موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الجمعة، 25 أبريل 2014

زائر الفجر الثقيل!

وجهات نظر
نهى الصراف
من هو الصديق الذي لا يمكن الاستغناء عن وجوده؟ الصديق السارق لأوقات الفراغ والمتأهب دوما لرسم الابتسامة على الشفاه المتقشفة، الصديق الذي لا يتخلى عنك حين تمرض ولا يخونك حين تسهو ولا يسحب سفراء صداقته معك، كلما اختلفت معه في الرأي أو العقيدة.

هذه هي مواصفات جهاز الهاتف النقال الذي يرافقك منذ ساعات الصباح الأولى ولا يودعك إلا في ساعات الليل المتأخرة على مضض، يشاطرك ساعات الضجر في المنزل ويصحبك إلى العمل أو إلى طبيب الأسنان ومركز التسوق.
أما أكثرها إلحاحا وخفة دم فيطاردك كظلك، حتى إذا أبطأت السير سبقك! فطن التقنيون إلى هذا الهوس البشري، فحرّضوا مجسّات خيالهم الجبارة لتعمل بأقصى طاقتها، حتى أغرقوا الأسواق والعقول بمزيد من الخدمات والإضافات والاكسسوارات (النقالية)، التي كادت تملأ كل الفراغات المتبقية في الجمجمة البشرية، حيث وفرها الناس دهورا طويلة كاحتياطي لأوقات الشدة.
تطبيق خدمة التراسل الفوري على الهواتف الذكية (الواتس آب) التي شغلت الناس والدنيا، شهد لوحده ورود وصدور مليارات الرسائل الهاتفية الذكية شهريا منذ إنشائها العام 2009.
وحتى اليوم، يتسارع مؤشر المشاركين والمعجبين والمدمنين لهذه الخدمة بشكل تصاعدي كسابقة، تعد الأولى من نوعها في تاريخ الاتصالات الحديثة.
بالطبع، ما زال بعض الناس الذين تتعدى ساعات يومهم الرقم 24 متشوقين إلى البحث عن أحدث الاختراعات في هذا الإطار ولن تكفيهم أنهار من التقنيات.
رسائل وصور (الواتس آب)، أثبتت أن أجدادنا خسروا حياتهم هباءا وأهدروا أوقاتهم وحواسهم في القراءة والإطلاع دون مسوغ، كما شغلوا أثاث منازلهم بغبار لا مبرر له بسبب الكتب التي رصوها في رفوف مكتبات عتيقة، بحب مبالغ فيه دخل في منافسة غير بريئة مع حبهم لأبنائهم فلذات أكبادهم! ترى.. لماذا أهدروا سنوات أعمارهم في القراءة ومصاحبة أصدقاء وهميين لم يتسن لهم الإلتقاء بهم يوما؟ وما سر إعجابهم بتقصي المعلومات وتحليلها ومطاردة أفكارها، ومشاركة هموم مؤلفيها والخوف على مستقبل المعلومة العميقة والخاطرة المبدعة؟
هذه كلها افتراضات لم يتسع لها عمرنا المخضرم بين رتابة الماضي ولهاث الحاضر، نحن جيل أبى أن يفارق ماضيا عزيزا وفشل في التنصل من حاضر مستعجل. تطاردنا شخصيات روايات عظيمة وما برحت تشاطرنا يومياتنا ودقائق حياتنا، كما تطاردنا رسائل وصور وأفلام (الواتس آب) التي أصرت على اقتناص دقائق حياتنا ولحظات تأملنا النادرة، ولجة انشغالنا في دوامة العيش ومحاولات القبض الفاشلة على اللحظات الأخيرة من القلق.
رسائل تحمل صيغا تعليمية ساذجة وحكما وأقوالا مأثورة لنكرات، مشاهد بالصورة والصوت لا يربطهما منطق ولا يستسيغهما وجدان.
ضربت بعض هذه الرسائل الفورية الرتابة الاجتماعية في مقتل، فأدخلت الناس أروقة المحاكم وساعدت في تفكك أسر حسبها الناس سعيدة.
قضايا طلاق وتهديد وترويع، أثبتت أن التقنية الحديثة صديق مخادع أحيانا وضيف ثقيل الظل أحيانا كثيرة، ضيف قد يباغت أهل الدار في أي وقت من اليوم.. تحسبه في أول الصباح يتلو عليك أخبارا غائمة جزئيا مع فرصة لتساقط بعض القتلى، وفي منتصف الظهيرة يباغتك بسلسلة من النصائح الطبية والبيئية والتربوية مؤطرة بأخطاء إملائية وطباعية غير شائعة، أثبتت فشلها مسبقاً ومضى على سقوطها قرن من الزمن، أما آخر الليل فهو موعد مناسب لمشاهد الفيديوهات المسربة بتصريح من أصحابها للدعاية لبعض أفراد العائلة الذين يتمتعون بمواهب خارقة لا تعني أحدا غير أصحابها. لم يتبق سوى الفجر، وقبل أن تكمل رحلة النوم العميق طريق المرور المتأني على محطاتها الأخيرة، يقسرك جرس رسالة فورية أخيرة أرسلها صاحبها أو صاحبتها على مضض للتهنئة بالصباح الجديد الذي لم يستعد للخروج من منزله بعد.
لا، ليس من اللائق أن تلعن الصباح البريء في غيابه، فاللعنة من حق زائر الفجر ثقيل الظل.

ملاحظة:
نشر المقال هنا.



ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..