مهمه هذه المقالة، التي وصلتني من كاتبها عبر بريدي الإلكتروني، ولكننا مع التأكيد على أهميتها نثبت عليها أربع ملاحظات أساسية:
الأولى: لم يكن في العراق منذ نشوء دولته المعاصرة اختلال في تولي المسؤوليات بين أبناء الشعب، فلم تكن هناك رغبة في الإقصاء والتهميش والاجتثاث، إذ كان الجميع، وأؤكد الجميع، يعمل في إطار المنظومة الوطنية العراقية، في الدولة أو الحزب، والمقصود حزب البعث العربي الاشتراكي، في ضوء ماعشناه وماتؤكده الوقائع على الأرض، والتي يعرفها السيد كاتب المقال جيداً.
الأولى: لم يكن في العراق منذ نشوء دولته المعاصرة اختلال في تولي المسؤوليات بين أبناء الشعب، فلم تكن هناك رغبة في الإقصاء والتهميش والاجتثاث، إذ كان الجميع، وأؤكد الجميع، يعمل في إطار المنظومة الوطنية العراقية، في الدولة أو الحزب، والمقصود حزب البعث العربي الاشتراكي، في ضوء ماعشناه وماتؤكده الوقائع على الأرض، والتي يعرفها السيد كاتب المقال جيداً.
الثانية: أن مشروع المصالحة الوطنية الذي تدعو هذه المقالة إليه، ينبغي أن يستبعد كلياً، كل الجهات التي وقفت مع المحتل قبل غزو العراق وتلك التي عملت على توطيد أركان مشروعه بعد الاحتلال، وأن يكون القاسم المشترك الأكر بين كل العراقيين، مقياس النظر إلى ماحصل في 9أبريل/ نيسان 2003، وهل هو تحرير أم احتلال وغزو.
الثالثة: إن هزيمة القوات الأميركية النظامية لم تنه الحرب، فإذا كانت معركتنا مع الجيش الأميركي النظامي انتهت، فإن معركتنا مع مشروعه وحلفائه وشركاته الأمنية وميليشياته لم تنته.
الرابعة: إن حقوق ملايين العراقيين، الشهداء والجرحى والمغيّبين والمهجَّرين والمستولى على خيراتهم، لن تسقط بالتقادم.
إن هذه الملاحظات تستحق التأكيد عليها، بل تثبيتها قبل قراءة هذه المقالة وبعدها.
ان هذه الملاحظت، وتحديداً الثانية والثالثة والرابعة، لايجوز الالتفاف عليها او التنازل عنها او القفز المقصود من فوقها وتجاهلها، انها حجر الزاوية في كل مشروع سياسي مستقبلي في العراق وعماد كل خطة لإنقاذ العراق أو تصحيح ماحصل فيه، وهو ليس مجرد اختلال، بل مشروعٌ إجراميٌ مقصودٌ، ساهمت في التخطيط له وتمويله وتنفيذه دول وجماعات وأحزاب إرهابية، يعرفها السيد الكاتب جيداً.
مصطفى
..........
العراق، من مقاومة الاحتلال إلى معالجة الاختلال
معن بشور*
ما من عربي أو مسلم أو حرّ في هذا العالم إلاّ ويشعر بالاعتزاز وهو يرى قوات الاحتلال الأمريكي تخرج مدحورة من أرض العراق بعد ما يقارب السنوات التسع على احتلال شهد معه العراق أبشع حروب الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتعذيب الوحشي، والتدمير الخطير للدولة ومؤسساتها، وللمجتمع ومكوناته، وللتراث الحضاري العراقي ومتاحفه، وللموارد الطبيعية العراقية وثرواتها.
لا بل ما من عربي أو مسلم أو حرّ في هذا العالم، لا سيّما الذين وقفوا بثبات مع العراق في وجه الحصار والعدوان والاحتلال على مدى عشرين عاماً غير هيابين من كل ما لحق بهم من مضايقات وملاحقات واتهامات، إلاّ وتغمره الثقة بالأمة وهو يرى أن رهانه على الشعب العراقي ومقاومته الباسلة كان في محله، وان هذه المقاومة قد تجاوزت كل ما نصب لها من أفخاخ فتنويه، وتعرضت له من تشويهات فئوية، وباتت خيار الشعب العراقي بكل مكوناته الرئيسية، وهدفاً يتلاقى حوله أحرار العراق والأمة والعالم بعيداً عن كل محاولات التشكيك والتشويه.
كما انه ما من عربي أو مسلم أو حرّ في هذا العالم إلاّ ويشعر بالرضى وهو يرى ان التضحيات الضخمة التي قدمها العراقيون، شعباً ومجاهدين وعسكريين وقادة ورئيساً، في سبيل تحرير بلدهم لم تذهب سدى، بل أنهم بهذه التضحيات قد أسهموا في إسقاط أعظم طواغيت العالم وكشفوا عمق أزماته على كل صعيد، وفضحوا ادعاءاته على كل مستوى، فكانت هزيمته الأخلاقية أفظع من هزيمته العسكرية، وهزيمته الاقتصادية أوجع من هزيمته السياسية، وهزيمته الإستراتيجية اشد من هزائمه التكتيكية.
لكن مع ذلك يبقى القلق مواكباً للاعتزاز بالنصر، والخشية مرافقة للابتهاج بهزيمة الاحتلال، ويبقى السؤال الكبير مطروحاً: لقد خرج الاحتلال.. فمتى تخرج مفاعيله أو مشاريعه أو الوقائع التي فرضها على الشعب العراقي.
فالاحتلال لم يكن مجرد جيوش تجثم فوق أرض العراق الطاهرة، أو دبابات ومدرعات وحاملات جند تجوب شوارع مدنه وأحياء بلداته وقراه، أو حتى قواعد عسكرية موزعة على امتداد العراق، بما فيها تلك القاعدة الكبرى في المنطقة الخضراء من العراق واسمها الحركي : السفارة الأمريكية.
الاحتلال الأنكلو – أمريكي، والصهيو – أطلسي في العراق حمل معه مشروعاً متكاملاً للعراق والمنطقة بأسرها، بل أن هذا المشروع هو الذي حمله بجيوشه وقواته إلى بلاد الرافدين.
ومشروع الاحتلال في العراق، كما في كل دول المنطقة، هو تعزيز الاختلال وتعميقه في المجتمع والدولة، في السياسة والإدارة، في الاقتصاد والثقافة، بل في كل مناحي الحياة العراقية وسياساتها الداخلية والخارجية.
الاختلال في العراق كان موجوداً بالطبع قبل الاحتلال، بل منذ ولادة الكيان العراقي، وكانت مهمة أعداء العراق جميعاً تعميقه وتغذيته بكل الوسائل، مستغلين دون شك تربة خصبة هيأها منطق الإقصاء والاستئثار والتعصب العرقي والطائفي والفئوي على مدى عقود ، لكن الاختلال بعد احتلال العراق أخذ شكلاً مؤسساتياً ودستورياً وقانونياً وواقعياً على الأرض بحيث أدى إلى تشظِ لا قعر له، والى فلتان لا رادع يحّده، والى فوضى لا قدرة على ضبطها، والى صراعات تتوالد كالفطر بين حاكمين ومعارضين، وبين الحاكمين أنفسهم، والى محاصصات عرقية وطائفية ومذهبية أقامت حواجز بين مكونات المجتمع العراقي، وأشعلت نيراناً داخل كل مكوّن فيه.
وإذا كانت اللغة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال هي لغة المقاومة، بكل أشكالها ومستوياتها، فان الوسيلة الأمثل لمعالجة الاختلال تكمن في ثلاثية المصالحة والمراجعة والمشاركة.
فالعراقيون مدعوون اليوم، وقد خرجت قوات الاحتلال، إلى تتويج انتصارهم على العدو بانتصار على الذات، أي على نهج الإقصاء والتناحر والتنابذ والانقسام والانفصال، وصولاً إلى الاحتراب، فما من أحد، داخل العراق وخارجه، يستطيع أن يتجاهل قوى أساسية داخل المجتمع العراقي، أو يسعى إلى عزلها، أو ملاحقة مناضيلها ومجاهديها، كما لا تستطيع جهة عراقية أن تتجاوز أهمية مراجعتها لتجربتها الذاتية بعيداً عن شروط احد عليها، فالمراجعة هنا هي شرط كل جهة على نفسها قبل أن تكون شرط أحد عليها.
ونقطة البداية في معالجة الاحتلال تكمن في مصالحة وطنية شاملة لا تستثني إلا من يستثني نفسه، ترتكز على حوار سياسي شفاف، وعلى حكومة اتحاد وطني تشارك فيها شخصيات موثوقة وقوى فاعلة في المجتمع العراقي لأن مهمات النهوض بالعراق لا يمكن أن تقوم بها فئة واحدة أو تيار واحد بل هي بحاجة لكل العراقيين، بل مصالحة تعززها إجراءات فورية كإطلاق سراح كافة الأسرى والمعتقلين، العراقيين والعرب، بعد ان خرجت قوات الاحتلال التي اعتقلتهم لدورهم في المقاومة، وفي اتخاذ اجراءات تضمن عودة كل مبعد أو منفي عن العراق لموقفه من الاحتلال وبينهم رموز وقادة معروفون بمواقفهم المبدئية السليمة.
أما مهمة حكومة الاتحاد الوطني، أو الإنقاذ الوطني، فتنحصر أساساً بالتحضير لانتخاب جمعية "تأسيسية" حرّة، بعيداً عن حراب الاحتلال ومنطق المحاصصة الطائفية والمذهبية، تسعى لوضع دستور جديد للعراق يتجاوز الدستور الحالي المليء بالثغرات والذي جاءت به واشنطن حيث جرى إعداد مسودة دستور عراق ما بعد الاحتلال "وتصديره" إلى بغداد.
قد لا تُعجب هذه الأفكار أصحاب الرؤوس الحامية في هذا الفريق أو ذاك، وقد تنهال عليها الاتهامات المتناقضة من هذه الجهة أو تلك، لكنها أفكار نضعها برسم الشعب العراقي بكل قواه ونخبه وشخصياته الفاعلة، لأننا نجد فيها وسائل وآليات لتحصين الانتصار على الاحتلال، ولمنع أي شكل من أشكال الاختراقات للأمن الوطني والقومي للعراق، ولإغلاق كل ثغرة تنفذ منها قوى التدخل الخارجي، دولية كانت أم إقليمية أم عربية.
وفي جميع الأحوال، فإننا على ثقة بأن شعب العراق الذي انتصر على الاحتلال قادر على الانتصار على الاختلال ليخرج العراق عربياً ديمقراطياً مستقلاً موحداً.
=========
* رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق