وجهات نظر
فهمي هويدي
تصالح
الشيطان الأكبر مع الولي الفقيه يعد أحدث انقلاب في الشرق الأوسط حيث إنه يفرض
علينا توازنات جديدة وخريطة سياسية جديدة، لا دور للعرب فيها ونرجو ألا يدفعوا
ثمنا لها.
أتحدث
عن الاتفاق الذي وقعه في جنيف ممثلو الدول الخمس الكبرى والاتحاد الأوروبي مع
إيران في أعقاب التصالح الذي تم سرا بين واشنطن وطهران بعد مضي 34 سنة على القطيعة
والخصام بين الطرفين.
ذلك
أننا لم نعرف إلا هذا الأسبوع فقط أن التواصل بين الخصمين مستمر منذ ثمانية أشهر
تقريبا.
وأنه
أحيط بستار كثيف من السرية حجبته عن أقرب الأقربين،
كما
أنه خضع للتمويه وعمليات الخداع، التي جعلت الاجتماعات تعقد في سلطنة عمان، وفي
بعضها كانت الوفود تدخل من الأبواب الخلفية للفنادق، وتستخدم المصاعد المخصصة
لخدمات الغرف، كي لا تلفت أنظار الصحفيين والنزلاء.
وكالة
أسوشيتدبرس للأنباء بثت يوم السبت الماضي 23 نوفمبر تقريرا مستفيضا روت فيه قصة
الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران، ذكرت فيه أنها بدأت في شهر مارس من العام
الحالي، أثناء وجود الرئيس أحمدي نجاد في السلطة وقبل انتخاب الرئيس حسن روحاني في
شهر أغسطس.
(وكالة رويترز ذكرت أن المبادرة كانت من جانب
وزير الخارجية السابق علي أكبر صالحي التي أيدها السيد علي خامنئي المرشد الأعلى
للثورة الإيرانية).
وقد
لعب السلطان قابوس دور الوسيط الذي ساعد على تواصل الطرفين.
ذكر
التقرير أيضا أن المباحثات التي بدأت في شهر مارس نشطت بعد انتخاب الرئيس حسن
روحاني في شهر أغسطس.
وهو
ما مهد الطرفين للاتصال الهاتفي المباشر الذي تم بين الرئيسين الأمريكي والإيراني
في أواخر شهر سبتمبر، حين كان روحاني يرأس وفد بلاده لدى اجتماع الجمعية العامة
للأمم المتحدة.
اخفت
الإدارة الأمريكية نبأ الاتصالات عن حلفائها، رغم تعهدها في السابق بإطلاعهم على
أي محادثات تجريها مع إيران.
وكان
أول الحلفاء الذين أحيطوا علما بالأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
الذي اجتمع بالرئيس الأمريكي في 30 سبتمبر الماضي.
وهو
ما أثار ذلك غضبه ودفعه إلى مهاجمة إيران بشدة في كلمته أمام الجمعية العامة في
اليوم التالي ووصف الرئيس روحاني بأنه «ذئب في ثياب حمل»،
وقال
إن الاتفاق مع طهران بشأن البرنامج النووي يمكن أن يعد صفقة القرن بالنسبة
للإيرانيين.
أصداء
الاتفاق في إسرائيل كانت الأشد حدة والأكثر صخبا.
فقد
وصفه نتنياهو في بداية الجلسة الأسبوعية لحكومته صباح يوم الأحد (24/11) بأنه «خطأ
تاريخي أصبح العالم في ظله أشد خطرا».
وحذر
من أن يؤدي رفع العقوبات الجزئي عن إيران إلى تشجيعها على استئناف عمليات تخصيب
اليورانيوم في الوقت الذي تراه مناسبا.
في
الوقت ذاته، كشف وزير الشئون الاستخبارية يوفال شطينتس النقاب عن أن إسرائيل نجحت
في تعديل مسودة الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران قبل ساعات من إنجازه.
من
ناحيته قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان أنه يتوجب على إسرائيل أن
تبحث عن حلفاء جدد بناء على مصالح مشتركة، تقوم على «مبدأ خذ وهات».
وأشار
في هذا الصدد إلى أهمية التعامل مع الدول الغنية في العالم الإسلامي المعنية
بالاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجال التقنيات المتقدمة والزراعة.
أثار
الانتباه في هذا الصدد كلام وزير الشئون الاستخبارية الإسرائيلي يوفال شطينتس
للإذاعة العبرية يوم الأحد الذي قال فيه إن هناك
التقاء مصالح واضحا بين إسرائيل ودول الخليج الراغبة في منع إيران من امتلاك
السلاح النووي.
وتحدث عن أهمية البحث عن وسائل للتنسيق مع تلك الدول من أجل بناء تحالف
واسع لمواجهة الخطر الإيراني.
وكان
كل من مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق البروفيسور ألون ليفين والباحث
يوفال بوسموت قد دعيا في مقال مشترك نشرته مجلة «سيكور» البحثية في عدد شهر نوفمبر
إلى وجوب توظيف مخاوف بعض دول الخليج من مخاطر المشروع النووي الإيراني في تحقيق
مصالح إسرائيل الإستراتيجية.
(2)
الخبراء
الإيرانيون الذين تحدثت إليهم في الموضوع خلال اليومين الماضيين قالوا ما يلي:
* إن
الاتفاق اعترف بإيران كقوة إقليمية نووية لها الحق في تخصيب اليورانيوم للأغراض
السلمية في حدود متفق عليها.
* إن
الاتفاق تم بأسرع مما توقعوا، لإدراكهم أن الضغوط الإسرائيلية والفرنسية لعرقلته
كانت شديدة، وأن تلك الضغوط مارستها بعض الدول الخليجية من خلال بعض جماعات الضغط
التي تمولها في واشنطن.
* إن
الولايات المتحدة وازنت بين التهديدات الإسرائيلية التي لوحت فيها بأنها ستقوم من
جانبها بعمل عسكري ضد إيران بدعوى حماية أمنها القومي، وبين ما يمكن أن تجنيه من
فوائد جراء اتفاقها مع إيران،
وأدركت
خلال جولات المفاوضات الخمس أن كفة الفوائد الأخيرة أرجح، وهو ما حسم حين التقى في
جنيف أخيرا وزيرا الخارجية لكل من الولايات المتحدة وإيران.
وكان
للسيدة كاترين آشتون مفوضة الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية دورها الإيجابي في
إنجاح ذلك اللقاء.
* إن
التفاهمات الإيرانية الأمريكية تجاوزت حدود البرنامج النووي وتخفيف العقوبات
الاقتصادية،
ولكن
العنصر الحاسم فيها كان الاتفاق على اشتراك إيران في مكافحة الإرهاب في سوريا
والعراق ولبنان وأفغانستان.
* إن
الاتفاق على تخفيف الحظر يمكن إيران من استرداد أكثر من سبعة مليارات من الولايات
المتحدة مجمدة لدى البنوك العالمية،
ولكن
التخفيف بدأ بالإفراج عن الأموال المجمدة في البنوك الآسيوية دون الغربية (في
كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا). وهذه قيمتها تتجاوز مليارا ونصف المليار من
الدولارات،
وقد
سارعت إيران إلى استخدام تلك الأموال في استيراد بعض احتياجاتها فور توقيع
الاتفاق، أي بعد الساعة الرابعة صباح يوم الأحد.
* إن
بعض الشركات الغربية الكبرى التي أسهمت في المقاطعة طوال العقود الثلاثة الماضية
بدأت اتصالاتها للعودة إلى العمل مرة أخرى في إيران،
وكانت
شركة شل العاملة في مجال استثمارات حقول النفط واحدة من أهم تلك الشركات.
(3)
منذ
قامت الثورة الإسلامية في عام 1979 واعتمدت طهران شعار «الموت لأمريكا» ــ (مرك بر
أمريكا) جرت هندسة منطقة الشرق الأوسط بحيث وقفت أغلب دوله في صف مخاصمة إيران،
وكانت مصر والسعودية في مقدمة تلك الدول.
وكثفت
الولايات المتحدة من وجودها العسكري في منطقة الخليج التي سارعت دولها إلى
الاحتماء بالغطاء الأمريكي، وانفتح ملف الجزر الثلاث التي اتهمت دولة الإمارات
إيران بالاستيلاء عليها.
وفي
الوقت ذاته ارتفعت بعض الأصوات محذرة من الأطماع الفارسية تارة ومن المد أو الهلال
الشيعي تارة أخرى.
وظلت
إيران التي تحدَّت الجميع شوكة في حلق المنظومة الغربية وإسرائيل بوجه أخص.
وكان
عداء الأخيرة أكبر، حيث اعتبرت الثورة الإسلامية تهديدا وجوديا لها. سواء جراء
تمردها على الإرادة الغربية أو دعمها للمقاومة الفلسطينية. وكان البرنامج النووي
الإيراني أخطر تلك العوامل.
وخلال
تلك السنوات التي ناهزت الثلاثين تمت شيطنة إيران في الخطاب السياسي والإعلامي
العربي، بحيث اعتبرت خطرا على العالم العربي معادلا للخطر الإسرائيلي. ولم تخل
الأجواء من كتابات نشرتها الصحف ادعت أن إيران هي الأخطر. وكانت الحرب العراقية
الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات إحدى ذرائع درء ذلك الخطر (ملاحظة من الناشر: كانت الحرب درءاً حقيقياً لذلك
الخطر، وليس مجرد ذريعة).
بالتوازي
مع ذلك فإن واشنطن اعتبرت إيران من الدول الراعية للإرهاب، وقد ذكر موقع الخارجية
الأمريكية أنه في يوم توقيع الاتفاق كانت إيران قد أمضت عشرة آلاف و902 يوم (29
سنة وعشرة أشهر وخمسة أيام) وهي مدرجة ضمن تلك القائمة السوداء.
(4)
هذا
المعمار كله بصدد التغير، خصوصا إذا ما تم توقيع الاتفاق النهائي بعد سنة. (ما تم
اتفاق إطار مدته ستة أشهر). وهو ما تحاول أطراف عدة عرقلته، وأعني الأطراف
الأمريكية المتعاطفة مع إسرائيل (الجمهوريين وبعض مراكز الأبحاث) ومعها ضغوط
خليجية تمارس في ذات الاتجاه.
رغم
أن ثمة مصالح اقتصادية كبيرة في الولايات المتحدة حبذت الاتفاق، واعتبرته بابا
يمكنها من الدخول إلى إيران واهتبال فرصة الاستثمار فيها بعد طول غياب.
وإذا
جاز لنا أن نرصد معالم الصورة في أعقاب توقيع الاتفاق، فبوسعنا أن نوجز أهم معالمه
فيما يلي:
* بدا
من ملابسات الاتفاق أن محورا جديدا تحت التشكل في المنطقة قوامه التحالف الإيراني
الروسي الذي برز دوره في الصفقة الأخيرة، وكانت له بوادره في وقف الحملة العسكرية
ضد سوريا.
* أصبحت
الولايات المتحدة تعتمد في ضمان استقرار المنطقة على إيران وتركيا، وبعدما خرجت
مصر من دائرة التأثير في العالم العربي منذ عصر مبارك وأدى عدم الاستقرار الذي
تشهده حاليا إلى سحب رصيد أهميتها في المنطقة.
فإيران
موجودة على الأرض في سوريا والعراق ولبنان وبدرجة أو أخرى في شمال اليمن حيث
الحديث متواتر عن دعمها للحوثيين.
وتركيا
لها دورها في سوريا والعراق وفي منطقة القوقاز بوسط آسيا، فضلا عن حضورها
الاقتصادي المهم في العديد من الأقطار العربية.
* إسرائيل
ستكون مستفيدة أيضا، لأن الكيماوي السوري والنووي الإيراني ظلا مصدرين لقلقها طوال
السنوات الماضية.
وقد
تم تفكيك وإغلاق الملف السوري بالاتفاق الأخير بين موسكو وواشنطن.
وها
هو اتفاق جنيف يطمئنها نسبيا لأنه يضع قيودا على النووي الإيراني، رغم أنها كانت
ولاتزال تطمح إلى إيقافه وتفكيكه تماما كما حدث مع الكيماوي.
* أسهم
إيران في المنطقة العربية خصوصا في الخليج سوف ترتفع. وسوف ينعكس ذلك على سوريا والعراق
ولبنان.
وسيكون
الخليج في موقف أضعف نسبيا في مواجهة طهران، خصوصا أن بعض دوله دأبت على الاستقواء
بالولايات المتحدة في مواجهتها.
ينسحب
ذلك على السياسة السعودية التي سبق أن خسرت رهانها على الدور الأمريكي في قصف
سوريا، وعلى تعزيز اصطفاف مجتمعات أهل السنة في مواجهة إيران.
* لاتزال
هناك أسئلة مثارة حول مصير الحرب الطائفية بين السنة والشيعة في العالم العربي،
وموقف
إيران من دعم المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، ومستقبل العلاقات
الراهنة بين القاهرة وطهران.
خلاصة الخلاصة أنه في معادلة موازين القوى الجديدة بالعالم العربي فإن
إيران تصدرت قائمة الفائزين، لكن العرب لم يرد لهم ذكر.
ملاحظة:
نشر
المقال هنا.
هناك تعليق واحد:
صدقوني ان لا قطيعة ولا جدال ولا خلاف بين ايران واسرائيل وامريكا وان كل ما يقال عن هذا الامر ما هو الا ذر للرماد في العيون والدليل على ذلك ان ايران دولة لها اقتصاد جيد ولم يعاني اقتصادها من اي مشاكل ولو كانت امريكا جادة في تفكيك اقتصادها لفعلت والاتفاق الاخير يؤكد هذا الكلام ... الدولتين الوحيدتين التين لا وجود لتنظيم القاعدة او اي ميليشيا مسلحة للتخريب فيها هي ايران واسرائيل
إرسال تعليق