في المقالة التالية، وهي من جزأين، يتحدث الأستاذ ضياء حسن، عن تجربة فريدة جمعته بالرئيس الشهيد صدام حسين، من خلال رسائل خاصة بعث بها إليه، رحمه الله، ومن خلال حرص الشهيد على التواصل اليومي والتفصيلي مع مواطنيه في كل أنحاء العراق.
انها مقالة مليئة بالجوانب الإنسانية الشفيفة، وهي جديرة حقاً بالقراءة.
لقاءات الشهيد القائد بمواطنيه، ماذا عنت وأي نسغ إنساني نسجت؟
ضياء حسن
ثمة حقائق كثيرة يمكن أن تحدثنا عن نسغ انساني فريد تمثل في علاقة المناضل صدام حسين مع المواطنيين في لقاءاته المباشرة بهم في أيام محددة من الأسبوع وبشكل منتظم، يستقبل فيها من يرغبون بلقائه، وتوضح لنا أي شريحة اجتماعية انتموا، وخصوصا المسحوقين منهم، أو بزياراته للأحياء الشعبية في بغداد والمحافظات ليبثه أبناء شعبه شكاواهم الخاصة والعامة .
ومن تردد في الحديث أو ترددن في ذلك لأي سبب كان يحرص على ان يشيع بينهم دفء الأجواء التي تحفزهم على الانطلاق في الحديث بكل صراحة، خصوصا وهم يدخلون عليه مجاميع وليس فرادى.
وحرصت أن أتعرف على المزيد من المعلومات عن طبيعة ما يدور في هذه اللقاءات, أهي مجرد استماع لمعاناة الناس أم للأبعد من ذلك ؟ وعلى الأخص أنني حظيت بأكثر من فرصة للالتقاء به بناء على طلبي لأحيطه بما عندي من ملاحظات بشأن قضايا مختلفة تتصل بالحزب وتصرف الرفاق أو بالدولة ومدى التزام المسؤولين فيها بمنهج الشفافية والعدل الذي كان، رحمه الله، يدعو لأن يسود في إدارتهم لشؤون الدولة ومعاملتهم للمواطنين بالتبسط ومن دون تجاوز على القوانين المرعية أو مراعاة لمدى قربهم من المسؤولين في الحزب والدولة .
وللتعرف على مزيد من التفاعل بين المتحدثين الذين يطرحون وجهات نظر وإن كانت نقدية وغير متفق عليها وأتت بتلقائية يتمناها صدام حسين المسؤول ويحرض عليها كمناضل، سعيت لأن أسأل عنها الرفيق الراحل صباح مرزا محمود الذي رافق القائد وهو نائب للرئيس أحمد حسن البكر رحمة الله على روحه، ثم وهو يتحمل المسؤولية الأولى في العراق.
وقد وجدت فيما سمعته من الصديق الرفيق أبي رنا أن الراحل كان يحس بكثير من الارتياح وهو يستقبل أعداد المواطنين التي تتكاثرمع الزمن، وكان لا يرتاح كلما تقاطع موعد لقائه مع نشاط رسمي مستعجل لا يمكنه تأجيله لضرورة وطنية أو لاستقبال ضيف عربي أو أجنبي ولا يهدأ له بال قبل أن يحدد للناس موعدا بديلا .
أما فيما يتعلق بما تسفر عنه تلك اللقاءات, فالاستجابة لمطالب الناس العادلة تحتل موقعا أثيرا في اهتمامات المناضل الراحل, ليس لأنها تعطيه فرصة رفع معاناتهم فقط، بل لأنها تعطيه الفرصة مضافة لأستنباط الأفكار التي تعين الدولة على معالجة الأخطاء التي تلحق بآخرين لم تسعفهم الفرصة في عرض مشاكل مماثلة أمامه، على المستوى الشخصي والعام .
لذلك ما أن تنتهي اللقاءات حتى تبدأ أخرى تنقل توجيهات القائد الى التنفيذ من قبل ديوان الرئاسة أو الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة، وذلك للاستجابة الفورية وبحسب الصلاحيات أو التحقيق بما يشكو منه المواطنون وبحدود سقف زمني لا يمكن التجاوز عليه, على أن تبلغ الرئاسة بنتائج الاستجابات .
كما كان الحزب مشمولاً بنفس السياق من التعامل مع الموضوعات التي يحيلها الرفيق القائد الى المسؤولين فيه لإتخاذ اللازم .
وكان، رحمه الله، يحرص كقائد ومناضل لأن يجعل من اللقاءات أرضية للتعرف مباشرة على الكفاءات العلمية والثقافية التي يزخر بها البلد، لإمكان دعوتها لاجتماعات وحوارات واسعة لاحقا، لها صلة باختصاصاتهم، بغية زجهم عمليا في مشاريع التنمية والبناء الحضاري في العراق .
تلك صورة من صور كثيرة مفعمة ومعمقة بالأبعاد الأنسانية التي جذرت علاقة القائد الحميمة باهله العراقيين وعمقت تلاحم الرفاق البعثيين بأبناء شعبهم العراقي على طريق النضال من أجل بناء عراق متماسك حر موحد, وكما قلت الصور كثيرة وجميلة وهي ساكنة وجداننا وسيأتي يوم تدوينها وعن قريب .
· رسائلي إليه حظيت بالاستجابة الا واحدة، حجبت!
في الحلقة الأولى أعطينا فكرة عامة عن طبيعة لقاءات القائد صدام حسين مع المواطنين كجزء من منهج سعى، رحمه الله، بحرص مخلص على أن يكون سبيلا لمعرفة معاناة أوسع شريحة من المواطنين، يستقبلهم القائد بانتظام، وتعينه على بلورة أفكار تعزز توجهات الدولة في هذا المجال أو ذاك , وتعمق دور الحزب في خدمة الجماهير، وهو منذور لها، وهذا ما جسدته وقفة الشهيد وهو يتقدم ليواجه الموت بلا تردد، بروح فارس أشعرنا بأنه منذور لأهله العراقيين والعرب وخصوصا الفلسطينيين.
وهكذا هو ديدن البعثيين والمناضلين في الحركة الوطنية العراقية وعموم حركة التحرر العربي، اؤلئك الشهداء الذين سقطوا صرعى برصاص الغدر العربي في عدد من أقطارنا التي شملت بجذام -الربيع العربي- المصدر الينا أميركيا بترويج من ثنائي بايدن –هيلاري, ومن سقط من أهلنا أبناء فلسطين شهيدة وشهيدا , شابة وشابا طفلة وطفلا شيخة وشيخا، من الذين قتلوا بأسلحة موت محمية بالفيتو الأميركي المعهود وبمعرفة وعلم من عرافة صنع قررات جامعة الدول العربية في الضد من أرادة الشعب العربي .
أعود لموضوع الرسائل التي لم يعرف عن مرسليها سوى الاسم والعنوان , وبعضا لا يعرف العنوان , فقد كانت تحظى باهتمام القائد وبالأخص اذا كانت تلقي ضوءا على قضايا تتصل بالناس ومعاناتهم أو التعريف بأخطأء مسؤولين في الحزب أوالدولة، فيدعو الى تصحيحها أولا وبالتوجيه لعدم الوقوع فيها ثانيا ومحاسبة من لا يتلافاها ثالثا .
ونظرا لأن عدد الرسائل كان كبيرا جدا والأفكار التي تتضمنها ليست قليلة وأحياناً ليس من السهل إيجازها , ولكن سيأتي يوم قادم يحفز كاتبيها على كتابتها ونشرها تعريفا للقراء بما تضمنته من اراء ومقترحات استرعت انتباه القائد، وحظي الكثير منها باستجابات كريمة منه.
ولكي أقدم للقارئ فكرة ومثالا عن نسغ التعامل الانساني الذي أولاه الراحل مع كل من حرص أن يوصل صوته، مقترحا تطويرا لظاهرة أو نقدا لحالات أو اجراءات أو تصرفات وقعت على الصعيدين الحزبي والرسمي، سأتحدث عن الرسائل التي أرسلتها أنا شخصيا للقائد، وكيف تعامل معها بكثير من الايجابية، مع ملاحظة أن غالبية رسائلي لم تطرح شأنا خاصا ولكنها طرحت أمورا عامة استرعت اهتمامه، رحمه الله.
وأيضا نظرا لكثرة عدد الرسائل مما يصعب عرضها جميعا فقد وجدت من المناسب عرض البعض منها بدءا من الأولى الى أخيرها وما بينهما من البعض الذي يتضمن دلالات ذات أهمية خاصة في سياق الحديث عن تعلق القائد للانصات لصوت المواطنين وهو يستقبلهم في مقر عمله أو يقرأه في رسائلهم إليه .
الرسالة الأولى يعود تأريخها الى بدايات السبعينات عندما كان الراحل نائبا للرئيس ونائبا لأمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي ومسوؤلا لمكتب الثقافة والاعلام القومي في الحزب، والرسالة تطرح رأيا حول طبيعة العمل الاعلامي العراقي، متسائلا عما إذا كان يعتمد خطة عمل محددة، أم لا؟
تصورت ان رسالتي ستحرجني أمام السيد النائب كونه المسؤول الأول عن العمل الاعلامي فكيف يقود عملا لا يستند الى خطة أو برنامج؟ وبعكس ما ظننت حدث, جاءتني إشارة من الرفيق ناصيف عواد مسؤول المكتب الصحفي للنائب، يدعوني للحضور الى مكتبه لمنافشة تتصل بموضوع رسالتي.
وفعلا ذهبت الى المكتب والتقيت الرفيق نا صيف عواد، فأبلغني بأن السيد النائب أبدى اهتماما برسالتي، وطلب ان أوضح له بشكل أوضح الأسباب التي دفعتني للاعتقاد بأن خطة العمل لا وجود لها، وطلب مني ان اكتب ما اريد ايضاحا تفصيليا لما اشرت له بشكل مقتضب .
قلت ان ما لاحظته من اجواء متقاطعة بين العاملين في المؤسسات الاعلامية ووزاره الاعلام أوحى لي بأن هؤلاء جميعا يمثلون الاداة المنفذة للعمل الاعلامي بابداع و قدرة على التاثير في الجمهور المتلقي لما تريد ايصاله الخطة الاعلامية من حقائق لما يجري في الوطن من جهد ينهض بالعراق ويوصله الى مرتبة متقدمة بين الشعوب والامم اولا و التأثير في مواجهة التحديات، ومعالجة ما يثيره الاعلام المضاد الذي يعمل بالضد من الثورة وبهدف التضليل على مواقفها التي تخدم العراقي و شعبة حاضرا ومستقبلا أي ان يكون تأثيره مبددا ما يطلقه الاعلام المضاد من افتراءات واكاذيب القصد منها الاساءة للعراق و منجزات ثورته العظيمة.
مع ملاحظة ان الجهد الاعلامي المعادي منظم وموحد الخطى رغم تعدد مصادره، في حين يبدو ان فعل الاعلام العراقي يسوده البطء في المبادرة وعدم تنسيق الخطى بين مؤسساته التي بدت متفرقة ولا يجمعها تنسيق في خدمة تفعيل الجهد الاعلامي لمواجهة حجم الفعل الاعلامي المضاد.
وقد بنيت تصوري على احتمالين اما ان يكون عمل اعلامنا مستندا في منهجه على ردود الافعال او ان تكون ادواته تسبح في جو من الاختناقات والتقاطعات مما يضعف قدرته على تنفيذ الخطة الموضوعة بشكل سليم مؤثر بين الناس المتلقين في الداخل والخارج، او ان لا تكون هناك خطة اعلامية البتة.
وكما هو معروف ان اي خطة اعلامية موكول نجاحها بما يتوفر لها من ادوات بشرية واعية وقادرة على الابتكار والابداع.
وبعد ان سلمت التفاصيل الموسعة للرفيق ناصيف عواد، تلقيت منه ما يشير الى اطلاع الرفيق صدام حسين على ما كتبته و طلب اليه ان يبلغني امتنانه لما اوردته من ملاحظات صريحة .
وهذا يثبت حرص الرفيق الراحل على الاستماع لأي رأي هادف يعزز اي خطوة تخطوها الدولة وان كانت تحمل اشارات نقدية.
اما رسالتي الاخيرة والتي جاءت بعد اكثر من 20 عاما عن الاولى وان كان بين الرسالتين الكثير من الرسائل التي تحمل ملاحظات حول قضايا تتصل بالفعل الرسمي و الحزبي وكانت تلقى قبولا واستجابة لكل مقترح يصب في تصويب عمل هذه المؤسسة او تلك المنظمة المتصلة بالعمل الحزبي.
ونظرا لأن عدد الرسائل كبيرا فالمجال لا يتسع للمرور عليها الان واكتفي بالحديث عن الرسالة الاخيرة، كما قلت.
فقد كتبت له مؤشرا توقعي لحدث ما يتصل بالقائد نفسه و بادرت لتحذيره من وقوع هذا الحدث, ولاهمية ما توقعته آثرت ان اوصل الرسالة بسرعة والى اقرب من يمكنه تسليمها الى القائد مباشرة.
غير انني فوجئت بأن أي رد لم يردني من الراحل صدام حسين فتصورت ربما انا بالغت في توقعي لما مرَّ بي من تفاصيل وجدت فيها ما يوحي بأن حدثاً ما سيلم بالقائد , لذلك لم يجد القائد مبرراً لان يلتفت لتحذير مني حول ذلك, وهو امر طبيعي فهو اعرف مني بما يدور في الدولة او الحزب .
وشاءت الصدف ان يقع ما حذرت منه فاصابتني الدهشة وتساءلت هل عتم على رسالتي ومن هذا الذي عتم عليها ؟
وبعد ذلك بوقت ليس طويلا كنت ازور رفيقا كان عضوا سابقا في قيادة قطر العراق للحزب وفاجأني بسؤال يقول فيه: رفيق ضياء ما هي علاقتك بالرفيق (فلان) عضو القيادة القطرية فأجبته بأن علاقتي به طبيعية وقديمة، وسألته بدوري عن مبرر سؤاله فأجاب: لاحظت خلال عملي في القيادة أن الرفيق المذكور كان يتقصد ان يثير حولك الكثير من الملاحظات السلبية بطريقة مفتعلة ولم تكن تلقى أي اهتمام من القيادة والقائد صدام حسين الذي كان يحرص أن لا تعرض قضايا تخص أي شخص سواء كان حزبيا أم غير حزبي واذا كانت لدى اي رفيق في القيادة ملاحظات حول أي شخص فتقدم بمذكرة ضافية ومبررة بشواهد فيها ما يؤكد التجاوز على القوانين وعلى سلامة البلد.
ولاحظت إن من كان يريد الايقاع بي هو نفسه الذي حجب رسالتي عن القائد وهذا ما اكتشفته في مناسبة تالية كنت التقي فيها القائد لأحيطه علما بملاحظات لي حول المنهاج الثقافي للحزب الذي وجدته يراوح عند موضوعات لا اقول انها غير مهمة ولكنها لم تكن مستوعبة للتطورات الفكرية التي شهدتها حركة النضال البعثي خصوصا، والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدها العراق والوطن العربي وايضا المتغيرات الفكرية لقوى التحرر العربي والانساني .
وبهذه المناسبة سألت القائد بشكل عابر ما اذا كان تسلم رسالة مني قبل فترة تشير الى تصوري لآخر مستجدات الوضع في العراق، دون ان اذكر التفاصيل، فقال لي القائد، لم اتسلم منك أي رزسالة منذ فترة, فسكت لكي لا اطرح ما قد يزعج الرفيق العزيز، رحمه الله
وعبر هذا الحدث لاحظت أن القائد بقدر ما هو حريص على ان يكتشف ما في الصدور بقدر ما يتعرض للاذى من اقرب من هم حوله , وكذلك شعرت ان اهتمامه بالرسائل التي يتسلمها كان منطقيا و يتيح له ذلك ان يحتوي كل رذاذ يؤذي التجربة ويخل بسلامة النظام الوطني الذي ازعجت انجازاته دولا كثيرة ليست جارة فقط بل تمثل القوى المعادية للشعوب والتي اقدمت قيادة على تقليم اظافرها في العراق واستعاد منها ثروات البلاد التي ظلت مهدورة ومستلبة من قبل الاحتكارات النفطية العالمية.
وكما قلت كثيرة هي رسائلي الى القائد فيها ما يحيي المنجزات وفيها ما يطرح مقترحات تلقي الضوء على هنات هنا وهناك في عمل المؤسسات الرسمية.
واذا كان لي ان اشير الى شيء ايجابي ملفت للنظر فيطيب لي أن اشير الى مبادرات القائد الى ان يشكل حضورا بين اهله العراقيين فيزورهم في بيوتهم وقراهم و مدنهم من المناطق الجبلية الى الاراضي المنسابة وحتى الاهوار ليطلع على احوال المواطنين في تلك المناطق ولكي يهيء الفرصة للنهوض بها من خلال تنفيذ خطط التنمية وقد حقق ذلك فعلا، فلم تعد هناك منطقة الا وزارها أو شملها بخطط الدولة للنهوض بواقعها المعاشي والعمراني .
ولعل ما وضعه من منهج لربط جميع مناطق العراق بشبكة من الطرق الحديثة الرابطة للجبل بالسهل وبالهور وتغطية جميع المناطق بكل مستلزمات الصحة والتعليم والسكن المريح رافعا عن كاهل المواطنين معاناة لم يلتفت اليها قبل قيام ثورة السابع عشر من تموز عام 1968.
ولا شك انه تعرف عبر لقائاته بالمواطنين الذين استقبلهم والذين زارهم والذين تلقى منهم رسائل تسهب في شرح معاناتهم فكانت استجابته متوافقة مع كل ما ورد منهم من اذى ومعاناة .
عاش العراق وشعبه .
عاش وفاء الشعب لقائده الشهيد صدام حسين .
ولتخلد ذكرى وقفة شموخ القائد الراحل في مواجهة جريمة اغتياله بثبات وشجاعة ارعبت اعداء الشعب والامة .
ونصر شعبنا على اعدائه قادم من دون ريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق