حكمت نديم من الصعب على أي كاتب يحاول أن يمحق الحقائق ويتوقع أن يصدقه غير الحمقى والجهلة من الناس.. كل شيء إلا الحقائق الشاخصة على الأرض، لأن الواقع وحقائقه الدامغة في الماضي والحاضر لا يحجبها مقال ولا تصريح ولا اعترافات في مذكرات من صنعوا قرار الحرب على العراق وشعبه، وتركوه نهباً وسلباً واغتصاباً تعبث به مجموعة من الضباع التي تعرفها أمريكا وقادتها السياسيين والعسكريين والأمنيين على حدٍ سواء.
هذا المقدمة، ضرورية كمدخل للحديث عن ما جاء في مقال للكاتب الأمريكي والمحلل السياسي (جيفري غولدبيرغ)، الذي نشره موقع (موسوعة العراق- بوك ميديا) بتاريخ 17/4/2013، كما نشرته صحيفة الشرق الأوسط في التاريخ ذاته.
لست في موقف الدفاع عن النظام السياسي الوطني، الذي أسقطته أمريكا عدوة الشعوب، وهو النظام الذي كانت له مواقفه المعروفة حيال القضايا العربية، ومنها على وجه الخصوص قضية فلسطين وعروبة الخليج المهددة بالتفريس، لأن حقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا هي التي تفصح وليس ما يتفوه به البعض ويحاول أن يملي انحيازه السافر في التحليل وحسب الهوى، الذي يحاول أن يغطي جريمة العصر الأمريكية في احتلال العراق وتدميره وترك شعبه عرضة للجوع والحرمان والمرض والتشرد والموت اليومي في الشوارع والسجون. يتحدث "جيفري" عن مقابر جماعية يزعم أن النظام السياسي الوطني قد ارتكبها، ويحاول أن يبرر بشكل مقزز وفاضح قرار العدوان ألأمريكي على العراق (وتحرير) شعبه من قبضة الديكتاتورية، وكأن العراق وشعب العراق يرفل بالحرية والأمن ولا يخضع لسياط الجلادين الصفويين كل يوم، يرفل بالديمقراطية ولا يعاني من التهميش والإقصاء واحتكار السلطة، يرفل بالعيش الكريم ولا يبحث عن بقايا طعام في قمامة، يرفل بالصحة والعافية ولا يعاني من سرطانات اليورانيوم المنضب التي خلفها القصف الأمريكي والبريطاني، يرفل بالسيادة ولا يتدخل في شؤونه أحد.. والسيد جفري ربما يعلم إن النظام السياسي الذي يركز على ثقافة شعبه ويحرص على محو أميته طوال عقود، لا يخلق مقابر جماعية أبداً، حيث ارتقى شعب العراق في ظل الحكم الوطني إلى مستوى محو الأمية باعتراف " اليونسكو ".. والمقابر المزعومة الذي تحدث عنها (جيفري) ورهط أتباع إيران الصفويين وغيرهم، هي أساساً من صنع سيناريوهات كشفها بعض القائمين عليها في النجف الأشرف وكربلاء والناصرية، كشفها في عمان- الأردن وفضح أساليب المشرفين عليها والذين ابتكروها وكيف نقلوا عظام الموتى بعد نبش قبور دوارس وعرضها في العراء مع جمع من النسوة البكاءات النحابات المأجورات.. هذا ما كشفه أحد الأصلاء من مدينة النجف الأشرف، كما كان حال بكاء ابنة السفير الكويتي أمام أعضاء الكونغرس الأمريكي وهي تزعم حدث حاضنات الأطفال في مستشفى الكويت لتبرير قرار العدوان على العراق، ثم اتضح أن هذه المزاعم عبارة عن مسرحية فاضحة.. وكذا الأمر حول أسلحة الدمار الشامل، والارتباط بالقاعدة.. ربما السيد (جيفري) يعرف هذه التفاصيل ولكنه يغطي عليها لإغراض ذات طابع صهيوني معروف يتمثل بسياسة شيطنة النظام السياسي الوطني قبل الاحتلال وبعده.. ويعلم أن عملاء إيران من الصفويين كانوا يتلقون من إيران الأموال والسلاح والتعليمات ويقومون بأعمال الإرهاب ضد الشعب العراقي.. والغريب في الأمر أن السيد "جيفري" وهو يتحدث عن المقابر الجماعية والإرهاب، لا يتحدث عن إرهاب الدولة الإيراني وكيف تصدر الإرهاب إلى دول الجوار.. ويسكت عن النتائج التي توصل إليها الخبراء الأمريكيين والألمان بشأن استخدام إيران غاز (السيانيد) ضد شعبنا في حلبجة، و "مام" جلال كان في مقدمة البيشمركة دليلاً عسكرياً للقوات الإيرانية التي هاجمت حلبجة.. فالذي يعترف بحقوق شعبنا الكردي لا يقتل هذا الشعب مطلقاً.
نعود إلى الديمقراطية الأمريكية في العراق في ظل الغزو.. الآن وفي ظل حكومة الديمقراطية الأمريكية الصفوية ما بعد (تحرير العراق)، بلغ عدد الذين اعدموا (4470) ألاف مواطن عراقي رفضوا الاحتلال وناهضوه، وزادوا (25) مواطناً أعدم في يوم واحد مؤخراً، وهم من كل أبناء الشعب بغض النظر عن مذهبهم وقوميتهم. لقد كشفت وثائق خطيرة عن ابتزاز وفساد وسرقات القادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين وتابعوهم، بالمليارات ومنها فقط (70) مليار دولار كانت تحت أنظار وتصرفات الحاكم المدني السامي (بول بريمر)، الذي أكرمه الرئيس الأمريكي "جورج بوش الابن" بأوسمة رفيعة على أداء مهامه، ليست الوطنية والإنسانية، إنما مهماته في القتل وإدارة فرق الموت والتعذيب وانتزاع الاعترافات بأبشع طرق ووسائل العصور المظلمة في التاريخ، والتي ما زالت تمارس في أقبية السلطة المدعمة من لدن الاحتلال حتى الوقت الحاضر. أسأل السيد (جيفري غولدبيرغ) الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي، عن مصير واردات النفط العراقي طيلة عشر سنوات في ظل الديمقراطية الأمريكية في العراق؟!، لماذا يعيش الشعب العراقي أوضاع الحرمان من أبسط مستلزمات الحياة الكريمة، ومن الجوع والمرض والتشرد؟.. ولما كان العراق موحداً أرضاً وشعباً منذ ألاف السنين، فلماذا تشرع الحكومة الأمريكية قانون تقسيم العراق؟ من خولها ذلك؟ وهل من حقها أن تقسم دول العالم وشعوبها على هواها وبقرار من الكونغرس؟ أما موضوع الأديان والقوميات، الذي على أساسه تخطط أمريكا ومن خلفها الصهيونية لتقسيم العراق أرضاً وشعباً، فقد عاش العراقيون ومنذ فجر التاريخ بهذا الفسيفساء الجميل، ولم تظهر نزعة انفصال بسبب الدين والمذهب والقومية، إلا بعد الاحتلال الأمريكي، فيما تبقى مسألة الأخوة الأكراد فهي مسألة لها خصوصيتها في التفكير الوطني والقومي على حدٍ سواء.. فقد اعترف الحكم الوطني بشرعية الحقوق القومية للأكراد في شمال العراق وتمكن من صياغة اتفاقية الحكم الذاتي، التي تضمن لهم تلك الحقوق دستورياً.. وبهذا الموقف الوطني والقومي والإنساني انفرد العراق في ظل الحكم الوطني عن بقية دول الجوار الإقليمية (سوريا وتركيا وإيران)، حيث يعاني الأكراد اضطهاد سلطات تلك الدول وتهميشهم وإلغاء هويتهم وخاصة إيران. والغريب في الآمر.. يهاجم السيد (بُرهُم صالح) وهو السياسي والأكاديمي الكردي، النظام الوطني الذي اعترف بحقوق الأكراد ولم يهاجم إيران وتركيا وسوريا، التي ما زالت تدوس على تلك الحقوق، لا تخفى الدوافع التي أملت تلك التصريحات وارتباطاتها وعمقها الإستخباري في لندن.. فهو لا يهاجم الإيرانيين، الذين لا يهضمون حقوق الأكراد الإيرانيين فحسب، إنما حقوق الشعوب الإيرانية الأخرى مثل عرب الأحواز والتركمان والعرب السنة والأذريين وغيرهم عدا اليهود الإيرانيين، لماذا؟ لأن إيران تتعاون وعلى توافق إستراتيجي مع أمريكا في العراق، لذلك يسكت (جيفري غولدبيرغ) ويصمت (بُرهُم صالح).!!
|
أقول للتاريخ.. إن الحكم الوطني في العراق، هو الذي وحَدَ شعب العراق، وبنا العراق بناءً علمياً وحضارياً وجعله قوياً ومهاباً تخشاه الصهيونية وتخشاه إيران ويخشاه الذين في قلوبهم مرض.
العراق قبل الاحتلال حمى الخليج من جهة الشرق حيث (إيران)، وحمى المنطقة العربية من جهة الغرب حيث (إسرائيل).. ولهذا السبب تكالبت عليه الضباع من كل جانب وأثخنوه جراحاً.. ولكن اليقين أن الحالة هذه لن تدوم طويلاً.!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق