمال قد ضرب عام 1991 بالأسلحة الممنوعة دولياً، ولم يضخم أحد الموضوع رغم نشره في وسائل الأعلام! بما معنى أن مأساة حلبجة هي جزء من مأساة العراق أجمعه، وأن التقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية المدافع الحالي عن الأكراد استخدمت اليورانيوم المحرم دوليا  في حرب الخليج الثانية من خلال (940000) قذيفة أي بما يعادل (7) أضعاف القوة التدميرية التي تعرضت لها هيروشيما ونيكازاكي في الحرب العالمية الثانية، وأن عدد المصابين بالأمراض السرطانية من جرائها تزايد إلى (10931) شخص في نهاية عام 1991 وعشرات أضعاف الرقم حاليا؟ ويذكر البروفيسور الألماني سيغ غونتز بأن حوالي نصف مليون عراقي مصاب بأمراض ناجمة عن استخدام اليورانيوم من قبل الأمريكان، مع ملاحظة أن (130) ألف جندي أمريكي مصاب بأعراض شبيهة لما يعانيه سكان حلبجة من صعوبات في الجهاز التنفسي وأمرض الكبد والتعب الشديد وارتفاع الضغط وغيرها من الأعراض.
في الحرب الأخيرة ضرب العراق أيضاً بالأسلحة الممنوعة دولياً باستثناء منطقة كردستان ولم تدمع عيون الأكراد على أشقائهم العرب، وضربت مؤخراً الفلوجة بالقنابل الفسفورية ولم يعلق الأكراد- رغم أنهم يترأسون نصف الحكومة الحالية تقريباً -عن الموضوع أو يستذكروا شهداء الفلوجة كما استذكروا شهداء حلبجة، ولم يطالبوا بتعويض أهالي الفلوجة عن هذه الإبادة الجماعية، كما طالبوا بتعويض أهالي حلبجة، انه نفس الأمر يتكرر من منذ الهولوكوست اليهودي فقد تناسى العالم مذابح الغجر التي رافقت المحرقة، وركزوا على اليهود, والأكراد يتناسون ما تعرض له العراق، ويستذكرون حلبجة فقط، أنه زمن ألعمي الوطني الذي حلّ بالعراق، حلبجة قدم المئات من الشهداء الأكراد والعراق قدم أكثر من مليون شهيد من العرب وليس الأكراد, ولكن الصمت لازم الدول التي كانت تتشدق بحقوق الإنسان وتتحدث عن الإبادة الجماعية كما خرست الأمم المتحدة وهيئاتها وسكرت منظمات حقوق الإنسان أبوابها بوجه عرب العراق, تلك الأبواب التي كانت مفتوحة كبيوت الدعارة لأكثر من عقدين من الزمان لتكشف للعالم المعايير المزدوجة التي تتعامل بها هذه الهيئات, ويصدق قول الشاعر" قتل امرأ في غابة   جريمة لا تغتفر*** وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر".

الخلاصة
 كانت محكمة حلبجة هي الفيصل الذي سيكشف للعالم حقيقة الأسلحة الكيماوية في العراق والجهة التي زودت العراق بها, وتزيح الستار عن الجهة التي ضربت حلبجة وعندها توضع النقاط على الحروف, ولكن الذي جرى كان متوقعا وليس غريبا لكل من يعرف حقيقة الأمر أو اطلع على بعض خفاياه حيث يمكن أن يستنتج إن قضية حلبجة لا يمكن النظر فيها بوجود الرئيس صدام حسين على قيد الحياة, لأن كل أوراق اللعبة ستنكشف فالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا باعتبارهما جهتان لهما دور مستتر في الموضوع لم يرغبا بفتح نار جهنم عليهم, كما انه ليس من مصلحة إيران أن يناقش الموضوع بشكل علني  في المحكمة لأنه سيكشف دورها المؤكد في ضرب حلبجة لذلك أوعزت للأحزاب السائرة في فلكها بإعدام الرئيس صدام قبل أن تبدأ محاكمة حلبجة, كما أن الأكراد وجدوا أن تجارة حلبجة ستكون كاسدة إذا فضحت القضية سيما إنهم جنوا مساعدات وعطف دولي كبير من ورائها ومازالوا, وان موقفهم سيكون أشبه ببهلوان السيرك إذا جرت المحاكمة, لذلك وافقوا على إعدامه قبل أن تبدأ محكمة حلبجة التي طبلوا لها, ويمكن ملاحظة انه لم يتحدث أحد من الشهود أو الادعاء العام والحكام عن موضوع حلبجة طوال سير محكمة الدجيل. وهذا مما أثار استغراب جود وانسكي الذي قال"لا يوجد أي تقرير في العالم عن رئيس دولة يسمم ويقتل أبناء وطنه في العراء بدون مبرر، فقد قتل هتلر اليهود لأنه كان يظنهم دون البشر في حين أن الرئيس صدام حسين لم يفعل ذلك. فلو كان الرئيس صدام حسين قد فعل ذلك فلماذا التجأ إليه حزب البارزاني لشن حرب على حزب الطالباني بعد حرب الخليج الأولى؟ إضافة لذلك كيف يمكن أن يقدم الأكراد مأواً لنزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي السابق أبان أحداث حلبجه عند هروبه من العراق ومن ثم مساعدته للانتقال إلى الأردن. ذلك كمن يتصور أن أريل شارون يساعد غورنغ للهروب من ألمانيا إلى الأرجنتين. والغريب في الأمر أن رئيس الأركان العراقي هذا قد صرح مرات متعددة بأن العراق لم يستخدم الأسلحة الكيماوية في حلبجة". إن موضوع حلبجة التي اتخذها الأكراد ذريعة لكسب عطف العالم وتفريغ جيوب بعض المخابرات الأجنبية قد وصلت إلى باب مسدود فقد اعدم الرئيس صدام حسين دون أن تنظـــــر  المحكمة بالقضية، وأسدل الستار على المسرحية القضائية الهزيلة باستفادة جميع الأطراف .ويمكن اعتبار إعدام الرئيس صدام أفضل هدية قدمتها حكومة الاحتلال إلى أضلاع مثلث التآمر على سيادة العراق( أمريكا- إسرائيل- إيران).


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..