موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الجمعة، 4 يناير 2013

عام جديد وانتفاضة عراقية مجيدة

مثنى عبدالله

بات من المؤكد أن شعبنا قـد وصل الى نتيجة منطقية وعلمية هي (من الصعب أن نحصل على نتيجة جديدة من تكرار نفس الفعل) كما يقول العالم أنشتاين.
فعلى مدى السنوات العشر التي مضت في ظل الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، زورت إرادة شعبنا ومورست عليه أبشع عمليات غسيل الدماغ وتغييب الوعي، كي يقبل بما يفرض عليه من انتخابات محلية وبرلمانية وتصويت على دستور ملغوم، وتمثيل طائفي وإثني ومذهبي قامت عليه مؤسسات الدولة والمجتمع.


وعلى الرغم مما كان يحمله هذا السلوك من أذى ومخاطرة بمصير الوطن ومستقبل أبنائه، كان يأمل في كـل ذلك للوصول الى نتيجة تخرجه مـن حالة اليأس التي انتابته، وأن يرى الضياء في نهاية النفق الذي حشر فيه، بعد أن تخلى عنه الاشقاء والاصدقاء وبات نهبا لكل الاجندات.
لكن تلك الفترة الزمنية التي مرت والتي يمكن أن تنتقل فيها شعوب ودول من حال الى حال أفضل لو أستغلت استغلالا صحيحا، لم تزد العراقيين الا فقراً وأمية وجوع، في ظل مواردة متزايدة وميزانية خيالية بسبب أرتفاع أسعار النفط وزيادة الصادرات منه، حتى باتت مقولة الفقراء يزدادون فقـرا والاغنياء يزدادون غنى قانونا يحكم المشهد الحياتي في كل الوطن، عندما تسلط من أدعوا تمثيل طوائفه وقومياته وأديانه على كل مقدرات البلاد، وباتت موارده حكرا عليهم وعلى أتباعهم وأقربائهم، فتشكلت أمبراطوريات كبرى للتجارة والمقاولات وتمثيل الشركـات العربية والاجنبية من هؤلاء، تستولي بالقانون المفصل على رغباتهم وشهواتهم المادية على كـل مناقصات وعقـود المشاريع التي يحتاجها المواطن، ثم تسرق الاموال المرصودة لها في ظل غياب تام للسلطة القضائية، وسلطة البرلمان الرقابية التي يفترض أن تكون هي سلطة الشعب كمـا ينبغي وكما هـم يدعون بذلك، ثم تسوى الامور بين الجميع بطريقة الصفقة حيث يصمت كل عن فضح الاخر كي تستمر عمليات السرقة والفساد، بينما يبقى المواطن هو الخاسر الوحيد في هذا الصراع المادي والمعنوي.
بل وصل الاستهزاء بالشعب والتلاعب بمقدراته حدا لايوصف، حينما تم إلغاء البطاقة التي تُيسّر لكل مواطن الحصول على بعض مستلزمات غذائه الاساسي، وكان التبرير الحكومي لاتخاذ ذلك القرار هو قطع الطريق على من يُفسد ويرتشي من عقود الغذاء. 
أي أن المسؤول يُفسد ويتلاعب بالعقود بهدف السرقة، والمواطن هو من يدفع ثمن ذلك الفساد من لقمة خبزه. ولأن القانون غائب والقضاء عاطل، والدولة لا هوية لها، ولأن السلطات فيها متناقضة وفي حالة صراع دائم بسبب الاجندات الاقليمية والدولية الممثلة في شخوص السلطة، فقد برزت سلطات وزعامات أخرى دينية وقبلية وعشائرية ومليشياوية مستغلة حاجة المواطن الى الحماية، فبسطت سلطاتها عليه وراحت تبتزه في أمنه كي يعلن الولاء التام لها، وتجبره على أنتخابها كي تضع قدمها في مركب السلطة مع الاخرين، وعندما فازوا بالصعود الى هذا المركب تحولت بعض الزعامات القبلية الى أذرع سلطوية يُسبّحون بحمد الحاكم وينعمون بعطاياه. كما فضل بعض رجال الدين الاصطفاف مع الحاكم على الانتخاء لقيم الدين، وباتوا رهن أشارته يظهرون معه على شاشات الفضائيات بينما يُقتل شعبهم وتُغتصب نساءهم في السجون، كي يشكل منهم اللجان التي تغطي على جرائمه وتعطيه صكوك الغفران، مما أفقد المواطن أي سند أجتماعي يمكن أن يوفر له قسطا من الحماية.
وأمام هذه التحديات الكبرى لم يعد هنالك من طريق أمام شعبنا الا التصدي بالصدور العارية لكل هذا الهوان والذل والقتل والتغييب والتهجير والاغتصاب، مستندا على قواه الوطنية الحقة ورموزه الدينية والعشائرية الشريفة التي لم تهادن المحتل وحكوماته، والتي أتخذت مـن الانحياز الى الشعب والوطن منهجا استراتيجيا لها منذ العـام 2003 وحتى اليوم. 
لقد توقف الزمن في ذهنية المواطن العراقي منذ الغزو وحتى اليوم، ولم يعد تداول السنين يعني له شيئا بعد أن تساوى ليله بنهاره ويومه بأمسه. فالمأساة تتعاظم في كل يوم وتتحول من ظلم مليشياوي وحزبي الى ظلم مؤسساتي تمارسه أجهزة الدولة والقيادات العليا في هرم السلطات تحت مُسميات الدستور والقانون. 
كان العراقي حتى في أحلك ظروف الحصار الظالم يُمنّي نفسه في المستقبل ويؤمن بأن لابد من نهاية لمعاناته، لكنه فقد الحاضر والمستقبل في ظل الاحتلال وسلطاته، بعد أن تم حصر تداول السلطات في مجاميع سياسية لاتؤمن أطلاقا بالحقوق الشعبية، وتستولي على موارد البلد وثرواته كي تضعها في خدمة فئة قليلة. 
كما كان للتهميش والاجتثاث والعزل والاقصاء أثر بالغ في خلق شعور عام بأن أفراد المجتمع قد باتوا مقسمين على درجات وليسوا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، مما أوجد بيئة ملائمة لحدوث الانتفاضة بعد أن فقد المواطن كل شيء يمكن أن يجعله يخاف على فقدانه، فتراكمت الكتلة الحرجة من الاحتجاج والاضطهاد والفساد والتمييز، وأنتفخت حدود فائض الغضب لتنفجر دفعة واحدة في أنتفاضة الانبار التي بدأت بالاتساع لتشمل صلاح الدين والموصل، مما يعني أن الكتل الجماهيرية بدأت بأدراك ماتحتاجه لتحصل عليه، وكذلك بأدراك مالاتحتاجه كي تتخلص منه، وهي مرحلة وعي متقدم ترفض البقاء في حظيرة الارتهان للسلطات الحاكمة وللاحزاب الطائفية المليشياوية، التي بسببها توقف النمو والتطور في كل مناحي الحياة، وهو تمرد صحي قيمته الكبرى أنه يضع حدا للمظالم ويوفر الكرامة للجميع بغض النظر عن الانتماءات الصغرى والهويات الفرعية. كما كان تركيز المنتفظين على رفض نسب حراكهم الى أية قوة سياسية أو حزبية أو طائفية دليل واضح على ارتقاء الوعي لديهم.
أولا: وعي تام بأن كل القوى السياسية المشاركة في السلطة حتى لو كانت من نفس نسيجهم الاجتماعي، هي قوى ساهمت في أفقارهم وأضطهادهم وأنشغلت بالاثراء على حسابهم، وبالتالي فهم بريئون منها حتى لو كانوا قد شاركوا في وصولها الى مراكز السلطة والبرلمان.
ثانيا: وعي بأن المرحلة التي يمر بها العراق لاتتطلب الخوض في نقاشات سياسية عن شكل الحكم وطبيعة النظام السياسي، بل تتطلب البحث عن حكومة نزيهة قادرة على النهوض بالحد الادنى من الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والامنية، ومكافحة الفقر والبطالة ووقف انتهاكات حقوق الانسان. 
لقد بات واضحا لكل العراقيين بأن السلطة الحالية والقوى السياسية التي تقف خلفها غير قادرة على تقديم أية خدمة حقيقية، لأنها ولدت من رحم أزمة سياسية تطلبت أيجاد مناصب سياسية فصلت على حجوم تلك القوى وليس لتقديم خدمات أجتماعية للمواطن، وبالتالي بات المنصب الحكومي هو حيز لتعزيز وتمويل القوة السياسية التي حازت عليه، وخندق صراع متقدم ضد القوى الاخرى، وبذلك لن تساعد طبيعة هذا الفهم على خلق شعور بالمسؤولية تجاه أستحقاقات المنصب من قبل المسؤول من جهة، ومن جهة أخرى لن تستطيع خلق قناعة لدى المواطن بأن الدولة دولته، وبذلك تفقد شرعيتها أن كانت لها شرعية ويصبح تحديها مسؤولية شرعية وقانونية وهذا هو الذي يحصل اليوم. لكن ذلك لن يجعل السلطات الحالية تقف موقف المتفرج على مايجري لأنه خطر يهدد مصيرها ونمط فسادها وإثرائها، لذلك ستستخدم سلطاتها وأجهزتها للتأثير على المنتفضين. 
أولا عن طريق التعرض لتجمعات المواطنين بالقوة والقمع والتنكيل. ثانيا زج بعض القوى السياسية والشخصيات الدينية والعشائرية الموالية للسلطة من نفس النسيج الاجتماعي للمتظاهرين، بهدف إفساد تنظيم التجمعات وتشتيتهم والتأثير عليهم بالصلات الاجتماعية والدينية لتقديم تنازلات عن المطالب الحقيقية، وهذا هو الذي حدث عندما تم إرسال صالح المطلك اليهم كي يقنعهم بفض الاعتصام دون الاستجابة الى مطالب الجماهير. 
لكن مهما تكن النتائج فلن تعود الحالة الى ما كانت عليها قبل الانتفاضة، وسيكون تاريخ الانتفاضة حدا فاصلا بين ما مضى وما سيأتي. لذلك فإن مسؤولية حماية الجماهير المنتفضة وإظهار القيمة التاريخية لهذا الفعل البطولي واجب وطني على كل المثقفين والكتاب ووسائل الاعلام المحلية والعربية، كي يتعزز في ساحات أخرى في كل محافظات ومدن وقرى العراق وصولا الى انتفاضة شاملة كبرى تكون في مستوى عمل تاريخي ينهض بالوطن وشعبه، يعيد وحدته الوطنية. 

ملاحظة:
نشر المقال هنا.


ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..