وجهات نظر
نزار السامرائي
حددت المادة الحادية
والستون من دستور بول بريمر لعام 2005 اختصاصات مجلس النواب بشكل تفصيلي، وجاءت
الفقرة (تاسعاً أ)لتقطع الطريق على أي اجتهاد بشأن وسائل إعلان حالة الطوارئ، إذ
حددتها المادة المذكورة بموافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين، واشترطت المادة
المذكورة أن يتقدم كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بطلبٍ مشترك لهذا
الغرض.
ومع ذلك ولأننا نريد أن
نلحق الكذاب إلى باب بيته كما يقال لكي نقطع عليه كل السبل، فإننا لا نريد أن نقول
للمالكي إن إعلان حالة الطوارئ أن حصل سيؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع
العراقي، مع يقيننا بأن ذلك هو ما سيحصل بالفعل، لكننا نحاول أن نطرح الموضوع
كقضية قانونية مجردة مع تقديم فرضية غارقة في الخيال الديمقراطي المجرد، وهي أن
ديمقراطية العراق بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني المزدوج، ديمقراطية تفوقت على
الديمقراطية الإسكندنافية في احترام حرية الاعتقاد والتعبير والتمسك الثابت بما
جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهل يحق للمالكي خرق القواعد الدستورية
ومتى يتم ذلك؟ وهل يجوز استخدام القوات المسلحة في قمع الشعب العراقي؟
لا نريد إعطاء جواب من
عندنا فطالما كنا نتعامل مع الدستور الذي كان المالكي أحد كتبته فعلينا أن نقتبس
جوابنا من الدستور نفسه، على الرغم من أن المالكي انقلب عليه عندما وجده فضفاضا
على جسمه وعقله ولا يلبي طموحاته الفرعونية، بل علينا العودة إلى نصوص الدستور
مهما كان رأينا فيها، تقول المادة التاسعة: أولا (أ) تتكون القوات المسلحة
العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها
دون تمييزٍ أو إقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا
تكون أداة لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور
لها في تداول السلطة، وهذا النص لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل استنادا إلى القاعدة
الشرعية لا اجتهاد في معرض النص.
فهل يدلنا المالكي أو
أحد مستشاريه ومساعديه على واقعة واحدة تفرغ فيها الجيش الذي أسسه بول بريمر،
لواجبه المحدد ودافع فيها عن حدود العراق؟ وليدلونا على تظاهرة سلمية واحدة في أية
مدينة عراقية شمالية أو جنوبية لم يحولها هذا الجيش إلى ساحة قتل للمدنيين
الأبرياء باسم القتال وسفكت فيها الدماء العراقية بأيدي مليشيات طائفية تحمل
ولاءها لمرجعياتها المرتبطة بمشروع الولي الفقيه الإيراني وعلى استعداد لتسحق كل
من يريد مجرد الاستفهام عن المعنى الملتبس لهذه النظرية؟
ولا نجد أنفسنا بحاجة
إلى العودة إلى ما بدأنا فيه حديثنا عن المادة 61 حول شروط إعلان حالة الطوارئ،
فكيف تورط المالكي بارتكاب هذه المخالفة الدستورية الصريحة إن كان يؤمن بدولة
القانون وحكم الدستور؟ هذا إذا تخطينا كل السلوك اللادستوري الذي يحكم المالكي
بموجبه منذ تسلمه منصب رئيس مجلس الوزراء عام 2006، ولكننا نتحاكم كما قلت مع
مزاعم المالكي الذي أقض مضاجع الصغار والكبار بكثرة حديثه عن كونه
"حارس" الدستور بلا منازع وأن خصوماته مع بقية الكتل السياسية ما كان
لها لتحصل لولا احترامه للدستور وتنكرها له.
ولكننا نعرف تماما أن
المالكي يعاني من وجع مرير نتيجة عجزه عن تنفيذ تهديداته باقتحام الفلوجة ولهذا
فإنه ينطلق من خيبته التي تؤجج في نفسه روح الانتقام من المدينة التي استعصت على
الأمريكان فكأن المالكي يريد أن يقول لهم "إنني أتيت بما لم يستطعه
الأوائل" ولهذا حشّد المالكي ما لديه من مدفعية ثقيلة لتقذف حممها على
مدينة الفلوجة من دون تمييز وتمارس سياسة الأرض المحروقة، ومع المدفعية الثقيلة
حشّد المالكي الفرق المدرعة بكل آلياتها، ولكنها كانت تصطدم في كل مرة بجدار صلب
من الرجال المستميتين دفاعا عن كرامتهم وأعراضهم وشرف عوائلهم وعن النساء والشيوخ
والأطفال، المهددين بالقتل والحرق كما حصل في اللطيفية وبهرز والحويجة، ومن يظن أن
جائم سوات المالكي قد أرعبت سنة العراق فهو واهم كثيرا، إنها باختصار شديد لن
تُبقي شريفا واحدا ينتظر نصل السكين حتى تحز رقبته، ولن تدع مواطنا فلوجيا واحدا
غافلا عما يبيت له من حفل الشواء الجماعي الذي يهيئ لأهل المدينة، وبالتالي فإن
الصمود سيكون سيد المواقف التي يفكر بها المرابطون على خطوط النار وليس هناك من
خيار إلا المواجهة والتصدي لمحاولات قوات المالكي التي تسعى لاقتحام الفلوجة، وعندها
سيكتب تاريخ جديد لعراق ما بعد الاحتلال الأمريكي، ليعود رقما في معادلة الأمن
القومي العربي، ومواجهة الأخطار الفارسية التي تحدق بالمنطقة.
فإذا كان العراق يعيش
تحت الاحتلال كل هذه الظروف الاستثنائية فهل يحتاج المالكي إلى إعلان حالة
الطوارئ؟ وماذا يمكن أن تضيف الطوارئ لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة
ووزير الدفاع والداخلية من صلاحيات استثنائية وكل ما في العراق اليوم هو استثنائي
وطارئ وعبثي بامتياز؟
إنه استغفال للرأي
العام الدولي خاصة يريد منه المالكي القول بأنه متمسك بالدستور وقواعده
ولا يخرج عليها في أكثر الظروف حراجة، إلا ضمن الآليات التي حددها الدستور نفسه،
ويبدو أنه ما زال يظن أنه يعيش في قرون مظلمة تنطبق على الأفكار والمعتقدات التي
يحملها هو وحزبه الحاكم، وهي أفكار معلبة منتهية الصلاحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق