موقعنا الجديد، مع التقدير

موقعنا الجديد، مع التقدير
نأسف لإزعاجكم، انتقلنا إلى هنا رجاءً، يرجى الضغط على الصورة للانتقال إلى موقعنا الجديد

الخميس، 29 ديسمبر 2011

دراسة قيِّمة عن سياسة العراق الخارجية/ 2

في الجزء الثاني من هذه الدراسة، يواصل الدبلوماسي العراقي السابق، والكاتب الصحفي والأكاديمي المعروف، عبدالله الغني، استعراض ملامح ومواقف أساسية من سياسة العراق الخارجية، في المسارين العربي والدولي، وبيان موقف الرئيس الشهيد صدام حسين من القطبية الدولية والامبراطورية الأميركية.

الجزء الأول هنا


وتأتي الدراسة في إطار منهج اللجنة التحضيرية للاحتفاء بذكرى استشهاد القائد البطل صدام حسين.

السياسة الخارجية لدولة العراق الوطنية // الجزء الثاني:
نماذج عملية من نهج الحكم الوطني في المسارين العربي والدولي


الدكتور عبدالله الغني
في الجزء الاول من هذه المقالة تناولنا الخلفية الموضوعية التاريخية للنهج الجديد في السياسة الخارجية لدولة العراق الوطنية الذي اختطته حكومة ثورة 17-30 تموز 1968 ، بما فيها عناصر القوة والعبقرية في الكيان العراقي ، كما  تطرقنا الى الدور البارز الذي اداه الرئيس الشهيد في بلورة هذا النهج ، واستعرضنا جوانب كثيرة من المسار العربي في هذه السياسة. ونستكمل بعض الجوانب من هذا المسار قبل الإنتقال الى المسار الدولي.
كان النهج العراقي في السياسة الخارجية على الصعيد العربي نموذجا فريدا لم تعتده منظمومة العمل العربي المشترك والعلاقات البينية العربية. وكانت القيادة العراقية تؤكد من كل منابر العمل العربي المشترك وفي التعاملات الثنائية مع الدول العربية أن العرب لديهم من الطاقات والقدرات، إذا أرادوا استثمارها، ما يفرض هيبتهم وإحترامهم ومكانتهم  في تعامل دول العالم كبيرها وصغيرها معهم، وما يجعل أية قوة كبرى تتردد كثيرا قبل أن تقدم على ما يلحق الضرر بألمصالح القومية المشتركة للدول العربية ومصالح كل منها على حدة . وكان يدعو على الدوام الى أن يتضامن العرب ويحشدوا كل طاقاتهم من أجل زيادة ثقلهم في السياسة الدولية ووضع حد التخلص من سياسة التعسف والإستهانة بالحقوق العربية من قاموس العلاقات الدولية.
وفي هذا الإطار كان ثمة من يقول أن الموقف العراقي المناهض لأية مشاريع أميركية لتحقيق تسوية سلمية تفاوضية للقضية الفلسطينية موقف غير واقعي يتجاهل حقائق الوضع الدولي وهيمنة الولايات المتحدة على نصف القرار الدولي قبل عام 1990 وكله بعده، ويتجاهل حقائق الوضع العربي الحافل بأنظمة ليس لديها الإستعداد ولا القدرة على التصدي بالقوة للكيان الصهيوني وأطماعه ومشاريعه العدوانية التوسعية وعملياته التخريبية المفسدة لأمن الاقطار العربية كلا على انفراد والمخربة بالمحصلة للأمن القومي العربي. كان العراق يرى أن هذه المساعي،  على افتراض سلامة نوايا الجهات الداعية اليها وهو أمر مشكوك فيه، لا يمكن أن تقود لإنصاف الفلسطينيين وإرجاع حقوقهم المغتصبة لسبب بسيط هو الإختلال الصارخ في ميزان القوى بين الكيان الصهيوني المدعوم دعما غير محدود لكامل أطماعه وفي كل مشاريعه التوسعية من معظم القوى الدولية الكبرى، والشعب الفلسطيني الذي لايلقى إلا دعما محدودا من بعض الأطراف الدولية ومشروطا (في الأطار الذي رسمه قرارا مجلس الأمن 242 و 383 اللذان لا يعالجان إلا نتائج احدى مغامرات الكيان الصهيوني التوسعية ولا يتناولان إلا بعض نتائج المشكلة وليس أسبابها، وباسلوب ملغوم وغير ملزم للكيان الصهيوني المغتصب).
وكان الرئيس الشهيد صدام حسين يقول ان العراق عندما يطلب من كل العرب أن يجاهدوا من أجل تحرير فلسطين وإزالة الخنجر الصهيوني الإستعماري الغربي المغروز في قلب الأمة العربية، لاينطلق من الخيال.
فالدعوة للجهاد لا تفترض مشاركة كل الأنظمة العربية في القتال ضد الكيان الصهيوني، رغم مشروعية هذا الإفتراض من الناحية المبدئية، ولكنها تعني أن كل دولة عربية تشارك في هذه المعركة المصيرية بما هي قادرة عليه ومستعدة له. فمنها من يشارك بالجيوش، ومنها من يشارك بتسليح هذه الجيوش أو بتمويل تسليحها، ومنها  من يشارك بممارسة المقاطعة النفطية، ومنها من يشارك بممارسة العقوبات الإقتصادية على البلدان الداعمة للكيان الصهيوني، ومنها من يشارك باستثمار علاقاته الدبلوماسية والإقتصادية المتميزة بهذا الطرف الدولي أو ذاك من أجل تعزيز الضغوط على الكيان الصهيوني، ومنها من يشارك بممارسة اشكال شتى من المقاطعات عبر الموانىء والمطارات والأجواء وطرق المواصلات لكل التحركات العسكرية والأعمال التجارية للأطراف التي تتجاهل المصالح والحقوق العربية. وثمة أشكال كثيرة للعمل العربي المشترك المتجه نحو زيادة الثقل العربي في السياسة الدولية ما يعطي الكل شرف المشاركة بما يحمي كرامتهم ويصون حقوقهم .
ومن هذا المنطلق كانت دعوة العراق لفرض الحظرعلى تصديرالنفط للدول الغربية التي ناصرت الكيان الصهيوني في حرب تشرين 1973 . ومن هنا ايضا انطلقت الخطوة الدبلوماسية الصلبة التي اتخذها العراق في مواجهة مخطط اسرائيلي لفرض احتلاله وتهويده القدس الشريف اواخر الثمانينيات في إطار سياسة الأمر الواقع. فبعد أعلان الكيان الصهيوني عن طلبه من الدول المختلفة نقل سفاراتها الى القدس الشريف في تحد سافر لقرارات الأمم المتحدة التي (رغم قصورها عن الفعل المطلوب) لم تقر باحتلاله والحاقه الأراضي العربية والفلسطينية في عدوان الخامس من حزيران 1967. وفي مواجهة هذا التطور الخطير لم يكتف العراق بالتنديد والبيانات بل بادر الى فعل يدلل على قدرة العرب على فرض حقوقهم واحترامهم على المجتمع الدولي اذا تضامنوا وعملوا سوية على رفض الظلم والإستهانة الدولية بهم وبحقوقهم. فقام الرئيس الشهيد بزيارة عمل سريعة الى المملكة العربية السعودية اتفق فيها مع الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله على الإعلان عن مقاطعة أية دولة تنقل سفارتها الى القدس. وبالفعل تراجعت الدول التي كانت تنوي القيام بهذا الإنتهاك السافر لقرارات الأمم المتحدة.
ورغم الخلافات الجوهرية بين القيادة العراقية والنظام الأردني في بداية السبعينيات والتي تمحورت حول موقفه من فصائل المقاومة الفلسطينينة وغيره من أمور تتصل بالقضية الفلسطينية، إلا أن هذا لم يمنع العراق من تقديم دعم سخي للأردن في عام 1974 .
فعندما زار العراق وزير اردني (واعتقد أنه السيد سليمان عرار) لطلب قرض بـ 30 مليون دينار عراقي (بما يوازي أكثر من 90 مليون دولار) لغرض تسديد رواتب الجيش الأردني، حسب قول الوزير الأردني ، قال له السيد النائب (حينذاك) صدام حسين : " المبلغ الذي طلبته نقدمه لكم ليس بصيغة قرض وإنما هدية من الجيش العراقي الى أخيه الجيش الأردني".
ورغم الخلافات السياسية العميقة التي كانت قائمة مع حكومة القطر السوري الشقيق عام 1973 (عقب سيطرتها على أنابيب ومنشآت التصدير العائدة لشركة نفط العراق في الأراضي السورية عقب قرار الحكومة العراقية بتأميم ممتلكات شركة نفط العراق ما اعتبرته الجهات العراقية آنذاك مصادرة لأصول آلت الى ملكية الدولة العراقية)، ومع نظام أنور السادات حول موقفه المؤيد  لمشاريع التسوية الإستسلامية للقضية الفلسطينية ، إلا أن العراق بادر الى إرسال عدة ألوية مدرعة عراقية الى الجبهة السورية، وسرب من الطائرات المقاتلة العراقية الى الجبهة المصرية. وقد أدت القوات العراقية دورا كبيرا في القتال ضد القوات الصهيونية على الجبهة السورية ووقف زحفها باتجاه دمشق العربية. وسقط العشرات من شهداء العراق على ثرى سورية ودفنوا في مقابر للشهداء العراقيين في أراضيها، مثل مقابر شهداء الجيش العراقي في جنين بفلسطين وفي المفرق في الأردن. كما شاركت المقاتلات العراقية في أول هجوم للقوات المصرية على قوات العدو الصهيوني في سيناء.
ويروي الأخوة السودانيون أن وفدا سودانيا توجه لعدة عواصم عربية في الثمانينيات لطلب مساعدة عسكرية لمواجهة قوات جون قرنق الإنفصالية التي احتلت مدينة جوبا الجنوبية، وقد تردد الوفد كثيرا في الذهاب الى بغداد لتقديره أن العراق يخوض معركة واسعة ضد العدوان الإيراني ويصعب عليه تقديم أي مساعدة عسكرية للغير.
لكن الوفد قرر أخيرا أن يذهب الى بغداد، وفيها التقى بالرئيس الشهيد وعرض عليه حاجة السودان. فرد الرئيس رحمة الله عليه "يصير خير إن شاءالله".
وعاد الوفد الى الفندق دون أن يحدس معنى هذا الرد، هل وافق الرئيس أم لم يوافق؟
وبعد يوم التقى الوفد بنائب رئيس الجمهورية المرحوم طه ياسين رمضان ليستفسر عن نتيجة اللقاء. فقال لهم أن الجسر الجوي لنقل مساعدات العراق العسكرية للسودان قد بدأ وأن المساعدات في طريقها الى السودان.
ويقول أحد العسكريين السودانيين أن طائرات حربية عراقية توجهت من العراق الى السودان وقد رسم عليها العلم السوداني لتشارك في الدفاع عن وحدة وعروبة السودان.
(وقد أعلن الرئيس صدام حسين رحمه الله بكلمة واضحة موقفه هذا بقوله "البصرة والكرمك عندي سيان" وكان الجيش العراقي يخوض معارك عنيفة مع العدو الإيراني قرب مدينة البصرة بجنوب العراق_ الناشر).
ومما يرويه الأخوة البحرينيون عن مواقف الدعم العراقية لعروبة البحرين وسيادتها واستقلالها بوجه التهديدات والأطماع الإيرانية أن الرئيس الشهيد أوفد المرحوم الفريق عدنان خيرالله وزير الدفاع الى البحرين في عز التهديدات الإيرانية للبحرين.
وقد نقل الوزير العراقي رسالة من الرئيس المرحوم صدام حسين الى امير البحرين المرحوم الشيخ عيسى آل خليفة عرض فيها إستعداد العراق لإرسال قوة برية أو جوية أو بحرية عراقية الى البحرين ووضعها تحت تصرف القيادة البحرينية للدفاع عن البلاد بوجه التهديدات التوسعية الإيرانية.
وكانت موريتانيا محطة مهمة للفعل العراقي القومي في ميدان السياسة الخارجية. فقد تعرضت موريتانيا لتهديد بالغزو من دولة أفريقية مجاورة واستنجدت بالعراق. فحول العراق مسار صفقة دبابات ومدرعات ضخمة اشتراها من روسيا الى نواكشوط.
وروى أحد المسؤولين الموريتانيين السابقين أن "السلطات الموريتانية فرضت حظر التجوال في العاصمة لتفسح الطرق لإنتقال المدرعات والأسلحة المهداة من العراق الى معسكرات الجيش الموريتاني".
ومعروف للأخوة في اليمن دور العراق في مساعدة حكومة الوحدة في المعركة ضد المحاولة العسكرية لفرض أنفصال الجنوب اليمني. كما يعرف الأخوة في المغرب كيف قدم العراق كمية كبيرة من النفط الخام هدية لشعب المغرب ردا لى طلب المغرب شرائها بقرض من العراق. وهذا ليس إلا غيض من فيض من التطبيقات على الأرض للنهج العراقي في السياسة العربية.
ولابد هنا من المرور بموقف هو الإستثناء من القاعدة أي من كل هذه المسيرة القومية الرائعة في سياسة العراق الخارجية على المستوى العربي. إنه الموقف من الأزمة مع نظام آل صباح في الكويت.
فقد انتقدت القيادة على لسان المجاهد عزة الدوري قائد البعث وجبهة الجهاد والتحرير (في خطابه بذكرى ثورة تموز عام 2009) قرار القيادة أواخر تموز/ يوليو 1990 بدخول الكويت الذي دفعها اليه ثبوت ضلوع حكامها في المخطط الأميركي للعدوان على العراق وتدميره من خلال الاستفزازات والأعمال العدوانية العسكرية والإقتصادية.
وأوضح أن الإمبريالية والصهيونية استشاطتا غضبا وحنقا لخروج العراق منتصرا في معركته الوطنية لردع الحرب التي شنها  نظام خميني الصفوي على العراق قائلا: " فأمروا قيادة الكويت وحرضوها على التصدي للثورة المنتصرة وقيادتها الباسلة فأعلنت حربها الاقتصادية على العراق بالإضافة إلى تحرشاتها على الحدود وبتجاوزاتها على حقول النفط العراقية والمشتركة مما دفع القيادة واجبرها لترتكب اكبر خطأ مبدئي واستراتيجي في مسيرتها عند دخول الكويت".
المسار الدولي:  
إمتدادا للدور الريادي الذي أداه العراق في مسيرة الحضارة والمدنية الإنسانية كونه الدولة المؤسسة للحضارة الإنسانية وإلدولة التي ازدهرت فيها وانطلقت منها الحضارة العربية الإسلامية فقد ادى العراق دورا رياديا مؤسسا  في المنظمات الدولية والإقليمية. فالعراق إحدى الدول العربية المؤسسة لجامعة الدول العربية ووإحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة ولحركة عدم الإنحياز. ومن الطبيعي ان يكون النهج الجديد في السياسة الخارجية العراقية الذي رسمته قيادة ثورة تموز 1968على الصعيد الدولي مؤسسا على مبادىء الإستقلال الكامل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وإحترام الإرادة الوطنية الحرة في تحديد الخيارات والقرارات السياسية الإقتصادية والإجتماعية والتعامل مع دول العالم المختلفة على ارضية من التعاون على أسس الندية والمصالح المتبادلة المتكافئة لضمان مصالح العراق الوطنية العليا المرتبطة بتاريخ العراق ومكانته الجغرافية وبهوية شعبه القومية وانتمائه لوطنه العربي الكبير.
وكان الرئيس الشهيد يقول أن العراق لا يرى نفسه في المقاييس الإنسانية ومعايير السيادة إلا ندا مساويا لأكبر بلدان العالم، ولا يرى نفسه على الإطلاق اصغر من أكبر بلد في هذا العالم. وبقدر ما يعبر هذا التأكيد عن الثقة العالية بالنفس والإعتزاز بالوطن ومكانته وأمجاده التاريخية وامكانياته الحاضرة فإنه يعبر في الوقت نفسه عن أهم مبادىء ميثاق الأمم المتحدة وهو المساواة في السيادة بين كل دول العالم كبيرها وصغيرها.
وهكذا تحددت خطوط سياسة العراق الخارجية على المستوى الدولي بما يأتي:
أولا- علاقات حسن الجوار مع الدول غير العربية المجاورة للعراق: حرصت حكومة العراق الوطنية على بناء هذه العلاقات على أساس المصالح المتبادلة المتكافئة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام الخيارات السياسية والإجتماعية والإقتصادية لكل طرف. وعلى هذا الأساس تعامل العراق مع تركيا وأقام علاقات إقتصادية واسعة، وحرص على تأمين الحدود بين البلدين. ولم تشهد المناطق الحدودية أي توتر جراء السيطرة الكاملة للدولة العراقية على كل الأراضي العرقية ومنع اية محاولات للتسلل الى الأراضي العراقي لاستخدامها قواعد للأعمال الإرهابية ضد أمن الدولة الجارة. وقد لاحظ الجانب التركي قيمة الموقف الرسمي العراقي بعد ان فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا بالقوة، بتحريض اسرائيلي، على السلطة المركزية الانسحاب من محافظات الحكم الذاتي الثلاث أربيل ودهوك والسليمانية أواسط عام 1991 مستغلة الظروف بالغة الصعوبة التي عانت منها الدولة العراقية  بعد العدوان الثلاثيني الهمجي الوحشي على العراق بقيادة الولايات المتحدة بداية 1991 وقرارات مجلس الأمن التدخلية غير القانونية التي فرضتها الدولتان المعتديتان من خلال مجلس الأمن والتي كبلت الدولة العراقية وشلت قدراتها العسكرية والإقتصادية.
ومن ذات المنطلق تعاملت حكومة ثورة تموز مع إيران في عهدي الشاه وخميني وسعت لقيام علاقات حسن جوار قائمة على المبادىء المشار اليها في أعلاه. لكن إيران في العهدين كلاهما سلكت متعمدة سياسة الإضرار بمصالح العراق الوطنية  والتوسع على حساب سيادته والتدخل في شؤونه الداخلية. وقد تسببت هذه السياسة الإيرانية باندلاع أزمات متواصلة تمثلت باصطدامات عسكرية على الحدود و دعم عسكري غير محدود قدمه الجيش الإيراني في عهد الشاه  للمتمردين الإنفصاليين الأكراد فضلا عن تمرير كل أشكال الدعم الإسرائيلي العسكري والإستخباري والمادي لهم عبر الأراضي الإيرانية. كما أدىت هذه السياسة الإيرانية إبان عهد خميني إلى شن ايران الحرب الشاملة على العراق لمدة ثمانية أعوام. وما لبثت إيران أن قدمت بعد وقف الحرب أدلة صارخة على سوء نيتها إزاء العراق وما تضمره رغم اختلاف انظمتها من مخططات توسعية شوفينية معادية للعراقيين والعرب. وثمة مثالان ما زالا شاخصين امامنا:  (أ) بعد العدوان الثلاثيني عام 1991 دفعت إيران بعشرات الألوف من أفراد حرسها ومليشيات العراقيين التابعين لها عبر الحدود لمهاجمة قطعات الجيش العراقي المنسحبة من الكويت بعد تعرضها لهجمات إجرامية بشعة من القوات الجوية والبرية الأميركية والبريطانية، ولتخريب المؤسسات العراقية وإشاعة الفوضى والإرهاب والقتل والسعي للسيطرة على جنوب العراق ووسطه والحاقهما بإيران؛ و(ب) شاركت إيران عسكريا وسياسيا واستخباريا  عام 2003  مشاركة رئيسية في الحملة الأمريكية لغزو العراق واحتلاله، وأسهمت بالدور الأول والرئيسي في ادارة السلطة العميلة التي نصبها المحتلون الأميركيون، وفي حماية قوات الإحتلال ومحاربة المقاومة الوطنية العراقية وبث روح التنازع الطائفي والعرقي ونشر الفساد في اجهزة الدولة وإشاعة المخدرات في المدن العراقية وقتل عشرات الآلوف من علماء العراق وطياريه وضباطه وأكاديمييه ومهندسيه وكوادر دولته ومناضليه.
ثانيا- علاقات تعاون ومصالح متبادلة مع الدول الإسلامية والبلدان النامية عموما  ومساعدة البلدان المكافحة من أجل التحرر والإنعتاق من السيطرة الإستعمارية والتخلف والعبودية. وأسس العراق صندوقا للمساعدات الخارجية لتقديم القروض للدول النامية. وبالفعل قدم العراق عدة قروض لدول نامية واسلامية في فترة الثمانينيات. وقد سعى العراق  لمعالجة الصعوبات التي تعاني منها الدول النامية جراء تفاقم مستويات التضخم وارتفاع اسعار النفط والسلع المصنعة المستوردة من الدول الصناعية. فاقترح الرئيس الشهيد صدام حسين في مؤتمر قمة الحركة السادس في هافانا في أيلول/ سبتمبر 1979  تأسيس صندوق تشارك فيه جميع الدول المستهلكة والمنتجة للنفط على حد سواء لتقديم القروض والمساعدات للدول النامية لتسهيل توجهها للتنمية ولمعالجة حالات الفقر والتخلف.
ثالثا- اعتماد سياسة عدم الإنحياز في التعامل مع النزاع بين المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي بقيادة القطبين العالمين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي في ما بات يعرف بالحرب الباردة التي نشبت منذ السنين الأولى بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت حتى انهيار الإمبراطورية الشيوعية السوفيتية في العامين 1989-  1990. وقد حرص العراق وهو من مؤسسي حركة عدم الإنحياز على دعم الحركة واقترح في مؤتمر قمة الحركة السادس في هافانا بكوبا في 3-9 أيلول- سبتمبر 1979  استضافة مؤتمر قمة الحركة السابع في بغداد عام 1982، إلا أن قيام إيران خميني بشن الحرب على العراق  في 4 أيلول/ سبتمبر 1980 جعل الظروف الأمنية غير مؤاتية لعقد القمة في العراق. وبسبب هذا الظرف القاهر  تنازلت الحكومة العراقية عن استضافته للهند التي عقد فيها عام 1983.
رابعا- الصداقة والتعاون مع الدول الإشتراكية: رغم انتهاج العراق مبدأ عدم الإنحياز في سياسته إزاء النزاع بين الكتلتين العالميتين، إلا ان لم يكن يعني في نظر حكومة الثورة المساواة في الموقف من الدول الإشتراكية والدول الغربية والتعامل مع كل منهما في أطر العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف. فلا يمكن أن نتجاهل وقوف الدول الإشتراكية الى جانب الكثير من البلدان النامية والمكافحة من أجل حريتها سواء في الأمم المتحدة أو في قضايا التنمية والتصنيع الوطنيين، ولا يمكن أن نتجاهل في الوقت نفسه أن معاناة البلدان النامية من شتى صنوف التخلف والتمزق والنكبات والحروب تعد في معظم جوانبها  نتيجة مباشرة للسياسات الإستعمارية لبعض الدول الغربية الكبرى. وقد عبرت حكومة ثورة تموز عن استقلال إلإرادة الوطنية العراقية في التعامل على الصعيد الدولي بما يضمن مصالح العراق الوطنية. فاعترفت بعد بضعة أشهر من انطلاقها بالنظام الشيوعي في الجزء الشرقي من المانيا الذي كان محاصرا من الدول الغربية، وأقامت علاقات تعاون صناعية واقتصادية مع عدد من الدول الإشتراكية ظهرت نتائجها في تنفيذ التوجهات الوطنية للإستثمار الوطني للثروات الوطنية العراقية كالكبريت والنفط. وقد تطورت علاقات العراق مع الإتحاد السوفيتي السابق حد التوصل الى معاهدة للتعاون والصداقة عام 1972. وتعبيرا عن النهج المستقل ورفض التبعية أو الإنحياز في السياسة الخارجية، أعربت الحكومة العراقية عن إنتقادها الشديد لمغامرة الغزو العسكري السوفيتي لأفغانستان عام 1979 وحذرت من نتائجها.
خامسا- العلاقة مع الدول الغربية : أعتمدت حكومة دولة العراق الوطنية سياسة متوازنة إزاء هذه الدول تقوم من جهة على التعامل معها على وفق ما يخدم المصالح الوطنية العراقية وشواغل الحكومة العراقية في محيطها العربي بما ينسجم مع مبادىء القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية، وعلى أسس المصالح المتبادلة المتكافئة ومبادىء الندية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة واستقلال العراق وخيارات شعبه السياسية والإقتصادية  العراقي، وعلى الرفض الكامل لسياسات هذه الدول  وضغوطها ومخططاتها الإستعمارية ودعمها اللا محدود للكيان الصهيوني ولكل حركات التخريب والتمرد في الوطن العربي. وحرصت القيادة العراقية على  تشجيع أي توجه مستقل داخل هذه الكتلة للإبتعاد عن هيمنة التحالف الإستعماري الأنكلو- أميركي على الكتلة الغربية. ولذلك منحت القيادة العراقية فرنسا الديغولية -- التي سعت للإبتعاد عن الهيمنة الأميركية وخرجت من القيادة العسكرية لحلف الناتو-- ميزة مهمة بعد اتخاذ قرار التأميم الخالد لشركة نفط العراق في الأول من حزيران/يونيو 1972 حيث قررت الحكومة العراقية الإستمرار ببيع فرنسا نفطا عراقيا بخصم معين على خلاف السعر المباع به للدول الأخرى. كما قام السيد النائب (آنذاك) صدام حسين بزيارة لفرنسا اتفق فيها مع رئيس الوزراء شيراك على صفقة المفاعل النووي الفرنسي وعلى تعزيز العلاقات الإقتصادية مع فرنسا.
 سادسا: الموقف من القطبية والأقطاب والقطب الأميركي الواحد: كتب مؤخرا المحلل الاستراتيجي البريطاني ديفيد بالكي أن الرئيس الشهيد صدام حسين قد تنبأ عام 1993 بحالة الإنهيار التي تعاني منها الولايات المتحدة الآن ، وذلك بعد دراسة  آلاف التسجيلات لأحادبث الرئيس الشهيد التي استولى عليها الغزاة الأميركيون في مكاتب الرئاسة ببغداد ونقلوها الى بريطانيا. لكن تلك النبوءة تعود الى ما قبل ذلك التاريخ.
كان الرئيس الشهيد قد طرح في وقت مبكر منذ الثمانينيات رؤية علمية دقيقة لمسألة الإستقطاب الدولي وهيمنة القطبين الأميركي والسوفيتي على المؤسسات الدولية وبالتالي على السياسة الدولية. فقال أن الكون لا يمكن أن يبقى محكوما بقطبين وأن عصرانفراد القطبين الأميركي والسوفيتي بالسياسة العالمية آيل الى الزوال قريبا، وأن أقطابا جددا ستظهر قريبا لتحتل مكانها في السياسة الدولية الى جانب القطبين الكبيرين. وأشر الى  قرب وحتمية صعود أقطاب جديدة مثل الصين والهند والبرازيل.
وبانهيار القطب السوفيتي عامي 1989- 1990  ظن الكثيرون أن عصر القطب الواحد قد بدأ وأن العهد  الأميركي قد حل وأن الإمبراطورية الأميركية بدأت تتشكل وعلى الكل أن يسلموا بقيادتها للعالم ويستسلموا لنفوذها ورغباتها وإملاءاتها. وقد وقع ساسة الولايات المتحدة ومن يقف وراءهم في المجمع الثلاثي الذي يحكم في الولايات المتحدة من وراء ستار الحزبين والمؤسسات التشريعية (الصناعات الحربية والمؤسسات المالية والقيادة العسكرية) في وهم هيمنة الإمبراطورية الأميركية المطلقة على مقدرات العالم  أو وهم العصر الأميركي ، ما دفعهم لدعم التوجه المتغول في السياسة الاميركية الذي قاده السفاح المجرم جورج هربرت بوش والذي يقوم مبدأ فرض قيادة أميركا على العالم بالقوة العسكرية أي  تحقيق هذا وهم العصر الأميركي بقوة السلاح ومن خلال الإنفراد بالتحكم بالقرار الدولي عبر سيطرته على مجلس الأمن وبالتالي الهيمنة على الأمم المتحدة ووكالاتها. وقد تبلور هذا المبدأ في إطار نظري عام 1996 بما سمي مشروع القرن الأميركي الجديد في عهد كلنتن على يد مجموعة المحافظين الجدد المتصهينة ومعظمهم من سياسيي الحزب الجمهوري، التي ما لبثت أن سيطرت سيطرة كاملة على مقاليد الحكم في عهد إبنه السفاح المتهور جورج دبليو بوش منذ تسلمه الرئاسة بداية عام 2000  بمعية مجموعة من السفاحين المتصهينين، نائب الرئيس دك جيني ووزير الدفاع دونلد رمسفيلد ونائبه ولفوفتز ومستشار سياسات الدفاع ريجرد بيرل و الرئيس الثالث لادارة الإحتلال في العراق المحتل السفير زلماي خليلزاد وغيرهم من المتطرفين المتصهينين.
وكان التمرين الأول لهذا التوجه الجنوني الوحشي تنظيم الحملة الحربية العالمية على العراق 1990- 1991 والتي جمعت فيها الولايات المتحدة أقسى وأفظع وأقوى ما لديها من ضغوط ونفوذ وآلة حربية وقدرات على الإبتزاز لتدمير العراق فاشتملت الحملة على أقسى منظومة للعقوبات في التاريخ وأكثرها شمولا فرضتها عن طريق الأمم المتحدة قبل 5 أشهر من الهجوم العسكري، وعلى أضخم هجوم عسكري  اشتمل على جيوش وامكانيات مادية وتدابير لوجستية من 33 دولة بينها ثلاث دول كبرى وشارك فيه أكثر من مليون جندي والفا طائرة حربية واكثر من 5 ألاف دبابة وآلاف المدرعات والمدافع والصورايخ المسيرة بعيدة المدى.
وقد صممت القيادة الأميركية المتصهينة المتغطرسة هذه الحملة الحربية الكبرى لكي تقدم إستعراضا هائلا للقوة المفرطة المتغولة المتوحشة ومظهرا صارخا لغرور وغطرسة القوة بقصد ترهيب العالم وإخضاعه للمشروع الإمبراطوري الأميركي. وإذا كان هذا الإستعراض قد ادى غرضه في تثبيت وهم قيادة أميركا للعالم في عقول الكثير من الدول والقادة فإنه لم يكن كذلك في نظر العراق. فبعد أقل من ساعتين على بدء الصفحة العسكرية من الحرب العالمية الأطلسية الثلاثينية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق صباح يوم 17 كانون الثاني/ يناير 1991 وسقوط الاف القذائف الأميركية على بغداد ومدن العراق الآمنة أعلن الرئيس الشهيد صدام حسين في كلمة بثتها الإذاعة العراقية أن الولايات المتحدة بهذا العدوان الوحشي على بغداد دار السلام وعاصمة الرشيد بدأت رحلة السقوط نحو الهاوية وأخذت تتدحرج من عرش العالم. ولذلك فإن الرئيس الشهيد قد تنبأ بانهيار أميركا ساعة تنفيذ حربها العدوانية على العراق وليس عام 1993 كما كتب المحلل الستراتيجي بالك.
وكان ذلك استشراف دقيق منه رحمه الله لمصير دولة عظمى استبد بها غرور القوة وركبها الشيطان مما دفعها الى الاستهتار والاستهانة بالقوانين والمواثيق الدولية واحتقار القيم الانسانية وتقاليد الناس المتحضرين وتجاهل حقائق التأريخ التي تقول بانحدار أية امبراطورية تحاول التصرف بوحدانية وهيمنة كونية لا يملكها الا الخالق عز وجل وانتشار واسع عبر الآفاق، وتحاول إخضاع كل العالم لسلطتها ومصالحها الاستعمارية.
ولئن استغرق جلوس اميركا على عرش العالم فترة قصيرة جدا تقل عن عقد ونصف من السنين، فأن هذا العهد الامبراطوري لم يكن زاهرا باي مقياس بل كان من الناحية الفعلية وبالا وعارا على الولايات المتحدة ومسخا لصورتها في العالم  وهزا عميقا لقدراتها في التأثير بماجريات الأحداث العالمية أي انه كان رحلة الانحدار التي بشر بها الرئيس صدام حسين.  وكان العنوان الاول لهذا العهد الأميركي الشائن مضي اميركا في حملتها الحربية الفاشية على العراق، فواصلت في الفترة من آذار/ مارس 1991 وحتى آذار / مارس 2003 هجمات جوية يومية على العراق،  فضلا عن اربعة اعتداءات كبيرة بمئات الطائرات والصواريخ ، كما واصلت فرض كل أنواع الحصارات الاقتصادية والمالية والدبلوماسية والاعلامية والثقافية وتسخير اجهزة الأمم المتحدة لتنفيذ مفردات المخطط الإستعماري الأميركي ومنها سلب خيرات العراق، و تسخير مجموعة كبيرة من بلدان العالم (ومنها للأسف بلدان عربية واسلامية مجاورة) للمساهمة في ذلك. وبمواجهة هذه الحملة الضارية، صمد العراق قيادة وجيشا وشعبا  صمودا اسطوريا لثلاثة عشر عاما ، وقدم تضحيات كبيرة لكنه لم يفرط قيد انملة بحقوق شعبه ومصالحه ومبادئه الوطنية. وقد ادى هذا الصمود الاسطوري الى أحباط اهم اسلحة اميركا الامبراطورية بعد قوتها العسكرية الضاربة، أي افشال العملية الدعائية التضليلية الهائلة التي اقترنت بحملتها الحربية على العراق، وتمزيق براقعها الديمقراطية واغطيتها التحررية وفضح مسوغاتها وتبريراتها الشرعية الزائفة، و فضح سقوطها الأخلاقي المريع مما ساعد في دفع مشروع الامبراطورية الاستعمارية الاميركية الى المرحلة الاخيرة من انحداره نحو الهاوية. وهكذا، بعد ثلاثة عشرعاما على هذه الحملة، وازاء فشل النظام الاستعماري الاميركي في  دفع العراق وحكمه الوطني الى الانهيار او الاستسلام، قاد الطاغية بوش الابن الامبراطورية الاميركية بسرعة نحو حتفها، عندما توج حملتها الفاشية على العراق بقرار خطير مخالف للشرعية الدولية ومنتهك للقانون والمواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها بغزو دولة العراق المستقلة وذات السيادة والمؤسسة للحضارة الإنسانية وإسقاط حكمها الوطني الشرعي واحتلالها واستباحة ارضها ونهب ثرواتها وتدمير حكومتها الوطنية وتنصيب حثالات مجتمعها من عملاء اميركا وعملاء حلفائها في الغزو والاحتلال، ايران واسرائيل وبريطانيا حكاما عليها.
وهكذا اقترفت اميركا الخطأ والخطيئة المهلكين اللذين قصما عمودها الفقري وادخلاها في مرحلة الانحدار السريع نحو الهاوية. فقد استقبل العراقيون غزو الأميركان وحلفائهم ليس بالورود كما صور لهم ذلك عملاؤهم احمد جلبي وعزيز الحكيم ومالكي وغيرهم، بل بالنار والرصاص. وبفضل بطولات العراقيين وفي طليعتهم أبطال المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية وتضحياتهم وتمسكهم بشرفهم وأرضهم ودينهم وكرامتهم وحقهم في الحياة الحرة والسيادة والإستقلال، فقد أنزلوا بجيش اميركا  الاقوى في العالم سلسلة من الهزائم المهينة والخسائر المؤلمة بعشرات الألوف من القتلى وبمئات الألوف من الجرحى والمجانين والمصابين بالعاهات المستديمة ، كما كبدوا الولايات المتحدة خسائر بمئات المليارات، حتى فاقت نفقات الحرب أكثر من 3 ترليونات دولار. وهكذا اقترنت الهزائم العسكرية بهز أركان الإقتصاد الأميركي  الأكبر والأقوى في العالم مما عرضه للاستنزاف وللمزيد من الضعف ثم الإنهيار.
وقد أدى ذلك الى أجبار الولايات المتحدة على أن تقر بالخيبة والهزيمة وتسحب معظم قواتها النظامية من العراق في هذا الشهر. وأدى اندحار هذه الغزوة الإستعمارية الفاشية للعراق الى انكشاف صورة الولايات المتحدة الحقيقية في الوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم عموما بأبعادها الإستعمارية الفاشية المتغولة المتوحشة المعادية لمبادىء الحق والعدل  ولكل القيم الإنسانية والديمقراطية.
واذا كان القائد الشهيد قد استشرف منذ اكثر من 17 عاما بحسه الثاقب المصير المظلم لامبراطورية الشر والعدوان والظلم الاميركية، فأن محللين سياسيين وعسكريين استراتيجيين أميركيين قد فطنوا لذات الحكم ولكن بعد غزو العراق واحتلاله.
فمنذ الشهر الرابع من عام 2004 بدأ الكتاب والمحللون الأميركيون يكتبون عن انهيار مشروع الإمبراطورية الأميركية فقال احدهم قد كتب بان الهجوم البربري الاميركي على مدينة الفلوجة البطلة في ربيع 2004 اعلان واضح عن انهيار الامبراطورية الاميركية.
وحذر زعماء سياسيون اميركيون بارزون في مقدمتهم الرئيس الاسبق جيمي كارتر ومستشار الامن القومي الاميركي الاسبق زبغنيو برجنسكي من الكارثة الكبرى التي تنتظر اميركا في العراق اذا ابقت على احتلالها العراق ولم تنسحب قبل فوات الاوان، واعادوا التذكير بهزيمة فيتنام المرة وتوقع تكرارها في العراق. وحتى عراب الخط الاستعماري المتصهين في السياسة الاميركية هنري كيسنجر ابدى قلقه الشديد من تكرار هزيمة فيتنام في العراق.
أما المفكر والعالم اللغوي الاميركي الكبير نعوم تشومسكي فيرى ان الولايات المتحدة تحمل الآن كل السمات الأولية للدولة الفاشلة مثل عدم الافتقار للقدرة والرغبة في حماية مواطنيها من العنف وحتى من الدمار، والميل لاعتبار نفسها فوق القانون المحلي والدولي مما يدفعها للقيام بالعدوان والعنف، وأصابة اطرها الديمقراطية ب"عجز" ديمقراطي يجرد مؤسساتها الديمقراطية من أي محتوى او جوهر حقيقي. وكتب في 6/ 8/ 2011 مقالا بعنوان "أميركا في طور الإنهيار" قائلا :"إن التفوق الأميركي في حرب الخليج ليس أكثر من إيهام للنفس". وكتب الكاتب جاكس كوبجن كتابا عنونه "نهاية العهد الأميركي: السياسة الخارجية الاميركية والجغرافية السياسية في القرن الحادي والعشرين".
ويؤكد السياسي الستراتيجي الاميركي برجنسكي في كتابه الجديد (فرصة ثانية- ثلاثة رؤساء وازمة القوة العظمى الاميركية/آذار مارس/2007) ما تنبأ به الرئيس الشهيد عام 1991 وما أكدته وقائع المقاومة العراقية الفذة قائلا : " الانطباع الذي ساد العالم في مرحلة التسعينات بالتفوق العسكري الأمريكي وأوهام واشنطن بتفوقها العسكري واتساع نفوذها قد تحطمت على صخور الفشل في العراق".
وكتب المؤرخ الأميركي بول كنيدي في 12/10/2008 مقالا بعنوان "هل هذه نهاية العصر الأميركي؟".
وتحركت روسيا بثبات نحو استعادة موقع الدولة العظمى المنافس للولايات المتحدة الذي خسرته في عامي 1989-1990. فوجهت ضربة مهينة قاسية لعجرفة اميركا ومكانتها العالمية عندما الحقت نظام سكاشفيلي في جورجيا وهو واحد من اكثر الانظمة عمالة لأميركا هزيمة عسكرية مذلة.
وامعانا في تحدي العجرفة الاميركية التي مرغها ابطال ثورة العراق التحررية بالوحل، أستانفت روسيا بعد توقف دام نحو 18 عاما تسييراسطولها الحربي في المياه الدولية وتحليق قاذفاتها الستراتيجية في الاجواء الدولية، وقبالة السواحل الاميركية. كما نفذت مؤخرا مناورات بحرية قرب شواطىء فنزويلا أي في ما كانت اميركا تعده ساحتها الخلفية.
اما في اميركا اللاتينية نفسها فان هيبة اميركا قد تعرضت لاهتزاز غير مسبوق. وحسب ستيفن كنزر (الغارديان البريطانية 23/4/2998)فان "اميركا لشدة انهاكها في العراق لم يعد لديها الوقت ولا القوة ولا الرصيد السياسي للاجهاز على التحديات اليسارية المتزايدة لهيمنتها في اميركا اللاتينية والتي كانت قبل عقد من السنين تسارع الى قمعها بالقوة "، وتتمثل هذه التحديات بصعود عدة رؤساء يساريين مناهضين للولايات المتحدة الى مراكز السلطة وغلق قواعد اميركية وطرد سفراء اميركيين واسرائيليين.
وهكذا كان المساران العربي والدولي في السياسة الخارجية العراقية معبرين عن النهج الذي اعتمدته حكومة دولة العراق الوطنية في تأمين حقوق العراق ومصالح شعبه الوطنية العليا، وما هوجدير باحتلاله من مكانة مرموقة على الصعيدين العربي والدولي، حتى أصبح العراق المستقل ذو السيادة المتمسك بهويته القومية وانتمائه لأمته العربية محترما ومهابا وذا مكانة مرموقة بارزة في إقليمه وفي العالم رغم كل المصاعب والإعتداءات والعثرات والأخطاء التي تعرضت لها مسيرة العهد الوطني.
ويقارن العراقيون والكثير من العرب بين مكانة العراق على المستويين العربي والدولي وبين ما آلت اليه مكانة العراق اليوم على يد المحتلين وعملائهم من وضع مؤسف. ويلاحظ الفارق الهائل بين الحاتين القاصي والداني ويعترف به الخصوم قبل الإصدقاء.

ليست هناك تعليقات:

تنويه من المحرر

تنويه من المحرر
وجهات نظر موقع شخصي تماماً لا يمثل أي جهة أو حزب أو منظمة، ولا ينتمي إلا للعراق وأمته العربية والإسلامية، وهو محمي بالقانون وبميثاق الشرف الصحفي ولايسمح بإعادة النشر إلا بشرط ذكر المصدر.. الكتاب يتحملون مسؤولية مقالاتهم، والناشر غير مسؤول عنها..